شبكة ذي قار
عـاجـل










مسرحية المُسيَّرات.. وماذا بعد؟!

 

• سعد الرشيد

 

 

لا يخفى على عاقل، بأنّ إيران والكيان الصهيوني، وجهان لعُملة واحدة، وكلاهما يستهدفان العرب كأُمّة، مهما بدا على السطح بينهما من مهاترات وخلاف مزعوم، تبقى مصالحهما المشتركة هي تفتيت أمة العرب والحيلولة دون نهوضها وتوحّدها وتحرّرها، لذلك نرى دائمًا هنالك تناغم فارسي صهيوني على الساحة العربية لتحقيق ذلك المشروع الاستيطاني الكبير بتهجير أهل الأرض الأصليين منها ثم الاستيلاء عليها، والأمثلة كثيرة.

وإذا أردنا استعراض نبذة قصيرة عن التناغم الفارسي الصهيوني باستهداف الأمّة، فحتمًا لا ننسى كيف أشغلتنا إيران بحرب طويلة الأمد على الجبهة الشرقية للأمة لاستنزاف قدراتنا العسكرية والاقتصادية، ليستغل الكيان الصهيوني ذلك ويقوم باستهداف مفاعلنا النووي تموز ويدمره، ناهيك عن فضيحة إيران-غيت أو ما يعرف أيضًا باسم إيران كونترا، والتي تكشف وبما لا يقبل الشك عن تعاونهما الاستراتيجي باستهداف الأمّة ومن الذي كان يدعم إيران ويحركها ضد العراق في الثمانينيات. ثم لا ننسى كيف طالتنا أيادي الغدر الإيراني في التسعينيات خلال صفحات أم المعارك الخالدة لضرب أمننا القومي من الداخل بعمليات قتل وتخريب لمؤسسات الدولة في عدة محافظات ومدن عراقية. ولا يملك ذرة من عقل من يظن أن ذلك لم يكن باتفاق مشترك بين أمريكا والكيان الصهيوني من جهة، وإيران من جهة، فأمريكا ومن معها يقصفون جوًا، تشاركها أذرع إيران برًا بتسللها للداخل العراقي وضرب أمنه واستقراره!

السيناريو ذاته تكرر في عملية غزو واحتلال العراق عام ٢٠٠٣، أمريكا تحتل العراق ثم تسلمه على طبق من ذهب لإيران وذيولها، وتمارس إيران في العراق اليوم نفس الفعل الاستيطاني الذي يقوم به الكيان الصهيوني في فلسطين، فعمليات التغيير الديموغرافي جارية على قدم وساق، وسياسة التفريس طالت أغلب المدن والمحافظات العراقية، بل وبدأت باستقطاع مناطق كاملة في مدن النجف وكربلاء

وسامراء يسكنها إيرانيون فقط، مع تثبيت ملكيتهم لها في الطابو، عملية شبيهة بإنشاء المستوطنات، هذه المناطق الإيرانية المغلقة لا ينقطع عنها التيار الكهربائي مطلقًا، بل ومُجهزة بكل الخدمات التي يفتقر لها المواطن العراقي، ومع تقادم الزمن سيتم تجنيس هؤلاء، إن لم يتم تجنيسهم بعد، وستتمدد حتمًا (مستوطناتهم) ويُهجَّرُ أهل الأرض!

لا نخطئ أبدًا في أدبياتنا حينما نطلق على إيران مصطلح (اسرائيل الشرقية)، باعتبار أن الكيان الصهيوني هو (اسرائيل الغربية).. فكلاهما يتشاركان ذات الأطماع التوسعية على حساب أمتنا العربية، إذ إنّ عدوهما الأزلي المشترك هم العرب، وذلك يعود لأحقاد تاريخية دفينة في صدورهما تجاه أمة العرب، وما مسرحية المُسيّرات الإيرانية التي استهدفت (اسرائيل)، إلا أمرٌ دُبِّر بليل، الغاية منه استهداف العرب، إذ إنّ الكيان الصهيوني سيُفرغ جام غضبه، ليس على إيران، بل على غزّة وشعبنا المقاوم في فلسطين، وعلى باقي الدول العربية التي باركت وشجّعت هذه العملية الإيرانية، وبالمقابل سترد إيران باستهداف مدن عراقية كأربيل تحت ذريعة وجود الموساد الاسرائيلي فيها، وباستهداف الدول العربية التي منعت أن تخترق المُسيّرات اجوائها كالأردن.. كلاهما سيضربان العرب كما يفعلان دائمًا.. بل إنّ من أهم النتائج الخبيثة لتلك المسرحية هي استعادة الكيان الصهيوني لتعاطف المجتمع الدولي معه، بعد أن كان قد انقلب عليه مؤخرًا بسبب جرائمه الأخيرة في غزة وحملات الإبادة الجماعية التي يقوم بها بحق شعبنا العربي في فلسطين، وفي المقابل يراد التسويق لإيران بأنها صادقة في عدائها للكيان الصهيوني بغرض رفع مستوى شعبيتها في المجتمع العربي الذي تغلبه العاطفة مع القضية الفلسطينية، فيسهل التغرير به بمثل هذه المسرحيات ليقع ضحية الخداع الإيراني.. المُحصّلة أن (اسرائيل الغربية) استعادت دعم المجتمع الدولي لها، و(اسرائيل الشرقية) تمكّنت من الضحك على بعض العقول المُغرّر بها واكتساب تعاطف البعض من المجتمع الشعبي العربي، باعتبارها الوحيدة التي تجرأت على استهداف الكيان الصهيوني بعد القائد الشهيد الخالد صدام حسين رحمه الله.! والضحية هم العرب إن لم يصحوا ويتدبروا ويعودوا إلى عروبتهم الحقّة.






الثلاثاء ٧ شــوال ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / نيســان / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب سعد الرشيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.