بسم الله الرحمن الرحيم ] فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [.([1]) المبحث الخامس : دور المقاومة العراقية في تفشي "وباء الانتحار" في القوات المسلحة الأمريكية المُحتلة للعراق وارتفاع نسب الانتحار بين جنودهِ (( يكاد رأسي ينفجر من الدماء المتورمة وعاصفة البرق بداخله..؟! )) ([2]) سعى ولا زال البيت الأبيض الأمريكي وعلى مساراته بلا شك كان البنتاغون على فرض حظرٍ لا نبالغ إن قلنا أنه مؤثر على المقاومة العراقية، وقد أخذ هذا الحظر أشكالاً مختلفة لا أودُ الاسترسال فيها، ولكني أتناول مفردة من مفردات ذلك الحظر لبيان فقط حجم المؤامرة على المقاومة العراقية المُجاهدة والصابرة، هذه المفردة تتضمن وصف المقاومة العراقية بالمنظمة الإرهابية، وأن مُقاتليها إرهابيون لجريرةٍ واحدة فقط أنهم قاتلوا الاحتلال الأمريكي ورفضوا أن يُدنس عراقهم/وطنهم ذلك المحتل الكافر، فكان أنْ تُرجمت هذه السمة اللا قانونية في الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية التي تم توقيعها بين كل من جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق ونوري المالكي بصفته رئيس الوزراء المُعترف بهِ أمريكيا مُذكرة التفاهم للاتفاقية الأمنية يوم 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2007م بعد أن تم إبرامِها يوم 28 أغسطس/آب 2007م إلا إنها لم تعلن لأسبابٍ لم تحدد ولم تُذكر، وأصبحت تلك الاتفاقية حيز التنفيذ بدءًا من الأول من كانون الثاني/يناير 2009، فقد تضمن نص الفقرة (1) مـن: [ المادة الرابعة: المهام: 1 - تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لأغراض مساندة العراق في جهوده من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق ، بما في ذلك التعاون في القيام بعمليات ضد تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى والمجموعات الخارجة عن القانون بما في ذلك فلول النظام السابق.]. ([3]) المهم في هذه المادة أن الاتفاق بين قيادة الاحتلال الأمريكي وحكومة الاحتلال الرابعة التي وقّعت على تلك الاتفاقية التي جعلت العراق بلداً ليس فاقداً فقط لاستقلاليته بل لسياديته وتجذير الطائفية وتجزئته كونها جاءت لتعزز ما رسخه الحاكم الأمريكي "بريمر" في الدستور الأمريكي للعراق، أنها قد جعلت من المقاومة العراقية مقاومة إرهابية وبذات الوقت خارجه عن القانون، وأن مقاتليها إرهابيون وكذلك خرجوا عن القانون، لذا فقد نصت تلك الفقرة على التعاون الوثيق والتآزر بين قوات الاحتلال الأمريكي للعراق مع حكومة الاحتلال الرابعة بقيادة المالكي الذي وقع على تلك الاتفاقية كما أشرنا آنفاً وهو لا يفقه دستورية وقانونية موادها كافة على القيام بعمليات مشتركة بينهما لملاحقة وقتل مقاتلي المقاومة العراقية، فهذا بحد ذاته يتمثل تسويغاً لا قانونياً ولا أخلاقياً للحد من فعاليات المقاومة العراقية ([4]) ويساند هذه الملاحقة للمقاومة العراقية عبارة أخرى جاءت لتعززها وردت في بداية الفقرة أعلاه وأكررها للضرورة: "من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق"، أي كانت الملاحقة المُشتركة لقوات الاحتلال الأمريكية وحكومات الاحتلال في بغداد المُحتلة للمقاومة العراقية قد بُرر بالعبارة أعلاه التي ما هي إلا شكلاً من أشكال النفاق اللا أخلاقي الذي يكمنُ في أن الاحتلال الأمريكي وما قامت وتقوم به حكومات الاحتلال هي التي ينطبق عليها وصف الإرهاب الذي يجب فعلاً التعاون بين المقاومة العراقية وشعب العراق لمُقاتلة الاحتلال الأمريكي. مثل ذلك وغيرهُ الأكثر لم يثنِ من عزيمة مقاتلي المقاومة العراقية التي لا زالت تُقاتل ذلك الاحتلال وتوقع فيه أكبر الخسائر، ولعل من أهم هذه الخسائر ما يحلُ بجنود الاحتلال أمريكي من أمراضِ نفسية وعصبية و...إلخ قادت جميعها اؤلئك الجنود الضحية لقادتهم في البيت الأبيض إلى الإقدام على الانتحار، فمنهم مَنْ نجح في انتحاره وفارق الحياة، ومنهم مَنْ تمكن زملائه من إنقاذه ولم يستطع أنْ يُحقق مُبتغاه وبقي على قيدِ الحياة، ولبيان أهمية هذا التأثير للمقاومة العراقية وتوثيقهُ للتاريخ فقد تتبعنا بصبرٍ وأناة هذا الموضوع من كل جوانبه قدر الإمكان لإنجاز بحثاً مُستقلاً موثقاً باعترافات المسؤولين في الكونغرس الأمريكي، ووزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، والأطباء المُختصين، ووسائل الإعلام الأمريكية والمُنتحرين نفسهم قبل انتحارهم و...إلخ حيث يُعد ما ورد فيهِ الذي أتناولهُ وفق التسلسل البحثي الآتي مفخرةً للعراقيين بشكل خاص والمُسلمين والعرب بشكل عام: 1- تعريف الانتحار ((Suicide ([5]): من الناحية الأكاديمية عُرف الانتحار بتعاريف مُتعدده، منها: [ عدوان على الذات، شعوري وإرادي، يسبّب الموت. ] ومنها أنَّ: [ الانتحار هو التصرف المتعمد من قبل شخص ما لإنهاء حياته.] في حين يرى آخرون: [ أنه قتل النفس تخلصا من الحياة التي وهبها الله لعباده.] وقد اختلفت الآراء حول الانتحار هل يعكس شجاعة الشخص المنتحر؟ أم جبنه وانعكاس لفشله وعدم الحاجة لاستمرار حياته.؟ الانتحار أكثر تواتراً لدى الرجال منه لدى النساء (أكثر بمرتين إلى ثلاث)، ولكن محاولات الانتحار منتشرة لدى النساء أكثر من الرجال بمرتين... أما أسباب الانتحار فمعقدة ولا تزال غير معروفة بصورة كاملة، ونجد على الغالب، لدى الشباب، إخفاقاً مدرسياً أو عاطفياً، والانعزال الوجداني (طلاب، متدربون، انتقلوا إلى مدن كبيرة)، وغياب التواصل، والإرهاق، وانشغال البال بالمستقبل والصعوبات المادية، والعدوى الذهنية، والمحاكاة، يمكنهما أن يؤديا دوراً في الانتحار. 2- الانتحار في المجتمع الأمريكي: أجد من الضروري أن أعرج بإيجاز على تاريخ الانتحار في المُجتمع الأمريكي مُنطلقاً من أنَّ مُنتسبي الجيش الأمريكي هم من ذات مُجتمعهم، لذا فإن تصرفاتهم تأتي انعكاساً لما تطبعوا عليه أو بالأحرى اكتسبوه من عادات وتقاليد تميز بها ذلك المُجتمع، وهنا لابد من الإشارة إلى أنه ربما كان عدد مُعين من مُنتسبي ذلك الجيش هم من خارج المُجتمع الأمريكي، إلا أننا يجب أن لا نغفل أن ذلك العدد قد عايش فترة زمنية طويلة للمُجتمع الأمريكي الأمر دفعهم على الأعم إلى التطبُع بما هو سائد فيه من إيجابيات وسلبيات، فمما ورد عن: المُجتمع الأمريكي أنه ينتحر فيه 75 شخص كل يوم ، أي شخص كل 20 دقيقة ، أي 25 ألف حالة انتحار في السنة، وقد وجد أن أشهر مكان للانتحار في العالم هو جسر البوابة الذهبية في سان فرانسيسكو ( Golden Gate Bridge )، فقد انتحر من أعلى هذا الجسر 900 شخص منذ إنشائه عام 1937، وقد وجد أن ولاية نيوجرسي في أمريكا هي أقل الولايات من حيث معدل الانتحار مقارنة بولاية نيفادا التي سجلت أعلى معدل بين الولايات الأخرى.. وكانت إحصائية أمريكية حديثة نشرتها صحيفة 'íæ ÅÓ Åíå ÊæÏÇí'ÇáÃãÑíßíÉ ÞÏ ßÔÝÊ Ýí ÚÏÏåÇ ÇáÕÇÏÑ Ýí ÇáÊÇÓÚ ãä ãÇÑÓ 2005 – ßÔÝÊ Úä ÇÒÏíÇÏ ÍÇáÇÊ ÇáÇäÊÍÇÑ Ýí ÇáæáÇíÇÊ ÇáãÊÍÏÉ ãÞÇÑäÉ ÈÌÑÇÆã ÇáÞÊá. وقد أكدت الإحصائية تسجيل 29 ألف حالة انتحار سنويا بواقع 80 حالة يومياً. ويعني ذلك 3 حالات انتحار مقابل جريمتي قتل، وعزي ذلك إلى زيادة حالات الاكتئاب ومشاعر القلق بالإضافة إلى الأمراض العقلية والنفسية، وقد بلغت حالات الانتحار في ولاية أوريجون وحدها 518 حالة مقابل 71 جريمة قتل عام 2002. 3- السلوكيات الانتحارية للمُنتحرين من الجنود الأمريكان في العراق: أما ما يتعلق بشكل/أشكال السلوكيات الانتحارية، فأنها يُمكن أن تكون ذات وظائف مختلفة ثلاث: فالانتحار، بالنسبة لبعض الأفراد، يكوّن وسيلة تجنب، الهروب من وضع هم عاجزون عن قبوله. وهو، بالنسبة لآخرين، يقابل الارتداد ضد الذات، ارتداد دافع عدواني لم يكن يمكنه أن يوجه ضد الغير. إنهم يعتدون مع ذلك على من يحيطون بهم حين يعتدون على حياتهم هُمْ، ذلك أن على مَنْ يحيطون بهم أنْ يواجهو الحزن، بل تأنيب الضمير، والانتحار بالنسبة للكثيرين، أخيراً، رسالة يائسة تعبر عن ضروب اللوم الموجهة إلى الغير على اللامبالاة، كما تعبر في الوقت نفسه عن العجز عن الاضطلاع بوضع صعب. ويعاني كثير من المنتحرين عاطفة العزلة والنبذ. ومن الجدير التأكيد عليه ونحنُ نتحدث عن ارتفاع في نسبة الانتحار في الجيش الأمريكي، فإن الرأي العام الأمريكي لم يكُن مؤيداً لقادته في البيت الأبيض بشن الحرب على العراق، وهذا ما كان يروج له السيد "جيري لانسون" الذي دعا إلى جلب الانتباه لمثل ذلك الرفض، بمقالٍ لهُ صحيفة "كريستيان ساينس مونتور"، بتاريخ 30/10/2007، يستغربُ فيه التعتيم الإعلامي على الاحتجاجات المناهضة لغزو العراق في 11 مدينة رئيسية أمريكية على الأقل مثل بوسطن ونيويورك، وعلى ظاهرة ارتفاع وتيرة الانتحار بين الجنود الأمريكان مقترحاً على المنظمات الإخبارية القيام بواجبها لتغطية الأخبار، وتوعية العامة حول مخاطر استفحال تلك الظاهرة، وعلى منوال الرفض أعلاه للحرب على العراق كان رفض العديد من الجنود الذين لم يكونوا راغبين بالأساس باحتلال العراق، أو أنهم كانوا مُتضامنين مع الرئيس بوش وأركانه بشن الحرب في ضوء ما أعلن عنه وقتئذٍ من مُبررات، ثم وجدوا بأنفسهم أنَّ تلك المُبررات كانت كذبة فاضحة وبذات الوقت مُفتعلة ومُختلقة، ولم تكن إلا لمصالح بين سياسية، ومادية وعقيدية و...إلخ، فعدلوا عن ذلك التضامن ليحل محلهُ السُخط على الحرب سيما وأن الذي عزز من ارتفاع ذلك السخط الذي تحول لاحقاً إلى اضطرابات نفسية، وعصبية، و..إلخ هو عمليات المقاومة العراقية، ثم ليتحول كُل ذلك بصورةٍ غير منظورة على الأعم إلى تمهيد للمرحلة الأكثر صعوبة هو الـ: "اكتئاب" المرحلة الأخيرة التي تؤدي إلى الانتحار على الأعم؟! ومما يؤيد رؤيتنا هذه من حيث الشاهد والدليل: ((اعتراف جندي أمريكي بقوله: [ انهارت معنوياتي عندما قالوا لنا لدينا مهام أخرى لكم هنا..؟!]، واعترافُ آخر، بقولهِ: [ أتينا إلى هنا بعقلية المحارب وليس بذهنية قوات حفظ سلام..؟!] وآخر يُريد أن يُعلمْ رؤساءه، بـ: [ أن الجميع تعب هنا، الجنود هنا تعبوا وملوا..؟!] ويؤيدُهُ آخر، بمُطالبتهِ، بـ: [ ليعيدونا إلى ديارنا وليأتوا بآخرين محلنا..؟!]، ولكن على الطرف الآخر كان أكثر ما يُخيف الكثير من جنود الاحتلال الأمريكي ويُؤثر عليهم من الناحية النفسية هي الكتابات على الجدران التي كانت تُمجد بالمقاومة العراقية، فمنها اعتراف: [ جندي تخيفه كتابة على أحد جدران مدينة الفلوجة تقول: (( ليُبارك الله مقاومي حي المساجد )).].)).([6]) ثم كانت صدمة البعض منهم أكبر عند وجد اللا أخلاقية للقوات الأمريكية المُحتلة للعراق في آلية تعاملهم مع المدنيين العراقيين العُزل والأبرياء، فلم يكن يتوقع ذلك البعض من الجنود الأمريكان المُنتشرين مع وحداتهم المُحتلة للعراق أنْ تصل تلك اللا أخلاقية في القيام بعمليات تعذيب مُنظمة ومُمنهجة لؤلئك المدنيين العزل، فكان شكل تمردهم على ذلك قد أخذ منحى الانتحار للتعبير بشدة على ما شاهدوه هًم بأعينهم ولم يُشاهدوه عبر وسائل الإعلام أو نقلاً عن طرفٍ آخر، من الشواهد الحية على مثل هذا الأمر انتحار جندية أمريكية برصاص بندقيتها بعد أن شاهدت حفلة تعذيب (عارية) لسجناء عراقيين، هدّدهم المحققون بالقضاء على رجولتهم، وتروي صحيفة الإندبنديت البريطانية بعض جوانب القصة قائلة: كان ذلك في أيلول/سبتمبر سنة 2003، بالقاعدة الجوية بتلعفر، قرب الموصل. كانت الجندية المتخصصة (أليسا) في واجب مع قسم الاستخبارات العسكرية للوحدة المحمولة جواً 101، وكانت طرق الاستجواب مختلفة جداً عن الحقيقة التي تعرفها (أليسا) الناطقة باللغة العربية، التي عُينت للعمل كمترجمة في جلسات الاستجواب بوحدة تسمى (القفص)!. وبعد ليلتين فقط رفضت القبول بحضور أية جلسة تحقيق. وأعيد تنسيبها ثانية إلى وحدةٍ أخرى، وفي 15 أيلول/سبتمبر رمت نفسها ببندقيتها. ووجد بالقرب من جثتها جهاز تسجيل من نوع (نوت بوك)، لكنّ محتوياته مُسحت كلها ربما لتجنب التحقيق مع مسؤول لاحق، واستمر الكذب بإخبار عائلتها في أريزونا أنها ماتت بسلاح غير معاد، وعُرف ذلك فقط بعد أنْ تتبع مراسل من أريزونا اسمه (كيفين أليستون) أسباب وفاتها، حيث توصل إلى أنها قد قتلت نفسها أي أنها ماتت مُنتحرة، ورفضت سلسلة المراجع العسكرية الاعتراف عن دوافع انتحارها سيما ما يتعلق باعتراضاتها المُتكررة على آلية التحقيق مع العراقيين كما رفضت الكشف عن الوثائق التي تؤكد أن "اليسا" قد انتحرت وليس كما تم أخبار أهلها بأنها قد ماتت بسلاح غير معاد؟! ودفنت (أليسا) في مقبرة مدينة بلاكستاف التي تسكنها عائلتها. ومن السلوكيات التي تميز الجندي الأمريكي سيما في العراق السرعة جداً في الانفعال، والغضب و...إلخ الذي يتحول ربما لاحقاً إلى عدوانية حتى إنْ كانت على نفسهِ؟!، ولعل من أشد الأمثلة التي حدثت على أرض العراق تجسيداً لما ورد آنفاً، ما: (( قالوا وكتبوا عن جندي كان يخدم في العراق قبل أربعةِ سنوات، وتلقى رسالة من زوجته تُعلمُهُ بأنها تُريد الطلاق، ولم تعُدْ تصبر على العيشِ معه بالتقسيط، فانتفض للحال وكان ردّه سريعاً: طوى الرسالة بيديه ووضعها في فمه ثم أطلق رصاصة في صدغه بالرأس وأصبح جثة؟! لو انتظر ذلك الجندي العجول ما معدله الزمني قراءة خمسة أسطر، أي تقريباً نصف دقيقة على الأكثر، لكان لا يزال حياً إلى اليوم، ففي آخر الرسالة كتبت له زوجته جين: أنا أمزح طبعاً مايكل، وأحبك ولن أتخلى عنك، وبانتظارك ولو طال الانتظار سنوات.؟!)).([7]) لذا لم يكن غريباً في ظل ما ورد آنفاً وغيرُهُ الأكثر القول من حيث اليقين أنَّ الجيش الأمريكي يعاني في العراق من وباء وليس مرض هو ما عُرف بـ: "وباء الانتحار"، مثل هذا اليقين اعترف به الأمريكان ذاتهم وأصبحوا أمام حقيقة لا يُمكن إخفائها على الرأي العام الأمريكي أن ذلك الوباء بفعل المقاومة العراقية قد تفشى بين جنودهم، فقد: (( جاء في تقارير (أذاعته محطة "سي بي أس" الأمريكية في 15 تشرين الثاني 2007، عن دراسة استمرت خمسة أشهر حول جنود أمريكان شاركوا بالقتال في أفغانستان والعراق) بأن القوات المسلحة الأمريكية بعامة تعاني من "وباء الانتحار"، ومعدلات الانتحار آخذة بالارتفاع في صفوف القوات الأمريكية المحتلة وبشكل سريع إذ بلغ عدد المنتحرين من الجنود العائدين إلى بيوتهم في إجازات من الجيش (6256) عسكريا تتراوح أعمارهم ما بين (20 و24 سنة) أي بمعدل 120 حالة انتحار أسبوعيا. أما بالنسبة لأوضاع الجنود الأمريكيين في العراق فإن الحرب قد تسبب في إصابتهم بإصابات وجروح بالغة الخطورة لم تكن معروفة فيما سبق للقوات الأمريكية من نزاعات، فقد كشفت دراسة قام بها الأطباء في الجيش أن ما يتراوح بين (15 و20%) من القوات الأمريكية المحتلة في العراق يعانون من أمراض نفسية قد تدفعهم إلى الانتحار، بسبب الحرب المستمرة هناك ومصيرهم المجهول، بل أكد اعتراف جديد للبنتاغون بأن معدل انتحار الجنود الأمريكان في العراق يواصل ارتفاعه مع ارتفاع نسبة الذين يعانون من اضطرابات نفسية في العام 2006 إلى (70%).)). ([8]) 4- طرُق الانتحار التي استخدمها الجنود الأمريكان المُنتحرون: تختلف طرُق محاولة الانتحار باختلاف الأساليب، فمنها غير العنيفة نسبياً (مثل تعاطي السُم أو تعاطي جرعة أكبر من اللازم ) إلى الطرق العنيفة (مثل إطلاق النار وقطع الشريان)، ويميل الرجال إلى اختيار الطرق العنيفة، وهذا يُرجح احتمال أن تحظى محاولات الانتحار عند الرجال بالنجاح. يتم عدد كبير من محاولات الانتحار غير الناجحة بكيفية تجعل الإنقاذ ممكناً وأن تعتبر هذه المحاولات بمثابة صرخة لطلب المساعدة والنجدة. æáã íõËÈÊ ÎáÇá ÊÊÈÚäÇ áãÓÇÑÇÊ ÇáÇäÊÍÇÑ Ýí ÇáÌíÔ ÇáÃãÑíßí Ãä ÃíÇð ãä ÇáØÑÞ ÇáÛíÑ ÇáÚäíÝÉ ÞÏ ÇõÓÊÎÏãÊ ÅáÇ Ýí ÍÇáÇÊò ÇÓÊËäÇÆíÉ ÌÏÇð¡ Èá áã íÊã ÅáÇ ÇÓÊÎÏÇã ÇáØÑÞ ÇáÚäíÝÉ ÓíãÇ ÅØáÇÞ ÇáäÇÑ ãä ÞÈá ÇáãõäÊÍÑ Úáì äÝÓåö¡ Ãæ ÅØáÇÞå ÇáäÇÑ Úáì ÒãáÇÆå ÇáÞÑíÈíä ãäåõ¡ Ëã ÅØáÇÞ ÇáäÇÑ Úáì äÝÓåö¡ Ãæ ÔäÞ ÇáãõäÊÍÑ áäÝÓå.¿! æáÚá ãä Ãåã ÇáÓãÇÊ ÇáÊí ÊãíÒ ÈåÇ ÇáãÌÊãÚ ÇáÃãÑíßí ãä ÍíË ÊÚÏÏ ØõÑÞ ÇáÇäÊÍÇÑ åæ ãÇ íõÚÑÝ ÈÜ: ((ÇáÇäÊÍÇÑ ÇáÌãÇÚí))¡ æÇáÃãËáÉ Úáì Ðáß ÚÏíÏÉ ÌãíÚåÇ Öãä ÇáÞÑä ÇáÐí äÚíÔ Ýíå æáíÓ ÎáÇá ÚÞæÏò ãÖÊ ãä ÇáÒãä¡ ÝãäåÇ ãÇ ÍÏË ÈÊÇÑíÎ 26 ãÇÑÓ 1997 Ýí ãÏíäÉ "ÓÇä ÏíÌæ" ÈæáÇíÉ ßÇáíÝæÑäíÇ ÇáÃãÑíßíÉ ÞíÇã (( ãÇÑÔÇá åíÑÝ ÃÈá åæÇíÊ )) ÞÇÆÏ ÇáÌãÇÚÉ ÇáÏíäíÉ ÇáãÓãÇÉ (( ÈæÇÈÉ ÇáÓãÇÁ (Heaven‘s Gate))) بالانتحار بواسطة تعاطي حبوب فينوباربيتال وقد تبعه فى الانتحار 38 شخصاً من أتباعه اجتمعوا فى مكان واحد ليموتوا سوياً خلف زعيمهم الروحى الذى أطلق شائعة بأنه مصاب بسرطان الكبد وأنه لا بد وأن يموت فى هذا اليوم وأن موته يفتح له أبواب الجنة حيث ستصعد روحه فى سفينة فضاء لتخترق حجب السماء نحو الجنة، حيث أقتنع أتباعهُ بقولهِ وفضّلوا أن تتبع أرواحهم روح زعيمهم فى الصعود إلى السماء.؟! ومما يُثير الاستغراب أن الجماعة الدينية أعلاه قد تكونت من خلال الإنترنت حيث تعرف الأعضاء على زعيم الجماعة وعلى بعضهم البعض، وكانت تعاليم الجماعة تصل إلى أعضائها عبر هذه الشبكة وقد احتار علماء النفس كثيراً فى محاولة تفسير ظاهرة الانتحار الجماعي أعلاه.. وكان قد سبق عملية الانتحار الجماعي أعلاه عملية أخرى توازيها من حيث البشاعة، فقد أقدم أتباع القس (جيم جونز)، وهو قـس مهووس، ومدمـن للمخدرات، أقام لأتباعه مزرعة ضخمة في مدينة جوانا بولاية سان فرانسيكو بالولايات المتحدة وجمعهم فيها، وأباح لهم الجنس، وأتاح لهم المخدرات، وظنوا أن الحياة داخل هذه المزرعة هي السعـادة، وأن هذا هو النعيم المقيم، ولكن بعد فترة خاب ظنهم، وأصابهم الإحباط، واستطاع هذا القس إقناعهم بالانتحار.. وبالفعل وفي عام 1978م أقدم 918 شخصاً على الانتحار، وكان بينهم كثير من الأطفال وكبار السن، والعجيب أن الانتحار كان بتـناول مادة السيانيد السامة، ومن امتـنع عن تناول السيانيد قتل رمياً بالرصاص..)). ([9]) لذا فإنه من غير المُستغرب أنْ يشهد الجيش الأمريكي انتحاراً شبيه بالانتحار الجماعي فقد شهـدت: (( إحدى الفرق العسكرية الأمريكية التي مقرها مقرّها قاعدة فورت كامبل انتحار 14 جنديا في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2009، ما اقتضى استدعاءها بكاملها للوقوف على أسباب تزايد انتحار جنودها. وأكد رئيس هيئة الأركان الأدميرال "مايك مولن" حينها أن التحدي المؤلم الذي يعكس حالة القوات المسلحة المزرية يتجاوز فورت كامبل، وتوقع أن تفوق حصيلة المنتحرين هذا العام حصيلة 2008 البالغة 133 منتحرا، وهي ضعف حصيلة 2004، قبل اشتداد العنف بأفغانستان والعراق. وقد نظمت فورت كامبل برامج متخصصة للتعريف بمفاهيم الإحباط الحاد والأعراض الأخرى لدى الجنود، لتقديم النصح والمشورة بعد انتحار ثلاثة جنود نهاية مايو/أيار 2009. كذلك شهد نفس العام 2009 وبالذات في قاعدة فورت هود بتكساس حالة انتحار شهريا، وبرر أطباء عسكريون النسب العالية من الانتحار أعلاه أنه جاء: ((تحت ضغط متطلبات الاحتفاظ بأعداد معينة من القوات، شاعت إعادة نشر جنود مصابين بأمراض عقلية بميادين القتال..؟!)).)). ([10]) 5- أسباب أو دوافع انتحار الجنود الأمريكان في العراق: أ- من الأسباب/الدوافع التي تدفع الأشخاص للأقدام على الانتحار مُتعدده، فمنها: الاكتئاب، الشعور بالعجز واليأس، مشاعر واتجاهات سلبية لدى الشخص عن نفسه، التفسخ الاجتماعي وانهيار معنويات الشخص، العزلة الاجتماعية أو الهيكل الاجتماعي المتفكك، البطالة، الإصابة بالأمراض الفتاكة مثل الايدز، الإختلالات العقلية الوراثية، عدم توازن الكيماويات الحيوية في المخ، وقد كان للأسباب/الدوافع الأولى فاعليتها في ارتفاع وتيرة الانتحار في الجيش الأمريكي وكما سنتناولهُ لاحقاً، حيث كان لعمليات المقاومة العراقية تأثير مُباشر على ارتفاع نسبة الاكتئاب بين جنود الاحتلال في العراق، بذات الوقت الذي يُعد (الاكتئاب) السبب المحوري للانتحار بينهم، والذي يُمثل أيضاً مرضاً نفسياً مُعقداً ليتطور ويستفحل إلى أمراض مُتعدده أخرى سيما العزلة، والعدوانية، و...إلخ لينتهي الأمر بقتل المريض لنفسه (ينتحر) أو يقتل عدد من زُملائه ثم ينتحر.؟! ومما يؤكد رؤيتنا أعلاه أنه وفق: ((الإحصاءات الأميركية فإن أسباب الانتحار تعود بنسبة 30% إلى حدوث اكتئاب شديد وإلى نسبة 30% بسبب تفاعل عامل الاكتئاب مع تناول الكحول والمخدرات، بينما نسبة الـ 40% المتبقية تعود لأسباب متفرقة مثل المرض العضال المزمن والمؤلم مثل السرطان أو الشعور بالوحدة في هذه الحياة نتيجة فقدان رفيق الدرب.)). ([11]) ما ورد آنفاً نجده واضحاً في الحالات القلة التي أعلن عنها الإعلام الأمريكي ولم يستطع أنْ يتكتم عليها، وذلك حالات انتحار يقتل فيها المُنتحر زملائهِ ثم يسعى بدوره إلى الانتحار، وهذا ما حدث فعلاً في القاعدة الأمريكية في مملكة البحرين التي تُعد الحليف المقرب من الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي, سيما وأنها تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي، ويعيش فيها نحو خمسة آلاف أمريكي أغلبهم من العسكريين، وكان الرئيس بوش قد قرر في تشرين الأول/أكتوبر 2001، رفع تلك المملكة إلى مستوى "حليف كبير من خارج الحلف الأطلسي"، المهم أنه في القاعدة الأمريكية: ((أفاد بيان صدر عن الأسطول الخامس الأمريكي أن: [ بحارين أصيبا بطلقات نارية أدت إلى مقتلهما، وإصابة ثالث بجروح بالغة عند الساعة الخامسة فجر 22 تشرين الأول/أكتوبر 2007، وأعلنت وفاة بحارين على الفور، فيما نقل الثالث إلى مستشفى في المنامة لتلقي العلاج دون الكشف عن أسماء الضحايا لحين إبلاغ عائلاتهم، بذات الوقت الذي أعلن الجيش الأمريكي أنه يجري تحقيقا في الحادث] ومن المهم لدى القوات الأمريكية في مثلِ هذه الحوادث: [ أن الحادث ليس إرهابيا، وأنه ليس هناك مؤشرات على وقوع عمل إرهابي أو اقتحام للقاعدة الأمريكية الواقعة في منطقة "الجفير", شرق العاصمة البحرينية المنامة، وأن العناصر الأولى للتحقيق تشير إلى أن الحادث يشمل فقط عناصر في القوات الأمريكية] ولكنه مع ذلك فقد: [ تم إغلاق القاعدة الأمريكية لمدة ساعة بعد الحادث، حيث ذكرت تقارير إعلامية أنه لم تتم ملاحظة أية إجراءات أمن احترازية في محيط القاعدة بمنطقة "الجفير"، حيث استمرت حركة المرور في هذه الضاحية الحديثة التي نشأت على أطراف قرية "الجفير" شرقي المنامة، وهي ضاحية تبدو غربية الطابع.. ويقطنها الكثير من عناصر البحرية الأمريكية وعائلاتهم..]، ومن طرفها أيضاً [ أكدت وزارة الداخلية البحرينية أن حادث مقتل جنديتين من البحرية الأمريكية وإصابة بحار ثالث بجروح بالغة الاثنين 22-10-2007 في قاعدة بحرية أمريكية شرق المنامة "جنائي"، ويعود إلى خلاف بين الثلاثة، وكان الجندي الجريح هو مَنْ أطلق النار على زميليهِ قبل أن يحاول الانتحار بإطلاق النار على نفسه، مؤكدا أن جروحه خطيرة للغاية..].)). ([12]) ب- كما أشرنا آنفاً أن سمات العنف تغلب على آلية الانتحار الجنود الأمريكان في العراق، إلا أن حالة الجندي الأمريكي "جوزيف سويل" البالغ من العمر 24 عاماً يُمكن استثناءها من ذلك، لأن وسيلة انتحاره كانت بما يُمكن أن نُعبر عنه "هادئةٌ لم تُثر صخب" وهي أنه أستخدم "السم" بدلاً من مُسدسهِ أو بندقيته، كما أنه قتل نفسه، ولم يقتل نظراءه كما هو الشائع في الجيش الأمريكي وكما أشرنا في هذا المبحث، ومن الجدير ذكرهُ أن تطوعه في الجيش الأمريكي في فبراير عام 2000 لم يكن جراء رغبة، بل من أجل الحصول على وظيفة مستقرة تمكنه من العناية بزوجته وأطفاله، غير أن ذلك الحلم تلاشى بانتحاره في العراق..؟! العوامل النفسية كانت وراء انتحار "سويل" الذي عانى الأمرّين جراء ابتعاده عن زوجته وبناته عام 2009 عندما كان يعمل لمدة سنة كاملة في كوريا الجنوبية مما اضطر رئيسه إلى منحه عطلة قصيرة لرؤية أفراد عائلته في الوطن لعل حالته النفسية تتحسن، ولكن الأمر مختلف تماما بالنسبة له في عام 2003م، حيث تم إرساله في آذار/مارس 2010 ـ وبعد خمسة أشهر فقط من إكمال مهمته في كوريا الجنوبية إلى الكويت ثم من بعدها إلى العراق، وفي العراق كانت نهاية "سويل"، فقد فارق الحياة بعد أن تناول قارورة من مادة سامة، وقد وصفت مصادر الجيش بأن مصرعه نتيجة لعمل غير عدائي.. غير أن قسيس الجيش أبلغ زوجته " ربيكا " بأنه انتحر. الوضع النفسي لـ "سويل" كان غير اعتيادي، فعمليات المقاومة العراقية، والظلم والتعسف الذي تمارسه القوات المُحتلة الأمريكية تجاه العراقيين العُزل دون وجود أي مُبرر لاستخدامه، كانت تفعل فعلها فيه، زوجته تعترف بسوء حالته النفسية، بقولها: إنه عندما وصل زوجها ضمن قوات وحدة مدفعية الميدان الثالثة إلى العراق طلب منها أن تتصل بقائده وتناشده السماح له بإجازة قصيرة.. لم تكن تتوقع أن يكون زوجها قد وصل إلى تلك الحالة النفسية السيئة للغاية.. وقالت "روبيكا: "إنها سارعت بالفعل بالاتصال بقائد زوجها مناشدة منحه إجازة قصيرة غير أن القائد لم يعطها وعوداً جازمة حتى علمت بانتحار زوجها. "ربيكا" تصغر زوجها "سويل" بعامين، وتعمل أمينة صندوق في مدينة لوفكين بولاية تكساس، حيث تقوم بتربية طفلتيها "جاكيلا" أربعة سنوات و "جادا" سنتين، انتحر زوجها تاركاً إياهم؟! ومن جهةٍ أخرى تبخر حلمهُ بالحصول على وظيفة في أمريكا حيث من أجلها تطوع في الجيش الأمريكي؟!.)).([13]) ت- الأسباب/الدوافع آنفة الذكر تُرسل على الأعم إشارات تحذيرية بأن دقة ناقوس الخطر لمن هي فيه قد اقتربت، وبالتالي أصبح المريض قاب قوسين أو أدني منها لكي ينتحر؟! ومن هذا الإشارات: الإحساس بالكسل والتبلد العام والاهتياج، فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، الانطواء على النفس، الحزن الشديد أو الشعور بالفراغ، ضعف معنويات الشخص، اليأس، القلق، الصعوبة في التركيز وفقدان الذاكرة، النقد الذاتي، الانتقاص من قيمة الإنسان لنفسه، تغييرات في عادات الأكل، اضطرابات النوم (الأرق وما شابه) ، الإرهاق المُزمن، فقدان الطاقة، عدم الارتياح البدني مثل الإمساك وحالات الصداع، لتنتهي هذه الإشارات في حالة عدم مُعالجته إلى إشارات أخرى تدلُ على أن المرض قد استفحل بصاحبهِ، ومنها: تغيرات في الشخصية أو العادات ، الاكتئاب الشديد ، التوتر أو القلق ، الشعور بالعجز ، الشعور باليأس ، عدم القدرة على التمتع بالحياة ، العصبية ، التهور ، الأرق ، فقدان الشهية ، فقدان وزن الجسم ، الإهانة وسوء المعاملة، إعطاء الممتلكات للآخرين بدون مقابل ، تصريحات بالشعور بالذنب ، تصريحات متكررة بنية الانتحار. وقد فشل المُختصين في الجيش الأمريكي في العراق جميعاً دون استثناء في رصد تلك الإشارات التحذيرية والسعي لمُعالجتها الأمر الذي دفع قيادة البنتاغون بتاريخ 29 يوليو 2010 إلى إصدار تقرير شديد اللهجة ينتقدُ فيه القادة العسكريين على إهمالهم للإشارات التحذيرية أعلاه وعدم مُعالجتها بوقتٍ مُبكر مما أدى إلى ارتفاع وتيرة الانتحار في الجيش الأمريكي المُحتل للعراق، وهذا ما سنتناولهُ لاحقاً، هذا إذا ما علمنا أنَّ: (([ للجيش الأمريكي 19 (تسعة عشر) فرقة طبية تضم أطباء نفسانيين وأخصائيين اجتماعيين لمساعدة الجنود على تخطي الضغوط النفسية الناجمة عن الظروف المحيطة..] ÝÖáÇð Úä Ãäå ÎáÇá ÇáÝÊÑÉ ÇáãäÕÑãÉ ãä ÇáÇÍÊáÇá ÇáÚÑÇÞ (2003 – 2010) ÃÑÓá ÇáÈäÊÇÛæä: [ ãÇ íÒíÏ Úáì 230 ãä ÇáãÎÊÕíä ÈÚáã ÇáäÝÓ áÏÚã ãÚäæíÇÊ ÇáÌäæÏ Úáì ÇáÎØæØ ÇáÃãÇãíÉ.])).([14]) وقد كان إرسال تلك الفرق وألئك المُختصين جراء ما أكدته عدد من التقارير الطبية الأمريكية من أن الخدمات الطبية النفسية التي تُقدم للجنود الأمريكان المُنتشرين في العراق لم تكن بالمستوى المطلوب، فقد: (( أكد التقرير الصادر عن المفتش الصحي العام في الولايات المتحدة أن معدلات الانتحار في صفوف الجنود الأمريكيين العائدين من العراق وأفغانستان في ارتفاع مطرد, بسبب التقصير في العناية الطبية التي تقدمها العيادات النفسية المُخصصة لهم, وفشلها في منحِهم عناية نفسية على مدار الساعة، كما انتقد التقرير افتقار بعض تلك العيادات إلى تشخيص ملائم للحالات النفسية التي تصيب الجنود, إلى جانب نقص الخبرات لدى الأطقم الطبية العاملة, ما رفع حالات الانتحار لدى الجنود الذين يقصدون تلك العيادات إلى 1000 جندي سنويًا من أصل 5000 جندي سابق ينتحر كل عام.؟!)). ([15]) لذا وبوقتٍ مُبكر جداً شخّص الكونغرس الأمريكي الأمر آنف الذكر سيما وأن الصحافة الأمريكية قد سربت حالات واقعية لانتحار عدد من الجنود الأمريكان في ظل تصاعد علميات المقاومة العراقية، الأمر الذي دفع: ((الكونغرس الأمريكي (في 24/7/2007) إلى إصدار قانونا خاصاً عُرف بقانون: (( خفض معدلات انتحار الجنود الأمريكيين))، ثم أطلق عليهِ لاحقاً قانون (( جوشوا أومفيغ))، وقد أخذت هذه التسمية تسمية الجندي الأمريكي من أيوا الذي مات مُنتحرا في العراق وهو في سن الـ22 وذلك بعد مرور أحد عشر شهرا على الاحتلال الأمريكي للعراق)). ([16]) ولم يؤدِ مثل هذا القانون وغيرهُ أية نتيجةٍ تُذكر فيما يتعلق بالحد من عمليات الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي المُحتل للعراق في ظل ديمومة العمليات الجريئة والشُجاعة للمُقاومة العراقية. ث- شيوع فقدان التركيز وفقدان المؤقت للذاكرة: من الإشارات التحذيرية أعلاه التي شخّصها أطباء الجيش الأمريكي، وكانت ذات أهمية هي: (( شيوع فقدان التركيز وفقدان المؤقت للذاكرة، فقد أظهرت فحوصات أجريت لجنود أميركيين بعد عودتهم من الخدمة بالعراق شيوع الإحساس بالارتباك بينهم، وصعوبات بالتركيز وفقدانا مؤقتا للذاكرة، وفي مقارنة بين الحالتين الذهنية والعاطفية للجنود قبل وبعد الخدمة بالعراق، أظهرت دراسة أنه في حين أن غالبية الجنود ربما لم يتأثروا باسترجاع الذكريات والأحوال المزاجية السيئة المرتبطة بالتوتر بمرحلة ما بعد الصدمة إلا أن تغيرات نفسية غير مريحة قد حدثت لدى الكثير من العائدين. واكتشفت الدراسة التي نشرت بدورية الجمعية الأميركية الطبية عدة تغيرات مبهمة بالوظائف الذهنية بعينة شملت 654 من قدامى المحاربين بالجيش الأميركي، وكان المشاركون بالدراسة قد تم نشرهم لمدة عام بالعراق، وقال جميعهم تقريبا إنهم تعرضوا لإطلاق نار عليهم بينما ذكر الثلثان أنهم رأوا أناسا يصابون أو يقتلون. وقالت "جنيفر فاسترلينج" من كلية الطب بجامعة تولان إن النتائج التي توصلنا إليها تشير إلى أن نشر الجنود بالعراق كانت له أثار على التركيز والتعلم والذاكرة، لا يمكن أن يعزى لمشكلة طبية قبل السفر للعراق، وأضافت أنه حتى التدهور البسيط بالقدرة على تركيز الانتباه والتعلم وتذكر المعلومات الجديدة، قد يعكس مشكلة عصبية مبهمة مما يؤدي لمشاكل تحدث بالحياة اليومية وتؤثر على الأداء بمواقف تزداد فيها الضغوط. وظهر على الكثيرين منهم زيادة سرعة رد فعلهم عما كانوا عليه قبل نشرهم وكان تصرفهم سريعا عن 307 جنود آخرين لم يتم نشرهم، ووصف باحثون رد الفعل السريع بأنه يعزى لقاعدة اهرب أو قاتل التي تتسم بها الحرب. )) .([17]) ج- التهافت على تناول الكحول (الخمر) والمُخدرات والأدوية (العقاقير): ومن الأسباب/الدوافع المهمة الأخرى للانتحار التي تم الإشارةُ إلى مُجملها أعلاه، التهافت على تناول الخمر (الكحول) والمُخدرات والأدوية، ذلك أن عمليات المقاومة العراقية قد دفعت الكثير من منتسبي الجيش الأمريكي إلى الهروب من الواقع المرير الذين يعيشونه في العراق، واللجوء إلى مثل السموم التي كانت تنخر في أجسادهم ومعنوياتهم ليصلوا في المُحصلة النهائية إلى الانتحار أو الإجرام، أو الهروب من الخدمة العسكرية، أو...إلخ، في الحقيقة مثل هذا الأمر ليس انتقاصاً من الجيش الأمريكي، ولكنه حقيقةً اعترفت بها: (([ دراسة سابقة تناولت جنودا يعالجون بمستشفيات وزارة قدامى المحاربين، (وهؤلاء لا يشملون 60% من إجمالي القوات)، وجدت 37% من الذين نشروا بالعراق وأفغانستان، مشخصين بمشكلات صحة عقلية، بينهم 22% شخصوا باضطراب كرب ما بعد الصدمة، و17% بالاكتئاب، و7% بإدمان الكحول. وكان ثلث إجمالي المرضى مصابين بثلاث مشكلات صحة عقلية أو أكثر.؟!] ([18])، من جهةٍ أخرى فإن مما عزز من مصداقية الدراسةِ أعلاه أن: [ "الجنرال بيتر شياريلي" نائب رئيس أركان الجيش الأميركي أقر في مؤتمر صحافي لهُ عقده يوم الثلاثاء 17-11-2009 بدور الخمر (الكحول)، و..إلخ في ارتفاع نسبة الانتحار، بقولهِ: أن الجيش ينكب على دراسة الإفراط في تناول الكحول واستخدام المخدرات أو الأدوية بنسب أصبحت أكثر ارتفاعا مما كانت عليه قبل ثمان سنوات" معربا عن الأسف لوجود نقص في المستشارين المتخصصين لمساعدة الجنود.؟!]، ([19]) بذات الوقت الذي كشف فيه الجيش الأمريكي عام 2009: [ أنَّ حوالي واحد من كل خمسة جنود من الرتب الأقل يعانون من مشكلات صحة نفسية مثل الإحباط.؟!.]. ([20]) ومن الأدلة والشواهد التي تؤكد تهافت جنود الاحتلال الأمريكي على الخمر (الكحول) كما أشرنا آنفاً: ((قصة الجندي الأمريكي المُنتسب للقوات البحرية "طوني كليكر": فلا يكاد يخلد إلى النوم في منزله بسانت بول عاصمة ولاية مينيسوتا الأميركية، حتى يجد نفسه قد استعاد مشاهد القتال في أرض المعركة، فيقفز من نومه مذعورا مرتعدا، ثم لا تفلح كل محاولاته في إعادته إلى النوم مرة أخرى. وتقول "الصحفية ليزيت ألفاريز" في تحقيق صحفي نشرته "صحيفة نيويورك تايمز" في عددها يوم 8/7/2008، إن حالة "كليكر" هذه ما هي إلا جزء من شواهد عديدة بأن الإفراط في تناول الكحول (الخمر) بات ظاهرة متعاظمة وسط الجنود العائدين من أفغانستان والعراق. أما الجندي "طوني كليكر" فقد بلغ به الحال بعد إدمانه الشرب أن تسبب في مصرع فتاة أميركية في إحدى طرقات مينيسوتا السريعة يوم 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2005، وقد حوكم بتهمة القتل غير العمد، لكن إدراك القاضي لما فعلته الحرب من تحطيم لرباطة جأش الجندي جعله يوافق على طلب المحامي إخضاعه لبرنامج تأهيلي مكثف بإحدى العيادات بعدما قضى عاما كاملا في السجن.؟! ويقول خبراء إن ثمة دراسات تشير إلى أن المشكلة تتفشى بصفة خاصة بين من يعانون من اضطرابات تعقب الإصابة كما كان الحال إبان حرب فيتنام، كما تشير الدراسات إلى أن الإفراط في تعاطي المخدرات وسط العائدين زاد قليلا، لكنه يظل أقل كثيرا من حالات الإفراط في شرب المسكرات. æÇáÍÇáÉ ÃÚáÇå - ÊÞæá ÃáÝÇÑíÒ Ýí ÊÍÞíÞåÇ – íÌÏ ÃÚÏÇÏ ãÊÒÇíÏæä ãä ÃæáÆß ÇáÌäæÏ ÃäÝÓåã ÞÏ ÇäÒáÞæÇ Ýí ãÊÇåÇÊ ÇáÌÑíãÉ áíÞÝæÇ ÃãÇã ÇáÞÖÇÁ ÇáÌäÇÆí ãÊåãíä. وينتهي الأمر ببعضهم في السجن لارتكابهم جرائم قتل أو غيرها من الجرائم الكبيرة، أما الكثرة الغالبة منهم فيتورطون في قضايا عراك في الحانات أو قيادة السيارة بإهمال أو جرائم عنف منزلي بسبب السكر. ويرى المتحدث باسم الجيش الأميركي "الفريق جورج رايت" أن القوات المسلحة تأخذ ظاهرة الإفراط في تعاطي المخدرات والمسكرات على محمل الجد، وأنها ظلت لعقود من الزمان تسعى لنزع الهالة التي تضفى على تناولها. ويقول الرقيب السابق بالقوات الأميركية الخاصة "بريان لين" إن المشكلة في القوات المسلحة اليوم تكمن في أنه يتعين على الجنود أن يكونوا محاربين وقتلة وأن يخوضوا الحرب, لكننا لم نعد نسمح لهم بتفريغ شحنات الكبت القابعة في نفوسهم كما اعتدنا أن نفعل؟! وفي العام 2007 عاد آلاف الجنود الأميركيين إلى بلدهم بعد 15 شهرا قضوها في العراق, لكن سرعان ما اكتظت بهم عيادات الصحة العقلية في قواعدهم العسكرية. ووجدت دراسة أجرتها منظمة "محاربون قدامى من أجل أميركا" أن حاجة الجنود إلى المساعدة النفسية قد تعاظمت, وأن العبء على العيادات أثقل كاهل نظام الصحة العقلية حتى طفق الجنود ينتظرون شهرا كي يحصلوا على مقابلة الطبيب، فما كان من الجنود والحالة هذه إلا أن بدؤوا يضمدون جراحاتهم في الحانات المحلية، كما تقول ألفاريز، وأظهرت أحدث دراسة حول السلوك المتعلق بالصحة كانت وزارة الدفاع الأميركية أجرتها عام 2005 ونشرت نتائجها العام الماضي، أن ربع أعداد الجنود الذين شملتهم الدراسة يعتبرون أنفسهم مفرطين في الشرب. ووصف تقرير الوزارة ارتفاع أعداد هؤلاء "بالمدعاة للقلق".([21]) من جهةٍ أخرى ربطت العقيد "كاثي بلاتوني" كبيرة أخصائيي علم النفس لدى قوات الاحتياط الأمريكية ووحدات الحرس الوطني بين تعدد مهام القوات الأمريكية وبين تناولهم العقاقير (الأدوية) التي عدتها الخطة الأولى باتجاه الانتحار سيما في ظل النظرة السلبية للقادة تجاه جنودهم فيما لو طلبوا استشارة نفسية، حيث تقول بهذا الخصوص: (( إن تزايد المهام العسكرية للوحدات الأمريكية، إلى جانب تفاقم المشاكل النفسية لدى الجنود وإكثارهم من تناول العقاقير المضادة للاكتئاب بسبب افتراقهم عن عائلاتهم العوامل الدافعة للانتحار، سيما وأن الكثير من تلك الأدوية قد تترك آثاراً جانبية تغذي فكرة الانتحار لدى المرضى، وخاصة أولئك الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 24 عاماً]، كما ألقت المسؤولية على قادة الجنود بسبب: [ استمرار نظرة بعض الضباط السلبية نحو جنودهم الذين يطلبون الحصول على مساعدة نفسية رغم تعليمات القيادة العسكرية بتشجيعهم.].)).([22]) ح- مرض (( كرب ما بعد الصدمة )) من الأسباب المهمة في انتحار الجنود الأمريكان في العراق: أولاً: من أسباب/دوافع الانتحار الذي فعل فعلهُ في المنتحرين من الجنود الأمريكان، هو ما أطلق عليه الأطباء الأمريكان بـ: (( كرب ما بعد الصدمه"([23])، الذي يُصيب الجنود الأمريكان عقب التعرض لإصابات وصدمات القتال، ويتمثل باسترجاعت مفزعة من الذاكرة، والمراوحة بين خدر عاطفي واندلاع الغضب وشعور بالذنب والاكتئاب. ويعاني بعضهم أرقا وقلقا وفقدان الذاكرة والانتباه، ولاحقا يقع بعضهم فريسة للإدمان بسبب هذا الكرب، الذي يؤدي لصحة بائسة جسديا كما هي نفسيا. ولاحظ الباحثون أن الجنود المصابين بهذا الاضطراب، بعد خبرة قتالية أو دونها، أكثر تعرضاً للوفاة بأسباب خارجية، كالحوادث والإدمان والانتحار. والمصابون بالاضطراب نتيجة القتال أكثر تعرضا للوفاة بأمراض القلب والسرطانات أيضا. ووجدوا أن المصابين باضطراب "كرب بعد الصدمة" قد يشهدون لاحقا تغيرات بردود الفعل المناعية، ومستويات هرمون الكرب "كورتيزول" والكيماويات المنظمة لانفعالات القتال والاشتباك كالأدرينالين والدوبامين، كما رصد الباحثون ارتباطا مباشرا بين درجة التعرض للقتال وانخفاض مستويات هرمون الكرب، فزيادة وفيات المصابين بالاضطراب تظهر أن الكرب يقتل، وأن هناك شيئا سيئا، خاصة، يصاحب هذه الظاهرة، وقد يعود لمستويات هرمونات الكرب والضغوط النفسية..]، وأفضل وصف لمثل ذلك المرض، هو ما كتبهُ أحد الجنود الأمريكان، لـ: [ لوالده: يكاد رأسي ينفجر من الدماء المتورمة وعاصفة البرق بداخله..؟!]، والمُشكلة التي أدت إلى تفشي مثل ذلك المرض بين الجنود الأمريكان، هو أن: [ بعضهم أمضى شهورا طويلة قبل تشخيصهم باضطراب "كرب بعد الصدمة".] وعزا الباحثون زيادة تشخيص المشكلات لتكرار نشر الجنود، وتراجع معنوياتهم، وغموض وخطر المهام القتالية حيث لا خطوط مواجهة محددة. ووجدوا أن نشوء "كرب بعد الصدمة" قد يستغرق سنوات، وكلما طالت فترة المتابعة الطبية زادت احتمالات تشخيصه، ما يؤكد أن الصراعات المطولة وتكرار نشر القوات يفاقم أعباء الجنود النفسية..])).([24]) ثانيا: إحصائيات اضطرابات ما بعد الصدمة المرضية في صفوف الجيش الأمريكي: أفادت بيانات من الجيش الأمريكي أن حالات الإصابة الجديدة باضطرابات ما بعد الصدمة بين الجنود الأمريكيين الذين أرسلوا إلى العراق وأفغانستان ارتفعت بنسبة 46.4% في 2007 ليبلغ إجمالي عدد الحالات في خمس سنوات نحو 40 ألف حالة، وأظهرت الإحصاءات التي أصدرها الجيش أن عدد الحالات الجديدة التي شخصتها المنشآت العسكرية على أنها اضطرابات نتيجة التعرض لصدمات ارتفعت إلى 13981 حالة العام 2007 من 9549 حالة في عام 2006، وجاء هذا الارتفاع بعد أن أرسل الرئيس الأمريكي جورج بوش مزيدا من القوات للعراق في محاولة لقمع العنف الطائفي فضلاً عن زيادتهِ لفترة خدمة الجندي من 12 إلى 15 شهرا، ويصل بذلك عدد الحالات التي شخصتها المنشآت العسكرية إلى 39366 حالة في الفترة من الأول من يناير/ كانون الثاني 2003 الى31 ديسمبر/ كانون الأول 2007 بين أفراد القوات التي خدمت في العراق وأفغانستان. ويشمل العدد الإجمالي 28365 حالة بين أفراد الجيش و5641 حالة بين مشاة البحرية و2884 بين أفراد البحرية و2476 من القوات الجوية. وقال مسؤولون من الجيش أن ارتفاع الأعداد في السنوات القليلة الماضية يعكس جزئيا زيادة الوعي بالمرض ورصده من جانب الجيش الأمريكي، إلا أن اللفتنانت جنرال "اريك شوميكر" كبير الأطباء بالجيش كانت لهُ رؤية أخر، عبر عنها بقولهِ: [ إننا نعرض المزيد من الأفراد للقتل كذلك.؟!]، ويذهبُ الخبراء في البناغون إلى ذات ما ذهب إليه " شوميكر" ولكن بتعبير آخر، نصُهُ: [ أن أعراض الاضطرابات الناجمة عن التعرض لصدمات زادت مع عودة الجنود إلى القتال خلال فترات الخدمة.]. ([25]) بمعنى آخر أن عودتهم للخدمة عرضتهم للقتل من قبل مُقاتلي المقاومة العراقية الشُجعان. فداحة المرض آنف الذكر أكد عليه: ((تقرير لمكتب المحاسبة الحكومي الأميركي صدر في مايو/أيار 2006 إن أكثر من 6% من جنود الجيش الذين خدموا بالعراق أو أفغانستان يعتبروا معرضين لخطر الإصابة باضطراب توتر ما بعد الصدمة، لكن 22% فقط من هؤلاء الأشخاص يتم تقييم حالتهم. وبنفس الدورية([26]) التي تضمنت التقرير أعلاه أفادت دراسة أخرى نشرت بذات العام 2006 أن واحدا تقريبا بين كل عشرة جنود أميركيين خدموا بالعراق يعاني من توتر ما بعد الصدمة، وهو اضطراب يمكن أن يؤدي لكوابيس واجترار الذكريات وتفكير مشوش، وأوضحت الدراسة أن ثلاثة بين كل عشرة قالوا إنهم شعروا بتشوش ذهني بعد نشر القوات، مقارنة مع اثنين بين كل عشرة من قبل، وشعر ثلاثة بين كل عشرة جنود بمشاكل بالانتباه وقدرات التعلم اللفظية والذاكرة بعد نشرهم بالعراق، وعانى أكثر من واحد بين كل أربعة من الجنود من الاكتئاب.)). ([27]) ويُلاحظ مقدار الآثار الكبيرة جداً التي خلفتها عمليات المقاومة العراقية على القوات الأمريكية المُحتلة للعراق الأمر الذي وصل لعدم قدرة تلك الدولة الكونية على معالجة جنودها، مما يعكس نوعية تلك العمليات والمُنفذة بإتقان. أعقب ذلك التقرير (([ دراسة طبية أميركية حيث وجدت أنَّ أكثر من ثُلث المحاربين القدامى الأميركيين الذين عملوا بالعراق وأفغانستان وانضموا إلى نظام الرعاية الصحية للمحاربين القدامى منذ أبريل/نيسان 2002، قد شُخِّصوا بمشكلات الصحة العقلية، خاصة اضطراب كرب ما بعد الصدمة والاكتئاب (PTSD)، وأجرى الدراسة باحثون من المركز الطبي لوزارة شؤون المحاربين بسان فرانسيسكو وجامعة كاليفورنيا، حيث شملت نحو 290 ألفاً من المحاربين القدامى المشاركين في حربي العراق وأفغانستان، وتلقوا رعاية صحية بمؤسسات الوزارة للرعاية الصحية بين عامي 2002 و2008، ونشرت الخميس 23/7/2009 بالموقع الإلكتروني للمجلة الأميركية للصحة العامة.]، ومما خلُصت إليه تلك الدراسة: [ فداحة الكروب التي يتعرض لها الجنود وعائلاتهم جراء سنوات من الحرب ونشرهم المتكرر في ساحاتها، وأنه كلما طال وجود هؤلاء المحاربين القدامى خارج الخدمة، كلما ازداد طردياً عدد المصابين بمشكلات الصحة العقلية، كما أظهرت الدراسة أن نشوء كرب ما بعد الصدمة قد يستغرق سنوات، وكلما طالت فترة متابعة المحاربين القدامى صحياً، زادت احتمالات تشخيصهم بهذا الاضطراب مع مرور الوقت، كما تؤكد النتائج مُحصلة أبحاث سابقة تقول بأن الصراعات المطولة وطول وتكرار نشر القوات، يراكم أعباء الجنود النفسية. بذات الوقت لفت الباحثون إلى أن مستويات الإصابة بأمراض الصحة العقلية بين 1,6 مليون محارب خدموا بالعراق أو أفغانستان لا تُقَدّر بحسب نتائج الدراسة، لأن 60% منهم لا يتلقون رعاية صحية بمؤسسات وزارة المحاربين. ووجد الباحثون أيضاً أن قدامى المحاربين فوق الأربعين عاماً (بالحرس الوطني والاحتياط) كانوا أكثر تعرضاً للإصابة بكرب ما بعد الصدمة وتعاطي المخدرات، مقارنة بمن هم تحت 25 عاماً، والسبب المحتمل أن جنود الاحتياط الأكبر سناً يذهبون للحرب مغادرين حياة مدنية مستقرة (أسرة ووظيفة بدوام كامل)، مما يجعل استيعاب صدمة القتال أصعب. في المقابل، وجدت الدراسة أن قدامى المحاربين من الجنود المنتظمين بالخدمة الفعلية تحت 25 عاماً أكثر تعرضاً لكرب ما بعد الصدمة وتعاطي المخدرات مقارنة بمن هم فوق 40 عاماً، ربما لأن هؤلاء الجنود الأحدث سناً كانوا غالباً أكثر اشتباكاً بالقتال في خط المواجهة.] ومن المُهم ملاحظة أن مرض "كرب ما بعد الصدمة" في ضوء نتائج الدراسة قد شمل مَنْ هم فوق سن الأربعين عاماً، وكذلك سن الخامسة والعشرين عاماً، فالفئة العُمرية الأولى تعودت على حياةٍ هادئه ومُستقره، فقدتها بالكامل حيث وجدت نفسها أنها في ميدان معركة حقيقي غير قابل بحياة ترف ودعه، فارتفعت بينهم نسبة المرض أعلاه فضلاً عن تناولهم للمُخدرات، أما الفئة العمرية الثانية فهي بتماس مُباشر مع العمليات القتالية التي تشنها المقاومة العراقية فكانت تتلقى ضرباتها الشُجاعة من جميع الجهات (360 درجة) مما أدى إلى ارتفاع نسبة المرض أعلاه بينهم أيضاً فضلاً عن تعاطيهم للمُخدرات؟! من جهةٍ أخرى لا بد من الانتباه إلى ما خلص إليه الباحثون أعلاه من أن 60% من الجنود الذين خدموا في العراق وأفغانستان لا يتلقون رعاية صحية بمؤسسات وزارة المحاربين؟! مما عطل بشكلٍ كبير مسارات معالجتهم من المرضين آنفي الذكر فضلاً عن أمراض الصحة العقلية؟! وهذا الموضوع سنتطرق إليه بوضوح أكثر في مادة المعالجات التي لجأت إليها البنتاغون للحد من نسب الانتحار التصاعدية؟ من جهةٍ أخرى أكدت المؤلفة الرئيسية للدراسة الدكتورة "كارين سيل": [ زيادة تشخيص مشكلات الصحة العقلية إلى تكرار إرسال الجنود للعراق وأفغانستان، وغموض وخطر المهام هناك حيث لا توجد خطوط مواجهة محددة، ونمو الوعي العام بكرب ما بعد الصدمة، وتفاوت التأييد الشعبي للحربين، وتراجع معنويات القوات.] ولم تكن نتائج الدكتورة "سيل" هذه إلا انعكاساً حقيقياً للوضع الميداني الذي يعيشهُ الجندي الأمريكي في العراق، حيث يبقى في حالة من الترقب النفسي مُنتظراً متى سيموت، أو سيُعوق؟! فهو ما بينهما يُصيبه الكثير من الأمراض النفسية التي تُعيده لعائلته وهو على غير الحالة التي جاء بها إلى العراق؟ ومما أكد النتائج الرصينة التي توصلت إليها الدراسة أعلاه أن: [ مؤسسة راند للأبحاث أجرت استطلاعاً شمل 1965 محارباً نشروا بالعراق أو أفغانستان، تمخضت نتائجهُ عن أن 14% مُشخصون بكرب ما بعد الصدمة، ومثلهم مشخصون باكتئاب رئيسي، وهذا يفوق كثيراً الإصابة بين عامة الناس.] ويُلاحظ على النتائج الترابط الوثيق بين أهم مُسببين للانتحار بين أفراد الجيش الأمريكي: كرب ما بعد الصدمة، والاكتئاب حيث كانت النسب المئوية متساوية بينهما؟! مشاكل الصحة العقلية تسارعت وتيرتُها طردياً بتسارع وقوة عمليات المقاومة العراقية، فقد أكدت الدراسة أعلاه أيضاً على: [ تسارع زيادة تشخيص مشكلات الصحة العقلية بعد غزو العراق، فالمحاربون القدامى الذين انضموا إلى خدمات الوزارة الصحية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2004، شُخِّص 14,6% منهم بمشكلات صحة عقلية بعد سنة واحدة، وتضاعفت النسبة بعد أربع سنوات إلى 27,5%)).([28]) ويُلاحظ أن تضاعف نسبة المُصابين بمشكلات الصحة العقلية بين سنة 2004 وسنة 2008 هو الضعف، وهذا يؤكد بدوره على فشل الإجراءات الأمريكية كافه على مستوى البنتاغون في محاولة الحد على الأقل من مشاكل الصحة العقلية تلك، بذات الوقت الذي يؤكد بقوة فاعلية عمليات المقاومة العراقية. ومن المهم جداً الإشارة إلى مُفردة من مفردات نتائج الدراسة أعلاه التي تميزت بدقة التشخيص وأكررها للضرورة: (( بذات الوقت لفت الباحثون إلى أن مستويات الإصابة بأمراض الصحة العقلية بين 1,6 مليون محارب خدموا بالعراق أو أفغانستان لا تُقَدّر بحسب نتائج الدراسة، لأن 60% منهم لا يتلقون رعاية صحية بمؤسسات وزارة المحاربين.))، وقد جاءت هذه الدقة من خلال تتبعنا مسارات أحداث هذا البحث الشيق الذي يُظهر بشكل جلي لا لبس فيه فعالية وقوة عمليات المقاومة العراقية أن حالة انتحار أحد الجنود الأمريكان قد جاء جراء عجزه من الحصول على علاج من مؤسسة المحاربين، حيث لم تستطع عائلة جندي المارينز "جيفري كيفين لوسي (23 سنة)" أنْ تتناسى الخبر الكارثي المُتمثل بانتحار أبنهم جيفري بشنق نفسه بعد 11 شهراً من عودته من العراق، حيث يصفُ والدُهُ ما حدث له مع ابنهِ في الليلةِ التي سبقت انتحاره، قائلاً: (( [ تحديداً بالساعة 11,30 مساءاً طلب مني جيفري أنْ يجلس في حضني وأنْ أهزُهُ، وفعلاً بقيت طوال 45 دقيقة أهزُهُ.] ثم كانت عملية انتحاره، التي عللها مُعالجُهُ النفسي، بقولهِ: [ إنَّ ما قام به جيفري هو اللجوء إلى آخرِ مكانٍ آمن وهو حُضنُ أبيه!؟]، في حين علل والده أن سبب انتحار ابنه يكمنُ في سببين، الأول قوله بأسى: [ أن جيفري لم يكُنْ قادراُ على الحصولِ على العلاجِ اللازم من إدارةِ قدامى المحاربين.؟!]، والثاني تأكيده أن عقدة الذنب بغزو العراق كانت وراء انتحار ابنه، فيُخاطب قادة البيت الأبيض بالقول: [ الجزء الغبي في الأمر كله هو أننا نريد من أي شخص منهم أن يعترف بارتكاب خطأ، ولكن لم يفعلوا ذلك حتى الآن.؟].)).([29]) ومن المهم جداً التوقف أن من ضمن أسباب الانتحار للحالة آنفة الذكر هو الاعتراض على غزو واحتلال العراق، سيما وكما أشرنا في أكثر من مكان من هذا البحث أن المُبررات المُعلنة من قبل قادة البيت الأبيض قد أثبت الواقع الميداني بعد الاحتلال كذب ذلك جُملةً وتفصيلاً مما دفع الكثير من الجنود الأمريكان إلى التعبير عن رفضهم المُشاركة في استمرارية ذلك الغزو والاحتلال اللا أخلاقي واللا إنساني بأشكال مختلفة أكثرها شدة كان هو الانتحار. 6- إحصائيات عن أعداد المُنتحرين من جنود الاحتلال الأمريكي في العراق: الاعتراف من قبل وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" بنسب الانتحار الحقيقية التي حدثت بين جنودها على أرض العراق المُحتل محضُ خيال؟! أمّا لماذا مُحض خيال؟ فالسِرُ يكمنُ في جُملةٍ من الأسباب، وما يهمُني في دراستي هذه أنْ أشير إلى أهمِ سببٍ يُعد سبباً محورياً رئيسياً ومنه تُشتق الأسباب الأُخرى، هذا السبب يكمنُ في أنَّ الاعتراف بالنسب الحقيقية من قبل البنتاغون يعني الاعتراف بالمقاومة العراقية الشُجاعة من طرف، ومن طرفٍ آخر يؤكد بقوة وإتقان عملياتها القتالية الشُجاعة، ومثل هذا الاعتراف بحد ذاته يُمثل انتكاسة كبيرة لجيش كوني لم يستطع أنْ يدحر مجاميع قتالية تؤمن حتى النُخاع بعدالة القضية التي تُقاتل من أجلِها، لا يُمكن قياس قدراتها وإمكانيتها التسليحية، و..إلخ مع معدات ذلك الجيش الكوني بأي شكلٍ من الأشكال، فضلاً عن أن القوات الميلشياوية للحرس الثوري الإيراني، وقوات الميلشياوية الانفصالية الكُردية وقوات حكومات الاحتلال الأمريكي و...إلخ المُتحالفة جميعُها مع الاحتلال الأمريكي، كانت ولا زالت جميعُها أيضاً تُلاحق مُقاتلي المقاومة العراقية، ولو تمعّنا في ما ورد آنفاً من قواتٍ بمستوى جيوش مُنظمة، وميلشيات إيرانية شعوبية، وكردية عنصرية بما تمتلكه من عددٍ بشري كبير جداً من الرجال المُدربين، وحقدٍ دفين على العراق وشعبهِ، وأسلحةٍ ذات تقنياتٍ مُعقدة، وتمويلٌ ماليٌ هائل لا بل خُرافي..إلخ من الكثير الكثير، سيجعلُنا نخرجُ حتماً بنتيجة نهائية يؤمن بها كُل مُنصف أنَّ مُقاتلي المقاومة العراقية كانوا ولا زالوا وسيبقون بإذن الله تعالى يستمدون قوتهم من اللهِ جلا جلالهُ حصراً سيما وأنَّ مُقاتليها آمنوا من ضمنِ ما آمنوا به قوله تعالى: ].. وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [،([30]) وقولُهُ تعالى: ].. وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [.([31]) وقولُهُ تعالى: ].. وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [،([32]) وقولُهُ تعالى: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [،([33]) فسطروا ملاحم قتالية تفوق قُدرات وقابلية اؤلئك العلوج والمُتحالفين معهم، وأوقعوا فيهم الكثير من الخسائر الأمر الذي أفقدهم صوابهم وسعوا إلى الانسحابِ الجدي أكثر من مرة، ولكن العروض السخية التي قدمتها حكومات الاحتلال في بغداد على حساب شعب العراق وكرامته واستقلالهِ لقادة البيت الأبيض من أجل بقاء تلك القوات المحتلة حال وقتئذٍ ولا زال دون انسحابهم، هذا فضلاً عن الخسائر المُتمثلة بالانتحار التي زادت ليس من نسبة الخسائر فقط بل خلقت القناعة للمُجاهدين بشكلٍ خاص كم أنَّ ذلك الجيش الكوني ليس إلا "نموراً من ورق" كما قال عنهم وقتئذٍ الرئيس الصيني "ماو تسي تونغ"؟! وقد قمتُ شخصياً بمشروعٍ لا زلتُ أعمل عليه أنجزت منهُ أربعة مجاميع وهو قيامنا بتوثيق وتحليل مجوعات من الصور التي وقعت بأيدينا تُظهر انتصارات المقاومة العراقية على اؤلئك العلوج تم نشرها على شبكة المعلومات/الانترنيت،([34]) لذا فقد مارس البيت الأبيض الأمريكي سيما وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" حظراً إعلامياً على مستوى الرأي العام الأمريكي بشكل خاص والعالمي بشكل عام فرضَهُ قسراً على وسائل الإعلام كافة منع بموجبه نشر أية نسب عددية عن الانتحار أو أية قصة حقيقية عن حالات انتحار لمُجندين ومُجندات أمريكيات خدموا في العراق حصراً، إلا أن هذا الحظر تخللتهُ حالات استثنائية تمثّل في تسربِ معلومة من هنا وهناك تذكر رقماً أو إحصائية عن انتحار جنود في سنةٍ مُعينة من قبل وسائل الأعلام الأمريكية على الأعم، علماً أن مثل ذلك الحظر ذاتهُ مورس على نشر عمليات المقاومة العراقية المُجاهدة ناهيك عن الحظر عن ما يجري من تعذيب دموي في سجون الاحتلال الأمريكي وحكومات الاحتلال في بغداد المُحتلة، و..إلخ. نسب الانتحار التصاعدية بين جنود الاحتلال الأمريكي في العراق التي سأتناولها أدناه فاقت نسبةَ انتحارِ المدنيِّين الأمريكان لأول مرة، الأمر الذي دفع السيناتور "لينسدي غراهام" ليتساءل: ماذا يجري في العراق؟! وعلى منوالهِ كانت "سندي شيهان" الناشطة الأمريكية المناهضة للحرب في العراق التي أعلنت من جهتها خلال شهر أيلول/سبتمبر 2009: أن الخسائر التي خلفتها حرب العراق وأفغانستان ضخمة جدا وأنها لا تقتصر على مقتل الجنُود فحسب بل خلَفت تداعيات وأثار وخيمة على الجنُود الأمريكيين لدرجة يقوم يوميا ثمانية جنود أمريكيين بالانتحار، مقارنة بما قبل بدء غزو العراق عندما كانت النسبة لا تتجاوز جنديا واحدا. ومن المُهم الإشارة إلى أنَّ الإحصائيات التي سأتناولها أدناه الموزعة على السنوات 2003-2010 تتسمم بالتذبذب، وهذا بحد ذاتهِ يعكس الصعوبات التي يواجهها الجيش الأمريكي في تقدير الحقائق التي تكشف عنها تلك الإحصائيات، وفي هذا السياق قال "كرتين" أحد المسؤولين في البنتاغون: "حقيقة، لا نعلم لماذا هذا التذبذب من عام إلى آخر."؟! فضلاً عن أن الاعتراف بحقيقة أرقام الانتحار ستؤكد في نهاية المطاف قوة المقاومة العراقية وهذا ما أشرنا إليه آنفاً، ولذا فإن البنتاغون كان ولا زال يسعى إلى الاعتراف بأرقام متفاوتة غير حقيقية على الأعم تُمثل الحد الأدنى للرقم الحقيقي، لذا فإنه ليس من السهولة الجزم من قبلنا برقم دون رقم آخر، إلا أنهُ ما يُعينُنا في هذا الأمر اعترافات المسؤولين الأمريكان على مستوى الكونغرس الأمريكي من طرف، واعترافات عدد من كبار ضباط البنتاغون أمام اللجان المُختصة في الكونغرس، فضلاً عن المُختصين من الأطباء ووسائل الأعلام الأمريكية المُختلفة من طرف آخر بفداحة نسب الانتحار الأمر الذي يؤكد أيضاً أنّ الأرقام الرسمية المُعلنة هي أرقام غير حقيقية، وأن الأرقام الحقيقية هي أكبر بكثير مما هو مُعلن، ومن الشواهد والأدلة التي تؤكد رؤيتنا هذه أيضاً أن وزارة الدفاع الأمريكية لا تعترف بحالات الانتحار وتعتبرها "حالات غير عسكرية ولا تدخل ضمن خسائر الجيش الأمريكي"، في حين تؤكد التقارير الأمريكية "أن الأرقام الفعلية للانتحار تشكل ضعف عدد الحالات المعلنة.؟!"، مثل هذا وغيرُهُ دفع صحيفة النيويورك تايمز الأميركية للتحذير بشدة: من أن إحصاء مُعدلات الانتحار ليست دقيقة دائماً، ولا تشمل عدد المُنتحرين في فروع عسكرية أخرى، أو الأشخاص الذين خرجوا من الخدمة العسكرية.؟! مثل هذا الأمر دفع كبار قادة الجيش الأمريكي الاعتراف لشبكة C N N من إنهم: يراقبون عن كثب أية مُؤشرات قد تدل على استمرار تصاعد مُعدلات هذه الظاهرة المقلقة. ([35]) وأدودُ أن ألفت انتباه القارئ الكريم بأنه سيرد في الإحصائيات أدناه عن المُنتحرين في الجيش الأمريكي تعابير عده، منها: الأول: نصُهُ: (( أقدموا على الانتحار )) ثم يأتي مٌباشرة الرقم للجنُود الأمريكان الذي أقدموا على الانتحار الذي غالباً ما يكونُ كبيراً لأنه يتضمن مَنْ نجح فعلاً في محاولة الانتحار ومات، ومَنْ حاول ولكنه فشل وتمكن زُملائُهُ القريبين منهُ من إنقاذهِ. الثاني: نصُهُ: (( انتحروا )) ثم يأتي مٌباشرة الرقم للجنود الأمريكان الذي نجحوا فعلاً في الانتحار وحسم أمرهم بالموت. الثالث: نصُهُ: (( حالة انتحار بين عناصر الجيش الأمريكي المنتشرة حول العالم)): ويشملُ المُنتحرين من الجنُود الأمريكان حيث هم منتشرين في قواعدهم الكونية، وقد ألزمني سياق المعلومات من ذكرها بالرغم من أن بحثي يتعلق بانتحار الجنُود الأمريكان في العراق حصراً. وأخيراً أودُ الإشارة أيضاً إلى أنه خلال بياني لإحصائيات الجنُود المُنتحرين في العراق أدناه جرى تداخل بين السنين قيد البحث، حيث كانت غاية هذا التداخل هو المُقارنة بين أعداد المُنتحرين في تلك السنوات ليس إلا، وفصلها من قبلنا رُبما يؤثر على سياق دقة تسلسل المعلومات. أ- إحصائيات انتحار الجنُود الأمريكان في العِراق لعام 2003: عام 2003 يُعد عام غزو واحتلال العراق، ويُعد بذات الوقت وفق رؤية صقور البيت الأبيض الخاطئة عام الانتصار الكبير لتحقيقهم لذلك الغزو والاحتلال في فترة زمنيةٍ قياسية، ولكنه على الطرف الآخر يُمثل العام الذي سيكون بداية النهاية للإمبراطورية الكونية الولايات المتحدة الأمريكية، وما في ورد في هذا المبحث ومُجمل هذه الدراسة وغيرهُ الذي يملءُ مُجلدات كُلها إشارات ذات أهمية على أن تلك الإمبراطورية قد تلفظ أنفسها الأخيرة طال الزمن أم قرُبْ، وهذا هو شأن الإمبراطوريات الظالمة وفق ما علمنا إياه القرآن الكريم الذي قال فيها من ضمن قاله الله تعالى جلا جلالهُ: ] فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [.([36]) المهم أنَّ أحدث الإحصائيات العسكرية التي أتيح لـCNN الاطلاع عليها أظهرت أن 83 من الجنُود الأمريكيين المنتشرين حول العالم أقدموا على الانتحار خلال العام 2003 مقابل 67 حالة في العام 2004، وكان العام 2003 قد شهد 76 حالة انتحار بين عناصر الجيش الأمريكي المنتشرة حول العالم، منها 25 في العراق. ([37]) ومن جهةٍ أخرى كشف مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الصحة "وليم وينكينويرد" في حديث لشبكة" سي إن إن " الأمريكية عن وقوع " 21 " حالة انتحار بين الجنُود الذين شاركوا في الحرب على العراق خلال عام 2003 لتصل النسبة إلى " 13,5% مقابل مائة ألف جندي بارتفاع " 9،10% عن عام 2002م. ([38]) ب- إحصائيات انتحار الجنُود الأمريكان في العراق لعام 2004: في 17 كانون الثاني/يناير 2009 ذكرت صحيفة يو أس أي تو دي أن" عدد الجنُود الأمريكيين الذين خدموا في العراق وأفغانستان وأقدموا على الانتحار ارتفع من (52) شخصاً في عام 2004 إلى (110) في عام 2006، من جهتهِ أعلن سلاح مشاة البحرية الأمريكية أن عدد حالات الانتحار بين أفراده ارتفع بنسبة 24%، بحيث بلغ مُعدل الانتحار بين مشاة البحرية (19) حالة لكل ( 100) ألف جندي، في حين أعلنت القوات البرية الأمريكية أن عدد المُنتحرين بين جنوده في الخدمة يزداد كل سنة منذ أربع سنوات, في موازاة تكثيف الجهود العسكرية في العراق وأفغانستان، وتُفيد إحصاءات الجيش أن 30% من عمليات الانتحار قام بها جنود لدى إرسالهم في مهمات, وان ثلاثة أرباع هؤلاء الجنُود كانوا يقومون بأولى عملياتهم. ([39]) أما على مستوى صنف السلاح الجوي الأمريكي فقد كشف متحدث باسم هذه القوات عن ارتفاع معدلات الانتحار في صفوفه عام 2007، إلا أنه لم يستطع تحديد أي أسباب واضحة تقف وراء هذا الارتفاع، ففي عام 2004 سجلت 26 حالة انتحار بين عناصره، أي ما يساوي معدل سنوي يبلغ 13حالة لكل 100 ألف شخص، مقارنة مع 38 حالة انتحار عام 2003 والتي كانت عند معدلات سنوية بلغت 10,2 لكل مائة ألف، ونوه سلاح الجو أن الذكور الشباب يشكلون نسبة 24% من أصل 37% من قواته، لكنهم أيضا يمثلون نسبة 54% من حالات الانتحار. ويحاول المشرفون على سلاح الجو الأمريكي تحديد ما إذا كان هناك سبب أو نمط معين يؤدي إلى الانتحار، إلا أنه للآن فإن جميع المؤشرات تتطابق مع الأنماط المسجلة في المجتمع المدني، حيث تهيمن حالات الانتحار بين الذكور الشباب الذين يعانون من مشاكل الإدمان على الكحول وأخرى مالية وعاطفية، وككل وحدات الجيش، فإن لدى سلاح الجو الأمريكي برامج توعية ومنع حدوث مثل هذه الحالات، تتضمن أيضا تدريب القادة الرفيعين، علماً أن هذه البرامج وغيرها لم تُحقق إلا نتائج سلبية تمثلت في تصاعد نسب تفشي "وباء الانتحار". ت- إحصائيات انتحار الجنُود الأمريكان في العراق لعام 2006: اعترف الجيش الأمريكي إن مُعدلات الانتحار بين جنوده سجلت ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الثلاث الماضية (2006-2008)، حيثُ وصلت إلى مستويات لم يشهدها الجيش منذ أكثر من ربع قرن. ودلت الأرقام التي نشرها الجيش الخميس 31-1-2008، على أن أكثر من ألفي جندي حاولوا الانتحار خلال عام 2006. وبلغ عدد الجنُود الذين انتحروا خلال ذات العام 2006 نحو 102 جندي، أي ضعف عددهم عام 2001، وهو العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة حروبها التي وضعت ضغوطا على الجيش الأمريكي، حسب أرقام الجيش، وتزيد هذه الأرقام عن عدد المُنتحرين عام 2007 الذي تأكدت فيه 89 حادثة انتحار بينما وقعت 32 وفاة أخرى ينتظر تأكيد ما إذا كانت نتيجة الانتحار (89+32=112)، وارتفعت نسبة الانتحار بين الجنُود النظاميين بنسبة 17,5% لكل 100 ألف جندي بنهاية عام 2006، بارتفاع نسبته 12,8 لكل 100 ألف جندي عند بداية العام ذاته، مما يزيد عن المُعدل القياسي السابق الذي بلغ 15,8 لكل 100 ألف في منتصف الثمانينات. ([40]) ث- إحصائيات انتحار الجنُود الأمريكان في العراق لعام 2007: وفقا لتقرير الجيش الأمريكي عن حالات الانتحار بين الجنُود بلغ عدد الجنُود الذين انتحروا في عام 2007، 115 جنديا، أي بزيادة 13 % عن حالات الانتحار في عام 2006. ([41]) وهو المُعدل الأعلى الذي تم تسجيله ـ حينها ـ منذ عام 1980، وهو العام الذي بدأ فيه الجيش الأمريكي رصد حالات الانتحار في صفوفه. ([42]) في حين قالت مصادر مطلعة في القوات المسلحة الأمريكية لـ CNN إن الدراسات الحالية تشير إلى رقم قياسي غير مسبوق أيضاً على صعيد الانتحار للجنود في الخدمة الفعلية، إذ يعتقد أن العدد للعام 2007 يقارب 89 حالة، فيما لا تزال التحقيقات جارية لمعرفة حقيقة 32 حالة أخرى (89+32= 112 وهو رقم قريب جداً من الرقم 115 المُعلن عنه أعلاه) وتأتي هذه الأرقام المرعبة، في وقت ما تزال فيه الأوساط العسكرية الأمريكية تدرسُ تداعيات المُعدلات المرتفعة لحالات الانتحار، وكانت شبكة سي.أن.أن قد ذكرت الأرقام الرسمية التي حصلت على نسخة منها من الجيش الأمريكي أن العام 2007 شهد قرابة 2100 حادث قام خلاله جنود من الجيش بالانتحار أو إيذاء أنفسهم، وذلك مقارنة بالعام 2002 على سبيل المثال، والذي لم يشهد أكثر من 350 حادثة مماثلة. ([43]) وكانت قناة "روسيا اليوم" قد نقلت عن دراسة أعدها البنتاجون أيضاً القول: أن خُمسْ الجنُود الأمريكيين المنتشرين في العراق يعانون من اضطراب عقلي، كما أن حالات الانتحار بينهم ارتفعت من 115 حالة عام 2007 إلى 143 حالة مماثلة عام 2008 ، حيث تطرح القضية تساؤلات عده حول الجهود المبذولة للتصدي لظاهرة الإرهاق النفسي في صفوف الجيش الأمريكي المُحتل ومُعالجة وضعُهم المُضطرب في العراق وأفغانستان.؟! في حين أشارت مصادر أخرى كانت قد نشرت أرقام أولية في يناير/ كانون الثاني 2008 أن عدد حالات الانتحار في 2007 قد يصل إلى 121