شبكة ذي قار
عـاجـل










 

تقسيم العراق ورسم سايكس بيكو جديدة

 

 

التقارير الرسمية وغير الرسمية التي كانت تصدر عن الأمريكان قبل أحداث الحادي عشر من ايلول كانت جميعها تؤكد لمتتبعيها قلقهم الكبير من الفكر الاسلامي العروبي الرافض للهيمنة الأمريكية والداعين للتصدي لها، والتي كان يَرِدُ فيها ذكر دولة الخلافة العربية الإسلامية؛ ولم يكن غائباً عن بال أحد أن دولة الخلافة العربية الإسلامية ازدهرت في العراق وانتهت فيه؛ وبغداد بالنسبة للعرب والمسلمين هي عاصمة الخلافة ومركز إشعاعها, كما ان شعار حزب البعث العربي الاشتراكي, ((امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)), هو تجسيد لهذا الفكر الذي كان يؤرق الأمريكان وكذلك الصهاينة وتجعلهم يستشعرون خطورة الدولة العربية الإسلامية الموحدة؛ ولذا فإنهم استبقوا الأمر، واتخذوا قرارهم مباشرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالقضاء على العراق بكيانه التاريخي المعروف تماماً؛ بحيث يجب تحويله إلى كيان آخر غير الذي كان عليه؛ لأنهم على قناعة بأن هذا البلد يشكل خطراً عليهم باعتباره يمثل الثقل الأساسي للأمة العربية والإسلامية ودولتها التي حكمت نصف الكرة الأرضية، وهو الأمر الذي لم يتسنَّ لكل الإمبراطوريات في التاريخ. وكان لا بد لهذا الهدف من محتوى اقتصادي يحقق لهم أسس الهيمنة على العالم وهو المال الذي يمنح القوة والديمومة للتفرد الأمريكي. فقبل ثلاثة أعوام من الغزو ذكر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق (هارولد براون) وهو يدلي بشهادته أمام الكونجرس أن التراجع المتنامي لتأمين مصادر الطاقة يمثل أكبر تهديد لأمن الولايات المتحدة على المدى البعيد.

 

وكذلك فإن جميع الساسة الأمريكان يركزون على أمر النفط، وقد قالها صراحة الرئيس الأمريكي السابق (جيمي كارتر) في آخر خطاب له حينما كان رئيساً ((... بأن أي محاولة تقوم بها قوى خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي ستعتبر تحدياً للمصالح الحيوية للولايات المتحدة، وتستلزم مواجهتها بكافة الوسائل بما في ذلك القوة العسكرية...)), وعليه فإن المسألة هي سياسية واقتصادية في آن واحد؛ حيث إن الإدارة الأمريكية تتوفر على معلومات تفصيلية عن النفط العراقي وأهميته، ولذا فإن مخططي الحرب الأمريكيين ركزوا على أهمية السيطرة على حقول النفط العراقي في الشمال بكركوك والجنوب في الرميلة بأي ثمن؛ لأنهما يضخان ثلاثة أرباع الإنتاج الحالي من النفط العراقي؛ ومثل هذا الهدف يتطلب تقسيم العراق بأي شكل من الأشكال. وهكذا فإن أهداف احتلال العراق لا يمكن أن تدانيها أي اهداف أخرى من ناحية الجدوى الاقتصادية والاستراتيجية. فلنتصور مدى خطورة الأمر, تدمير دولة لأهمية دورها التاريخي وخطورته في نهضة الأمتين العربية والإسلامية، وتأثير ذلك على العالم وعلى الإنسانية، وكذلك الاستحواذ على ثرواتها النفطية المهمة للاقتصاد الأمريكي وفي تعزيز الهيمنة الأمريكية على العالم وديمومتها.

 

إن تحقيق مثل هذه الأهداف الحيوية ليس من السهولة بمكان؛ فلا بد أن تكون صفحاتها عديدة ومتنوعة، ولا بد أن يتم إنجازها حتى لو كان الثمن ذبح نصف الشعب العراقي وتدميره وتمزيقه؛ فهم عاقدون العزم عليها بعد أن أضحت السبيل الوحيد الآن لإنجاز مشروعهم المتهاوي تحت ضربات المقاومة العراقية الباسلة والرفض الشعبي الكبير للاحتلال والفضائح المتوالية التي كشفت حقيقته وأهدافه وممارساته التي أصابت أيضاً المجتمع الدولي بالصدمة والشلل، وجعلته عاجزاً عن إصلاح هذا الخطأ الكبير والجريمة التي ترتكب بحق العراق وشعبه؛ ولذا فإن الإدارة الأمريكية تعتبر مسألة الدستور وإتمام ما يسمى بالعملية السياسية المزعومة مخرجاً مهماً لها ولما تقوم به في العراق الآن أو لاحقاً؛ إذ إن المهم لديها هو أن تنهي صفة الاحتلال عن وجودها على أرض العراق ومسألة التحكم بمصيره ومقدراته وارتهان سيادته، وتُظهر للعالم أن العلاقة القائمة بينها وبين أتباعها العملاء الذين نصبتهم في العراق هي علاقة مع دولة فيها حكومة ذات صفة ذات سيادة لكونها حكومة دستورية, خصوصا وانه تم عقد اتفاقية امنية بين الامريكان والحكومة المنصبة من قبل الامريكان, وبهذا تسقط كل المبررات والحجج والاتهامات التي تقيد استفرادها بالعراق؛ لأنها في هذه الحال ستكتسب صفة دولة تتعامل مع دولة دستورية صديقة طبقاً لاتفاقيات ومعاهدات ثنائية ووفقاً لمصالح الدولتين، بما لا يجعل مجالاً للشرعية التي تحكمها القوانين والمعاهدات الدولية المطالبة باتخاذ إجراءات ضدها أو ملاحقتها عن أي جرائم أو أفعال أو الاعتراض عليها أو حتى انتقادها؛ هذا من جهة. ومن جهة أخرى هو لتركيع الشعب العراقي وإخضاعه لإرادتها عبر أعوانها باسم الدستور والشرعية الوهمية القائمة على فكرة الإيغال بتمزيق وحدته وكيانه التاريخي المعروف، بالاشتراك مع عملائها الذين تعاونوا معها على الغزو والاحتلال، وأصبحوا على رأس السلطة في العراق، وكذلك بالتعاون مع أطراف انتهازية أخرى ظهرت مؤخراً داخل العراق؛ بالإضافة إلى عدد من دول الجوار في مقدمتها إيران؛ فالجميع باتوا يعملون على تمزيق هذا البلد باعتباره الحل الأمثل للمضي في السيطرة عليه وإنهائه.

 

فدعوة المقبور عبد العزيز الحكيم الطبطبائي في 11 آب 2005 في خطابه بمدينة النجف للمطالبة بإقامة إقليم فيدرالي لجنوب ووسط العراق لم تكن محض مصادفة أو وليدة رغبة متفردة للتجمع الطائفي الذي يتزعمه؛ وإنما هي في صلب الموضوع لتحقيق الأهداف المتشابكة للتحالف الأمريكي الصهيوني المتناغم مع أحلام الفرس وأطماعهم.

 

ونعود إلى أمر التقسيم عبر الفيدراليات؛ فلقد واجه هذا الامر حالة من الرفض الشعبي عبرت عنها قوى الشعب العراقي في التظاهرات التي جرت في مدن عديدة شاركت فيها مختلف الأطياف العراقية؛ فقد وجد الأمريكان في ظل الأوضاع الحالية أن إطلاق عملية تقسيم العراق على أساس صنع فيدراليات عرقية وطائفية قد يضاعف المخاطر على قوات التحالف، وربما تمثلت أمامهم تجربة البريطانيين؛ حيث اعتقدوا عند دخولهم بغداد في عام 1917 أن العراقيين غير موحَّدين، وأوغلوا في الاعتداء عليهم، ولكن البريطانيين فوجئوا بقيام انتفاضة شعبية شاملة في عام 1920 غطت كل العراق، وشارك فيها الشعب العراقي بكل أطيافه، وكلفت المحتلين الآلاف من القتلى، وهذا قد يدفعهم لتخفيف حدة الاندفاع للتنفيذ العاجل لموضوع الفيدراليات ويصار إلى تضمينها بصيغ مصطنعة مبهمة في مشروع الدستور الذي وضعه الصهيوني نوح فيلدمان، ضمن لعبة خبيثة يراد بها تمرير المخطط الأصلي لإنجاز العملية السياسية الوهمية التي تخدم الأمريكان.

 

إن اللعبة لن تنطلي على أحد؛ إذ إن مشروع التقسيم لا زال قائماً وحاضراً بقوة ليس عبر الفيدراليات فحسب، بل عبر موضوع تقاسم الثروات؛ فهو التقسيم الحقيقي للبلاد أيضاً؛ حيث إن توزيع الثروة حسب الأقاليم أو المحافظات يلغي تماماً ملكيتها القومية للعراق الموحد الذي سيكون مجرد كيان هش يتلاعب بمصيره أمراء الطوائف وسُرَّاق الثروات والمتحكمون بها؛ لذا فالكل الآن يريد حصته الأكبر منها لإيجاد الأرضية المادية لحالة التقسيم فيما بعد. فإن بدا ظاهرياً أنهم قد يتنحون مؤقتاً عن موضوع التقسيم العاجل للعراق عبر جغرافيته التي وضعوا لها خصوصيات مصطنعة؛ فإنهم يمضون في تقيسمه عبر قاعدته المادية وثرواته القومية، وهو الأمر الذي سيحوِّل مسألة التقسيم إلى واقع حال عبر التنازع على الثروات والاقتتال من أجلها، ولا يتطلب الأمر عندها أي جهد لعملية التقسيم إذا ما أريد لها أن تقر يوماً والعياذ بالله.

 

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى بات من المشروع أن نطرح كعرب على أنفسنا سؤالاً: هل أصبح ما يجري على الأرض, هو تقسيم العراق خطوة  خطوة؟. ولعل هذا السؤال يرتبط بسؤال آخر وهو: هل كان مشروع التقسيم وارداً ضمن خطة الغزو والاحتلال في 2003؟

 

هذان السؤالان لا يصدران اليوم بالذات من فراغ، إن لهما جذوراً في أرض واقع نعيشه ونلمسه في قرار مجلس الشيوخ الأميركي بالموافقة بأغلبية 75 صوتاً ضد 23 فقط على مشروع القرار الذي سعى إليه منذ فترة غير قصيرة نائب اوباما جوزيف بايدن بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم.  واعتمد في وضع هذا القرار على خبرة ليزلي جيلب خبير الشؤون الدولية في إدارة الرئيس الديمقراطي الأميركي الأسبق جيمي كارتر. وهي فكرة تداولتها منذ سنوات مراكز دراسات أميركية متعددة، وتبناها عدد من كبار الصحافيين مثل توماس فريدمان الذي لم يجد حرجاً في طرح دعوته إلى تقسيم العراق على صفحات صحيفة عربية، فضلاً عن هنري كيسنجر، بالإضافة إلى عدد غير قليل من المحافظين الجدد، أصحاب الدور الأكبر بل والأول في دفع بوش وإدارته إلى غزو العراق واحتلاله

 

وبصرف النظر عن أصداء أخرى في داخل العراق ذاته تحدثت ولا تزال عن الفيدرالية والكونفدرالية والكيانات الثلاثة، إلا أن صدور قرار من الكونغرس  بالمحتوى الذي صدر به , خطوة خطيرة على درب تقسيم العراق، الذي لو حدث سيكون مدخلاً لإعادة رسم خريطة المنطقة العربية بل إعادة تفتيتها من خلال اتفاقية سايكس - بيكو جديد، وهو اتفاق ليس سرياً، بل يتم علناً، وعلى المكشوف، على النقيض من سابقه البريطاني - الفرنسي الموقع في صورته الأولى في كانون الثاني 1916 ويعبر مضمون هذا الاتفاق عن مرحلة طويلة من التنافس والتوافق بين المصالح البريطانية والفرنسية في الوطن العربي، قد تجد جذورها في الاتفاق الودي الموقع في ,1904 لكن فصوله العملية بدأت قبل اندلاع شرارة الحرب العالمية الأولى مباشرة، حين رأت بريطانيا أن مصلحتها تكمن في تقسيم الشرق الأوسط بعد الحرب واقتسامه مع كل من فرنسا وروسيا

 

فبعد مرور 82 عاما على توقيع اتفاقات سايكس بيكو (1917) التي كانت بمثابة مكافأة للمنتصرين في الحرب العالمية الاولى، عاد الحديث أخيرا عن سايكس بيكو جديدة في الشرق الاوسط على رغم التغييرات الكثيرة التي حدثت. ففي اتفاقات سايكس بيكو التي اكتسبت اسمها من اسمي وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا آنذاك تم تقسيم الشرق الاوسط الى خريطته السياسية الحالية وهو تقسيم لعبت وزارة المستعمرات البريطانية دورا مهما في حين تم صوغ الكيانات السياسية في المنطقة بصورة تضمن استمرار الخلافات بين هذه الكيانات سواء على الحدود او نتيجة الانقسام للقوى والتكتلات العرقية والقومية الاثنية بين هذه الكيانات .

 

وكان اتفاق سايكس - بيكو في جوهره، ووعد بلفور في مضمونه نقضاً صريحاً للتعهدات التي قدمتها بريطانيا إلى الشريف حسين، كي يعلن الثورة ضد الأتراك. وهذه المقارنة بين سايكس - بيكو القديمة، وصيغته الأميركية الراهنة، بداية من قرار الكونغرس، تبين أن مثل هذه الاتفاقيات أو المخططات لا يتم تطبيقها بين عشية وضحاها، إنها عملية قد تستغرق سنوات أو عقوداً من السنين. وهذا كله يحدث في غياب اي رد فعل عربي رسمي على القرار الاميركي والذي وقف عند حد الشجب والاستنكار فقط ، وكما جاء على لسان الرئيس المصري ((...بأنه كارثة لوحدة أراضي العراق والحفاظ على استقراره وعروبته...))، ويحدث في غياب  يجب خطة عربية شاملة ومتكاملة، ، لوقف تنفيذ سايكس - بيكو الجديد، خاصة وأن المشروع ليس ابن ساعته، ولا من عمل فرد أو جماعة قليلة الشأن، بل هو قرار من مجلس الشيوخ الأميركي. وقد صدر القرار بأغلبية غير عادية، من الديمقراطيين والجمهوريين في حين عجز الديمقراطيون من قبل عن تجميع 60 صوتاً كانت تلزم لاتخاذ قرار بسرعة سحب القوات من العراق، بينما صدر قرار التقسيم بأغلبية 75 صوتاً.

 

كيف لا وان، كوندليزا رايس مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية كانت قد كشفت لاحقا أن الولايات المتحدة جادة في تشكيل الشرق الأوسط الكبير أو الشرق الأوسط الجديد. هذا الشرق الأوسط الذي سيكون تجسيدا وتطبيقا لمبدأ تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ على أساس طائفي وقومي وعرقي تصبح فيه دويلة الكيان الصهيوني الدولة الأهم والأقوى والأكثر قدرة على إدارة شؤون المنطقة.

 

الفرق بين سايكس بيكو القديم وبين سايكس بيكو الجديد , ان الاول كان اتفاقا سريا بين بريطانيا وفرنسا ولولا قيام الثورة البلشفية لظل زمانا اطول قبل الكشف عنه، اما اعلان تقسيم العراق اليوم فهو اعلان صريح وصارخ واستفزازي واهانة مباشرة للعرب، وتكريس لكل الوقائع العملية الامريكية على الارض العراقية، وهو قرار لم تكن ملامحه خافية منذ اليوم الأول لاحتلال العراق الذي تعرض لحالة التمزق عبر كيان كردي انفصالي في شمال العراق وبلورة كيان شيعي طائفي في جنوبه وترك حالة وسط العراق تتقرر كأمر واقع مع الزمن, فقد شهدت واشنطن ولندن حركة دؤوبة لزعيمي الخيانة الكرديين مسعور الطررزاني وجلال الطلي باني , بل وذهب الامر الى اعلان زعيمي العصابتين الكرديتين عن طبع عملة جديدة لهم وعن مناقصة دولية لاستغلال نفط الموصل وكركوك الا ان الامر لم يتم, الا ان تركيا التي ساومت بقسوة لمنع هذه الخطوة بسبب الوجود الكردي الكبير فيها وفي ايران وسورية وأرمينيا ودول الكومنولث الروسي وان انفصال اكراد العراق سيفتح بابا من جهنم على المنطقة.

 

ورجوعا إلى الاحتلال الأميركي الصهيوصفوي  للعراق، وقراءة أبعاده ودلالاته ، ما يعيد أيضاً طرح الأسئلة عن الأهداف الحقيقية للحرب ضد العراق واحتلاله، وهل فعلاً أن أحد أكبر أسبابها هو التمهيد لتقسيم هذه الدولة العربية المهمة استراتيجياً إلى ثلاث دويلات؟ (كردستان في الشمال حيث آبار النفط، وسنستان في الوسط حيث لا نفط، وشيعستان في الجنوب حيث أهم وأكبر الثروات النفطية)، ويعزز ذلك قرار الكونغرس الأميركي الأخير حيث يشدّد على هذا التقسيم بحجة أنه المخرج الوحيد المشرف للقوات الأميركية من هذا المستنقع حيث تتكبد يومياً قتلى وجرحى.... على كل حال، هذه الخطة التقسيمية ليست جديدة على الإطلاق، فقد ظهرت ملامحها مع بداية الحرب اللبنانية في العام 1975، حيث طُرحت مشاريع تقسيم لبنان إلى ولايتين، ومن ثم إلى اقامة كانتونات مذهبية وطائفية، ثم تطورت هذه المشاريع لتنسحب على المنطقة بأكملها... والآن تعود هذه المشاريع بقوة في العراق، حيث بدأ فرض أمر واقع، وفي لبنان فإن مخاطر ما يجري يوحي بفرض أمر واقع وسيكون المستفيدتان الوحيدتان من هذا إيران ودويلة الكيان الصهيوني، إذ أن الأولى ستكون صاحبة النفوذ والهيمنة الأكبر في جنوب العراق على حساب الشيعة والسنّة العرب، وستكون لها قاعدة متقدمة على شاطئ البحر المتوسط في لبنان متمثلة بحزب الله، هذا في حال نجح التقسيم - لا سمح الله - في العراق ولبنان.

 

إن القرار الأمريكي بتقسيم العراق قرارا قديم سابق بسنين لقرار مجلس الشيوخ الأمريكي الصادر يوم 26/9/2007 بتقسيمه إلى ثلاث كيانات: شيعي ، سني ، كردي. فكيف ومتي صدر القرار القديم؟ وعلام يدل القرار الأخير وما الذي يستهدفه؟ إن قدم التفكير- إن لم يكن القرار – يثبته منذ ستة عشر عاماً دفع أمريكاً للمشبوهين والطائفيين في جنوب العراق والانفصاليين من الأكراد في شماله للتمرد علي حكومة بغداد أثناء الحرب التي قادتها أمريكا علي العراق سنة 1991، وفرض حظر علي الطيران العراقي بعدها علي جنوب وشمال العراق طوال ثلاث عشر عاماً من الحصار الأمريكي والدولي الإجرامي. أما بعد احتلال العراق سنة 2003. فمن الواضح لكل ذي بصيرة ومن اللحظة الأولي أن المحتلين ينفذون قراراً متخذا بالتقسيم عبر تنفيذ مخططاً للتمزيق الطائفي والإثنى والعرقي لوحدة الشعب، وبالاتفاق مع بعض المرجعيات الطائفية المشبوهة بقيادة السستاني وحزبي المجلس الإسلامي الأعلى والدعوة وحزبي البرزاني والطلباني الكرديين وغيرهم من الجماعات والشخصيات المشبوهة و العميلة. والشواهد علي ذلك جلية ودامغة  تفكيك أجهزة الدولة وحل الجيش، تكوين مجلس للحكم بالمحاصصة الطائفية، إفتاء السستاني بعدم مقاومة الاحتلال، العملية السياسية من حكومة انتقالية إلى حكومة منتخبة لإقامة نظام حكم عميل وغطاء عراقي للاحتلال قائمة علي الأساس الطائفي والعرقي، تفجير دور العبادة والأضرحة المقدسة والأسواق والأماكن المأهولة بالسكان بواسطة الميلشيات الطائفية العميلة أو المتعصبة دينياً وشركات المرتزقة وفرق الموت التي شكلها أو استأجرها المحتلون لإثارة الفتن وإطلاق الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد، وأخيراً وليس أخيراً قانون إدارة الدولة في عهد الحاكم المدني الأمريكي بريمر ثم الدستور الدائم اللذين شرعاً لتقسيم العراق بين الطوائف والعرقيات تحت اسم الفيدرالية. وعلاوة علي ذلك ، وقبل كل هذه الممارسات العملية التفكيكية والتقسيمية للاحتلال الأمريكي للعراق تحت سمع وبصر العالم أجمع وبمشاركة وتعاون عدد من الدول العميلة والحليفة لأمريكا بما في ذلك كل الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج والسعودية والأردن ومصر بحجة تحقيق الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب في العراق والمنطقة، فقد احتلت أمريكاً العراق أصلاً لاتخاذه مرتكزاً ونموذجاً لإعادة رسم خرائط المنطقة حسب قول وزير خارجيتها السابق أمام لجنة العلاقات الخارجية للكونجرس الأمريكي ((... إننا سنحتل العراق لنعيد صياغة خرائط المنطقة وفقاً للمفهوم الأمريكي الإسرائيلي...))وهو ما يعني بوضوح تام تقسيم العراق ودول أخرى.لذلك فان تفكيك وتقسيم عدد من الدول العربية ودول شرق أوسطية أخري وليس العراق فقط، هو هدف مقرر لأمريكا. يتخطى هذا الهدف عدد الدول السبع التي كشف القائد الأعلى السابق لحلف الناتو الجنرال الأمريكي  المتقاعد ويسلي كلارك في مذكراته , والتي ورد فيها ((...أن إدارة الرئيس بوش وضعت استراتيجية عسكرية منذ عام 2000 تتضمن شن  حروب ضدها لتغيير نظم الحكم فيها تبدأ بالعراق وسوريا وتنتهي بإيران، أما الدول الأربعة الأخرى التي ذكرها في أكثر من حديث تلفزيوني فهي لبنان وليبيا والصومال والسودان...)), فعمليات تحريك ودفع وتمويل تصعيد وإشعال النزاعات الدينية والقبلية والعرقية والجهوية تشمل معظم البلدان العربية، وتتعهد بها حتى بصورة علنية أمريكا وغيرها من الدول الاستعمارية مدعية حقها في التدخل في شئون الدول الأخرى لحماية الأقليات والحريات الدينية والتعددية السياسية والاثنية والعرقية، وتنشر شعارات مضللة تغذي الميول والتوجهات التفكيكية والانقسامية والانفصالية تحت عناوين خادعة يرددها كثيرون كالببغاوات كشعار تقسيم الثروة والسلطة وشعار إقامة نظام فيدرالي لا مركزي في السودان، أو نظام فيدرالية الطوائف الدينية والعرقية في العراق التي شرعنها دستور الاحتلال والتي هي تحطيم تام لحداثة الدولة ووحدتها وانتقاص من سلطة الحكومة المركزية ( الاتحادية) إلى أدني مما يتاح لسلطة الحكومة في اتحاد كونفدرالي (اتحاد دول مستقلة لها حق الانفصال عن الاتحاد). هذه الشعارات يمثل تطبيقها خاصة وفقاً للسياق الذي ترد فيها حالياً خطوة أساسية وحاسمة تجاه الانفصال والتقسيم.

 

 

 

نشرت مجلة القوات المسلحة الأمريكية. في تموز سنة 2006 دراسة تبين فيها نوايا امريكا وخططها في تقسيم المنطقة مرفقة بخارطة جديدة للشرق الاوسط بعد تقسيمه, والدراسة هي لكاتب امريكي اسمه رالف بيترز من مواليد عام 1952,عمل ضابطا بالجيش الأمريكي حتى وصل لمنصب نائب رئيس هيئة الأركان للاستخبارات العسكرية الأمريكية في وزارة الدفاع .وبعد تقاعده احترف الكتابة في المجلة العسكرية الأمريكية المتخصصة أرمد فورسز جورنال وغيرها من الصحف الأمريكية وتحوز كتاباته ومقالاته علي اهتمام واسع في الشارع الأمريكي والعالمي. وهو يدعو دائما إلي إعادة تقسيم خريطة الشرق الأوسط بما يتفق مع المصالح الغربية للدرجة التي يدعوه فيها البعض بلقب البوق السياسي للرئيس الأمريكي السابق المجرم بوش الابن.

 

والأساس في الدراسة وفي الرؤية التي تضمنتها والتقسيمات التي أشارت لها، أنها ليست مبنية على أساس خرائط معدة مسبقا بل أعدت على أساس وقائع ديموغرافية الدين، القومية، والمذهبية ولأن إعادة تصحيح الحدود الدولية يتطلب توافقا لإرادات الشعوب التي قد تكون مستحيلة في الوقت الراهن ولضيق الوقت المتاح للولايات المتحدة للقيام بهذه الجريمة الاستعمارية مجددا، فهنا يأتي دور سفك الدماء للوصول إلى هذه الغاية وفى ذلك فان الكاتب هنا يفسر لنا لم كان العدوان الأمريكي على العراق وأفغانستان والعدوان الصهيوني على لبنان، كما هو يقدم التفسير الاستراتيجي لخطة الفتنة الشاملة في المنطقة والتي يجرى دفعها ودعمها وإشعالها وتعميمها في المنطقة. وربما هو يكشف لنا عن حالة الغفلة الإستراتيجية السارية في عقول الأمة. الدول المستهدفة بالتقسيم والاستقطاع هي إيران، تركيا، العراق، السعودية، وباكستان وسورية والإمارات، ودول ستوسع لأغراض سياسية بحتة، اليمن، الأردن، وأفغانستان.

 

والدول الجديدة التي ستنشأ من تقسيم العراق تنشأ ثلاث دويلات كردستان وسنستان في وسط العراق وشيعستان في الجنوب لكنها بداية الخيط في التقسيم، إذ الدويلة الكردية ستصبح دولة كردية كبرى باعتبار أنها ستشتمل على كردستان العراق وبضمنها طبعا كركوك النفطية وأجزاء من الموصل وخانقين وديالي، وأجزاء من تركيا وإيران وسورية وأرمينيا وأذربيجان وستكون أكثر دولة موالية للغرب ولأمريكا ,والدولة الشيعية وان بدأت بجنوب العراق فهي ستكون احد حالات إعادة ترتيب المنطقة باجماليتها ((وهذا ما يفسر لنا مواقف الاحزاب الشيعية الموالية لايران الصفوية في التعاون مع الاحتلال في العراق)), إذ هي ستشمل جنوب العراق والجزء الشرقي من السعودية والأجزاء الجنوبية الغربية من إيران (الأحواز العربية المغتصبة) وستكون بشكل حزام يحيط بالخليج العربي. والدولة السنية التي ستنشأ على ما تبقى من أرض العراق ربما تدمج مع سورية أو الأردن. ودولة بلوشستان الجديدة التي ستقطع أراضيها من الجزء الجنوبي الغربي لباكستان والجزء الجنوبي الشرقي من إيران, ستكون دولة جديدة تماما (وهو ما يفسر عودة ظهور حركة بلوشستان الآن وقتالها ضد القوات الحكومية الايرانية).

 

أن التقسيم الاستعماري الجديد المستهدف للبلاد العربية الأكثر تجزئة و تفكيكاً وتقزيماً من خريطة سايكس – بيكو سنة 1916 يتم بوسيلتين معاً يكمل إحداهما الأخرى دائماً. وتستخدم إحداهما كعامل رئيسي والأخرى كعامل مكمل أو مساعد وفقاً للأوضاع المحلية والدولية التي تحدد أيهما الرئيسي. وأيهما المساعد والمكمل، وهما  العدوان أو الاحتلال كما حدث في العراق، واستغلال أو إثارة النزاعات الدينية والاثنية والعرقية والقبلية وتغذيتها وتمويلها واشعالها واستقواء الانفصاليين بالقوي الأجنبية الاستعمارية والتي سرعان ما تقدم لهم دعمها السياسي والعسكري تحت مظلة الشرعية الدولية التي تسيطر عليها ( مجلس الأمن) كما يحدث في السودان.

 

إن ضعف بل سكوت وقبول الموقف الرسمي العربي بهذا التحول الخطير ، يرجع إلى أن الحكام العرب بعامة يعيشون منذ عقود في حالة تبعية غريبة للولايات المتحدة، منذ تحدثوا عموماً أيضاً عن علاقات استراتيجية مع الصديق الأميركي، الذي قال عنه أنور السادات إنه يمتلك 99% من أوراق مشكلة الشرق الأوسط. ومما يعكس حالة التبعية العربية الرسمية الغريبة هذه لأميركا، أنه في اليوم نفسه الذي اتخذ فيه مجلس الشيوخ الأميركي قراره بتقسيم العراق، خرجت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية لتتحدث عن عزم بلادها على إقامة تحالف عربي، والسؤال تحالف ممن و ضد من؟. من الدول التي تشعر بالقلق الشديد من النفوذ الإيراني، حسب تعبيرها وما الهدف ,محاولة إقامة دولة فلسطينية والبدء في طريق المصالحة بين العرب والصهاينة، وإيجاد سياسات أفضل تجاه العراق (المسلفن بالديمقراطية الامريكية الكاذبة)، فهل سيكون التقسيم - تقسيم العراق - هو إحدى هذه السياسات الأفضل، أو أن التقسيم سيجري تنفيذه بينما الحكام العرب غارقون في شهر العسل مع الصديق الأميركي لإقامة التحالف العربي؟. أليست هذه صورة أخرى، أميركية وعصرية، من محادثات بريطانيا في 1915- 1916 مع شريف مكة بينما كانت تبرم اتفاقها مع فرنسا، وتعقد صفقة الخيانة الكبرى للعرب بإصدارها وعد بلفور للصهاينة؟. وإذا جاز القول إن الشريف حسين كان في غفلة وكان يثق في حليفته بريطانيا، إلى درجة لم يصدق أنها خدعته، فماذا عن الزعماء العرب الحاليين الذين لم يرتفع لأحدهم صوت يدين محاولة تقسيم العراق، الخطر الذي إن وقع فإن آثاره لن تقف عند حدود العراق، بل سيكون الخطوة الأولى في إعادة تقسيم المقسم من الأرض العربية، وفي رسم خريطة جديدة للوطن العربي ستكون أسوأ بكثير من اتفاق سايكس - بيكو القديم. ألم تقل كوندوليزا رايس حين كانت مستشارة للأمن القومي الأميركي إن العراق مفتاح إعادة تشكيل المنطقة بأكملها, وكان ذلك في أول اجتماع لمجلس الأمن القومي بعد دخول بوش البيت الأبيض في سنة .2000 أما في الاجتماع الثاني فقال دونالد رامسفيلد - وزير الدفاع يومئذ ((...تخيلوا ماذا ستكون عليه المنطقة من دون صدَّام وبنظام منحاز إلى المصالح الأميركية سيغير ذلك كل شيء في المنطقة وما وراءها...)), فهل أصبحت نبوءة أمس واقع اليوم؟.

 

السؤال الذي اود طرحه بخصوص هدف امريكا بتقسيم العراق والمنطقة, هل نجحت امريكا بذلك؟هل تم تقسيم العراق ؟ وهل تم تنفيذ ما رسم من الخرائط الجديدة للمنطقة؟ العراق كشعب مازال موحدا ومازالت هناك فرصة لم تضع بعد للحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً ولازالت فصائل المقاومة العراقية تقاتل وهي سيدة الموقف في ارض الجهاد التحرير ولازال الشرفاء والنجباء من ابناء الشعب العراقي واعون ويقظون ومنتبهون لهذه المؤامرة ولازال الشعب العراقي برمته يرفض المشاريع الامريكية الصهيوصفوية, ولازال هذا الشعب هو الحاضن والرافد للفصائل الجهادية المقاومة للاحتلال الامريكي الصهيوصفوي في العراق ولازالت فصائل حزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي موجودة وتقاتل المحتل في سبيل تحرير العراق والامة العربية والاسلامية ولازلنا مؤمنين بالمقاومة العراقية الباسلة طريقا لتحرير بلدنا , اذن نستطيع ان نقول ... انه وبرغم مرور سبع سنوات على الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي وبرغم بشاعة وقسوة ما جرى خلال هذه السنوات , مازالت امريكا غير قادرة على تحقيق هدف التقسيم , ومازال العراق ارضا وشعبا صامدا بوجه مؤامرات التقسيم الى ان يحل علينا يوم النصر العظيم يوم تحرير العراق بكامله من براثن الاحتلال .

 

ـ يتبع ـ
 

 





الاثنين١٤ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل ابراهيم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة