شبكة ذي قار
عـاجـل










الإيمان والإرادة لدى المقاومة

الدكتور غالب الفريجات

عضو مكتب الإعلام والثقافة / حزب البعث العربي الاشتراكي الأردني

 

إن أي حركة مقاومة في وجه المحتل لكي تحقق أهدافها الوطنية التحريرية لابد وان تتسم بالإيمان القاطع بأهداف التحرير منذ اليوم الأول لمعركتها ضد العدو المحتل لأرض الوطن، وأن يملك أفرادها وبشكل خاص قادة المقاومة على امتلاك إرادة التحرير، وبدون الإيمان والإرادة فإن المقاومة ستتعثر في وسط الطريق، ولن تتمكن من إنجاز أهدفها، وستخلق حالة سلبية في صفوف أبناء الشعب الذي يتطلع إليها كمنقذة له من براثن الاحتلال، والخلاص من ويلاته وجرائمه التي يمارسها في حق عموم المواطنين.

لا أخال أن قادة الاحتلال الذين يستعجلون الحلول السياسية أن التحرير كان واضحاً في نواياهم، بل كانت المكاسب السياسية على حساب أهداف التحرير، وهو ما نراه في البعض من حركات المقاومة على الساحة الأرضية في العالم، ولهذا كانت ألاعيب المحتل قد تمكنت من تفريغ هؤلاء المتسرعين للحلول السياسية من أهداف  الانطلاقة التحريرية، واستطاعت قوى الردة من الهيمنة على صناعة القرار، وضاعت مسيرة التضحيات التي قدمها المقاومون دون وعي منهم أن قادتهم قد وقعوا فيما رسمه لهم المحتل بإغرائهم بالحلول السلمية، التي تسلبهم أهداف التحرير وكنس الاحتلال.

أوسلو وكل ما سبقها من محادثات مع العدو، وبعض وكلائه كانت نموذجاً لضياع مسيرة طويلة من التضحية والنضال، وكما إنني أرى أن الإصرار على عزل النضال الوطني الفلسطيني عن حاضنته القومية بالإصرار على أن منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني دون تحديد طبيعة هذا التمثيل وحدوده  إلا بداية الابتعاد عن إمكانية تحرير فلسطين، وأن كل الأهداف التحريرية التي تم الإعلان عنها بعيداً عن فهم أن الصراع عربي صهيوني وليس فلسطيني "اسرائيلي" هي واحدة من أكبر الطرق التي أدت لعمليات التخلي عن هدف التحرير الكامل للتراب الوطني الفلسطيني من البحر إلى النهر ، وهو الشعار الذي يجب أن يكون الشعار المركزي في التحرير من خلال الصراع العربي الصهيوني، باعتبار أن الخطر الصهيوني خطر على الأمة، وما احتلال فلسطين إلا نقطة ارتكاز لانطلاقة المشروع الصهيوني التوسعي في الوطن العربي.

في انطلاقة طوفان الأقصى أجزم أن الإيمان مطلق بالتحرير الكامل كان واضحاً في أذهان قادة المقاومة، َوأن إرادة التحرير كانت جلية لدى قادة المقاومة، فالإيمان والإرادة لدى القادة تؤكد أن مرحلة أوسلو كانت ومازالت جزء من انتكاسة في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني حد الخيانة لتضحيات المقاتلين والشهداء، الذين سقطوا على طريق التحرير، بوعي وفهم أنهم يقاتلون لتحرير الأرض والإنسان الفلسطيني، وليس لتحقيق مكاسب سياسية فاشلة تستجدي الاحتلال، لا بل وتعمل على التنسيق الأمني معه، وتتنازل له عن ثمانين بالمئة تقريباً من الوطن، ولا تحرك ساكناً مع استمرارية قضمه لتراب الوطن والتنكيل بأبنائه.

قادة المقاومة اليوم وبشكل خاص في القطاع أكثر وضوحاً في تحديد أهدافهم، وقد تمكنوا أن يغيروا معادلة المقاومة، فمرحلة ما بعد طوفان الأقصى تختلف جذرياً عن مرحلة ما قبلها، فقد أعطت الفلسطيني والعربي الأمل في إمكانية أن يكون التحرير الكامل بمتناول اليد، وأن انطلاقة طوفان الأقصى بمثابة الرصاصة الأولى في معركة التحرير الشامل، فليس هناك تحرير بمعزل عن زوال الكيان الصهيوني وكل مخلفاته على الأرض ، وعلى النضال العربي أن يسارع في توفير كل الظروف التي تجعل منه طرفاً فاعلاً في حركة التحرير على اعتبار أن النضال الوطني الفلسطيني بكل أشكاله على الأرض هو رأس حربة النضال العربي ضد الوجود الصهيوني.

صراعنا مع العدو صراع عربي صهيوني، بالإيمان والإرادة نمتلك القدرة في إنجاز التحرير الشامل، فلا تلتفتوا للحلول السلمية، فما من حركة نضال ضد المستعمر قد حققت أهدافها بدون فوهة البندقية، والعدو هش وثبت مستوي قدرته في طوفان الأقصى أمام فصيل مقاوم، فكيف به أمام قدرات الأمة؟

 






الجمعة ٥ رمضــان ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أذار / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.