شبكة ذي قار
عـاجـل










(1)


كتاب؛ محركات السياسة الإيرانية في منطقة الخليج العربي، شبيه برحلة إستكشاف مثيرة داخل العقل الإيراني، تنقل خلالها الدكتور عادل علي عبدالله، من الثوابت الجغرافية، إلى حركة التاريخ، ومن فن الممكنات السياسية، إلى البنية الايديولوجية، ومن مرحلة التنظير الهادئ الوئيد ، إلى صخب الشعارات، وضجيج التهديدات .
وقد سعى المؤلف في كل محطة من محطات الرحلة أن يجري عملياته التفسيرية والتركيبية في بحث وتتبع تاريخ تطور الظاهرة الإيرانية ، والكشف عن مدخلاتها ومخرجاتها، وكان حريصا أن يصل إلى الزوايا الخبيئة، والاسباب الغامضة، فكان عليه أن يبدأ خطوته الاولى في الحفر المعرفي عن المقدمات التأسيسية التي إستولدتها التجربة الصفوية، بالوقوف على ماهية دورها ومديات تأثيراتها في تشكيل الاسس الاولية للفكر الإيراني، وتحديد أبرز معالمه الايديولوجية في المراحل الزمنية اللاحقة، وصولا إلى المشهد المعاصر. وقد زودته خبرة النزول إلى جذور (الولاية) الصفوية، القدرة الحاذقة على محاولة تحليل وتركيب البناء النفسي والإجتماعي ، والإقتراب من العقل السياسي الايراني، بالكشف عن إستراتيجيته وأساليب حركته، وعن آلية منهجه في الفكر والعمل، في النظرية والميدان.


يبتدئ الدكتور عادل عبدالله ، مقدمته الثانية من اللحظة الفلسفية الإيرانية المتأججة بالنقائض والاضداد، في الجمع الميكانيكي بين الحرية القادرة على صنع قدرها ومصيرها، وبين حتمية ولاية الفقيه، بوصفها القانون الاوحد لبناء الدولة وحكم الشعوب.


وقد كشف الباحث عبر أدواته التفسيرية، عن غرابة العقل السياسي الايراني بتركيبته الثنائية (مثالية اللاهوت ومخادعات الناسوت) بين (مرشد الولاية ورئيس الدولة) المعبرة عن نفسها وعن هويتها في المحركات التالية :


1- العقائدي : الخارطة الاممية لولاية الفقيه .
2- التاريخي: صراع الازمنة ..
3- الذرائعي (المصلحي) : إقتسام الغنائم !!


(2)


تفصح قوانين الحركة الثلاثة عن الوجه الحقيقي لولاية الفقيه في صفحتيها المثالية والعملية، كما (حجي بابا الاصفهاني) في مغامراته، فهي حاذقة في المزج بين الالوان وإتجاهات الضوء، وتوزيع الظلال. وقادرة في ذات الوقت على إختزال الفصول الاربعة في طقس واحد، كما أن بوسع هذه الولاية أن تجمع الاضداد على السطح نفسه، ورفع شعار «تحرير المسجد الأقصى»، والإحتفاء بيوم القدس العالمي ، لايجعلها تتردد في مؤازرة العدوان الأمريكي لأفغانستان والعراق؛ وفي الترحيب بإحتلال بغداد، وحين يتصاعد هتافها بسقوط إمبراطورية البيت الابيض، فإنها تحتضن أبناء «الشيطان الأكبر» في حكومات الإحتلال المتعاقية في بغداد، وعندما تعلن طهران سياسة الحياد الفعال، تمنح بركاتها لفيلق القدس بإجتياز الحدود العراقية والإنتشار في البصرة، وفي الوقت الذي كانت تسوق فيه للعملية السياسية تحت حراب المارينز وتدافع عن تجربة أحزاب الإحتلال، كانت قواتها المسلحة تبسط سيطرتها على منطقة (الفكة)، ناصبة أعلامها فوق آبار النفط العراقية، وإذا كانت ولاية المرشد الثاني تحارب أمريكا بالكلمة والصورة، فإنها كانت تسجل الرقم الاول في العالم الإسلامي، في إضفاء الشرعية على الاحتلال الأمريكي عن طريق إعترافها بحكومة المندوب السامي بول بريمر، كما أعلنت دعمها السياسي اللامحدود لسلطة «مجلس الحكم الانتقالي»، وساهم سفيرها في بغداد في إعداد مشروع «المحاصصة العرقية والطائفية» الأمريكي، وقد قضت المصالح المشتركة أن يلتقي حجي بابا الأصفهاني مع جورج بوش حول تجزئة العراق ومسخ هويته العربية . وولج الرئيس نجاد المنطقة الامريكية الخضراء، محاطا بالمارينز، وتحت حماية جند الشيطان حط رفسنجاني راحلته في (دار الحرب)، وطاف متباهيا وشامتا بأرجاء البلد الجريح. وبذات المحركات الثلاثة ، تواصل اليوم الجمهورية الإسلامية الإيرانية مشروعها السياسي التبشيري، عبر الاحزاب والجيوب الموالية لها إبتداء بالخليج العربي، عن طريق إثارة الصخب والعنف في هذه الاقطار، بدء بدعم ومساندة التمرد الحوثي في صعدة، وتغذية الزمرة الإنفصالية المتآمرة على وحدة اليمن ، مرورا بشبكاتها في الإمارات العربية والكويت والبحرين، ومحاولة إقتحام جدار العربية السعودية، مع إستمرار دورها التجزيئي في إثارة الفتن والإضطرابات في لبنان وفلسطين، عبورا إلى مصر في محاولة إختراق المجتمع المصري، وصولا إلى المغرب العربي.


(3)


بذريعة حماية المستضعفين ، وبدعوى الامن القومي ، وثالثة بزعم المحافظة على سلامة الاقليم مرة ثالثة، تتوالى التبريرات الإيرانية، تواصل إيران إنتشارها الايديولوجي، الذي يلزم ولاية الفقيه أن يكون لها دوراً محورياً لـ(ملء فراغ) ساحة الخليج العربي سياسياً وعسكرياً، لكنها تختلف عن غيرها بإمتلاكها مشروعاً عقائدياً عالمياً، يحمل تفويضاً إلهيا!! يسمح لها بالتمدد الجغرافي ، خاصة بعد إحتلال بغداد وإنطفاء تجربة البعث، والرحيل المأساوي للرئيس صدام حسين، الذي كان يشكل حصنا منيعا ضد التمدد الإيراني في الخليج العربي.


ويؤكد المؤلف على أن الأمر المهم في دراسة العلاقات العربية الإيرانية على ضفتي الخليج العربي، هو أن الدول التي تعاقبت على إرث الدولة الصفوية (1736- 1796) والقاجارية (1796- 1925) والبهلوية (1925- 1979) لم تكن استثناء من الأجندة (الصفوية) الرامية إلى ترسيخ نفوذها وخدمة إستراتيجيتها العسكرية وإثبات تفوقها على دول المنطقة، لثلاث عوامل رئيسية :


الأول : أن الدول التي ورثت تقاليد الحكم الصفوي كانت بمثابة إعادة تنظيم صفوف للقوى في مؤسسة الحكم الإيراني .
الثاني: النزعة الشُعوبية الإستعلائية ضد العرب والاقوام الاخرى.
الثالث : الايدولوجيا الوظيفية المتمثلة في " ولاية الفقيه"، التي جرى تحويلها من نظرية سياسية في الحكم، إلى عقيدة دينية واجبة الإتباع ، تلزم عموم المسلمين بالإنقياد لولي الامر المرشد الإيراني .


(4)


أن محاولة فهم المنطق الذرائعي وتقلبه بين الوسائل والغايات، يتبدى في ثنائية الفعل ونقيضه، من دعوى محاربة الجمهورية الاسلامية للشيطان الاكبر، إلى التعاون معه بتمكين قواته الغازية في إحتلال بلدين مسلمين، ومن شعار تحرير القدس إلى إذكاء الفتنة بين فصائل الثورة الفلسطينية.


ومن الدعوة إلى مقارعة قوات الإحتلال الامريكية في العراق ، إلى محاولة إحتضان فرق الموت ومليشيات الخراب ، وإلى تطويق المقاومة الوطنية، والعمل على النيل من سمعتها بتشويه مقاصدها النبيلة . ومن معلقة الوحدة الإسلامية إلى التدخل في الشأن الوطني لدول الخليج العربي . لذلك فإن التقارب الايراني الأمريكي، والتعايش مع الواقع الإحتلالي في أفغانستان والعراق ، هو التنفيذ العملي لسياسة الغاية أولا ، بصرف النظر عن طبيعة الوسائل ، لتحقيق مصالح ولاية الفقيه العليا . وعليه فإن التقارب الإيراني مع الغرب أحدى ضرورات السياسة الإستراتيجية وليس التكتيكية في السياسة الإيرانية، ولهذه السياسة جوانبها المنطقية التي يفقهها ويعيها الطرفان وهي:


1- أهمية إيران الإستراتيجية بالنسبة لواشنطن، فهي أكبر دول المنطقة سكاناً، وهي دولة نفطية كبيرة تمتلك ثاني أكبر احيتاطي للغاز الطبيعي في العالم، كما تتزايد هذه الأهمية بالنظر إلى الأهمية المتزايدة لنفط بحر قزوين ووسط آسيا. ومن ناحية أخرى تدرك إيران أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى في العالم وبالتالي فإن موقعها الدولي والإقليمي سيواجه صعوبات كبيرة في ظل القطيعة الأمريكية المعلنة بسبب برنامجها النووي.


2- الإخفاق الأمريكي في الضغط على إيران وسابقاً في ضرب الثورة الإسلامية، وفشل العقوبات والحظر الاقتصادي، ولم تستطيع حتى الآن عزل إيران، لذا فقد أدركت واشنطن أن إستراتيجيتها للسيطرة على مناطق الطاقة في الخليج العربي وآسيا الوسطى، ستظل تفتقر إلى الاستقرار في غياب التفاهم مع إيران وحفظ دورها الإقليمي بذراعيه الغربي والشرقي.


3- لإيران والولايات المتحدة مصالح متوازية في المساعدة على محاربة القوى الوطنية المناهضة للمشروعين الامريكي والايراني.


4- يؤكد المؤلف بأن إقتسام مناطق النفوذ بين الجانبين (سياسيا وعسكريا) فرصة ذهبية لا يسع إيران تضييعها، وكان التعنت والتهديد باستخدام الورقة النووية والإقليمية في (لبنان، العراق، فلسطين، والخليج العربي). رداً على تجاهل الإدارة الأمريكية للمساومات الإيرانية منذ عام 2001، وللعرض السري الذي تقدمت به إيران عقب الإحتلال الامريكي للعراق. الذي تقضي بنوده : (الاعتراف بإسرائيل والتنازل عن النووي، ووقف دعم حزب الله، في مقابل منح الوصاية على الخليج العربي لإيران، والاعتراف بها كقوة إقليمية شرعية) . وقد تم التكتم الشديد من الجانبين، خشية أن تفضي إلى فضيحة (إيران ـ غيت (..أخرى.


5- لعل الواقع العربي بحالته المتردية الراهنة، الذي عجز حتى الآن عن تحقيق المصالحة (مع النفس) فشل في معالجة محاور التشرذم والتباعد والقطيعة، كل ذلك جعل المشروع الإيراني يجدد عزمه مرة أخرى إلى مايدعى بـ(ملء الفراغ) العربي .


6- يؤكد الباحث على أن دول الخليج العربي منكشفة تماماً أمام تجربة هائجة، تعتقد أنها تمهد لمقدم عصر، من علاماته الأولى؛ تطهير كل المعارضين لولايتها اللاهوتية .


7- لقد كانت إيران وما زالت مصدر تهديد وعدوان على منطقة الخليج العربي، بدءاً بإيران الصفوية ، ومروراً بإيران الشاهنشاهية ، وانتهاء بإيران الولاية ؛ فجميع الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم إيران كان يراودها حلم السيطرة على منطقة ودول الخليج العربي.


(5)


إن إستقصاء الجذور التاريخية، عبر الاسرة الصفوية، وميلاد تجربتها الايديولوجية، بوصفها واحدة من المرجعيات الينبوعية للثورة الايرانية ، والتدرج المنطقي في تتبع مراحل تطور المشروع الايراني، والمقاربات التي إنتهى إليها الباحث، تضع أمام الباحثين مهمة رد الإعتبار للمراجعات النقدية والفحص العلمي للتجربة السياسية الابرانية . قد نتفق أو نختلف حول المحركات السياسية الثلاثة التي إلتقطها الباحث عبر قراءاته العميقة للفكر الايراني، لكن الشئ المهم في هذا العمل، هو أن بنية المحركات، خرجت من بطون المصادر الايرانية نفسها ، ومن حرارة التجربة الولايتية، وليس من نصوص أو ميادين خصومها، مما يكسب الكتاب سمة الرصانة العلمية، فقد آثر الكاتب أن ينأى بنفسه ، عن إلزامات الخصوم ، ويتجنب الاحكام المسبقة ، ويهمل النتائج المعدة سلفا . ليبدأ رحلته من داخل العقل الإيراني ذاته ، لقد إستحدث فقه الثورة الايرانية منظومة كثيفة من الشعارات والمفاهيم والمدركات ، لعل الباحث في الطبعة القادمة يجد الفرصة المناسبة لإستقصاء قاموس الثورة الايرانية قبل أن يلج باب المحركات، فتصدير الثورة مثلا لم يكن في الواقع إلا واحدا من بين عشرات وربما مئات المصطلحات التي إعتمدها العقل السياسي في منطقه النظري وفي منهج حركته . لان المحركات هي جماع عوامل متشابكة، تراكمت على مر الزمن في ثقافة وتجربة ولاية الفقيه ، وان إستنباط المفاهيم الايديولوجية ، هي القواعد الرئيسية التي نهض عليها هذا العقل، وهي إحدى أبرز أدواته في الفكر والحركة .


(6)


إن هذا العمل الذي توفرت له القدرة التفسيرية الحاذقة، يعد نموذجا رفيعا في المنهج التكاملي وفي قيمة إستخلاصاته النظرية ، وهو عمل علمي شجاع، أقبل عليه وتحمل مسئوليته صديقنا العزيز الدكتور عادل عبدالله الذى وضعنا جميعاً أمام جهد معرفى وسياسى بالغ الأهمية جليل الأثر يستحق أن نقف معه بكل الاهتمام . وقد إبتكر الباحث بمنهجه التكاملي أفكارا ورؤى جديدة ، ووضع بين أيدي القراء والباحثين العديد من القضايا، التي تستحق التنويه والتأمل والدراسة، بوصفها إضافة علمية في بابها. وسيقى كتاب محركات السياسة الايرانية في منطقة الخليج العربي واحدا من الإصدار السياسية والثقافية المهمة ، التي عنيت بالفكر الايراني وبتجربته السياسية. من هنا يستحق الدكتور عادل عبد الله التحية لهذا الإنجاز. بما انطوت عليه إعتماداته الفكرية من مقاربات أولية يمكن أن تشكل مقدمة ضرورية لا غنى عنها لتطوير ممارستنا وأساليبنا فى التعامل السياسي المتكافئ مع الدولة الإيرانية، من موقع معرفي يدرك ماهية هذه التجربة وحقيقة أبعادها ومراميها .


والتحية موصولة للمفكر العربي الدكتور عبدالله النفيسي، الذي قدم لهذا الكتاب، بدراية سياسية وبرؤية عقلانية لآفاقه المستقبلية .

 

 





الجمعة١٠ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عبد الستار الراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة