شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

] فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى

 وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ  مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [.([1])

 

         

 

المبحث الخامس :

دور المقاومة العراقية في تفشي "وباء الانتحار" في القوات المسلحة الأمريكية المُحتلة للعراق

وارتفاع نسب الانتحار بين جنودهِ

 

(( يكاد رأسي ينفجر من الدماء المتورمة وعاصفة البرق بداخله..؟! )) ([2])

 

 

 

سعى ولا زال البيت الأبيض الأمريكي وعلى مساراته بلا شك كان البنتاغون على فرض حظرٍ لا نبالغ إن قلنا أنه مؤثر على المقاومة العراقية، وقد أخذ هذا الحظر أشكالاً مختلفة لا أودُ الاسترسال فيها، ولكني أتناول مفردة من مفردات ذلك الحظر لبيان فقط حجم المؤامرة على المقاومة العراقية المُجاهدة والصابرة، هذه المفردة تتضمن وصف المقاومة العراقية بالمنظمة الإرهابية، وأن مُقاتليها إرهابيون لجريرةٍ واحدة فقط أنهم قاتلوا الاحتلال الأمريكي ورفضوا أن يُدنس عراقهم/وطنهم ذلك المحتل الكافر، فكان أنْ تُرجمت هذه السمة اللا قانونية في الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية التي تم توقيعها بين كل من جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق ونوري المالكي بصفته رئيس الوزراء المُعترف بهِ أمريكيا مُذكرة التفاهم للاتفاقية الأمنية يوم 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2007م بعد أن تم إبرامِها يوم 28 أغسطس/آب 2007م إلا إنها لم تعلن لأسبابٍ لم تحدد ولم تُذكر، وأصبحت تلك الاتفاقية حيز التنفيذ بدءًا من الأول من كانون الثاني/يناير 2009، فقد تضمن نص الفقرة (1) مـن: [ المادة الرابعة: المهام:

 

1 - تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لأغراض مساندة العراق في جهوده من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق ، بما في ذلك التعاون في القيام بعمليات ضد تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى والمجموعات الخارجة عن القانون بما في ذلك فلول النظام السابق.]. ([3])

المهم في هذه المادة أن الاتفاق بين قيادة الاحتلال الأمريكي وحكومة الاحتلال الرابعة التي وقّعت على تلك الاتفاقية التي جعلت العراق بلداً ليس فاقداً فقط لاستقلاليته بل لسياديته وتجذير الطائفية وتجزئته كونها جاءت لتعزز ما رسخه الحاكم الأمريكي "بريمر"  في الدستور الأمريكي للعراق، أنها قد جعلت من المقاومة العراقية مقاومة إرهابية وبذات الوقت خارجه عن القانون، وأن مقاتليها إرهابيون وكذلك خرجوا عن القانون، لذا فقد نصت تلك الفقرة على التعاون الوثيق والتآزر بين قوات الاحتلال الأمريكي للعراق مع حكومة الاحتلال الرابعة بقيادة المالكي الذي وقع على تلك الاتفاقية كما أشرنا آنفاً وهو لا يفقه دستورية وقانونية موادها كافة على القيام بعمليات مشتركة بينهما لملاحقة وقتل مقاتلي المقاومة العراقية، فهذا بحد ذاته يتمثل تسويغاً لا قانونياً ولا أخلاقياً للحد من فعاليات المقاومة العراقية ([4]) ويساند هذه الملاحقة للمقاومة العراقية عبارة  أخرى جاءت لتعززها وردت في بداية الفقرة أعلاه وأكررها للضرورة: "من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق"، أي كانت الملاحقة المُشتركة لقوات الاحتلال الأمريكية وحكومات الاحتلال في بغداد المُحتلة للمقاومة العراقية قد بُرر بالعبارة أعلاه التي ما هي إلا شكلاً من أشكال النفاق اللا أخلاقي الذي يكمنُ في أن الاحتلال الأمريكي وما قامت وتقوم به حكومات الاحتلال هي التي ينطبق عليها وصف الإرهاب الذي يجب فعلاً التعاون بين المقاومة العراقية وشعب العراق لمُقاتلة الاحتلال الأمريكي.

 

مثل ذلك وغيرهُ الأكثر لم يثنِ من عزيمة مقاتلي المقاومة العراقية التي لا زالت تُقاتل ذلك الاحتلال وتوقع فيه أكبر الخسائر، ولعل من أهم هذه الخسائر ما يحلُ بجنود الاحتلال أمريكي من أمراضِ نفسية وعصبية و...إلخ قادت جميعها اؤلئك الجنود الضحية لقادتهم في البيت الأبيض إلى الإقدام على الانتحار، فمنهم مَنْ نجح في انتحاره وفارق الحياة، ومنهم مَنْ تمكن زملائه من إنقاذه ولم يستطع أنْ يُحقق مُبتغاه وبقي على قيدِ الحياة، ولبيان أهمية هذا التأثير للمقاومة العراقية وتوثيقهُ للتاريخ فقد تتبعنا بصبرٍ وأناة هذا الموضوع من كل جوانبه قدر الإمكان لإنجاز بحثاً مُستقلاً موثقاً باعترافات المسؤولين في الكونغرس الأمريكي، ووزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، والأطباء المُختصين، ووسائل الإعلام الأمريكية والمُنتحرين نفسهم قبل انتحارهم و...إلخ حيث يُعد ما ورد فيهِ الذي أتناولهُ وفق التسلسل البحثي الآتي مفخرةً للعراقيين بشكل خاص والمُسلمين والعرب بشكل عام:

 

1-  تعريف الانتحار ((Suicide ([5]):

من الناحية الأكاديمية عُرف الانتحار بتعاريف مُتعدده، منها: [ عدوان على الذات، شعوري وإرادي، يسبّب الموت. ] ومنها أنَّ: [ الانتحار هو التصرف المتعمد من قبل شخص ما لإنهاء حياته.] في حين يرى آخرون: [ أنه قتل النفس تخلصا من الحياة التي وهبها الله لعباده.] وقد اختلفت الآراء حول الانتحار هل يعكس شجاعة الشخص المنتحر؟ أم جبنه وانعكاس لفشله وعدم الحاجة لاستمرار حياته.؟

 

الانتحار أكثر تواتراً لدى الرجال منه لدى النساء (أكثر بمرتين إلى ثلاث)، ولكن محاولات الانتحار منتشرة لدى النساء أكثر من الرجال بمرتين... أما أسباب الانتحار فمعقدة ولا تزال غير معروفة بصورة كاملة، ونجد على الغالب، لدى الشباب، إخفاقاً مدرسياً أو عاطفياً، والانعزال الوجداني (طلاب، متدربون، انتقلوا إلى مدن كبيرة)، وغياب التواصل، والإرهاق، وانشغال البال بالمستقبل والصعوبات المادية، والعدوى الذهنية، والمحاكاة، يمكنهما أن يؤديا دوراً في الانتحار.

 

2- الانتحار في المجتمع الأمريكي:

أجد من الضروري أن أعرج بإيجاز على تاريخ الانتحار في المُجتمع الأمريكي مُنطلقاً من أنَّ مُنتسبي الجيش الأمريكي هم من ذات مُجتمعهم، لذا فإن تصرفاتهم تأتي انعكاساً لما تطبعوا عليه أو بالأحرى اكتسبوه من عادات وتقاليد تميز بها ذلك المُجتمع، وهنا لابد من الإشارة إلى أنه ربما كان عدد مُعين من مُنتسبي ذلك الجيش هم من خارج المُجتمع الأمريكي، إلا أننا يجب أن لا نغفل أن ذلك العدد قد عايش فترة زمنية طويلة للمُجتمع الأمريكي الأمر دفعهم على الأعم إلى التطبُع بما هو سائد فيه من إيجابيات وسلبيات، فمما ورد عن: المُجتمع الأمريكي أنه ينتحر فيه 75 شخص كل يوم ، أي شخص كل 20 دقيقة ، أي 25 ألف حالة انتحار في السنة، وقد وجد أن أشهر مكان للانتحار في العالم هو جسر البوابة الذهبية في سان فرانسيسكو ( Golden Gate Bridge )، فقد انتحر من أعلى هذا الجسر 900 شخص منذ إنشائه عام 1937، وقد وجد أن ولاية نيوجرسي في أمريكا هي أقل الولايات من حيث معدل الانتحار مقارنة بولاية نيفادا التي سجلت أعلى معدل بين الولايات الأخرى.. وكانت إحصائية أمريكية حديثة نشرتها صحيفة 'يو إس إيه توداي' الأمريكية قد كشفت في عددها الصادر في التاسع من مارس  2005 – كشفت  عن ازدياد حالات الانتحار في الولايات المتحدة مقارنة بجرائم القتل.

 

وقد أكدت الإحصائية تسجيل 29 ألف حالة انتحار سنويا بواقع 80 حالة يومياً. ويعني ذلك 3 حالات انتحار مقابل جريمتي قتل، وعزي  ذلك إلى زيادة حالات الاكتئاب ومشاعر القلق بالإضافة إلى الأمراض العقلية والنفسية، وقد بلغت حالات الانتحار في ولاية أوريجون وحدها 518 حالة مقابل 71 جريمة قتل عام 2002.

 

3- السلوكيات الانتحارية للمُنتحرين من الجنود الأمريكان في العراق:

أما ما يتعلق بشكل/أشكال السلوكيات الانتحارية، فأنها يُمكن أن تكون ذات وظائف مختلفة ثلاث: فالانتحار، بالنسبة لبعض الأفراد، يكوّن وسيلة تجنب، الهروب من وضع هم عاجزون عن قبوله. وهو، بالنسبة لآخرين، يقابل الارتداد ضد الذات، ارتداد دافع عدواني لم يكن يمكنه أن يوجه ضد الغير. إنهم يعتدون مع ذلك على من يحيطون بهم حين يعتدون على حياتهم هُمْ، ذلك أن على مَنْ يحيطون بهم أنْ يواجهو الحزن، بل تأنيب الضمير، والانتحار بالنسبة للكثيرين، أخيراً، رسالة يائسة تعبر عن ضروب اللوم الموجهة إلى الغير على اللامبالاة، كما تعبر في الوقت نفسه عن العجز عن الاضطلاع بوضع صعب. ويعاني كثير من المنتحرين عاطفة العزلة والنبذ.

 

ومن الجدير التأكيد عليه ونحنُ نتحدث عن ارتفاع في نسبة الانتحار في الجيش الأمريكي، فإن الرأي العام الأمريكي لم يكُن مؤيداً لقادته في البيت الأبيض بشن الحرب على العراق، وهذا ما كان يروج له  السيد "جيري لانسون" الذي دعا إلى جلب الانتباه لمثل ذلك الرفض، بمقالٍ لهُ صحيفة "كريستيان ساينس مونتور"، بتاريخ 30/10/2007، يستغربُ فيه التعتيم الإعلامي على الاحتجاجات المناهضة لغزو العراق في 11 مدينة رئيسية أمريكية على الأقل مثل بوسطن ونيويورك، وعلى ظاهرة ارتفاع وتيرة الانتحار بين الجنود الأمريكان مقترحاً على المنظمات الإخبارية القيام بواجبها لتغطية الأخبار، وتوعية العامة حول مخاطر استفحال تلك الظاهرة،

وعلى منوال الرفض أعلاه للحرب على العراق كان رفض العديد من الجنود الذين لم يكونوا راغبين بالأساس باحتلال العراق، أو أنهم كانوا مُتضامنين مع الرئيس بوش وأركانه بشن الحرب في ضوء ما أعلن عنه وقتئذٍ من مُبررات، ثم وجدوا بأنفسهم أنَّ تلك المُبررات كانت كذبة فاضحة وبذات الوقت مُفتعلة ومُختلقة، ولم تكن إلا لمصالح بين سياسية، ومادية وعقيدية و...إلخ، فعدلوا عن ذلك التضامن ليحل محلهُ السُخط على الحرب سيما وأن الذي عزز من ارتفاع ذلك السخط الذي تحول لاحقاً إلى اضطرابات نفسية، وعصبية، و..إلخ هو عمليات المقاومة العراقية، ثم ليتحول كُل ذلك بصورةٍ غير منظورة على الأعم إلى تمهيد للمرحلة الأكثر صعوبة هو الـ: "اكتئاب" المرحلة الأخيرة التي تؤدي إلى الانتحار على الأعم؟!

 

ومما يؤيد رؤيتنا هذه من حيث الشاهد والدليل: ((اعتراف جندي أمريكي بقوله: [ انهارت معنوياتي عندما قالوا لنا لدينا مهام أخرى لكم هنا..؟!]، واعترافُ آخر، بقولهِ: [ أتينا إلى هنا بعقلية المحارب وليس بذهنية قوات حفظ سلام..؟!] وآخر يُريد أن يُعلمْ رؤساءه، بـ: [ أن الجميع تعب هنا، الجنود هنا تعبوا وملوا..؟!] ويؤيدُهُ آخر، بمُطالبتهِ، بـ: [ ليعيدونا إلى ديارنا وليأتوا بآخرين محلنا..؟!]، ولكن على الطرف الآخر كان أكثر ما يُخيف الكثير من جنود الاحتلال الأمريكي ويُؤثر عليهم من الناحية النفسية هي الكتابات على الجدران التي كانت تُمجد بالمقاومة العراقية، فمنها اعتراف: [ جندي تخيفه كتابة على أحد جدران مدينة الفلوجة تقول: (( ليُبارك الله مقاومي حي المساجد )).].)).([6]) 

 

ثم كانت صدمة البعض منهم أكبر عند وجد اللا أخلاقية للقوات الأمريكية المُحتلة للعراق في آلية تعاملهم مع المدنيين العراقيين العُزل والأبرياء، فلم يكن يتوقع ذلك البعض من الجنود الأمريكان المُنتشرين مع وحداتهم المُحتلة للعراق أنْ تصل تلك اللا أخلاقية في القيام بعمليات تعذيب مُنظمة ومُمنهجة لؤلئك المدنيين العزل، فكان شكل تمردهم على ذلك قد أخذ منحى الانتحار للتعبير بشدة على ما شاهدوه هًم بأعينهم ولم يُشاهدوه عبر وسائل الإعلام أو نقلاً عن طرفٍ آخر، من الشواهد الحية على مثل هذا الأمر انتحار جندية أمريكية برصاص بندقيتها بعد أن شاهدت حفلة تعذيب (عارية) لسجناء عراقيين، هدّدهم المحققون بالقضاء على رجولتهم،  وتروي صحيفة الإندبنديت البريطانية بعض جوانب القصة قائلة: كان ذلك في أيلول/سبتمبر سنة 2003، بالقاعدة الجوية بتلعفر، قرب الموصل. كانت الجندية المتخصصة (أليسا) في واجب مع قسم الاستخبارات العسكرية للوحدة المحمولة جواً 101، وكانت طرق الاستجواب مختلفة جداً عن الحقيقة التي تعرفها (أليسا) الناطقة باللغة العربية، التي عُينت للعمل كمترجمة في جلسات الاستجواب بوحدة تسمى (القفص)!. وبعد ليلتين فقط رفضت القبول بحضور أية جلسة تحقيق. وأعيد تنسيبها ثانية إلى وحدةٍ أخرى، وفي 15 أيلول/سبتمبر رمت نفسها ببندقيتها. ووجد بالقرب من جثتها جهاز تسجيل من نوع (نوت بوك)، لكنّ محتوياته مُسحت كلها ربما لتجنب التحقيق مع مسؤول لاحق، واستمر الكذب بإخبار عائلتها في أريزونا أنها ماتت بسلاح غير معاد، وعُرف ذلك فقط بعد أنْ تتبع مراسل من أريزونا اسمه (كيفين أليستون) أسباب وفاتها، حيث توصل إلى أنها قد قتلت نفسها أي أنها ماتت مُنتحرة، ورفضت سلسلة المراجع العسكرية الاعتراف عن دوافع انتحارها سيما ما يتعلق باعتراضاتها المُتكررة على آلية التحقيق مع العراقيين  كما رفضت الكشف عن الوثائق التي تؤكد أن "اليسا" قد انتحرت وليس كما تم أخبار أهلها بأنها قد ماتت بسلاح غير معاد؟! ودفنت (أليسا) في مقبرة مدينة بلاكستاف التي تسكنها عائلتها.

 

ومن السلوكيات التي تميز الجندي الأمريكي سيما في العراق السرعة جداً في الانفعال، والغضب و...إلخ الذي يتحول ربما لاحقاً إلى عدوانية حتى إنْ كانت على نفسهِ؟!، ولعل من أشد الأمثلة التي حدثت على أرض العراق تجسيداً لما ورد آنفاً، ما: (( قالوا وكتبوا عن جندي كان يخدم في العراق قبل أربعةِ سنوات، وتلقى رسالة من زوجته تُعلمُهُ بأنها تُريد الطلاق، ولم تعُدْ تصبر على العيشِ معه بالتقسيط، فانتفض للحال وكان ردّه سريعاً: طوى الرسالة بيديه ووضعها في فمه ثم أطلق رصاصة في صدغه بالرأس وأصبح جثة؟! لو انتظر ذلك الجندي العجول ما معدله الزمني قراءة خمسة أسطر، أي تقريباً نصف دقيقة على الأكثر، لكان لا يزال حياً إلى اليوم، ففي آخر الرسالة كتبت له زوجته جين: أنا أمزح طبعاً مايكل، وأحبك ولن أتخلى عنك، وبانتظارك ولو طال الانتظار سنوات.؟!)).([7])  

 

لذا لم يكن غريباً في ظل ما ورد آنفاً وغيرُهُ الأكثر القول من حيث اليقين أنَّ الجيش الأمريكي يعاني في العراق من وباء وليس مرض هو ما عُرف بـ: "وباء الانتحار"، مثل هذا اليقين اعترف به الأمريكان ذاتهم وأصبحوا أمام حقيقة لا يُمكن إخفائها على الرأي العام الأمريكي أن ذلك الوباء بفعل المقاومة العراقية قد تفشى بين جنودهم، فقد: (( جاء في تقارير (أذاعته محطة "سي بي أس" الأمريكية في 15 تشرين الثاني 2007، عن دراسة استمرت خمسة أشهر حول جنود أمريكان شاركوا بالقتال في أفغانستان والعراق) بأن القوات المسلحة الأمريكية بعامة تعاني من "وباء الانتحار"، ومعدلات الانتحار آخذة بالارتفاع في صفوف القوات الأمريكية المحتلة وبشكل سريع إذ بلغ عدد المنتحرين من الجنود العائدين إلى بيوتهم في إجازات من الجيش (6256) عسكريا تتراوح أعمارهم ما بين (20 و24 سنة) أي بمعدل 120 حالة انتحار أسبوعيا.

 

أما بالنسبة لأوضاع الجنود الأمريكيين في العراق فإن الحرب قد تسبب في إصابتهم بإصابات وجروح بالغة الخطورة لم تكن معروفة فيما سبق للقوات الأمريكية من نزاعات، فقد كشفت دراسة قام بها الأطباء في الجيش أن ما يتراوح بين (15 و20%) من القوات الأمريكية المحتلة في العراق يعانون من أمراض نفسية قد تدفعهم إلى الانتحار، بسبب الحرب المستمرة هناك ومصيرهم المجهول، بل أكد اعتراف جديد للبنتاغون بأن معدل انتحار الجنود الأمريكان في العراق يواصل ارتفاعه مع ارتفاع نسبة الذين يعانون من اضطرابات نفسية في العام 2006 إلى (70%).)). ([8])   

 

4- طرُق الانتحار التي استخدمها الجنود الأمريكان المُنتحرون:

تختلف طرُق محاولة الانتحار باختلاف الأساليب، فمنها غير العنيفة نسبياً (مثل تعاطي السُم أو تعاطي جرعة أكبر من اللازم ) إلى الطرق العنيفة (مثل إطلاق النار وقطع الشريان)، ويميل الرجال إلى اختيار الطرق العنيفة، وهذا يُرجح احتمال أن تحظى محاولات الانتحار عند الرجال بالنجاح. يتم عدد كبير من محاولات الانتحار غير الناجحة بكيفية تجعل الإنقاذ ممكناً وأن تعتبر هذه المحاولات بمثابة صرخة لطلب المساعدة والنجدة. 

 

ولم يُثبت خلال تتبعنا لمسارات الانتحار في الجيش الأمريكي أن أياً من الطرق الغير العنيفة قد اُستخدمت إلا في حالاتٍ استثنائية جداً، بل لم يتم إلا استخدام الطرق العنيفة سيما إطلاق النار من قبل المُنتحر على نفسهِ، أو إطلاقه النار على زملائه القريبين منهُ،  ثم إطلاق النار على نفسهِ، أو شنق المُنتحر لنفسه.؟! ولعل من أهم السمات التي تميز بها المجتمع الأمريكي من حيث تعدد طُرق الانتحار هو ما يُعرف بـ: ((الانتحار الجماعي))، والأمثلة على ذلك عديدة جميعها ضمن القرن الذي نعيش فيه وليس خلال عقودٍ مضت من الزمن، فمنها ما حدث بتاريخ 26 مارس 1997 في مدينة "سان ديجو" بولاية كاليفورنيا الأمريكية قيام (( مارشال هيرف أبل هوايت )) قائد الجماعة الدينية المسماة (( بوابة السماء (Heaven‘s Gate))) بالانتحار بواسطة تعاطي حبوب فينوباربيتال وقد تبعه فى الانتحار 38 شخصاً من أتباعه اجتمعوا فى مكان واحد ليموتوا سوياً خلف زعيمهم الروحى الذى أطلق شائعة بأنه مصاب بسرطان الكبد وأنه لا بد وأن يموت فى هذا اليوم وأن موته يفتح له أبواب الجنة حيث ستصعد روحه فى سفينة فضاء لتخترق حجب السماء نحو الجنة، حيث أقتنع أتباعهُ بقولهِ وفضّلوا أن تتبع أرواحهم روح زعيمهم فى الصعود إلى السماء.؟! ومما يُثير الاستغراب أن الجماعة الدينية أعلاه قد تكونت من خلال الإنترنت حيث تعرف الأعضاء على زعيم الجماعة وعلى بعضهم البعض، وكانت تعاليم الجماعة تصل إلى أعضائها عبر هذه الشبكة وقد احتار علماء النفس كثيراً فى محاولة تفسير ظاهرة الانتحار الجماعي أعلاه.. وكان قد سبق عملية الانتحار الجماعي أعلاه عملية أخرى توازيها من حيث البشاعة، فقد أقدم أتباع القس (جيم جونز)، وهو قـس مهووس، ومدمـن للمخدرات، أقام لأتباعه مزرعة ضخمة في مدينة جوانا بولاية سان فرانسيكو بالولايات المتحدة وجمعهم فيها، وأباح لهم الجنس، وأتاح لهم المخدرات، وظنوا أن الحياة داخل هذه المزرعة هي السعـادة، وأن هذا هو النعيم المقيم، ولكن بعد فترة خاب ظنهم، وأصابهم الإحباط، واستطاع هذا القس إقناعهم بالانتحار.. وبالفعل وفي عام 1978م أقدم 918 شخصاً على الانتحار، وكان بينهم كثير من الأطفال وكبار السن، والعجيب أن الانتحار كان بتـناول مادة السيانيد السامة، ومن امتـنع عن تناول السيانيد قتل رمياً بالرصاص..)). ([9])   

 

لذا فإنه من غير المُستغرب أنْ يشهد الجيش الأمريكي انتحاراً شبيه بالانتحار الجماعي فقد شهـدت: (( إحدى الفرق العسكرية الأمريكية التي مقرها مقرّها قاعدة فورت كامبل انتحار 14 جنديا في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2009، ما اقتضى استدعاءها بكاملها للوقوف على أسباب تزايد انتحار جنودها.

 

وأكد رئيس هيئة الأركان الأدميرال "مايك مولن" حينها أن التحدي المؤلم الذي يعكس حالة القوات المسلحة المزرية يتجاوز فورت كامبل، وتوقع أن تفوق حصيلة المنتحرين هذا العام حصيلة 2008 البالغة 133 منتحرا، وهي ضعف حصيلة 2004، قبل اشتداد العنف بأفغانستان والعراق.

 

وقد نظمت فورت كامبل برامج متخصصة للتعريف بمفاهيم الإحباط الحاد والأعراض الأخرى لدى الجنود، لتقديم النصح والمشورة بعد انتحار ثلاثة جنود نهاية مايو/أيار 2009. كذلك شهد نفس العام 2009 وبالذات في قاعدة فورت هود بتكساس حالة انتحار شهريا، وبرر أطباء عسكريون النسب العالية من الانتحار أعلاه أنه جاء: ((تحت ضغط متطلبات الاحتفاظ بأعداد معينة من القوات، شاعت إعادة نشر جنود مصابين بأمراض عقلية بميادين القتال..؟!)).)). ([10])

 

5- أسباب أو دوافع انتحار الجنود الأمريكان في العراق:

أ‌-       من الأسباب/الدوافع التي تدفع الأشخاص للأقدام على الانتحار مُتعدده، فمنها: الاكتئاب، الشعور بالعجز واليأس، مشاعر واتجاهات سلبية لدى الشخص عن نفسه، التفسخ الاجتماعي وانهيار معنويات الشخص، العزلة الاجتماعية أو الهيكل الاجتماعي المتفكك، البطالة، الإصابة بالأمراض الفتاكة مثل الايدز، الإختلالات العقلية الوراثية، عدم توازن الكيماويات الحيوية في المخ، وقد كان للأسباب/الدوافع الأولى فاعليتها في ارتفاع وتيرة الانتحار في الجيش الأمريكي وكما سنتناولهُ لاحقاً، حيث كان لعمليات المقاومة العراقية تأثير مُباشر على ارتفاع نسبة الاكتئاب بين جنود الاحتلال في العراق، بذات الوقت الذي يُعد (الاكتئاب) السبب المحوري للانتحار بينهم، والذي يُمثل أيضاً مرضاً نفسياً مُعقداً ليتطور ويستفحل إلى أمراض مُتعدده أخرى سيما العزلة، والعدوانية، و...إلخ لينتهي الأمر بقتل المريض لنفسه (ينتحر) أو يقتل عدد من زُملائه ثم ينتحر.؟! ومما يؤكد رؤيتنا أعلاه أنه وفق: ((الإحصاءات الأميركية فإن أسباب الانتحار تعود بنسبة 30% إلى حدوث اكتئاب شديد وإلى نسبة 30% بسبب تفاعل عامل الاكتئاب مع تناول الكحول والمخدرات، بينما نسبة الـ 40% المتبقية تعود لأسباب متفرقة مثل المرض العضال المزمن والمؤلم مثل السرطان أو الشعور بالوحدة في هذه الحياة نتيجة فقدان رفيق الدرب.)). ([11])

 

ما ورد آنفاً نجده واضحاً في الحالات القلة التي أعلن عنها الإعلام الأمريكي ولم يستطع أنْ يتكتم عليها، وذلك حالات انتحار يقتل فيها المُنتحر زملائهِ ثم يسعى بدوره إلى الانتحار، وهذا ما حدث فعلاً في القاعدة الأمريكية في مملكة البحرين التي تُعد الحليف المقرب من الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي, سيما وأنها تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي، ويعيش فيها نحو خمسة آلاف أمريكي أغلبهم من العسكريين، وكان الرئيس بوش قد قرر في تشرين الأول/أكتوبر 2001، رفع تلك المملكة إلى مستوى "حليف كبير من خارج الحلف الأطلسي"، المهم أنه في القاعدة الأمريكية: ((أفاد بيان صدر عن الأسطول الخامس الأمريكي أن: [ بحارين أصيبا بطلقات نارية أدت إلى مقتلهما، وإصابة ثالث بجروح بالغة عند الساعة الخامسة فجر 22 تشرين الأول/أكتوبر 2007، وأعلنت وفاة بحارين على الفور، فيما نقل الثالث إلى مستشفى في المنامة لتلقي العلاج دون الكشف عن أسماء الضحايا لحين إبلاغ عائلاتهم، بذات الوقت الذي أعلن الجيش الأمريكي أنه يجري تحقيقا في الحادث] ومن المهم لدى القوات الأمريكية في مثلِ هذه الحوادث: [ أن الحادث ليس إرهابيا، وأنه ليس هناك مؤشرات على وقوع عمل إرهابي أو اقتحام للقاعدة الأمريكية الواقعة في منطقة "الجفير", شرق العاصمة البحرينية المنامة، وأن العناصر الأولى للتحقيق تشير إلى أن الحادث يشمل فقط عناصر في القوات الأمريكية] ولكنه مع ذلك فقد: [ تم إغلاق القاعدة الأمريكية لمدة ساعة بعد الحادث، حيث ذكرت تقارير إعلامية أنه لم تتم ملاحظة أية إجراءات أمن احترازية في محيط القاعدة بمنطقة "الجفير"، حيث استمرت حركة المرور في هذه الضاحية الحديثة التي نشأت على أطراف قرية "الجفير" شرقي المنامة، وهي ضاحية تبدو غربية الطابع.. ويقطنها الكثير من عناصر البحرية الأمريكية وعائلاتهم..]، ومن طرفها أيضاً [ أكدت وزارة الداخلية البحرينية أن حادث مقتل جنديتين من البحرية الأمريكية وإصابة بحار ثالث بجروح بالغة الاثنين 22-10-2007 في قاعدة بحرية أمريكية شرق المنامة "جنائي"، ويعود إلى خلاف بين الثلاثة، وكان الجندي الجريح هو مَنْ أطلق النار على زميليهِ قبل أن يحاول الانتحار بإطلاق النار على نفسه، مؤكدا أن جروحه خطيرة للغاية..].)). ([12])

 

ب‌-  كما أشرنا آنفاً أن سمات العنف تغلب على آلية الانتحار الجنود الأمريكان في العراق، إلا أن حالة الجندي الأمريكي "جوزيف سويل" البالغ من العمر 24 عاماً يُمكن استثناءها من ذلك، لأن وسيلة انتحاره كانت بما يُمكن أن نُعبر عنه "هادئةٌ لم تُثر صخب" وهي أنه أستخدم "السم" بدلاً من مُسدسهِ أو بندقيته، كما أنه قتل نفسه، ولم يقتل نظراءه كما هو الشائع في الجيش الأمريكي وكما أشرنا في هذا المبحث، ومن الجدير ذكرهُ أن تطوعه في الجيش الأمريكي في فبراير عام 2000 لم يكن جراء رغبة، بل من أجل الحصول على وظيفة مستقرة تمكنه من العناية بزوجته وأطفاله، غير أن ذلك الحلم تلاشى بانتحاره في العراق..؟! العوامل النفسية كانت وراء انتحار "سويل" الذي عانى الأمرّين جراء ابتعاده عن زوجته وبناته عام 2009 عندما كان يعمل لمدة سنة كاملة في كوريا الجنوبية مما اضطر رئيسه إلى منحه عطلة قصيرة لرؤية أفراد عائلته في الوطن لعل حالته النفسية تتحسن، ولكن الأمر مختلف تماما بالنسبة له في عام 2003م، حيث تم إرساله في آذار/مارس 2010 ـ وبعد خمسة أشهر فقط من إكمال مهمته في كوريا الجنوبية إلى الكويت ثم من بعدها إلى العراق، وفي العراق كانت نهاية "سويل"، فقد فارق الحياة بعد أن تناول قارورة من مادة سامة، وقد وصفت مصادر الجيش بأن مصرعه نتيجة لعمل غير عدائي.. غير أن قسيس الجيش أبلغ زوجته " ربيكا " بأنه انتحر.

 

الوضع النفسي لـ "سويل" كان غير اعتيادي، فعمليات المقاومة العراقية، والظلم والتعسف الذي تمارسه القوات المُحتلة الأمريكية تجاه العراقيين العُزل دون وجود أي مُبرر لاستخدامه، كانت تفعل فعلها فيه، زوجته تعترف بسوء حالته النفسية، بقولها: إنه عندما وصل زوجها ضمن قوات وحدة مدفعية الميدان الثالثة إلى العراق طلب منها أن تتصل بقائده وتناشده السماح له بإجازة قصيرة.. لم تكن تتوقع أن يكون زوجها قد وصل إلى تلك الحالة النفسية السيئة للغاية..

 

وقالت "روبيكا: "إنها سارعت بالفعل بالاتصال بقائد زوجها مناشدة منحه إجازة قصيرة غير أن القائد لم يعطها وعوداً جازمة حتى علمت بانتحار زوجها.

"ربيكا" تصغر زوجها "سويل" بعامين، وتعمل أمينة صندوق في مدينة لوفكين بولاية تكساس، حيث تقوم بتربية طفلتيها "جاكيلا" أربعة سنوات و "جادا" سنتين، انتحر زوجها تاركاً إياهم؟! ومن جهةٍ أخرى تبخر حلمهُ بالحصول على  وظيفة في أمريكا حيث من أجلها تطوع في الجيش الأمريكي؟!.)).([13])  

 

ت‌-  الأسباب/الدوافع آنفة الذكر تُرسل على الأعم إشارات تحذيرية بأن دقة ناقوس الخطر لمن هي فيه قد اقتربت، وبالتالي أصبح المريض قاب قوسين أو أدني منها لكي ينتحر؟! ومن هذا الإشارات: الإحساس بالكسل والتبلد العام والاهتياج، فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، الانطواء على النفس، الحزن الشديد أو الشعور بالفراغ، ضعف معنويات الشخص، اليأس، القلق، الصعوبة في التركيز وفقدان الذاكرة، النقد الذاتي، الانتقاص من قيمة الإنسان لنفسه، تغييرات في عادات الأكل، اضطرابات النوم (الأرق وما شابه) ، الإرهاق المُزمن، فقدان الطاقة، عدم الارتياح البدني مثل الإمساك وحالات الصداع، لتنتهي هذه الإشارات في حالة عدم مُعالجته إلى إشارات أخرى تدلُ على أن المرض قد استفحل بصاحبهِ، ومنها: تغيرات في الشخصية أو العادات ، الاكتئاب الشديد ، التوتر أو القلق ، الشعور بالعجز ، الشعور باليأس ، عدم القدرة على التمتع بالحياة ، العصبية ، التهور ، الأرق ، فقدان الشهية ، فقدان وزن الجسم ، الإهانة وسوء المعاملة، إعطاء الممتلكات للآخرين بدون مقابل ، تصريحات بالشعور بالذنب ، تصريحات متكررة بنية الانتحار. 

 

وقد فشل المُختصين في الجيش الأمريكي في العراق جميعاً دون استثناء في رصد تلك الإشارات التحذيرية والسعي لمُعالجتها الأمر الذي دفع قيادة البنتاغون بتاريخ 29 يوليو 2010 إلى إصدار تقرير شديد اللهجة ينتقدُ فيه القادة العسكريين على إهمالهم للإشارات التحذيرية أعلاه وعدم مُعالجتها بوقتٍ مُبكر مما أدى إلى ارتفاع وتيرة الانتحار في الجيش الأمريكي المُحتل للعراق، وهذا ما سنتناولهُ لاحقاً، هذا إذا ما علمنا أنَّ: (([ للجيش الأمريكي 19 (تسعة عشر) فرقة طبية تضم أطباء نفسانيين وأخصائيين اجتماعيين لمساعدة الجنود على تخطي الضغوط النفسية الناجمة عن الظروف المحيطة..]

 

فضلاً عن أنه خلال الفترة المنصرمة من الاحتلال العراق (2003 – 2010) أرسل البنتاغون: [ ما يزيد على 230 من المختصين بعلم النفس لدعم معنويات الجنود على الخطوط الأمامية.])).([14]) وقد كان إرسال تلك الفرق وألئك المُختصين جراء ما أكدته عدد من التقارير الطبية الأمريكية من أن الخدمات الطبية النفسية التي تُقدم للجنود الأمريكان المُنتشرين في العراق لم تكن بالمستوى المطلوب، فقد: (( أكد التقرير الصادر عن المفتش الصحي العام في الولايات المتحدة أن معدلات الانتحار في صفوف الجنود الأمريكيين العائدين من العراق وأفغانستان في ارتفاع مطرد, بسبب التقصير في العناية الطبية التي تقدمها العيادات النفسية المُخصصة لهم, وفشلها في منحِهم عناية نفسية على مدار الساعة، كما انتقد التقرير افتقار بعض تلك العيادات إلى تشخيص ملائم للحالات النفسية التي تصيب الجنود, إلى جانب نقص الخبرات لدى الأطقم الطبية العاملة, ما رفع حالات الانتحار لدى الجنود الذين يقصدون تلك العيادات إلى 1000 جندي سنويًا من أصل 5000 جندي سابق ينتحر كل عام.؟!)). ([15]) لذا وبوقتٍ مُبكر جداً شخّص الكونغرس الأمريكي الأمر آنف الذكر سيما وأن الصحافة الأمريكية قد سربت حالات واقعية لانتحار عدد من الجنود الأمريكان في ظل تصاعد علميات المقاومة العراقية، الأمر الذي دفع: ((الكونغرس الأمريكي (في 24/7/2007) إلى إصدار قانونا خاصاً عُرف بقانون: (( خفض معدلات انتحار الجنود الأمريكيين))، ثم أطلق عليهِ لاحقاً قانون (( جوشوا أومفيغ))، وقد أخذت هذه التسمية تسمية  الجندي الأمريكي من أيوا الذي مات مُنتحرا في العراق وهو في سن الـ22 وذلك بعد مرور أحد عشر شهرا على الاحتلال الأمريكي للعراق)). ([16]) ولم يؤدِ  مثل هذا القانون وغيرهُ أية نتيجةٍ تُذكر فيما يتعلق بالحد من عمليات الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي المُحتل للعراق في ظل ديمومة العمليات الجريئة والشُجاعة للمُقاومة العراقية.

 

ث‌-  شيوع فقدان التركيز وفقدان المؤقت للذاكرة: من الإشارات التحذيرية أعلاه التي شخّصها أطباء الجيش الأمريكي، وكانت ذات أهمية هي: (( شيوع فقدان التركيز وفقدان المؤقت للذاكرة، فقد أظهرت فحوصات أجريت لجنود أميركيين بعد عودتهم من الخدمة بالعراق شيوع الإحساس بالارتباك بينهم، وصعوبات بالتركيز وفقدانا مؤقتا للذاكرة، وفي مقارنة بين الحالتين الذهنية والعاطفية للجنود قبل وبعد الخدمة بالعراق، أظهرت دراسة أنه في حين أن غالبية الجنود ربما لم يتأثروا باسترجاع الذكريات والأحوال المزاجية السيئة المرتبطة بالتوتر بمرحلة ما بعد الصدمة إلا أن تغيرات نفسية غير مريحة قد حدثت لدى الكثير من العائدين.

 

واكتشفت الدراسة التي نشرت بدورية الجمعية الأميركية الطبية عدة تغيرات مبهمة بالوظائف الذهنية بعينة شملت 654 من قدامى المحاربين بالجيش الأميركي، وكان المشاركون بالدراسة قد تم نشرهم لمدة عام بالعراق، وقال جميعهم تقريبا إنهم تعرضوا لإطلاق نار عليهم بينما ذكر الثلثان أنهم رأوا أناسا يصابون أو يقتلون.

وقالت "جنيفر فاسترلينج" من كلية الطب بجامعة تولان إن النتائج التي توصلنا إليها تشير إلى أن نشر الجنود بالعراق كانت له أثار على التركيز والتعلم والذاكرة، لا يمكن أن يعزى لمشكلة طبية قبل السفر للعراق، وأضافت أنه حتى التدهور البسيط بالقدرة على تركيز الانتباه والتعلم وتذكر المعلومات الجديدة، قد يعكس مشكلة عصبية مبهمة مما يؤدي لمشاكل تحدث بالحياة اليومية وتؤثر على الأداء بمواقف تزداد فيها الضغوط.

 

وظهر على الكثيرين منهم زيادة سرعة رد فعلهم عما كانوا عليه قبل نشرهم وكان تصرفهم سريعا عن 307 جنود آخرين لم يتم نشرهم، ووصف باحثون رد الفعل السريع بأنه يعزى لقاعدة اهرب أو قاتل التي تتسم بها الحرب. )) .([17])

 

ج‌-  التهافت على تناول الكحول (الخمر) والمُخدرات والأدوية (العقاقير): ومن الأسباب/الدوافع المهمة الأخرى للانتحار التي تم الإشارةُ إلى مُجملها أعلاه، التهافت على تناول الخمر (الكحول) والمُخدرات والأدوية، ذلك أن عمليات المقاومة العراقية قد دفعت الكثير من منتسبي الجيش الأمريكي إلى الهروب من الواقع المرير الذين يعيشونه في العراق، واللجوء إلى مثل السموم التي كانت تنخر في أجسادهم ومعنوياتهم ليصلوا في المُحصلة النهائية إلى الانتحار أو الإجرام، أو الهروب من الخدمة العسكرية، أو...إلخ، في الحقيقة مثل هذا الأمر ليس انتقاصاً من الجيش الأمريكي، ولكنه حقيقةً اعترفت بها: (([ دراسة سابقة تناولت جنودا يعالجون بمستشفيات وزارة قدامى المحاربين، (وهؤلاء لا يشملون 60% من إجمالي القوات)، وجدت 37% من الذين نشروا بالعراق وأفغانستان، مشخصين بمشكلات صحة عقلية، بينهم 22% شخصوا باضطراب كرب ما بعد الصدمة، و17% بالاكتئاب، و7% بإدمان الكحول. وكان ثلث إجمالي المرضى مصابين بثلاث مشكلات صحة عقلية أو أكثر.؟!] ([18])، من جهةٍ أخرى فإن مما عزز من مصداقية الدراسةِ أعلاه أن: [ "الجنرال بيتر شياريلي" نائب رئيس أركان الجيش الأميركي أقر في مؤتمر صحافي لهُ عقده يوم الثلاثاء 17-11-2009 بدور الخمر (الكحول)، و..إلخ في ارتفاع نسبة الانتحار، بقولهِ: أن الجيش ينكب على دراسة الإفراط في تناول الكحول واستخدام المخدرات أو الأدوية بنسب أصبحت أكثر ارتفاعا مما كانت عليه قبل ثمان سنوات" معربا عن الأسف لوجود نقص في المستشارين المتخصصين لمساعدة الجنود.؟!]، ([19]) بذات الوقت الذي كشف فيه الجيش الأمريكي عام 2009: [ أنَّ حوالي واحد من كل خمسة جنود من الرتب الأقل يعانون من مشكلات صحة نفسية مثل الإحباط.؟!.]. ([20])

 

ومن الأدلة والشواهد التي تؤكد تهافت جنود الاحتلال الأمريكي على الخمر (الكحول) كما أشرنا آنفاً:  ((قصة الجندي الأمريكي المُنتسب للقوات البحرية "طوني كليكر": فلا يكاد يخلد إلى النوم في منزله بسانت بول عاصمة ولاية مينيسوتا الأميركية، حتى يجد نفسه قد استعاد مشاهد القتال في أرض المعركة، فيقفز من نومه مذعورا مرتعدا، ثم لا تفلح كل محاولاته في إعادته إلى النوم مرة أخرى.

 

وتقول "الصحفية ليزيت ألفاريز" في تحقيق صحفي نشرته "صحيفة نيويورك تايمز" في عددها يوم 8/7/2008، إن حالة "كليكر" هذه ما هي إلا جزء من شواهد عديدة بأن الإفراط في تناول الكحول (الخمر) بات ظاهرة متعاظمة وسط الجنود العائدين من أفغانستان والعراق.

 

أما الجندي "طوني كليكر" فقد بلغ به الحال بعد إدمانه الشرب أن تسبب في مصرع فتاة أميركية في إحدى طرقات مينيسوتا السريعة يوم 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2005، وقد حوكم بتهمة القتل غير العمد، لكن إدراك القاضي لما فعلته الحرب من تحطيم لرباطة جأش الجندي جعله يوافق على طلب المحامي إخضاعه لبرنامج تأهيلي مكثف بإحدى العيادات بعدما قضى عاما كاملا في السجن.؟!

 

ويقول خبراء إن ثمة دراسات تشير إلى أن المشكلة تتفشى بصفة خاصة بين من يعانون من اضطرابات تعقب الإصابة كما كان الحال إبان حرب فيتنام، كما تشير الدراسات إلى أن الإفراط في تعاطي المخدرات وسط العائدين زاد قليلا، لكنه يظل أقل كثيرا من حالات الإفراط في شرب المسكرات.

 

والحالة أعلاه - تقول ألفاريز في تحقيقها – يجد أعداد متزايدون من أولئك الجنود أنفسهم قد انزلقوا في متاهات الجريمة ليقفوا أمام القضاء الجنائي متهمين.

وينتهي الأمر ببعضهم في السجن لارتكابهم جرائم قتل أو غيرها من الجرائم الكبيرة، أما الكثرة الغالبة منهم فيتورطون في قضايا عراك في الحانات أو قيادة السيارة بإهمال أو جرائم عنف منزلي بسبب السكر.

 

ويرى المتحدث باسم الجيش الأميركي "الفريق جورج رايت" أن القوات المسلحة تأخذ ظاهرة الإفراط في تعاطي المخدرات والمسكرات على محمل الجد، وأنها ظلت لعقود من الزمان تسعى لنزع الهالة التي تضفى على تناولها.

 

ويقول الرقيب السابق بالقوات الأميركية الخاصة "بريان لين" إن المشكلة في القوات المسلحة اليوم تكمن في أنه يتعين على الجنود أن يكونوا محاربين وقتلة وأن يخوضوا الحرب, لكننا لم نعد نسمح لهم بتفريغ شحنات الكبت القابعة في نفوسهم كما اعتدنا أن نفعل؟!

 

وفي العام 2007 عاد آلاف الجنود الأميركيين إلى بلدهم بعد 15 شهرا قضوها في العراق, لكن سرعان ما اكتظت بهم عيادات الصحة العقلية في قواعدهم العسكرية.

ووجدت دراسة أجرتها منظمة "محاربون قدامى من أجل أميركا" أن حاجة الجنود إلى المساعدة النفسية قد تعاظمت, وأن العبء على العيادات أثقل كاهل نظام الصحة العقلية حتى طفق الجنود ينتظرون شهرا كي يحصلوا على مقابلة الطبيب، فما كان من الجنود والحالة هذه إلا أن بدؤوا يضمدون جراحاتهم في الحانات المحلية، كما تقول ألفاريز، وأظهرت أحدث دراسة حول السلوك المتعلق بالصحة كانت وزارة الدفاع الأميركية أجرتها عام 2005 ونشرت نتائجها العام الماضي، أن ربع أعداد الجنود الذين شملتهم الدراسة يعتبرون أنفسهم مفرطين في الشرب. ووصف تقرير الوزارة ارتفاع أعداد هؤلاء "بالمدعاة للقلق".([21]) من جهةٍ أخرى ربطت العقيد "كاثي بلاتوني" كبيرة أخصائيي علم النفس لدى قوات الاحتياط الأمريكية ووحدات الحرس الوطني بين تعدد مهام القوات الأمريكية وبين تناولهم العقاقير (الأدوية) التي عدتها الخطة الأولى باتجاه الانتحار سيما في ظل النظرة السلبية للقادة تجاه جنودهم فيما لو طلبوا استشارة نفسية، حيث تقول بهذا الخصوص: (( إن تزايد المهام العسكرية للوحدات الأمريكية، إلى جانب تفاقم المشاكل النفسية لدى الجنود وإكثارهم من تناول العقاقير المضادة للاكتئاب بسبب افتراقهم عن عائلاتهم العوامل الدافعة للانتحار، سيما وأن الكثير من تلك الأدوية قد تترك آثاراً جانبية تغذي فكرة الانتحار لدى المرضى، وخاصة أولئك الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 24 عاماً]، كما ألقت المسؤولية على قادة الجنود بسبب: [ استمرار نظرة بعض الضباط السلبية نحو جنودهم الذين يطلبون الحصول على مساعدة نفسية رغم تعليمات القيادة العسكرية بتشجيعهم.].)).([22])

 

 

ح‌-  مرض (( كرب ما بعد الصدمة )) من الأسباب المهمة في انتحار الجنود الأمريكان في العراق:

أولاً: من أسباب/دوافع الانتحار الذي فعل فعلهُ في المنتحرين من الجنود الأمريكان، هو ما أطلق عليه الأطباء الأمريكان بـ: (( كرب ما بعد الصدمه"([23])، الذي يُصيب الجنود الأمريكان عقب التعرض لإصابات وصدمات القتال، ويتمثل باسترجاعت مفزعة من الذاكرة، والمراوحة بين خدر عاطفي واندلاع الغضب وشعور بالذنب والاكتئاب. ويعاني بعضهم أرقا وقلقا وفقدان الذاكرة والانتباه، ولاحقا يقع بعضهم فريسة للإدمان بسبب هذا الكرب، الذي يؤدي لصحة بائسة جسديا كما هي نفسيا.

ولاحظ الباحثون أن الجنود المصابين بهذا الاضطراب، بعد خبرة قتالية أو دونها، أكثر تعرضاً للوفاة بأسباب خارجية، كالحوادث والإدمان والانتحار. والمصابون بالاضطراب نتيجة القتال أكثر تعرضا للوفاة بأمراض القلب والسرطانات أيضا.

 

 ووجدوا أن المصابين باضطراب "كرب بعد الصدمة" قد يشهدون لاحقا تغيرات بردود الفعل المناعية، ومستويات هرمون الكرب "كورتيزول" والكيماويات المنظمة لانفعالات القتال والاشتباك كالأدرينالين والدوبامين، كما رصد الباحثون ارتباطا مباشرا بين درجة التعرض للقتال وانخفاض مستويات هرمون الكرب، فزيادة وفيات المصابين بالاضطراب تظهر أن الكرب يقتل، وأن هناك شيئا سيئا، خاصة، يصاحب هذه الظاهرة، وقد يعود لمستويات هرمونات الكرب والضغوط النفسية..]، وأفضل وصف لمثل ذلك المرض، هو ما كتبهُ أحد الجنود الأمريكان، لـ: [ لوالده: يكاد رأسي ينفجر من الدماء المتورمة وعاصفة البرق بداخله..؟!]، والمُشكلة التي أدت إلى تفشي مثل ذلك المرض بين الجنود الأمريكان، هو أن: [ بعضهم أمضى شهورا طويلة قبل تشخيصهم باضطراب "كرب بعد الصدمة".]

 

وعزا الباحثون زيادة تشخيص المشكلات لتكرار نشر الجنود، وتراجع معنوياتهم، وغموض وخطر المهام القتالية حيث لا خطوط مواجهة محددة. ووجدوا أن نشوء "كرب بعد الصدمة" قد يستغرق سنوات، وكلما طالت فترة المتابعة الطبية زادت احتمالات تشخيصه، ما يؤكد أن الصراعات المطولة وتكرار نشر القوات يفاقم أعباء الجنود النفسية..])).([24])

 

ثانيا: إحصائيات اضطرابات ما بعد الصدمة المرضية في صفوف الجيش الأمريكي:

أفادت بيانات من الجيش الأمريكي أن حالات الإصابة الجديدة باضطرابات ما بعد الصدمة بين الجنود الأمريكيين الذين أرسلوا إلى العراق وأفغانستان ارتفعت بنسبة 46.4% في 2007 ليبلغ إجمالي عدد الحالات في خمس سنوات نحو 40 ألف حالة، وأظهرت الإحصاءات التي أصدرها الجيش أن عدد الحالات الجديدة التي شخصتها المنشآت العسكرية على أنها اضطرابات نتيجة التعرض لصدمات ارتفعت إلى 13981 حالة العام 2007 من 9549 حالة في عام 2006، وجاء هذا الارتفاع بعد أن أرسل الرئيس الأمريكي جورج بوش مزيدا من القوات للعراق في محاولة لقمع العنف الطائفي فضلاً عن زيادتهِ لفترة خدمة الجندي من 12 إلى 15 شهرا، ويصل بذلك عدد الحالات التي شخصتها المنشآت العسكرية إلى 39366 حالة في الفترة من الأول من يناير/ كانون الثاني 2003 الى31 ديسمبر/ كانون الأول 2007 بين أفراد القوات التي خدمت في العراق وأفغانستان.

 

ويشمل العدد الإجمالي 28365 حالة بين أفراد الجيش و5641 حالة بين مشاة البحرية و2884 بين أفراد البحرية و2476 من القوات الجوية.

 

وقال مسؤولون من الجيش أن ارتفاع الأعداد في السنوات القليلة الماضية يعكس جزئيا زيادة الوعي بالمرض ورصده من جانب الجيش الأمريكي، إلا أن اللفتنانت جنرال "اريك شوميكر" كبير الأطباء بالجيش كانت لهُ رؤية أخر، عبر عنها بقولهِ: [ إننا نعرض المزيد من الأفراد للقتل كذلك.؟!]، ويذهبُ الخبراء في البناغون إلى ذات ما ذهب إليه " شوميكر" ولكن بتعبير آخر، نصُهُ: [ أن أعراض الاضطرابات الناجمة عن التعرض لصدمات زادت مع عودة الجنود إلى القتال خلال فترات الخدمة.]. ([25]) بمعنى آخر أن عودتهم للخدمة عرضتهم للقتل من قبل مُقاتلي المقاومة العراقية الشُجعان.

 

فداحة المرض آنف الذكر أكد عليه: ((تقرير لمكتب المحاسبة الحكومي الأميركي صدر في مايو/أيار 2006 إن أكثر من 6% من جنود الجيش الذين خدموا بالعراق أو أفغانستان يعتبروا معرضين لخطر الإصابة باضطراب توتر ما بعد الصدمة، لكن 22% فقط من هؤلاء الأشخاص يتم تقييم حالتهم.

 

وبنفس الدورية([26]) التي تضمنت التقرير أعلاه أفادت دراسة أخرى نشرت بذات العام 2006 أن واحدا تقريبا بين كل عشرة جنود أميركيين خدموا بالعراق يعاني من توتر ما بعد الصدمة، وهو اضطراب يمكن أن يؤدي لكوابيس واجترار الذكريات وتفكير مشوش، وأوضحت الدراسة أن ثلاثة بين كل عشرة قالوا إنهم شعروا بتشوش ذهني بعد نشر القوات، مقارنة مع اثنين بين كل عشرة من قبل، وشعر ثلاثة بين كل عشرة جنود بمشاكل بالانتباه وقدرات التعلم اللفظية والذاكرة بعد نشرهم بالعراق، وعانى أكثر من واحد بين كل أربعة من الجنود من الاكتئاب.)). ([27])

 

ويُلاحظ مقدار الآثار الكبيرة جداً التي خلفتها عمليات المقاومة العراقية على القوات الأمريكية المُحتلة للعراق الأمر الذي وصل لعدم قدرة تلك الدولة الكونية على معالجة جنودها، مما يعكس نوعية تلك العمليات والمُنفذة بإتقان.

 

أعقب ذلك التقرير (([ دراسة طبية أميركية حيث وجدت أنَّ أكثر من ثُلث المحاربين القدامى الأميركيين الذين عملوا بالعراق وأفغانستان وانضموا إلى نظام الرعاية الصحية للمحاربين القدامى منذ أبريل/نيسان 2002، قد شُخِّصوا بمشكلات الصحة العقلية، خاصة اضطراب كرب ما بعد الصدمة والاكتئاب (PTSDوأجرى الدراسة باحثون من المركز الطبي لوزارة شؤون المحاربين بسان فرانسيسكو وجامعة كاليفورنيا، حيث شملت نحو 290 ألفاً من المحاربين القدامى المشاركين في حربي العراق وأفغانستان، وتلقوا رعاية صحية بمؤسسات الوزارة للرعاية الصحية بين عامي 2002 و2008، ونشرت الخميس 23/7/2009 بالموقع الإلكتروني للمجلة الأميركية للصحة العامة.]، ومما خلُصت إليه تلك الدراسة: [ فداحة الكروب التي يتعرض لها الجنود وعائلاتهم جراء سنوات من الحرب ونشرهم المتكرر في ساحاتها، وأنه كلما طال وجود هؤلاء المحاربين القدامى خارج الخدمة، كلما ازداد طردياً عدد المصابين بمشكلات الصحة العقلية، كما أظهرت الدراسة أن نشوء كرب ما بعد الصدمة قد يستغرق سنوات، وكلما طالت فترة متابعة المحاربين القدامى صحياً، زادت احتمالات تشخيصهم بهذا الاضطراب مع مرور الوقت، كما تؤكد النتائج مُحصلة أبحاث سابقة تقول بأن الصراعات المطولة وطول وتكرار نشر القوات، يراكم أعباء الجنود النفسية.

 

بذات الوقت لفت الباحثون إلى أن مستويات الإصابة بأمراض الصحة العقلية بين 1,6 مليون محارب خدموا بالعراق أو أفغانستان لا تُقَدّر بحسب نتائج الدراسة، لأن 60% منهم لا يتلقون رعاية صحية بمؤسسات وزارة المحاربين.

 

 ووجد الباحثون أيضاً أن قدامى المحاربين فوق الأربعين عاماً (بالحرس الوطني والاحتياط) كانوا أكثر تعرضاً للإصابة بكرب ما بعد الصدمة وتعاطي المخدرات، مقارنة بمن هم تحت 25 عاماً، والسبب المحتمل أن جنود الاحتياط الأكبر سناً يذهبون للحرب مغادرين حياة مدنية مستقرة (أسرة ووظيفة بدوام كامل)، مما يجعل استيعاب صدمة القتال أصعب.

 

 في المقابل، وجدت الدراسة أن قدامى المحاربين من الجنود المنتظمين بالخدمة الفعلية تحت 25 عاماً أكثر تعرضاً لكرب ما بعد الصدمة وتعاطي المخدرات مقارنة بمن هم فوق 40 عاماً، ربما لأن هؤلاء الجنود الأحدث سناً كانوا غالباً أكثر اشتباكاً بالقتال في خط المواجهة.] ومن المُهم ملاحظة أن مرض "كرب ما بعد الصدمة" في ضوء نتائج الدراسة قد شمل مَنْ هم فوق سن الأربعين عاماً، وكذلك سن الخامسة والعشرين عاماً، فالفئة العُمرية الأولى تعودت على حياةٍ هادئه ومُستقره، فقدتها بالكامل حيث وجدت نفسها أنها في ميدان معركة حقيقي غير قابل بحياة ترف ودعه، فارتفعت بينهم نسبة المرض أعلاه فضلاً عن تناولهم للمُخدرات، أما الفئة العمرية الثانية فهي بتماس مُباشر مع العمليات القتالية التي تشنها المقاومة العراقية فكانت تتلقى ضرباتها الشُجاعة من جميع الجهات (360 درجة) مما أدى إلى ارتفاع نسبة المرض أعلاه بينهم أيضاً فضلاً عن تعاطيهم للمُخدرات؟!

 

من جهةٍ أخرى لا بد من الانتباه إلى ما خلص إليه الباحثون أعلاه من أن 60% من الجنود الذين خدموا في العراق وأفغانستان لا يتلقون رعاية صحية بمؤسسات وزارة المحاربين؟! مما عطل بشكلٍ كبير مسارات معالجتهم من المرضين آنفي الذكر فضلاً عن أمراض الصحة العقلية؟! وهذا الموضوع سنتطرق إليه بوضوح أكثر في مادة المعالجات التي لجأت إليها البنتاغون للحد من نسب الانتحار التصاعدية؟

 

 من جهةٍ أخرى أكدت المؤلفة الرئيسية للدراسة الدكتورة "كارين سيل": [ زيادة تشخيص مشكلات الصحة العقلية إلى تكرار إرسال الجنود للعراق وأفغانستان، وغموض وخطر المهام هناك حيث لا توجد خطوط مواجهة محددة، ونمو الوعي العام بكرب ما بعد الصدمة، وتفاوت التأييد الشعبي للحربين، وتراجع معنويات القوات.] ولم تكن نتائج الدكتورة "سيل" هذه إلا انعكاساً حقيقياً للوضع الميداني الذي يعيشهُ الجندي الأمريكي في العراق، حيث يبقى في حالة من الترقب النفسي مُنتظراً متى سيموت، أو سيُعوق؟! فهو ما بينهما يُصيبه الكثير من الأمراض النفسية التي تُعيده لعائلته وهو على غير الحالة التي جاء بها إلى العراق؟

 

ومما أكد النتائج الرصينة التي توصلت إليها الدراسة أعلاه أن: [ مؤسسة راند للأبحاث أجرت استطلاعاً شمل 1965 محارباً نشروا بالعراق أو أفغانستان، تمخضت نتائجهُ عن أن 14% مُشخصون بكرب ما بعد الصدمة، ومثلهم مشخصون باكتئاب رئيسي، وهذا يفوق كثيراً الإصابة بين عامة الناس.]

 

ويُلاحظ على النتائج الترابط الوثيق بين أهم مُسببين للانتحار بين أفراد الجيش الأمريكي: كرب ما بعد الصدمة، والاكتئاب حيث كانت النسب المئوية متساوية بينهما؟!

مشاكل الصحة العقلية تسارعت وتيرتُها طردياً بتسارع وقوة عمليات المقاومة العراقية، فقد أكدت الدراسة أعلاه أيضاً على: [ تسارع زيادة تشخيص مشكلات الصحة العقلية بعد غزو العراق، فالمحاربون القدامى الذين انضموا إلى خدمات الوزارة الصحية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2004، شُخِّص 14,6% منهم بمشكلات صحة عقلية بعد سنة واحدة، وتضاعفت النسبة بعد أربع سنوات إلى 27,5%)).([28]) ويُلاحظ أن تضاعف نسبة المُصابين بمشكلات الصحة العقلية بين سنة 2004 وسنة 2008 هو الضعف، وهذا يؤكد بدوره على فشل الإجراءات الأمريكية كافه على مستوى البنتاغون في محاولة الحد على الأقل من مشاكل الصحة العقلية تلك، بذات الوقت الذي يؤكد بقوة فاعلية عمليات المقاومة العراقية.

 

ومن المهم جداً الإشارة إلى مُفردة من مفردات نتائج الدراسة أعلاه التي تميزت بدقة التشخيص وأكررها للضرورة: (( بذات الوقت لفت الباحثون إلى أن مستويات الإصابة بأمراض الصحة العقلية بين 1,6 مليون محارب خدموا بالعراق أو أفغانستان لا تُقَدّر بحسب نتائج الدراسة، لأن 60% منهم لا يتلقون رعاية صحية بمؤسسات وزارة المحاربين.))، وقد جاءت هذه الدقة من خلال تتبعنا مسارات أحداث هذا البحث الشيق الذي يُظهر بشكل جلي لا لبس فيه فعالية وقوة عمليات المقاومة العراقية أن حالة انتحار أحد الجنود الأمريكان قد جاء جراء عجزه من الحصول على علاج من مؤسسة المحاربين، حيث لم تستطع عائلة جندي المارينز "جيفري كيفين لوسي (23 سنة)" أنْ تتناسى الخبر الكارثي المُتمثل بانتحار أبنهم جيفري بشنق نفسه بعد 11 شهراً من عودته من العراق، حيث يصفُ والدُهُ ما حدث له مع ابنهِ في الليلةِ التي سبقت انتحاره، قائلاً: (( [ تحديداً بالساعة 11,30 مساءاً طلب مني جيفري أنْ يجلس في حضني وأنْ أهزُهُ، وفعلاً بقيت طوال 45 دقيقة أهزُهُ.] ثم كانت عملية انتحاره، التي عللها مُعالجُهُ النفسي، بقولهِ: [ إنَّ ما قام به جيفري هو اللجوء إلى آخرِ مكانٍ آمن وهو حُضنُ أبيه!؟]، في حين علل والده أن سبب انتحار ابنه يكمنُ في سببين، الأول قوله بأسى: [ أن جيفري لم يكُنْ قادراُ على الحصولِ على العلاجِ اللازم من إدارةِ قدامى المحاربين.؟!]، والثاني تأكيده أن عقدة الذنب بغزو العراق كانت وراء انتحار ابنه، فيُخاطب قادة البيت الأبيض بالقول: [ الجزء الغبي في الأمر كله هو أننا نريد من أي شخص منهم أن يعترف بارتكاب خطأ، ولكن لم يفعلوا ذلك حتى الآن.؟].)).([29]) ومن المهم جداً التوقف أن من ضمن أسباب الانتحار للحالة آنفة الذكر هو الاعتراض على غزو واحتلال العراق، سيما وكما أشرنا في أكثر من مكان من هذا البحث أن المُبررات المُعلنة من قبل قادة البيت الأبيض قد أثبت الواقع الميداني بعد الاحتلال كذب ذلك جُملةً وتفصيلاً مما دفع الكثير من الجنود الأمريكان إلى التعبير عن رفضهم المُشاركة في استمرارية ذلك الغزو والاحتلال اللا أخلاقي واللا إنساني بأشكال مختلفة أكثرها شدة كان هو الانتحار.

 

 

 

6-  إحصائيات عن أعداد المُنتحرين من جنود الاحتلال الأمريكي في العراق:

الاعتراف من قبل وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" بنسب الانتحار الحقيقية التي حدثت بين جنودها على أرض العراق المُحتل محضُ خيال؟! أمّا لماذا مُحض خيال؟ فالسِرُ يكمنُ في جُملةٍ من الأسباب، وما يهمُني في دراستي هذه أنْ أشير إلى أهمِ سببٍ يُعد سبباً محورياً رئيسياً ومنه تُشتق الأسباب الأُخرى، هذا السبب يكمنُ في أنَّ الاعتراف بالنسب الحقيقية من قبل البنتاغون يعني الاعتراف بالمقاومة العراقية الشُجاعة من طرف، ومن طرفٍ آخر يؤكد بقوة وإتقان عملياتها القتالية الشُجاعة، ومثل هذا الاعتراف بحد ذاته يُمثل انتكاسة كبيرة لجيش كوني لم يستطع أنْ يدحر مجاميع قتالية تؤمن حتى النُخاع بعدالة القضية التي تُقاتل من أجلِها، لا يُمكن قياس قدراتها وإمكانيتها التسليحية، و..إلخ مع معدات ذلك الجيش الكوني بأي شكلٍ من الأشكال، فضلاً عن أن القوات الميلشياوية للحرس الثوري الإيراني، وقوات الميلشياوية الانفصالية الكُردية وقوات حكومات الاحتلال الأمريكي و...إلخ المُتحالفة جميعُها مع الاحتلال الأمريكي، كانت ولا زالت جميعُها أيضاً تُلاحق مُقاتلي المقاومة العراقية، ولو تمعّنا في ما ورد آنفاً من قواتٍ بمستوى جيوش مُنظمة، وميلشيات إيرانية شعوبية، وكردية عنصرية بما تمتلكه من عددٍ بشري كبير جداً من الرجال المُدربين، وحقدٍ دفين على العراق وشعبهِ، وأسلحةٍ ذات تقنياتٍ مُعقدة، وتمويلٌ ماليٌ هائل لا بل خُرافي..إلخ من الكثير الكثير، سيجعلُنا نخرجُ حتماً بنتيجة نهائية يؤمن بها كُل مُنصف أنَّ مُقاتلي المقاومة العراقية كانوا ولا زالوا وسيبقون بإذن الله تعالى يستمدون قوتهم من اللهِ جلا جلالهُ حصراً سيما وأنَّ مُقاتليها آمنوا من ضمنِ ما آمنوا به قوله تعالى: ].. وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [،([30]) وقولُهُ تعالى: ].. وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [.([31]) وقولُهُ تعالى: ].. وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  [،([32]) وقولُهُ تعالى: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ  [،([33]) فسطروا ملاحم قتالية تفوق قُدرات وقابلية اؤلئك العلوج والمُتحالفين معهم، وأوقعوا فيهم الكثير من الخسائر الأمر الذي أفقدهم صوابهم وسعوا إلى الانسحابِ الجدي أكثر من مرة، ولكن العروض السخية التي قدمتها حكومات الاحتلال في بغداد على حساب شعب العراق وكرامته واستقلالهِ لقادة البيت الأبيض من أجل بقاء تلك القوات المحتلة حال وقتئذٍ ولا زال دون انسحابهم، هذا فضلاً عن الخسائر المُتمثلة بالانتحار التي زادت ليس من نسبة الخسائر فقط بل خلقت القناعة للمُجاهدين بشكلٍ خاص كم أنَّ ذلك الجيش الكوني ليس إلا "نموراً من ورق" كما قال عنهم وقتئذٍ الرئيس الصيني "ماو تسي تونغ"؟! وقد قمتُ شخصياً بمشروعٍ لا زلتُ أعمل عليه أنجزت منهُ أربعة مجاميع وهو قيامنا بتوثيق وتحليل مجوعات من الصور التي وقعت بأيدينا تُظهر انتصارات المقاومة العراقية على اؤلئك العلوج تم نشرها على شبكة المعلومات/الانترنيت،([34]) لذا فقد مارس البيت الأبيض الأمريكي سيما وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" حظراً إعلامياً على مستوى الرأي العام الأمريكي بشكل خاص والعالمي بشكل عام فرضَهُ قسراً على وسائل الإعلام كافة منع بموجبه نشر أية نسب عددية عن الانتحار أو أية قصة حقيقية عن حالات انتحار لمُجندين ومُجندات أمريكيات خدموا في العراق حصراً، إلا أن هذا الحظر تخللتهُ حالات استثنائية تمثّل في تسربِ معلومة من هنا وهناك تذكر رقماً أو إحصائية عن انتحار جنود في سنةٍ مُعينة من قبل وسائل الأعلام الأمريكية على الأعم، علماً أن مثل ذلك الحظر ذاتهُ مورس على نشر عمليات المقاومة العراقية المُجاهدة ناهيك عن الحظر عن ما يجري من تعذيب دموي في سجون الاحتلال الأمريكي وحكومات الاحتلال في بغداد المُحتلة، و..إلخ.

 

نسب الانتحار التصاعدية بين جنود الاحتلال الأمريكي في العراق التي سأتناولها أدناه فاقت نسبةَ انتحارِ المدنيِّين الأمريكان لأول مرة، الأمر الذي دفع السيناتور "لينسدي غراهام" ليتساءل: ماذا يجري في العراق؟! وعلى منوالهِ كانت "سندي شيهان" الناشطة الأمريكية المناهضة للحرب في العراق التي أعلنت من جهتها خلال شهر أيلول/سبتمبر 2009: أن الخسائر التي خلفتها حرب العراق وأفغانستان ضخمة جدا وأنها لا تقتصر على مقتل الجنُود فحسب بل خلَفت تداعيات وأثار وخيمة على الجنُود الأمريكيين لدرجة يقوم يوميا ثمانية جنود أمريكيين بالانتحار، مقارنة بما قبل بدء غزو العراق عندما كانت النسبة لا تتجاوز جنديا واحدا.

 

  ومن المُهم الإشارة إلى أنَّ الإحصائيات التي سأتناولها أدناه الموزعة على السنوات 2003-2010 تتسمم بالتذبذب، وهذا بحد ذاتهِ يعكس الصعوبات التي يواجهها الجيش الأمريكي في تقدير الحقائق التي تكشف عنها تلك الإحصائيات، وفي هذا السياق قال "كرتين" أحد المسؤولين في البنتاغون: "حقيقة، لا نعلم لماذا هذا التذبذب من عام إلى آخر."؟! فضلاً عن أن الاعتراف بحقيقة أرقام الانتحار ستؤكد في نهاية المطاف قوة المقاومة العراقية وهذا ما أشرنا إليه آنفاً، ولذا فإن البنتاغون كان ولا زال يسعى إلى الاعتراف بأرقام متفاوتة غير حقيقية على الأعم تُمثل الحد الأدنى للرقم الحقيقي، لذا فإنه ليس من السهولة الجزم من قبلنا برقم دون رقم آخر، إلا أنهُ ما يُعينُنا في هذا الأمر اعترافات المسؤولين الأمريكان على مستوى الكونغرس الأمريكي من طرف، واعترافات عدد من كبار ضباط البنتاغون أمام اللجان المُختصة في الكونغرس، فضلاً عن المُختصين من الأطباء ووسائل الأعلام الأمريكية المُختلفة من طرف آخر بفداحة نسب الانتحار الأمر الذي يؤكد أيضاً أنّ الأرقام الرسمية المُعلنة هي أرقام غير حقيقية، وأن الأرقام الحقيقية هي أكبر بكثير مما هو مُعلن، ومن الشواهد والأدلة التي تؤكد رؤيتنا هذه أيضاً أن وزارة الدفاع الأمريكية لا تعترف بحالات الانتحار وتعتبرها "حالات غير عسكرية ولا تدخل ضمن خسائر الجيش الأمريكي"، في حين تؤكد التقارير الأمريكية "أن الأرقام الفعلية للانتحار تشكل ضعف عدد الحالات المعلنة.؟!"، مثل هذا وغيرُهُ دفع صحيفة النيويورك تايمز الأميركية للتحذير بشدة: من أن إحصاء مُعدلات الانتحار ليست دقيقة دائماً، ولا تشمل عدد المُنتحرين في فروع عسكرية أخرى، أو الأشخاص الذين خرجوا من الخدمة العسكرية.؟!  مثل هذا الأمر دفع كبار قادة الجيش الأمريكي الاعتراف لشبكة C N N  من إنهم: يراقبون عن كثب أية مُؤشرات قد تدل على استمرار تصاعد مُعدلات هذه الظاهرة المقلقة. ([35])

 

وأدودُ أن ألفت انتباه القارئ الكريم بأنه سيرد في الإحصائيات أدناه عن المُنتحرين في الجيش الأمريكي تعابير عده، منها:

 

   الأول: نصُهُ: (( أقدموا على الانتحار )) ثم يأتي مٌباشرة الرقم للجنُود الأمريكان الذي أقدموا على الانتحار الذي غالباً ما يكونُ كبيراً لأنه يتضمن مَنْ نجح فعلاً في محاولة الانتحار ومات، ومَنْ حاول ولكنه فشل وتمكن زُملائُهُ القريبين منهُ من إنقاذهِ.

 

   الثاني: نصُهُ: (( انتحروا )) ثم يأتي مٌباشرة الرقم للجنود الأمريكان الذي نجحوا فعلاً في الانتحار وحسم أمرهم بالموت. 

   الثالث: نصُهُ: (( حالة انتحار بين عناصر الجيش الأمريكي المنتشرة حول العالم)): ويشملُ المُنتحرين من الجنُود الأمريكان حيث هم منتشرين في قواعدهم الكونية، وقد ألزمني سياق المعلومات من ذكرها بالرغم من أن بحثي يتعلق بانتحار الجنُود الأمريكان في العراق حصراً. 

 

وأخيراً أودُ الإشارة أيضاً إلى أنه خلال بياني لإحصائيات الجنُود المُنتحرين في العراق أدناه جرى تداخل بين السنين قيد البحث، حيث كانت غاية هذا التداخل هو المُقارنة بين أعداد المُنتحرين في تلك السنوات ليس إلا، وفصلها من قبلنا رُبما يؤثر على سياق دقة تسلسل المعلومات. 

 

أ‌-     إحصائيات انتحار الجنُود الأمريكان في العِراق لعام 2003:

عام 2003 يُعد عام غزو واحتلال العراق، ويُعد بذات الوقت وفق رؤية صقور البيت الأبيض الخاطئة عام الانتصار الكبير لتحقيقهم لذلك الغزو والاحتلال في فترة زمنيةٍ قياسية، ولكنه على الطرف الآخر يُمثل العام الذي سيكون بداية النهاية للإمبراطورية الكونية الولايات المتحدة الأمريكية، وما في ورد في هذا المبحث ومُجمل هذه الدراسة وغيرهُ الذي يملءُ مُجلدات كُلها إشارات ذات أهمية على أن تلك الإمبراطورية قد تلفظ أنفسها الأخيرة طال الزمن أم قرُبْ، وهذا هو شأن الإمبراطوريات الظالمة وفق ما علمنا إياه القرآن الكريم الذي قال فيها من ضمن قاله الله تعالى جلا جلالهُ: ] فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [.([36]) المهم أنَّ أحدث الإحصائيات العسكرية التي أتيح لـCNN الاطلاع عليها أظهرت أن 83 من الجنُود الأمريكيين المنتشرين حول العالم أقدموا على الانتحار خلال العام 2003 مقابل 67 حالة في العام 2004، وكان العام 2003 قد شهد 76 حالة انتحار بين عناصر الجيش الأمريكي المنتشرة حول العالم، منها 25 في العراق. ([37])   

 

ومن جهةٍ أخرى كشف مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الصحة "وليم وينكينويرد" في حديث لشبكة" سي إن إن " الأمريكية عن وقوع " 21 " حالة انتحار بين الجنُود الذين شاركوا في الحرب على العراق خلال عام 2003 لتصل النسبة إلى " 13,5% مقابل مائة ألف جندي بارتفاع " 9،10% عن عام 2002م. ([38])

 

ب‌-  إحصائيات انتحار الجنُود الأمريكان في العراق لعام 2004:

في 17 كانون الثاني/يناير 2009 ذكرت صحيفة يو أس أي تو دي أن" عدد الجنُود الأمريكيين الذين خدموا في العراق وأفغانستان وأقدموا على الانتحار ارتفع من (52) شخصاً في عام 2004 إلى (110) في عام 2006، من جهتهِ أعلن سلاح مشاة البحرية الأمريكية أن عدد حالات الانتحار بين أفراده ارتفع بنسبة 24%، بحيث بلغ مُعدل الانتحار بين مشاة البحرية (19) حالة لكل ( 100) ألف جندي، في حين أعلنت القوات البرية الأمريكية أن عدد المُنتحرين بين جنوده في الخدمة يزداد كل سنة منذ أربع سنوات, في موازاة تكثيف الجهود العسكرية في العراق وأفغانستان،  وتُفيد إحصاءات الجيش أن 30% من عمليات الانتحار قام بها جنود لدى إرسالهم في مهمات, وان ثلاثة أرباع هؤلاء الجنُود كانوا يقومون بأولى عملياتهم. ([39])

 

أما على مستوى صنف السلاح الجوي الأمريكي فقد كشف متحدث باسم هذه القوات عن ارتفاع معدلات الانتحار في صفوفه عام 2007، إلا أنه لم يستطع تحديد أي أسباب واضحة تقف وراء هذا الارتفاع، ففي عام 2004 سجلت 26 حالة انتحار بين عناصره، أي ما يساوي معدل سنوي يبلغ 13حالة لكل 100 ألف شخص، مقارنة مع 38 حالة انتحار عام 2003 والتي كانت عند معدلات سنوية بلغت 10,2 لكل مائة ألف، ونوه سلاح الجو أن الذكور الشباب يشكلون نسبة 24% من أصل 37% من قواته، لكنهم أيضا يمثلون نسبة 54% من حالات الانتحار.

 

 ويحاول المشرفون على سلاح الجو الأمريكي تحديد ما إذا كان هناك سبب أو نمط معين يؤدي إلى الانتحار، إلا أنه للآن فإن جميع المؤشرات تتطابق مع الأنماط المسجلة في المجتمع المدني، حيث تهيمن حالات الانتحار بين الذكور الشباب الذين يعانون من مشاكل الإدمان على الكحول وأخرى مالية وعاطفية، وككل وحدات الجيش، فإن لدى سلاح الجو الأمريكي برامج توعية ومنع حدوث مثل هذه الحالات، تتضمن أيضا تدريب القادة الرفيعين، علماً أن هذه البرامج وغيرها لم تُحقق إلا نتائج سلبية تمثلت في تصاعد نسب تفشي "وباء الانتحار".

 

ت‌-  إحصائيات انتحار الجنُود الأمريكان في العراق لعام 2006:       

اعترف الجيش الأمريكي إن مُعدلات الانتحار بين جنوده سجلت ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الثلاث الماضية (2006-2008)، حيثُ وصلت إلى مستويات لم يشهدها الجيش منذ أكثر من ربع قرن. ودلت الأرقام التي نشرها الجيش الخميس 31-1-2008، على أن أكثر من ألفي جندي حاولوا الانتحار خلال عام 2006. وبلغ عدد الجنُود الذين انتحروا خلال ذات العام 2006 نحو 102 جندي، أي ضعف عددهم عام 2001، وهو العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة حروبها التي وضعت ضغوطا على الجيش الأمريكي، حسب أرقام الجيش، وتزيد هذه الأرقام عن عدد المُنتحرين عام 2007 الذي تأكدت فيه 89 حادثة انتحار بينما وقعت 32 وفاة أخرى ينتظر تأكيد ما إذا كانت نتيجة الانتحار (89+32=112)، وارتفعت نسبة الانتحار بين الجنُود النظاميين بنسبة 17,5% لكل 100 ألف جندي بنهاية عام 2006، بارتفاع نسبته 12,8 لكل 100 ألف جندي عند بداية العام ذاته، مما يزيد عن المُعدل القياسي السابق الذي بلغ 15,8 لكل 100 ألف في منتصف الثمانينات. ([40])

    

ث‌-  إحصائيات انتحار الجنُود الأمريكان في العراق لعام 2007:

وفقا لتقرير الجيش الأمريكي عن حالات الانتحار بين الجنُود بلغ عدد الجنُود الذين انتحروا في عام 2007، 115 جنديا، أي بزيادة 13 % عن حالات الانتحار في عام 2006. ([41]) وهو المُعدل الأعلى الذي تم تسجيله ـ حينها ـ منذ عام 1980، وهو العام الذي بدأ فيه الجيش الأمريكي رصد حالات الانتحار في صفوفه. ([42])

في حين قالت مصادر مطلعة في القوات المسلحة الأمريكية لـ CNN إن الدراسات الحالية تشير إلى رقم قياسي غير مسبوق أيضاً على صعيد الانتحار للجنود في الخدمة الفعلية، إذ يعتقد أن العدد للعام 2007 يقارب 89 حالة، فيما لا تزال التحقيقات جارية لمعرفة حقيقة 32 حالة أخرى (89+32= 112 وهو رقم قريب جداً من الرقم 115 المُعلن عنه أعلاه) وتأتي هذه الأرقام المرعبة، في وقت ما تزال فيه الأوساط العسكرية الأمريكية تدرسُ تداعيات المُعدلات المرتفعة لحالات الانتحار، وكانت شبكة سي.أن.أن قد ذكرت الأرقام الرسمية التي حصلت على نسخة منها من الجيش الأمريكي أن العام 2007 شهد قرابة 2100 حادث قام خلاله جنود من الجيش بالانتحار أو إيذاء أنفسهم، وذلك مقارنة بالعام 2002 على سبيل المثال، والذي لم يشهد أكثر من 350 حادثة مماثلة. ([43])

 

وكانت قناة "روسيا اليوم" قد نقلت عن دراسة أعدها البنتاجون أيضاً القول: أن خُمسْ الجنُود الأمريكيين المنتشرين في العراق يعانون من اضطراب عقلي، كما أن حالات الانتحار بينهم ارتفعت من 115 حالة عام 2007 إلى 143 حالة مماثلة عام 2008 ، حيث تطرح القضية تساؤلات عده حول الجهود المبذولة للتصدي لظاهرة الإرهاق النفسي في صفوف الجيش الأمريكي المُحتل ومُعالجة وضعُهم المُضطرب في العراق وأفغانستان.؟!

 

في حين أشارت مصادر أخرى كانت قد نشرت أرقام أولية في يناير/ كانون الثاني 2008 أن عدد حالات الانتحار في 2007 قد يصل إلى 121 وقد برر البنتاغون ارتفاع عدد المُنتحرين في السنة أعلاه إلى      أمر الرئيس جورج بوش بإرسال قوات إضافية في مسعى منه لإخماد العنف الطائفي في العراق([44]) وفي وقفةٍ تحليليه للتبرير أعلاه: يُمكنُ الجزم أنَّ العُنف الطائفي المُشار إليه أعلاه لم يكُن إلا افتعالاً من قبل التحالف الأمريكي الإيراني، الذي كان من ضمن ضحاياه عدد من الجنُود الأمريكان الذين هالهم الرعب جراء ما حدث في ذلك الاقتتال الطائفي المقيت، فما كان من خيار لبعضهم سوى الانتحار وهذا ما تؤكده الأرقام آنفة الذكر. على الطرف الآخر فإن وكالة رويترز قد ذكرت بدورها بأن: [ الجيش قد أعلن أيضاً انه حدثت 935 محاولة انتحار في 2007.]. ([45]) 

 

ومن الأرقام الأخرى المُعلنة عن الانتحار في العام 2007 التي أقلقت الجنرال "بيتر تشياريلي" نائب رئيس هيئة الأركان للجيش الأمريكي في شهادتهِ أمام لجنة الكونغرس المُصغرة للجيش الأمريكي، قولُهُ: أعتقد أنها الآثار التراكمية لعمليات الانتشار التي تمتد  من 12 إلى 15 شهراً. ثم يعود الجنرال أعلاه إلى بيان أن: 133 حالة انتحار مؤكدة بين أفراد الجيش الأمريكي العام 2007 واستمرار التحقيقات في سبعة أخرى محتملة.؟!

 

ج‌- إحصائيات انتحار الجنُود الأمريكان في العراق لعام 2008:

ارتفع مُعدل حالات الانتحار بين أفراد الجيش الأمريكي إلى أعلى مستوى له منذ عقود خلال عام 2008 بانتحار 128 جنديا رغم جهود تحسين الرعاية النفسية، وكشف تقرير صادر عن الجيش الأمريكي أن 128 جنديا انتحروا في العام أعلاه، وأن هذا الرقم مرشح للارتفاع نظرا لوجود 15 حالة وفاة لا تزال رهن التحقيق. ([46]) (128 + 15= 143 حالة انتحار بين الجنُود الأمريكان في العراق)

 

ووفق إحصائية أعلنها الجيش الأمريكي، أقدم 197 جندياً على الانتحار عام 2008، منهم 140 جندياً في الخدمة و57 من قوات الحرس القومي والاحتياط. ([47]) وعُد عام 2008 من أسوأ أعوام الانتحار بين الجنُود، حيث تساوى لأول مرة مُعدل الانتحار بين الجنُود مع مُعدل انتحار المدنيين، الذي يراوح بين 19 و20 لكل 100 ألف، ([48]) ومن طرفٍ آخر اعترف جيش الاحتلال الأمريكي أن عدد حالات الانتحار بين جنوده قفز بنسبة 11% وهي أعلى مستوى له على الإطلاق في 2008؛ سيما مع تزايد وطأة الآثار النفسية الناتجة عن الحرب المستمرة في العراق وأفغانستان على الجنُود الأمريكيين. ([49])

 

ومن طرفهِ أعلن سلاح مشاة البحرية الأمريكية إن عدد حالات الانتحار بين أفراده ارتفع بنسبة 24% إلى (41) حالة انتحار في 2008 من (33) حالة انتحار في 2007، ويبلغ مُعدل الانتحار بين مشاة البحرية (19) حالة لكل (100) ألف جندي.

 

 وجاء التقرير إثر كشف تقارير عسكرية تشير إلى أن مُعدل جنوده الذين انتحروا بلغ رقما قياسيا العام 2008، حيث وصل إلى 133 عسكري مقابل 115 فقط عام 2007، والذي كان بدوره الرقم الأعلى منذ بدأت السلطات بإحصاء عدد المُنتحرين بالجيش، وأشارت التقارير أنه في شهر يناير/كانون الثاني 2009 زاد عدد الجنُود الأمريكيين الذين انتحروا على عدد زملائهم الذين قضوا في ساحات القتال. ([50])

 

أما نسب الانتحار العالية للسنة أعلاه المُعلن من قبل وسائل الإعلام الأمريكية، فقد كشفت الأرقام التي حصلت عليها شبكة "C N N" الأمريكية أن: [ الجيش الأمريكي أكد وقوع (128) حالة انتحار خلال العام 2008، إلى جانب (15) حالة انتحار قيد التحقيق ـ وإذا تأكدت فان هذا سيرفع إجمالي عدد حالات الانتحار للعام الماضي إلى (143) وذلك من بين عناصر القوات المسلحة ممن لا يزالون في الخدمة، أو العاملين في الحرس الوطني، أو عناصر الاحتياط.]. ([51])

 

ح‌-    إحصائيات انتحار الجنُود الأمريكان في العراق لعام 2009:

أحصى الجيش الأمريكي 140 حالة انتحار في صفوفه منذ بداية 2009 حتى الآن، مع توقع تسجيل مستوى قياسي جديد للحالات في 2009، هذا الاعتراف الخطير أعلن عنهُ : (( الجنرال بيتر شياريلي" نائب رئيس أركان الجيش الأميركي، في مؤتمر صحافي عقد الثلاثاء 17-11-2009 قال فيه: [ إن سلاح البر سجّل 140 عملية انتحار لجنود في الخدمة، ما يساوي العدد الإجمالي لحالات (الانتحار) في 2008، فيما يبقى شهر ونصف الشهر لنهاية العام 2009، وسنُنهيهِ بكل تأكيد برقم يفوق رقم العام الماضي 2008، ونود عدم حصول انتحار جديد هذه السنة (المقصود 2010) أو في السنوات المقبلة، لكننا نعلم أنه لن يكون الأمر كذلك.؟! مع ذلك نعتقد أننا نُسجلُ تقدماً، فالعدد يختلف من شهر لآخر ولكن منذ آذار (مارس) 2009 يميل الاتجاه نحو الانخفاض باستثناء شهرين، سيما وأن الـ140 حالة انتحار ثلثها لم يسجل في منطقة قتال.]، ([52]) وفي تصريحٍ آخر لـ " شياريلي" أيضاً أعلنه أمام الصحفيين، أعلن فيه: [ أن زوبعة الانتحار عادت لتؤرق قيادات البنتاغون بعد أن فاقت مُعدلات الانتحار بين الجنُود الأمريكيين العام 2009 أرقام العام 2008 القياسية، وبلغت 211 حالة انتحار منذ مطلع العام 2009، سيما وأنَّ مُعدلات الانتحار تتجه نحو مسار تنازلي مع اقتراب العام 2009 من نهايتهِ، هذا أمرٌ فظيع، وأنا لا أريدُ أن أقلل من أهمية هذه الأرقام بأي شكلٍ من الأشكال.؟!]، ومن الاعترافاتِ المُهمة التي اعترف بها المذكور هي عدم قدرة المُختصين في الجيش الأمريكي على فهم وتحليل العلاقة السببية للانتحار والانتحار ذاته، حيث يقول بهذا الخصوص: [ لا زلنا لم نجد أي صلة سببية ذات دلالة إحصائية من شأنها أن تسمح لنا على نحو فعال التنبؤ بالسلوك البشري.. في الحقيقة، ليس هناك جواب بسيط، كل حادث انتحار يعتبر حالة فريدة كما الأفراد ذاتهم.؟!] ولفت إلى نقطة تعد مصدر إزعاج وحيرة لقيادات البنتاغون كشفت عنها الإحصائيات الأخيرة وهي: [ تنامي حالات الانتحار بين الجنُود الشبان الذين لم يجر نشرهم خارج الولايات المتحدة مطلقاً.؟!]. ([53])

 

ثم يعود الجنرال "تشياريلي" في مكانٍ آخر ليُحذر وبذات الوقت يؤكد بما يتناسب ما ورد آنفاً، من تعميم أسباب الانتحار أو افتراض صلات لمكافحة الضغط على القوات المُنهكة من الحرب في العراق، بقولهِ: [ أن الأسباب لا تزال غير واضحة سيما وأن ثلث الجنُود تقريبا الذين انتحروا لم ينشروا في الخارج أبداً..؟] ([54])

وفي تصريح آخر أعلن فيه أيضاً " الجنرال "تشياريلي"، بـ: [ بأن حالات الانتحار في الجيش الأمريكي ستُسجل رقما قياسيا جديدا العام 2009 ، حيث تظهر النتائج أن عدد حالات الانتحار أثناء الخدمة حتى الآن في 2009 أعلى من عدد العام 2008 بالفعل وهو 140 حالة في الوقت الذي يقترب فيه الرئيس الأمريكي باراك اوباما من إرسال قوات إضافية يبلغ قوامها 40 ألف جندي لأفغانستان .ونقلت رويترز عن الجنرال بيتر قوله في إفادة بوزارة الدفاع (البنتاجون): [ من المؤكد تقريبا أننا سننهي العام 2009 على رقم أعلى من العام 2008؟!] إلا أن الطامة الكبرى التي تُثبت عجز وزارة الدفاع الكوني بما تملكهُ من مُعدات قادرة على إفناء البشرية أن المذكور يعترف رُغماً عنهُ، بأنَّ: [ هذا أمر فظيع وأنا لا أريد أن أقلل من أهمية هذه الأرقام بأي حال.؟!]

 

ومن المُلفت للنظر الذي يُعزز تلك الطامة الكبرى أنه: قد انتحر 71 جنديا آخرين بعد صرفهم من الخدمة في 2009 بزيادة حوالي 25 % عن إجمالي نهاية عام 2008، ومن المُستغرب أن بعضهم قد انتحر بعد عودتهم إلى ديارهم بأسابيع فقط من إقدامهم على الانتحار، وتنطبق هذه الإحصائيات على الجيش الأمريكي فقط ولم تتوافر على الفور بيانات من أفرع القوات المسلحة الأخرى .

 

وأخيراً وليس آخراً من جهتها كشفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أنَّ مُعدلات الانتحار في صفوف جنود الجيش في شهر ك2/يناير 2009 تجاوزت جميع الأرقام التاريخية، وأعداد الذين قتلوا في معارك بالعراق وأفغانستان، وفاقت بست مرات الفترة نفسها من عام 2007، ولم يُسجلها الجيش الأمريكي بتاريخه من قبل، مما دفع القيادة العسكرية إلى إخطار الكونغرس وكِبار المسؤولين، وذلك بانتحار 24 جندياً خلال الشهر المذكور أعلاه، ووصف ضابط كبير الوضع لشبكة CNN بالقول: [ إنه مُرعب، وأنَّ القوات المُسلحة تحاول البحث في أسباب هذه الظاهرة.؟!].([55])

 

خ‌- إحصائيات انتحار الجنُود الأمريكان في العراق لعام 2010:

أعلن الجيش الأمريكي الخميس 15/7/2010 أن نسب الانتحار بين صفوف الجنُود بسبب الضغوط النفسية المتصاعدة في حربي العراق وأفغانستان قد ارتفعت لرقم قياسي في شهر يونيو/حزيران لتصل لمُعدل انتحار جندي واحد يوميا، مُعلناً أيضاً عن عدد حالات الانتحار قد بلغت 32 حالة في الشهر أعلاه منهم 21 جندي عامل، أي أنهم في مُهمةٍ قتالية، في حين بلغت النسبة 11 جندي في قواتِ الحرس القومي والاحتياط التي تتمركز داخل أمريكا ولم يتم بعد نشرها خارج البلاد.([56]) وهي نسبة لو استمرت على هذه الحال فقد تبلغُ أكثر من ضعفِ عددها العام 2009، ولتعترف أيضاً قياد الجيش الأمريكي بذات الوقت أن العدد يفوق أي انتحارات قام بها جنوده منذ الحرب الأمريكية في فيتنام التي استمرت 11 عاماً وانتهت قبل 35 سنة.

 

ويقول "البنتاغون"، أن 70% من المُنتحرين هم جنود متواجدون في ساحات القتال بالبلدين "إلا أن الواحد منهم لم يكن قد قاتل ودخل الميدان بعد"، وفق تعبير الجنرال بيتر شياريللي، وهو نائب رئيس شؤون الجنُود بالجيش الذي احتفل في أوائل يونيو (حزيران) بانخفاض عدد منتحريه في الشهر الذي قبله، فإذا بالشهر الماضي يخيب ظنه بوصول عدد القاتلين لأنفسهم إلى رقم يسيل شهية القيّمين على كتاب "غينيس" للأرقام القياسية. ([57])

 

7-  إجراءات البنتاغون للحد من ارتفاع وتيرة انتشار "وباء الانتحار" في القوات المُسلحة الأمريكية المُحتلة للعراق:

لم تخرج الإجراءات الأمريكية خارج إطار تشكيل اللجان المُتخصصة لدراسة السباب الكامنة وراءا استفحال وباء الانتحار، وقد اتخذت تلك الدراسات منحيين:

الأول: دراسات طبية نفسية، وعقلية و....إلخ قام بها أطباء مُتخصصين لدراسة تلك الأسباب طبياً، وتقديم التوصيات بشأنها.

الثاني: دراسات بحثية يتولاها باحثون متخصصون في الشؤون النفسية، والعئلية و..إلخ وتقديم التوصيات بشأنها أيضاً.

 

ومن المُهم بيانه أن بعضاً من تلك الدراسات قد عُرضت على أعلى المراجع مثل الكونغرس الأمريكي، فضلاً عن دوائر البنتاغون صاحبة الشأن، وجرت نقاشات مُستفيضة بشأنها، كما تم استضافة عدد من المسؤولين الكبار في البنتاغون للحضور أمام الكونغرس للإدلاء بشهاداتهم.

 

وقد كان لوسائل الإعلام الأمريكية الدور الفاعل والمؤثر في الضغط على دوائر البنتاغون على تشكيل تلك اللجان من خلال الإحصائيات التي تنشرها عن وباء الانتحار، بذات الوقت الذي تنتقد فيه تلك الدوائر على تقصيرها وعدم اهتمامها الجدي في معالجة مثل ذلك الوباء الآخذ بالانتشار بما يُقلق الرأي العام الأمريكي.

 

ومن الدراسات المهمة بهذا الخصوص، تلك التي شخصت وعالجت بذات الوقت، من أن: (([ السبب الرئيس للإقدام على الانتحار في الخلل النفسي الناتج عن الرهبة من العودة إلى جبهات القتال، وأن ظاهرة الانتحار المتزايدة بين صفوف القوات الأميركية مردها يعود إلى تكرار عمليات إعادة ونشر الجنود في ميادين القتال، الأمر الذي يتطلب الدعوة لتقليل عدد مرات نشر الجنود في الجبهات الأمامية وزيادة مدة إجازاتهم التي يقضونها بين أهليهم في أرض الوطن.

 

وفي سبيل التقليل من عدد حالات الانتحار، أشارت أبحاث مختصة أخرى إلى ضرورة زيادة أعداد القوات الأميركية أو خفض عدد الجنود الذين يرسل بهم إلى ميادين المواجهة في الحروب.]

 

وبهذا الخصوص وأمام مجلس النواب الأمريكي وقف وزير الجيش الأميركي "جون ماكهيو" خجلاً وقد احمر وجه خلال شهر آذار/مارس 2010 عندما طرح أحد النواب سؤالا في المجلس يتعلق بشأن مدى تمكن الجيش من وقف ظاهرة الانتحار بين صفوفه، بذات الوقت الذي اقر أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، بـ: [ أننا لا نزال مرتبكون ومشوشون بشأن معرفة الأسباب الكامنة وراء إقدام الجنود والمجندات الأميركيات على الانتحار.؟!]، وعلى منوالهِ كان رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي "الجنرال جورج كيسي" الذي اعترف أمام مجلس النواب في 23 مارس/آذار 2010 إنه: [ لأمر يثير الإحباط أن نفشل في وقف عمليات انتحار الجنود بالرغم من مستوى الجهود التي بذلناها في مواجهة الظاهرة..؟!]، وما كان من صحيفة الـ: "تايم" الأمريكية إلا التعليق على: [ المفردات التي استخدمها وزير الجيش الأمريكي ورئيس هيئة الأركان المُشتركة، مثل "محبطون" و"مرتبكون" فهي ليست عادة متضمنة في قواميس قادة الجيش الأميركي، ولكن تزايد ظاهرة انتحار الجنود تجبرهم على التلفظ بها، في ظل تزايد نسبة الانتحار في صفوف الجيش إلى الضعف في الفترة الزمنية بين 2001 و2006 وبقائها على حالها بين المدنيين الأميركيين.؟!]، الارتباك آنف الذكر كان سببه عدم قدرة المذكورين على الاعتراف بحقيقة المقاومة التي يواجهها الجيش الأمريكي في العراق، لأن مثل ذلك الاعتراف بمثل ذلك المكان قد يؤدي إلى أن يفقد المذكورين منصبهما، وقد يُحالا إلى لجنة تحقيق من داخل الكونغرس، إلا أن الجنرال في الجيش الأميركي "إيريك شومايكر" كان أكثر وضوحاً منها في الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس خلال شهر آذار/مارس 2010 أيضاً، فقد اعترف بجملةٍ واحدة يُمكن وصفها بأنها "جامعه شامله"، تضمنت: [ القادة ربما فاتهم أن تلك المشاكل مردها للحروب التي تخوضها الولايات المتحدة في الخارج.]، نعم إنها الإجابة الأصح والأدق، فلو لم يكن غزو واحتلال العراق لما كان حتماً والعلم عند الله تعالى ما يُعرف الآن بـ: "وباء الانتحار"، وعلى ذات منواله كان اعتراف عالم النفس الأميركي في جامعة تكساس "كريغ برايان" أمام الكونغرس أيضاً، من: [ إن التواجد في الجبهات الأمامية لميادين القتال يعتبر بحد ذاته مدعاة للخوف من الموت وبالتالي يشجع على الإقدام على الانتحار في ظل توفر السلاح بين أيادي المحاربين.؟]، في حين طرح الجنرال بيتر شارلي -نائب رئيس أركان الجيش الأميركي- مُقترحاً لمُعالجة ذلك الوباء في شهادته أيضاً أمام الكونغرس، بقولهِ: [ ينبغي للجيش السعي إلى تحسين الصحة الجسدية والعقلية والنفسية بشكل كامل لكل من الجنود وعائلاتهم بدلا من التركيز على العمليات الوقائية ضد الانتحار، وأنه إذا نجحنا في هدفنا الأول، فإن الهدف الثاني سرعان ما يتحقق.]

 

إقرار المسؤولين الكبار أعلاه اللذان يُمثلان قمة المسؤولية في البنتاغون بعدم قدرتهم على مُعالجة نسب وباء الانتحار المُتفشي بين قواتهم يعكس ذات الحقيقتين التي سبق وأن أشرنا إليهما من أن إجراءات الحكومة الأمريكية وليس فقط وزارة الدفاع كافة لم تؤدِ إلى نتيجة إيجابية، ثم اعتراف وتأكيد على قوة عمليات المقاومة العراقية، سيما وأنَّ: [ القادة العسكريون في الجيش الأميركي يتجنبون الإشارة إلى كون الحربين على العراق وأفغانستان هما السبب في تزايد حالات الانتحار بين الجنود، في ظل تواجد حالات انتحار لجنود لم يسبق نشرهم في ميادين القتال، في حين ينسب بعض القادة أسباب الانتحار إلى مشاكل شخصية وعائلية وزوجية، سيما وأنه قد سُمح في السنوات الأخيرة للجنود بالبقاء في البلاد مدة عام واحد فقط قبل أن يتم نشرهم مجددا في ميادين القتال، في حين توصي الأبحاث المختصة أن الإجهاد والتوتر الناتج عن عام واحد في الجبهات يحتاج إلى ثلاث سنوات حتى تزول آثارها النفسية.]، ويكمن رفض اؤلئك القادة الاعتراف بكون غزو العراق وأفغانستان وراء تفشي وباء الانتحار في الجيش الأمريكي في كونهِ بحد ذاته يُمثلُ الاعتراف بالهزيمة الذي يرفض البيت الأبيض الاعتراف به لا بل النطق به، لذا لا زال: [ الجيش الأميركي يقوم بدراسة أحوال المنتحرين وعلاقاتهم الشخصية ومحادثاتهم الأخيرة وأوضاعهم المالية وغيرها من العوامل التي قد تساعد على معرفة الأسباب الحقيقية وراء قتلهم أنفسهم وبالتالي محاولة وقف الظاهرة وتجنب عمليات انتحار مستقبلية جديدة.]. ([58]) ومما يؤكد رؤيتنا آنفة الذكر أن الناطق باسم الجيش الأمريكي "العقيد جوزيف كرتين" قد رفض بشكل قاطع أنْ: [ تكون العمليات القتالية الدائرة في العراق منذ قرابة ثلاثة أعوام هي العامل المحوري وراء تضاعف الظاهرة "اللعنة" - كما وصفتها الأبحاث - التي رهنتها كذلك بضغوط اجتماعية واقتصادية.؟!])).([59]) والمقصود بـ"الظاهرة اللعنة" هو التسمية الأخرى، لـ "وباء الانتحار" الذي خلّف آثاراً قوية في الجيش الأمريكي، فضلاً عن عجز البنتاغون عن وضع الحلول أو المعالجات للحد منه وليس لوقفه، ولكن على الطرف الآخر فإنه بالرغم من كُل ذلك النفي والتهرب من اعتبار غزو واحتلال العراق كان وراء تفشي "وباء الانتحار" بين جنودهِ، فإن: ((نتائج التقرير قد أظهرت أن الجنود الذين تكرر نشرهم ثلاثة أو أربعة مرات لأداء الخدمة في أي من العراق أو أفغانستان، تدنت معنوياتهم بشكل ملحوظ كما ارتفعت نسبة معاناتهم من الأمراض النفسية عن سواهم من جراء نشرهم هناك مرة واحدة أو اثنين.)). ([60]) 

 

مما يؤيد رؤيتنا أعلاه حول عدم قدرة المسؤولين في البنتاغون الاعتراف بأن الانتشار القوات الأمريكية في العراق وغيره من الأسباب المهمة الكامنة وراء الانتحار، فضلاً عن أن تبريرات المسؤولين الأمريكان أعلاه لا تتصف بالدقة بقدر ما تتصف بالتهرب أو التملص من بيان الأسباب الحقيقة الكامنة وراء تفشي "وباء الانتحار" جُملة من الأدلة والشواهد الذي يزخر بها الجيش الأمريكي بصنوفهِ كافه دون استثناء، منها ما جاء على: (( لسان والدة الجنديّ " داميان فيرانديز " الذي قالتِ عنه أمُّهُ: [ إنَّ عمره ‏لا يزيد عَنْ خمسةٍ و عشرين عامًا، و يُعاني مِنِ اضطرابٍ عقليٍّ، تزيدُ نسبتُهُ عَنْ 70% ] في حين يقول لها أبنها  "فيرانديز" وهو وضعٍ نفسي صعب: [ أعيشُ ‏في العام ثلاثمائة و خمسةً و ستين يومًا، تحت وَطْأَةِ القنابل و الألغام الأرضية في الشوارع، أشاهدُ زملائي يُقْتَلُون، كلَّ يومٍ ‏أعيشُ في قلقٍ أكثرَ و أكثر، إني أُفَضِّلُ أنْ أقتلَ نَفْسِي، و لا أعودُ مرةً أخرى إلى الحرب.؟!]، أمَّا الجنديّ " مايكل دي فلايجر"، الذي جاءتْهُ الأوامرُ مِنْ قيادته، بالعودة إلى وحدته، بعد يومٍ واحدٍ مِنْ خروجه مِنَ ‏المستشفى العسكريّ، حيث كان يتلقَّى العلاج مِنْ أزمةِ اضطرابٍ حادةٍ كان يُعاني منها - فقد قال لأمِّهِ: [ يا أمي، إني ذاهبٌ ‏لأموتَ، أنا لنْ أعودَ مرةً أخرى حيًّا، أنا أشعرُ بالموت، أَحْلُمُ به دائمًا].)). ([61]) في تدبرٍ لحديث الجندي  "فيرانديز" أعلاه يؤكد بما لا يقبل الشك الكم والنوع لعمليات المقاومة العراقية من طرفٍ، ومن طرف آخر حجم الخسائر التي تُوقعه تلك العمليات الشُجاعة بقوات الاحتلال الأمريكي، لذلك فليس من المُستغرب أن يقف وزير الجيش الأميركي "جون ماكهيو" خجِلاً وقد احمر وجه خلال شهر آذار/مارس 2010 وهو يُجيب على سؤال أحد النواب في مجلس النواب يتعلق بشأن مدى تمكن الجيش من وقف ظاهرة الانتحار بين صفوفه، بقوله: [ أننا لا نزال مرتبكون ومشوشون بشأن معرفة الأسباب الكامنة وراء إقدام الجنود والمجندات الأميركيات على الانتحار.؟!] ([62]) وهذا ما سنتطرق إليه لاحقاً، وأجد نفسي وأنا في هذا الحدث أن أتناول محاولة الجندي الأمريكي العائد من العراق "كلوي ريتشاردز" بقتل نفسه/الانتحار غير أنه فشل في ذلك والتي تؤكد أيضاً ما ذهبنا إليه من عدم دقة تبريرات المسؤولين الأمريكان حول "وباء الانتحار"، حيث: (([ تحكي "تينا ريتشاردز" والدة "كلوي" قصته فتقول: لقد قام بكسر كل النوافذ, ثم قام بقطع شرايينه الرئيسة الأمر الذي اضطره إلى أن يذهب إلى المستشفى لأنه نزف بكثرة حتى اقترب من الموت.؟!].

 

"كلوي ريتشاردز" الذي يعيش في الجزء الريفي لمدينة "ساليم" بولاية "ميسوري" الأمريكية كان واحدًا من الذين أرسلوا مرتين إلى العراق ضمن سلاح البحرية الأمريكية, وتظهر قوائمه العسكرية أن 80% من قدراته العسكرية قد تعطلت.

 

تصف والدته لشبكة "إنتر برس سيرفيس" ما حدث لابنها بعد عودته من مستنقع العراق حيث أصيب بإصابات في الذراع والركبة, إضافة إلى إصابته بمرض اضطرابات ما بعد الإصابة, وهو مرض أصاب الكثيرين من الجنود الأمريكيين, بينما هو الآن في احتياطي الجيش, غير أنه مصاب بجرح في رأسه،

 

وتقول والدته: [ إن ما أصابه يؤثر فينا نحن بشكل يومي, إنه بعمر 23 عامًا غير أنه لا يستطيع تسلق الدرجات, كما أنه يعاني من كوابيس سيئة كلما تذكر ما تعرض له في العراق، فقد تلقّى أغلب إصاباته بعد جولته الأولى في العراق, وقد احتججنا على إرساله مرة أخرى إلى العراق ولكن بلا جدوى، وبعد مرور أربع سنوات من الخدمة الفعلية, فإن "كلوي" مُدرج الآن على قائمة الاحتياطي, وربما يتم إرساله للخدمة مرة ثالثة في العراق.؟!], وجاء القرار على إعادة ارسال مَنْ هم في مثل حالة "كلوي" في ضوء: [ تعليمات جديدة أصدرتها وزارة الدفاع الأمريكية في ديسمبر 2008 تسمح للقادة العسكريين بإعادة نشر الجنود الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الإصابة, ولعل ذلك لفشل أعداد القوات الأمريكية الحالية في مواجهة هجمات المقاومة العراقية المتصاعدة.].)). ([63])

 

قصة "كلوي ريتشاردز" ليست قصة فردية لجندي أمريكي, بل هي نموذج جمعت بين أحداثها الكثير من الدروس والعِبر، منها:

  أنها تُمثل رغبة للكثيرين من الجنود الأمريكيين الذين أقدموا على الانتحار سعياً منهم للهروب من مُستنقع العراق, فمنهم مَنْ نجح في الهرب وانتحر, ومنهم مَنْ فشل مثل "ريتشاردز" الذي يواجه كابوس العودة مرة أخرى إلى العراق.

 

 أنها تُمثل وفق ما أكدهُ تقرير طبي أمريكي صدر مؤخرًا كشف عن انتحار ما لا يقل عن 5000 جندي أمريكي من العائدين من حربي العراق وأفغانستان بسبب التقصير في تقديم العلاج النفسي لهم.

 

 أنها تُمثل اعتراف حقيقي وميداني من قبل العدو الأمريكي ذاته أن المقاومة العراقية كانت ولا زالت ما دام الاحتلال الأمريكي جاثماً على أرض وشعب العراق القوة الفاعلة والمؤثرة في مقاومتهِ وإجباره على الانسحاب مُتعثراً فاقداً شاء أم أبى لماء وجهه على ثُرى العراق.

 

ما ورد آنفاً وغيرهُ الأكثر سيما الذي لم يُعلن عنه البنتاغون، ولم يتسرب لوسائل الإعلام الأمريكية أدى إلى: (( تصاعد القلق لدى دوائر البنتاغون كافه حول تزايد حالات الانتحار بين الجنود، الأمر جعل الجيش الأمريكي يخصص ميزانية بنحو 50 مليون دولار لأربعةٍ من كبار الباحثين في الولايات المتحدة لإجراء دراسة عن حالات الانتحار بين الجنود في الجيش الأمريكي. الدراسة تُعد الأكبر من نوعها عن حالات الانتحار والصحة العقلية بين الجنود، وتحاول تحديد درجة الخطر والعوامل التي يمكن اللجوء إليها لمنع حالات الانتحار بين الجنود، ورسم أساس علمي لمناهج فاعلة للتدخل المبكر لتقليل معدلات الانتحار بينهم، ودراسة المشكلات العقلية المصاحبة لتلك الحالات. كما ستتناول تحليل أثر مجموعة كبيرة من العوامل التي يمكن أن تكون مسؤولة عن انتشار ظاهرة "وباء الانتحار"، سواء كانت متعلقة بالخدمة العسكرية أو مستقلة عنها، بما في ذلك تجانس الوحدات العسكرية، التعرض للصدمات، الضغوط الشخصية والاقتصادية، التاريخ الأسري، الاعتداءات في فترة الطفولة والصحة العقلية بشكل عام. حيثُ يتوقع من الدراسة أن تقوم بإضافة جوهرية إلى معلومات البنتاغون عن "وباء الانتحار" وفهمه بصورة أفضل، والعوامل المُساهمة فيهِ والعوامل التي تساعد على انتشاره بين الجنود.

 

الأساليب التي ستعتمدُها الدراسة مُكثفة جدا، حيث ستشمل قواعد المعلومات التي يحتفظ بها الجيش الأمريكي عن أفراده، والتي سيتم معالجتها للتعرف على المسببات المحتملة لـ"وباء الانتحار" في صفوف الجيش، ودراسة الحالات التي حاولت الانتحار في السابق ومقارنتها بالحالات ذات الخصائص الديموجرافية المشابهة والتي لم تقم بمحاولة الانتحار، وعمل استبيانات لعينة من 90 ألف جندي يمثلون خصائص الجيش الأمريكي في مجمله، فضلا عن مسح لـ 80 إلى 120 ألف جندي الذين دخلوا الخدمة في كل سنة من السنوات الثلاث الأولى للدراسة. كذلك ستشمل الدراسة المسؤولين في كل مجالات الخدمة العسكرية، بما في ذلك أعضاء الحرس القومي وجنود الاحتياط.

 

من الأسئلة المهمة التي ستطرحها الدراسة دور التفاعل الاجتماعي في الجيش الأمريكي الحديث، فلو كان جنديا ما قريبا من زملائه ومات هؤلاء في المواجهات، هل يرفع ذلك من احتمال انتحاره؟ وهل إذا ارتكب جندي ما خطأ أدى إلى التأثير سلبا في وحدته، هل يؤدي ذلك إلى زيادة احتمال انتحاره؟ خصوصا في الوحدات التي بينها نوع من التجانس؟ وهل كلما ازدادت درجة التجانس بين أفراد الوحدة ترتفع معدلات الانتحار؟ ما الدور الذي تلعبه القيادة العسكرية في مثل هذه الحالات؟ هل القادة العسكريون على علم بالحالات الأكثر تعرضا للانتحار؟ وهل يميل الجنود إلى إخفاء آلامهم النفسية خوفا من الفصل أو العزل؟ وهل التدخل المبكر يؤدي إلى تقليل مخاطر الانتحار؟ هذه وغيرها من الأسئلة المهمة التي تتناولها الدراسة بالتحليل.

 

بهذا الشكل يتوقع أن تستغرق هذه الدراسة المكثفة نحو خمس سنوات، وهي المدة التي يرى فريق البحث أنها لازمة للتوصل إلى العوامل التي تكشف عن دوافع "وباء الانتحار" لدى الجنود ورسم خطط لكيفية التدخل للحد من تلك الظاهرة الخطيرة.)). ([64])

 

الدراسات والتقارير للجان الأمريكية المُتخصصة تستمر من أجل تشخيص الأسباب الكامنة وراء "وباء الانتحار" والسعي لمعالجته، فكان أنْ: (( [ توصلت دراسة قادها الجنرال "بيتر تشياريلي" نائب رئيس أركان هيئة الجيش الأميركي أنه وبينما ترتفع حالات الانتحار بين الجنود الأمريكيين، يصر القادة العسكريون على تجاهل مشاكل الصحة العقلية التي يعاني منها الجنود والناجمة عن إرسالهم المتكرر إلى أفغانستان أو العراق.

 

وقال التقرير الذي صدر الخميس 30/7/2010: أنَّ سبب الارتفاع الملحوظ لمعدل الانتحار بين الجنود غير ناجم فقط عن الضغط المتكرر منذ عقد لإرسالهم إلى العراق أو أفغانستان بسبب أن 79 % ممن انتحروا كانوا أرسلوا مرة واحدة إلى هناك أو لم يذهبوا أبدًا.]

 

النتيجة آنفة الذكر توصل لها التقرير بعد سبع سنوات عجاف من احتلال العراق، هي في حقيقتها تحتاج إلى نوع من التحليل سيما وأن مثل هذه النتيجة لم تحوي من المصداقية ما يجعلنا نتقبلها بسهولة، ومما يؤيد ما ذهبنا إليه التناقض الصارخ بين العبارة التي وردت أعلاه وأُكررها للضرورة: "إرسالهم المتكرر إلى أفغانستان أو العراق" في حين تُشير العبارة اللاحقة لها بما يُناقضها وهي: " غير ناجم فقط عن الضغط المتكرر منذ عقد لإرسالهم إلى العراق أو أفغانستان"؟! فكيف ذاك؟ وكيف هذا؟ وأين الانسجام بين العبارتين؟ حقيقة الأمر برؤيتنا تكمن في ما ورد في العبارة الأولى، وهي المُسبب الرئيسي الكامن وراء تفشي "وباء الانتحار" بين الجنود الأمريكان في العراق.

 

ولكن تلك الدراسة من طرفٍ آخر عادت وربطت بين الانتشار القتالي للجنود الأمريكان في العراق مع التراخي بضوابط/تعليمات التجنيد من قبل دوائر البنتاغون، حيث: [ كشفت الدراسة لحالات الانتحار في الجيش الأميركي أن الانتشار القتالي المتعدد للجنود قد لا يكون على الأرجح السبب في ارتفاع نسب الانتحار، قياسا إلى شروط التجنيد المتراخية التي تطبق على بعض الأفراد ممن لديهم سجل من حالات الاضطراب النفسي.]، مثل هذا الربط أثبت الواقع الميداني للجيش الأمريكي في العراق مصداقيته، حيث حصل تراخي وغض النظر عن الكثير من الضوابط والتعليمات التي كان تعمل بها مؤسسات البنتاغون من أجل قبول متطوعين جدد للتعويض عن النقص الكبير الذي عانى ولا زال يُعاني منه الجيش الأمريكي بصنوفه كافه، جراء ما تركته عمليات المقاومة العراقية المُتقنة والنوعية من آثار كبيرة جداً على عزوف الشباب الأمريكي من التطوع أو التعاقد مع صنوف القوات المسلحة الأمريكية كافة، وفي الحقيقة فإننا قد تناولنا هذا الموضوع لأهميته بنوعٍ من التفصيل معززاً بالشواهد والأدلة. ([65])

 

التقرير في أكثر من مادةٍ فيه يُلقي، بـ: [ المسئولية في جزء كبير منه على القادة العسكريين الذين فشلوا في ملاحظة، أو لم يولوا أهمية للسلوك الخطير بين الجنود، وكشف عن أن هناك حالات لم يتم العثور فيها على جثث الجنود المنتحرين إلا بعد 3 أو 4 أسابيع.؟!].

 

 نائب رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال "بيتر تشيارلي" كانت رؤيته يكتنفها نوع من الغموض القائم على التهرب من تحديد المسؤولية صراحةً، فهو يقول حول ذات الموضوع: [ بالنسبة لنا فإن إلقاء اللوم في هذا الموضوع على الحرب فقط يعد أمرًا خاطئًا، وهذا ما نحاول ألا نفعله هنا.]، عدم تحديد المسؤولية ربما جاء من الوضع المُزري للمؤسسة العسكرية الأمريكية التي لم تستطع أن تُعلن عن حقيقة الأسباب الكامنة وراء انتشار ذلك الوباء، إلا أن ذلك لم يمنع الجنرال "تشيارلي" إلى التلميح بأن: [60 % من الجنود المنتحرين قاموا بذلك خلال أول سنة من تطوعهم العسكري، وأن غالبيتهم بين 18 و20 عامًا.؟!] وهذا بدوره يؤكد الدراسة أعلاه التي تناولنا بعضها بالتحليل حيث قسمت المنتحرين إلى فئتين عُمريتين كلاهما تفشى فيهما وباء الانتحار؟!

 

التقرير في ضوء ما توصل إليه أعلاه وربما غيره الأكثر الذي لم يُنشر: [ قدم توصيات وحلولاً بينها فحص الصحة العقلية للجنود، وإنشاء مراكز لذلك في كل المقرات العسكرية وتعيين مستشارين متخصصين في الصحة السلوكية.].([66])

 

ذات الدراسة أعلاه تناولتها صحيفة "بوسطن غلوب" الأميركية بالتعليق ونشرت بعضاً مما تضمنته، فأكدت في تعليقها على أن: [ إن الطريقة الوحيدة لتقليل معدل الانتحار بين الجنود- الذي تجاوز مؤخرا مُعدل المدنيين لأول مرة منذ حرب فيتنام- هو ضمان عدم هبوط معايير وشروط التجنيد إلى أدنى درجاتها كما حدث قبل الكساد الحالي، فقد ساعدت أوقات الشدة الاقتصادية للقوات المسلحة الأمريكية على جذب مجندين جدد مؤهلين مرة أخرى، لكن وخلال الفترة ما بين عامي 2004 و2009 جند الجيش 47,478 فردا لهم تاريخ في تعاطي الكحول أو المخدرات أو لديهم سجلات جنائية كانت تكفي لاستبعادهم في الظروف العادية.]،       

      

 الجنرال "تشياريلي" بدوره وضّح على أنَّ من نتائج ذلك، هو: [ أن لدى هؤلاء الجنود معدلات عليا من الميل للانتحار قياسا مع الآخرين؟!]، وهذا في حقيقته تعليق صائب جداً، ولكن بذات الوقت لا بُد لنا أن نتساءل: ما الذي دفع البنتاغون إلى قبول أو التراخي بقبول تطوع مثل تلك الفئة الفاسدة التي ينبذها المجتمع على الأعم وتُعدُ غير مقبولةً فيه؟ بلا شك هو كما أشارت عدد من الدراسات أن غزو واحتلال العراق هو السبب، ولكن تلك الدراسات لا تستطع أنْ تقول أن علميات المقاومة العراقية هي السبب لأن ذلك اعتراف بهزيمة الجيش الكوني على أيدي مُقاتلي تلك المقاومة الشُجاعة التي لا تتناسب من حيث الكفاءة التقنية، والعدد والعُدد..إلخ مع ذلك الجيش الكوني، ولكن ما يفقده ذلك الجيش هو إرادة الحق؟ والإيمان بالقضية التي يُقاتل من أجلها؟ في حين يمتلك مقاتلي المقاومة العراقية الشُجاعة إرادة الحق وعدالة القضية التي يُقاتلون من أجلها.

 

تضمن أيضاً تقرير الدراسة: [ أنه إذا أضاف الجيش إلى حالات الانتحار الوفيات العرضية التي يحدث كثير منها بسبب سلوك خطر يتضمن المخدرات أو الكحول، فإن العدد الإجمالي سيتجاوز الوفيات في أرض المعركة، وهذا ما دفع "تشياريلي" للقول: (( بأن الجنود -في أغلب الأحيان- أكثر خطرا على أنفسهم من العدو.؟!))

 

 وأشارت الصحيفة إلى: [ أنه من المسلم به أن فترات الخدمة الخارجية الطويلة ربما كانت عاملا في 21% من حالات الانتحار التي طالت جنودا شاركوا في عمليات انتشار قتالية أكثر من مرة. يضاف إلى ذلك أن الحروب الطويلة في العراق وأفغانستان جعلت خدمة الجيش أمرا أكثر صعوبة للشباب وآبائهم، وهو ما سبب انخفاضا في مستويات التجنيد.]، وكانت صحيفة الـ: "واشنطن بوست"، قد تناولت ربما ذات الموضوع أعلاه لأهميته، ولكنها ذكرت معلومات أخرى ربما سدت الثغرات لما لم تتم الإشارة إليه أعلاه، فقد توقعت بـ: [ انطلاق ما سمته حملة بحثية واسعة في مطلع سنة 2010 لدراسة العوامل الكامنة وراء ظاهرة تزايد انتحار الجنود الأميركيين في الآونة الأخيرة، في ظل الحربين اللتين شنتهما الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان، حيث يقوم على الحملة المسحية أطباء مختصون بالتعاون بين المعهد الوطني للصحة العقلية والجيش الأميركي.

 

ويقضي البرنامج بجمع معلومات مكثفة عن كل عسكري أميركي يجند على مدار السنوات الثلاث القادمة (2010-2012)، إضافة إلى نحو تسعين ألفا موجودين في الخدمة، ومن المتوقع أن يشمل قرابة نصف مليون عسكري في نهاية المطاف.

 

 

وستطرح أسئلة شخصية على الجنود الذين بدورهم يتمتعون بحرية الاختيار في الإجابة عنها، في إطار جمع المعلومات التي يمكن استخدامها في إعداد تقييم للحالة النفسية لكل حالة، فضلاً عن أخذ عينات من لعاب ودم الجنود لإجراء اختبارات جينية وبيولوجية عليها إضافة إلى احتمالات عقد لقاءات مع أفراد العائلة بهدف الحصول على معلومات إضافية أخرى.

 

ويتم توظيف المعلومات على شكل "مختبر طبيعي مستمر" بحيث تتابع أحوال الجنود المشاركين في المشروع لسنوات للوقوف مسبقا عند أي احتمال قد يقودهم للانتحار.

 

ونسبت واشنطن بوست إلى مدير المعهد الذي يقود الدراسة "روبرت هينسين" القول "إننا ننظر إلى الانتحار كحصيلة لسلسلة طويلة من الأحداث".

وأضافت أنه عين خلال شهر تموز 2009 رئيس لقسم الطب النفسي في جامعة الخدمات الموحدة للعلوم الصحية في ولاية ميريلاند وهو "روبرت أورسانو" لإدارة فريق متعدد التخصصات من أربع مؤسسات بحثية معنية بالمشروع.

 

وسيقدم المعهد القومي تقريرا ربع سنوي بشأن أي كشف قد تسفر عنه الدراسة إلى الجيش الأميركي، في محاولة لمنع حالات الانتحار في صفوف قوات البلاد قبل حدوثها.

 

ومضت الصحيفة إلى أن الدراسة التي تستغرق خمس سنوات وتكلف خمسين مليون دولار تعد خطوة طموحا لإجلاء الغموض بشأن ظاهرة الانتحار المتزايدة، سيما وأن العام 2008 وحده شهد 148 حالة انتحار بين الجنود الأميركيين، وهو ما شكل النسبة العليا على مدار ثلاثة عقود ماضية.)). ([67])

 

الدراسات والبحوث أعلاه وغيرها الأكثر لم نذكرهُ لعدم الإطالة، وما صدر عنها من تقارير وتوصيات و..إلخ لم تحقق الغاية المرجوة منها بالرغم من المبالغ المالية الهائلة التي خُصصت، هذا الأمر اعترف به: ((الكولونيل "تشرس فليبريك" مدير قسم محاربة الانتحار في الجيش الأمريكي الذي قال: أن الجيش خصص مبالغ طائلة لمحاربة هذه الظاهرة ولكن تبين من أرقام المنتحرين في لشهر أيار 2010 أن البرنامج لم يعط ما كان متوقعا منه.؟! ([68]) وُعزز هذا الاعتراف اعترافاً طبياً ذا أهمية عالية جداً، ألا وهو اعتراف: [ الدكتور "توماس غاسكين" (الطبيب النفسي لدى البحرية الأمريكية) أن من أكبر المعضلات التي تواجههم في هذا المجال تتمثل في طلب الاستشارة النفسية وتعد أمراً عادياً ولا يبدو بأنه ظاهرة ضعف أو اضطراب نفسي أو عقلي، وأن أبحاثهم تظهر دائما أن معظم المنتحرين لم يستفيدوا من خدمات الصحة النفسية والعقلية التي تقدمها لهم القوات المسلحة قبل إقدامهم على الانتحار.]. ([69]) بذات الوقت الذي كانت رؤية "بيتر شيرالي" نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي ترأس "قوة لمنع الانتحار" فضلاً عن تقييم عقلي لكل جندي، أنْ كتب بمذكرة ما نصه: [ الجيش مُتعب ويتعرض لضغوط كبيرة نتيجة صراع طال أمده.].)). ([70]) ذلك دفع الجنرال "جميس أف. آموس" نائب قائد العمليات بالبحرية الأمريكية ليُعلن من جهته، أن: [ إن لانتحار يقف في المرتبة الثالثة بين مسببات الوفاة بين أفراد الجيش.؟!] مُشدداً على أنه في حالة وضع معالجات جذرية للتخفيف من نسب الانتحار فيجب وفق رؤيته أنْ يجري: [ تحجيم وتغيير المفاهيم السائدة بشأن العار والخزي والخجل من طلب المساعدة.].

 

ولم يكن كُل ما ورد آنفاً ليحدث لولا العمليات النوعية والمُتقنة لمُقاتلي المقاومة العراقية الشُجعان الذين جعلوا من ذلك الجيش الكوني جيشاً يسلكُ مُنتسبيه مسالك الانتحار خوفاً من الرعب والخوف تارةً ومن الموت الذي ينتظرهم تارةً أخرى من مُقاتلي تلك المقاومة العراقية التي سيُفتخر بها عبر التاريخ. 

 

8-  المعالجات التي لجأ إليها البنتاغون للحد من تفشي "وباء الانتحار" بين قواته المُحتلة للعراق:

لم تؤد أياً من نتائج الدراسات والبحوث آنفة الذكر وغيرها الأكثر نتائجها المرجوة، بل ارتفعت وتيرة الانتحار بين جنود الاحتلال الأمريكي في العراق، بحيث أقلق البنتاغون والكونغرس الأمريكي، الأمر

 

الذي دفع دوائر البنتاغون جميعاً دون استثناء إلى السعي إلى إيجاد البدائل العملية والميدانية للحد من تصاعد وتيرة ذلك الوباء، فمن تلك المُعالجات فضلاً عن مُعالجات أخرى ودرت في أماكن متعدد من هذا المبحث بالذات، الآتي :

 

أ‌-     أحدث تقرير للجيش الأمريكي يدرس فيها أسباب الانتحار وآلية معالجتها:

بعد سنوات تجاوزن السبع وتكاد السنة الثامنة تنصرم والاحتلال الأمريكي لا زال جاثماً على أرض العراق بعد أنْ وجد في التحالف مع الحكومة والمؤسسة الإيرانية الدينية والحوزوية فضلاً عن قادة الكُرد الانفصاليين، وهشاشة حكومات الاحتلال في بغداد المحتلة ما جعلهُ يُبطئ عملية انسحابهِ في ظل مساومات ومُقايضات بين ما ورد آنفاً على وحدة العراق، وسيادته وثرواته و...إلخ، ولكن بالرغم من ذلك فإن عمليات المقاومة العراقية لا زالت في شدتها بالرغم من قسوة وشدة الحصار المفروض عليها، وبذات الوقت تصاعدت نسب الانتحار بين الجنود الأمريكان المُنتشرين في العراق مما دفع البنتاغون في ظل تصاعد الصيحات على مستوى الكونغرس والرأي العام الأمريكي المُتمحورة حول الأسباب الكامنة وراء ارتفاع وتائر الانتحار، فكان في ظل هذا الضغط أن صدر أحدث تقرير عن البنتاغون مؤرخ في 28 تموز/يوليو 2010 تضمن خُلاصة زيارات ميدانية لستة منشآت عسكرية أمريكية حيث تم فيها الإطلاع على برامج الوقاية من الانتحار، استمرت 15 شهر (سنة وثلاثة أشهر)، حيث ألقى التقرير تبعية ارتفاع نسب الانتحار على القادة العسكريين الأمريكان جراء بعدهم عن المراقبة السلوكية لجنودهم التي أطلق عليها التقرير تسمية "السلوك المُنحرف المُعرض للخطر" مما سمح لجنودهم لكي يُفرطوا في تعاطي المخدرات، والكحول ومُمارسة الجريمة، هذا فضلاً عن الإجهاد في نشر مدد لدعم العمليات العسكرية الجارية في زيادة حالات الانتحار، و..إلخ.

 

ولما للتقرير من أهمية فإن رئيس الأركان للجيش الأمريكي الجنرال "جورج كيسي" قد أصدر بدورهِ بياناً مُصاحباً للتقرير، قال فيه: (( بعد عشر سنوات تقريبا من الحرب ، لا بد لنا من مواكبة الاحتياجات المتزايدة لجيشنا المتوترة، والتعرف عليها بشكل مستمر، ومعالجة الثغرات الموجودة في سياساتنا والبرامج والخدمات.)).

التقرير أكد من ضمن ما أكد عليه موضوع "تواصل الرعاية الصحية والنفسية" للجنود المُنتشرين في العراق على الأخص التي تشمل العديد من المقترحات التي تضمنها التقرير، ولعل من أهم ما خلُص إليه التقرير هو الاعتراف إلى: (( أننا غالبا ما تكون أكثر خطرا على أنفسنا من العدو.))

 

وأودُ الإشارة إلى أنه عند قراءتي للتقرير وسعيي إلى تحليلهُ واجهتني مُعضلة تمثلت في أن التقرير مُترجم من اللغة الانكليزية إلى اللغة العربية، حيث جاءت الترجمة غير رصينة وغير مُترابطة، فسعينا جاهدين إلى إعادة صياغته بما يؤمن الحد الأعلى من رصانته لغوياً مع المحافظة حتماً على محتواه، ولما لهُ من أهمية فإني أذكر بعضاً مما حواه بعد صياغته وأتمنى من الله تعالى أنْ أكون موفقاً في المُحافظة على محتواه:

 

(( واشنطن (29 يوليو 2010) -- أعلن الجيش الذي أصدر اليوم تقريراً لتعزيز الصحة والحد من المخاطر ، ومنع الانتحار (حصان / ص ص / س) الذي جاء حصيلة لجهد مركز لمدة 15 شهرا من أجل فهم أفضل لتزايد معدل حالات الانتحار في هذه القوة.This candid report is intended to inform and educate Army leaders on the importance of recognizing and reducing high risk behavior related to suicide and accidental death, and reducing the stigma associated with behavioral health and treatment. ويهدف هذا التقرير الصريح لتوعية وتثقيف قادة الجيش على أهمية الاعتراف والحد من ارتفاع المخاطر المتعلقة بالسلوك إلى الانتحار والموت العرضي، والحد من وصمة العار المرتبطة بالصحة والعلاج السلوكي.

 

This report represents the next phase in the Army's ongoing campaign to promote resiliency in a force that has been at war for nearly a decadهذا التقرير يمثل المرحلة التالية في حملة الجيش المستمرة لتعزيز المرونة في استخدام القوة التي كانت في حالة حرب منذ نحو عشر سنوات،“The dedicated effort behind this report sends a clear message to our force that we take the resiliency of our soldiers and families very seriously,” said Secretary of the Army John McHugh. وتكريس الجهود وراء هذا التقرير يبعث برسالة واضحة لقواتنا أن نتخذ المرونة مع جنودنا وعائلاتهم على محمل الجد. قال جون ماكهيو:“This effort is part of our culture to look closely at ourselves, and to make continuous improvements in our capability – but most importantly, to reduce the number of soldiers we lose to suicide.” "وهذا الجهد هو جزء من ثقافتنا، يجب النظر عن كثب في أنفسنا، وإدخال تحسينات مستمرة في قدرتنا، ولكن الأهم من ذلك، خفض عدد الجنود الذين نفقدهم بالانتحار".

 

“This comprehensive review exposes gaps in how we identify, engage, and mitigate high-risk behavior among our soldiers. "هذا الاستعراض الشامل يفضح الثغرات في كيفية تحديد، والمشاركة، والتخفيف من السلوك المحفوف بالمخاطر بين جنودنا. After nearly a decade of war we must keep pace with the expanding needs of our strained Army, and continuously identify and address the gaps that exist in our policies, programs and services,” said Chief of Staff Gen. George W. Casey Jr. بعد عشر سنوات تقريبا من الحرب يجب علينا مواكبة الاحتياجات المتزايدة لجيشنا المتوترة، والتعرف بشكل مستمر، ومعالجة الثغرات الموجودة في سياساتنا والبرامج والخدمات. Casey told the Army's two- and three-star commanders and command sergeants major recently that “our challenge over the next several years will be to maintain our combat edge at an appropriate tempo while reestablishing garrison systems to better care for our soldiers and families. وقال "كيسي": إن التحدي الذي نواجهه على مدى السنوات القليلة المقبلة ستكون للحفاظ على تفوقنا في مكافحة الانتحار بوتيرة مناسبة، مع إعادة أنظمة حامية لرعاية أفضل لجنودنا وعائلاتهم، فThe combination of Comprehensive Soldier Fitness with these health promotion efforts provides the foundation to improve the resilience of the force.”مزيج من لياقة الجندي الشاملة مع هذه الجهود يتم تعزيز الصحة ويوفر الأساس لتحسين مرونتها وقوتها.

 

Unprecedented operational tempo has dictated that leaders remain primarily focused on preparing for their next deployment. وقد أملت وتيرة العمليات التي لم يسبق له مثيل أن القادة لا تزال تركز أساسا على الإعداد للنشر المقبل. As a result, enforcement of policies designated to ensure good order and discipline has atrophied. ونتيجة لذلك، وإنفاذ سياسات معينة لضمان حسن النظام والانضباط،This, in turn, has led to an increasing population of Soldiers who display high risk behavior which erodes the health of the force. وهذا بدوره أدى إلى تزايد عدد الجنود الذين تعرضوا لمخاطر سلوكية أدت إلى تآكل قوتهم الصحية.

 

The report grew out of a series of visits to six Army installations directed by Casey and led by Vice Chief of Staff Gen. Peter Chiarelli in Spring 2009 to look at suicide prevention efforts in the force. وأشار التقرير إلى سلسلة من الزيارات لستة منشآت للجيش من إخراج كيسي وبقيادة نائب رئيس الأركان الجنرال بيتر شياريلي في ربيع 2009 للنظر في جهود الوقاية من الانتحار في هذه القوة. “What we witnessed were real indicators of stress on the force, and an increasing propensity for Soldiers to engage in high risk behavior,” Chiarelli said. وقال: "ما شهدناه من مؤشرات حقيقية للضغط على القوة، والميل المتزايد للجنود للمشاركة في السلوك مخاطر عالية" ، وقال تشياريلي:“We recognized almost immediately we had to widen the aperture – risk in the force cannot be mitigated by suicide prevention alone.” "لقد أدركنا على الفور تقريبا كان لدينا توسيع لفتحة خطر في القوة لا يمكن تخفيفها عن طريق الوقاية من الانتحار وحدها."

The Army's inward and transparent review is documented in this report.Key findings include: النتائج الرئيسية ما يلي:

 

• gaps in the current HP/RR/SP policies, processes and programs necessary to mitigate high risk behaviors; وجود ثغرات في إتش بي الحالية / ص ص / س السياسات والعمليات والبرامج اللازمة للتخفيف من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر العالية، أدى an erosion of adherence to existing Army policies and standards;إلى تآكل الالتزام بسياسات الجيش والمعايير الحالية .

 

• an increase in indicators of high risk behavior including illicit drug use, other crimes and suicide attempts;زيادة في مؤشرات السلوك المُنحرفة أدى إلى مخاطر عالية بما في ذلك الاستخدام غير المشروع للمخدرات وغيرها من الجرائم ومحاولات الانتحار.

 

• lapses in surveillance and detection of high risk behavior; ثغرات في المراقبة كشف عن سلوك محفوف بمخاطر عالية، مثل • an increased use of prescription antidepressants, amphetamines and narcotics;زيادة استخدام مضادات الاكتئاب بوصفات طبية والأمفيتامينات والمخدرات.

 

• degraded accountability of disciplinary, administrative and reporting processes; and المساءلة التأديبية المتدهورة والمسالك الإدارية البطيئة لعمليات الإبلاغ، أدى إلى• the continued high rate of suicides, high risk related deaths and other adverse outcomes. استمرار ارتفاع معدل حالات الانتحار والوفيات عالية المخاطر ذات الصلة، والنتائج السلبية الأخرى.

 

“These findings demonstrate that many of our programs are unbalanced and lack integration, while reinforcing recommendations that will help us improve the quality of our programs and services,” Chiarelli saidوقال "تشياريلي": "هذه النتائج تظهر أن العديد من برامجنا غير متوازنة وتفتقر إلى التكامل، في حين يجب أنْ نعزز التوصيات التي من شأنها مساعدتنا على تحسين نوعية البرامج والخدمات التي نقدمها"، وقد وجه جون ماكهيو: " أنه علىMcHugh has directed that leaders at all levels become familiar with the report. القادة في جميع المستويات التعرف على التقرير، ولIt informs leaders throughout the force about the consequences associated with high risk behavior; provides a candid, transparent and balanced review of HP/RR/SP issues; documents the Army's actions to date to improve programs and services; integrates policies, processes and programs for oversight of the force; and recommends solutions to eliminate gaps and unnecessary redundancies.يعلم القادة في جميع أنحاء قوة مكافحة الانتحار بنتائج العواقب المرتبطة بالسلوك المُنحرف وما تؤدي إليه من مخاطر عالية؛ وهذا يتطلب استعراض وثائق وإجراءات الجيش بشفافية وبشكل متوازن لتحسين البرامج والخدمات، وكذلك دمج السياسات والعمليات وبرامج الإشراف على التنفيذ، ووضع حلول للقضاء على الثغرات وتكرارها الذي لا داعي له.

 

Programs must be realigned to improve support to the Soldier, Family and unit. ويجب إعادة النظر في برامج لتحسين الدعم للجندي، ووحدة الأسرة. Reporting and data-sharing on high risk behavior among unit commanders, medical and garrison service providers, and law enforcement officials must be synchronized. يجب أن تؤكد التقارير وتبادل البيانات بين قادة الوحدات على السلوك المُنحرف الذي يؤدي لمخاطر عالية..".

 

توصيات تقرير تمثل المرحلة التالية من الحملة التي نفذت حتى الآن أكثر من 200 إطار مُبادرات مُنفصلة على مدى الأشهر الـ 15 الماضية، Report recommendations represent the next phase of the campaign which has already implemented more than 200 separate initiatives over the last 15 months.على سبيل المثال ، تشديد معايير التجنيد في الجيش ؛ إنشاء مجلس تعزيز الصحة المجتمعية؛ تحسين فرص الوصول والتنسيق بين الرعاية الطبية ومقدمي الخدمات الصحية السلوكية، توسيع فحص الصحة السلوكية، تحقيق الاستقرار في قيادة وحدة بعد إعادة الانتشار، وضع برنامج سري لمعالجة الكحول، وإنشاء 72 وظيفة جديدة لرجال الدين.

 

من بين أمور أخرى: “Continued focus on mentoring and training our leaders and service providers is key to fixing these problems"مواصلة التركيز على توجيه وتدريب قادتنا ومقدمي الخدمات هو المفتاح لتحديد هذه المشاكل. Part of leadership is creating an environment where it's okay to ask for help—and where it's our duty to extend a helping hand,” Chiarelli said. جزء من القيادة هو خلق بيئة حيث السرعة في تلبية طلب المساعدة، وحيث انه من واجبنا أن نمد يد العون."، وقال تشياريلي: “This, too, is in keeping with the Army Warrior Ethos to never leave a fallen comrade.” "وهذا أيضا يتمشى مع روح المحارب لا أترك أبدا رفيقا سقط".Report findings indicate that there are no universal solutions to address the complexities of personal, social and behavioral health issues that lead to suicide. “We've often said that the Army is a reflection of society, but we have soldiers today who are experiencing a lifetime of stress during their first six years of service. وأضاف: " قلنا في كثير من الأحيان أن الجيش هو انعكاس للمجتمع، ولكن لدينا اليوم من الجنود الذين يعانون من العمر ومن الإجهاد خلال أعوام الستة الأولى من الخدمة. Army leaders at all levels remain dedicated to promoting resiliency, coping skills, and help-seeking behavior across our force,” Chiarelli said. قادة الجيش على جميع المستويات لا تزال مكرسة لتعزيز المرونة، والتعامل والمهارات ، ومساعدة الباحثين عن السلوك عبر قوة لنا.".  

 

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لا توجد حلول شاملة لمعالجة تعقيدات الشخصية، والقضايا الصحية والاجتماعية والسلوكية التي تؤدي إلى الانتحار.)). ([71])

 

ب‌-  الكلاب والأحصنة للتخفيف من معاناة الجنود الأمريكان في العراق:

الموضوع ليس مُزحةً أو طرفه، وكذلك فهو ليس كما يٌشاع "كذبة نيسان" لا بل أنه حقيقة أعلنتها: ((صحيفة صنداي تايمز إن الجيش الأمريكي يعتزم عقد ندوة عن العلاج بمساعدة الحيوانات بقاعدة فورت ماير الأمريكية بفرجينيا، وسط تنامي القلق بأوساط كبار المسؤولين العسكريين من تزايد القتلى في الحروب وارتفاع معدلات الانتحار بصفوف الجنود.

 

ويقول المتخصصون بالطب النفسي: إنهم يستخدمون الأحصنة والكلاب بشكل مضطرد في العلاج، حيث نقل عن الطبيب المساعد "ماثيو لوارنت" قوله: إن "الكلاب متجاوبة جدًا وودها غير مشروط، ولها تأثير كبير" في العلاج، وكان المركز الطبي قد قدم برنامجًا لتدريب الكلاب التي من شأنها أن "تساعد على تنظيم المشاعر العاطفية" لا سيما وأن بعضهم طلب اصطحاب الكلاب معهم إلى المنازل.)). ([72])

 

 

 

من جهةٍ أخرى أعلنت منظمة لمحاربين قدامى أن الجيش الأمريكي سيرسل للمرة الأولى كلابا تم تدريبها، في حين أعلنت منظمة ” فيتدوجس ” من جهتها : إنها سلمت كلبين من نوع لابرادور اسمهما "بو" و "بادج" إلى الوحدة الطبية الخامسة والثمانين للجيش ليتم إرسالهما إلى الجنود الأميركيين في العراق. وأكدت المنظمة في بيان أن مهمتهما ستكون التخفيف من حدة انفعالات الجنود ، وقالت الميجور "ستيسي كاسويل" قائدة الوحدة الطبية الـ 85 : (( إن الكلاب كانوا دائما الأبطال الصامتين لجهدنا في الحرب، لكن بإرسال كلاب علاجية إلى العراق نقطع مرحلة اكبر.)).

 

ت‌-  استخدام الجيش الأمريكي لشريط فيديو كمحاولةٍ منهُ للتخفيف من حدةِ انتشار وباء الانتحار:

وسيلةً أخرى لجأ إليها البنتاغون، لكنها ليست مزحه كما كان شأن الكلاب، هذه المرة استخدم البنتاغون شريط فيديو يتم عرضه على عوائل الجنود الذين خدموا في العراق لحثهم (الزوجة والأولاد و..إلخ) لإحتواء الحالة النفسية الصعبة التي سيأتي بها رب العائلة من العراق، فكان أنْ: (([ الجيش أطلق يوم الجمعة 16/7/2010 شريط فيديو لعرضهِ على الجنود الأمريكيين ليُساعدهم على تفهم المعارك وتخفيف تأثيرها النفسي عليهم.]، وقال الجيش الأمريكي في بيان صحفي لهُ: [ "أن الفيديو اسمه "كتفا لكتف: لن اترك حياتي أبداً"، قد تم تصويره في 15 دقيقة، يتضمن مقابلات مع القوات وعائلاتهم عن محاولات بعض الجنود الفاشلة للانتحار وطريقهم للشفاء. فضلاً عن لقاءات مكثفة مع رجال الدين، وأطباء الإرشاد النفسي، وبرامج تدريب، وأعداد أخرى للجنود ولذويهم كذلك.] وبرر الجيش في بيانه أسباب ممارسته هذه الوسيلة الإعلامية، بالقول: [ أن سبب إطلاق الفيديو، هو تزايد حالات الانتحار، وكذلك الارتقاء ببرامج للجنود ولأسرهم بشكل اكبر من أي وقت مضى.].)). ([73]) 

 

ث‌- جلسات "التثقيف بالزواج" للتعاطي مع التوتر الذي يصل إلى الحياة الزوجية من ميادين القتال: لم ينجم عن النصر الأمريكي المزعوم على العراق إلا مشاكل مُتراكمة تصبُ جميعها في المسارات النهائية المؤدية إلى الانتحار، فمنها أن النصر أعلاه خلّف علاقات زوجية مُحطمة جراء الآثار النفسية التي تركتها الحرب على العراق، فبهذا الخصوص قالت صحيفة نيويورك تايمز السبت 5/4/2008 إن الجيش الأميركي يخوض اليوم معركة معقدة وغير متوقعة تختلف عن الحروب العادية، تتعلق بعلاقات الزواج المحطمة في أوساط جنوده بسبب مشاركتهم في الحروب فترات طويلة.

 

يوضح الميجر "ليفي دانتون" أمام مجموعة من الجنود الآخرين وزوجاتهم في جلسات ينظمها الجيش نهايات الأسبوع، المشاكل التي تعتري حياته مع زوجته منذ عودته من العراق عام 2005، إذ لم يعد يستطع الاندماج مع عائلته، وقال: [ إنه لم يجد متعة في كونه أبا لولدين، وإن أي شيء أصبح يثير غضبه.؟!]، زوجة دانتون بدت مرتاحة لأنها تشعر بأن لديها فرصة للتواصل مع زوجها، وقالت: [ إنها مقتنعة بأن الحرب وجدت طريقها إلى زواجهما.] أما كيف وجدت هذا الطريق، فتوضحهُ أيضاً بقوله: [ أن دانتون كان معتادا على قول الطرائف، ولكنه لم يعد الآن كما كان. أستطيع أن أقول إنه مختلف كليا، ولكن أعتقد أن هذه المرحلة ستمر.؟!]، وذكرت الصحيفة الأميركية أعلاه: [ أن هذه الجلسات تعد جزءا من جبهة جديدة لبرامج "روابط قوية" التابعة للجيش المخصصة للعائلات والأزواج والتي تجري بإشراف بعض القساوسة.

 

وتهدف الجلسات التي أطلق عليها "التثقيف بالزواج" بدلا من تسميتها جلسات استشارة أو علاج، إلى التعاطي مع التوتر الذي يصل إلى الحياة الزوجية من ميادين القتال، ويكون تأثيره كبيرا على تلك الحياة.([74])

 

الدكتور ثروت اللهيبي
almostfa.7070@ yahoo.com
 

[1])) الأنفال / 17، تفسير الآية الكريمة كما ورد في تفسير الجلالين المُحمل على قرص كمبيوتري: (( 17 - (فلم تقتلوهم) ببدر بقوتكم (ولكن الله قتلهم) بنصره إياكم (وما رميت) يا محمد أعين القوم (إذ رميت) بالحصى لأن كفَّا من الحصى لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية بشر (ولكن الله رمى) بإيصال ذلك إليهم فعل ذلك ليقهر الكافرين (وليبلي المؤمنين منه بلاءً) عطاءً (حسناً) هو الغنيمة (إن الله سميع) لأقوالهم (عليم) بأحوالهم.)).

[2])) مقطع من رسالة جندي أمريكي في العراق وهو قاب قوسين أو أدنى من الانتحار. 

[3])) للإطلاع على نص الاتفاقية الأمنية العراقية – الأمريكية (2009 -2011) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.majlesalommah.net، (ملحق) الاتفاقية الأمنية العراقية – الأمريكية (2009 -2011). 

[4])) للإطلاع على قراءة تحليلية للاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية، أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.darbabl.net، أ. د. هيثم غالب الناهي.. ثلاثية الأزمة العراقية: الاتفاقية الأمنية، الانتخابات المحلية، المصالحة السياسية، 5/5/2009.

[5])) أنظر الموقع الإلكتروني لشبكة نبأ المعلوماتية: http://www.annabaa.org، مصطلحات اجتماعية:الانتحار، الاثنين 23 تموز 2007؛ للإطلاع على تفاصيل أخرى عن الانتحار سيما نسبها في عدد من البلدان الأوربية والكيان الصهيوني وغيرهما، أنظر: http:forum.illaftrain.co.uk، لهن أون لاين، ترجمة: يوسف وهباني،   الانتحار في الغرب..ظاهرة تستحق التأمل! محرم - 1431 هـ| 06 - يناير – 2010.   

[6])) أنظر الموقع الإلكتروني:  http://www.albasrah.net، د. عيدة مصطفى المطلق، الانتحار في صفوف الجيش الأمريكي في العراق، الخميس 2 ربيع الثاني 1431 / 18 آذار  2010.

[7])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.alarabiya.net، لندن - كمال قبيسي: يقاتلون أشد المحاربين وينهون حياتهم لأي سبب.. إرهاب "الانتحار" يفتك بجنود أمريكا أكثر من عمليات القاعدة..  32 جندياً أمريكياً انتحروا بالعراق وأفغانستان خلال شهر واحد، السبت 05 شعبان 1431هـ - 17 يوليو 2010م.   

[8])) أنظر كذلك الموقع الإلكتروني:  http://www.albasrah.net، د. عيدة مصطفى المطلق، الانتحار في صفوف الجيش الأمريكي في العراق، الخميس 2 ربيع الثاني 1431 / 18 آذار  2010. 

[9])) أنظر الموقع الإلكتروني لشبكة نبأ المعلوماتية: http://www.annabaa.org، مصطلحات اجتماعية:الانتحار، الاثنين 23 تموز 2007. 

[10])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net، مازن النجار، الجنود الأميركيون انتحار وإدمان.. إطلاق النار بقاعدة فورت هود سلط الضوء على الصحة النفسية للجنود الأميركيين (الفرنسية)، الاثنين 28/11/1430 هـ - الموافق 16/11/2009 م.

[11])) أنظر الموقع الإلكتروني لشبكة نبأ المعلوماتية: http://www.annabaa.org، مصطلحات اجتماعية:الانتحار، الاثنين 23 تموز 2007؛ للإطلاع على تفاصيل أخرى عن الانتحار سيما نسبها في عدد من البلدان الأوربية والكيان الصهيوني وغيرهما، أنظر: http:forum.illaftrain.co.uk، لهن أون لاين، ترجمة: يوسف وهباني،   الانتحار في الغرب..ظاهرة تستحق التأمل! محرم - 1431 هـ| 06 - يناير – 2010.   

[12])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.alarabiya.net، البحرين - أ ف ب، في قاعدة عسكرية أمريكية جندي أمريكي يقتل زميلتين له قبل أن يحاول الانتحار في البحرين، الاثنين 10 شوال 1428هـ - 22 أكتوبر 2007م.

[13])) أنظر الموقع الإلكتروني:http://www.albasrah.net، الانتحار في صفوف الجيش الأمريكي في العراق، تزايد انتحار الجنود الأمريكان في العراق، الخميس 2 ربيع الثاني 1431 / 18 آذار  2010.

[14])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.alarabiya.net، لندن - كمال قبيسي: يقاتلون أشد المحاربين وينهون حياتهم لأي سبب.. إرهاب "الانتحار" يفتك بجنود أمريكا أكثر من عمليات القاعدة..  32 جندياً أمريكياً انتحروا بالعراق وأفغانستان خلال شهر واحد، السبت 05 شعبان 1431هـ - 17 يوليو 2010م؛ أنظر كذلك الموقع الإلكتروني: ttp://www.f555f.com، واشنطن، الولايات المتحدة (CNN)، يراقب البنتاغون عن كثب أي مؤشرات على استمرار تصاعد الظاهرة. 

[15])) أنظر موقع الراية نت: http://www.raya.com ، إعداد : محمد حسين عبد العزيز، ماذا فعل المحافظون الجدد .. بأمريكا والعالم ؟! ( 4 ـ 4 )، تاريخ النشر: الخميس11/12/2008.   

[16])) أنظر الموقع الإلكتروني:  http://www.albasrah.net، د. عيدة مصطفى المطلق، الانتحار في صفوف الجيش الأمريكي في العراق، الخميس 2 ربيع الثاني 1431 / 18 آذار  2010.  

[17])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net، جنود أميركيون يعانون مشاكل صحية بعد العودة من العراق.. تغيرات نفسية غير مريحة حدثت لكثير من الجنود الأميركيين العائدين من العراق (الفرنسية-أرشيف)، الأربعاء 7/7/1427هـ - الموافق 2/8/2006 م.

[18])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net، ثلث الجنود الأميركيين المرضى مصاب بثلاث مشكلات أو أكثر (رويترز). 

[19])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.alarabiya.net، واشنطن- ا ف ب، 180 أنهوا حياتهم في 10 أشهر.. والتحقيق حول الكحول والمخدرات.. الجيش الأمريكي يسجل مستوى قياسياً لانتحار جنوده خلال 2009.. سلاح البرّ سجّل 140 حالة بين صفوفه، الأربعاء 01 ذو الحجة 1430هـ - 18 نوفمبر 2009م ؛ أنظر كذلك: http://www.almesryoon.com، الجيش الأمريكي يلوم القادة العسكريين جراء ارتفاع حالات الانتحار، 31-07-2010؛ أنظر كذلك: http://www.ennaharonline.com، (ح.م)، الانتحار بات الحل الوحيد للجنود الأمريكيين للهروب من جحيم المعارك!!   

[20])) أنظر الموقع الإلكتروني  لوكالة مهر للأنباء الرسمية الإيرانية، http://www.mehrnews.com 18/11/2009.

[21])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net، الجنود الأميركيون يعاقرون الخمر تضميدا لجراح الحرب.. جنود أميركيون سابقون يتظاهرون ضد الحرب في العراق (الفرنسية-أرشيف)، الثلاثاء 3/7/1429 هـ - الموافق 8/7/2008 م. 

[22])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.annabaa.org، ، إعداد: محمد حميد الصواف، حروب أمريكا: محاولات للحد من الانتحار وخوض حروب المستقبل، الثلاثاء، 10/شباط/2009 - 14/صفر/1430.

[23])) للإطلاع على تفاصيل عن مرض كرب ما بعد الصدمة، حيث دراسة علمية رصينة جداً أنظر الموقع الإلكتروني: http://kayanegypt.com، الأخصائية النفسية: إيناس راضى عبد المقصود، كرب ما بعد الصدمة، وكذلك أنظر:  http://www.hayatnafs.com، مروة شيخ الأرض: اضطراب الكرب البعدي للصدمة PTSD، 27/4/2009. 

[24])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net، مازن النجار، الجنود الأميركيون انتحار وإدمان.. إطلاق النار بقاعدة فورت هود سلط الضوء على الصحة النفسية للجنود الأميركيين (الفرنسية)، الاثنين 28/11/1430 هـ - الموافق 16/11/2009 م؛ أنظر كذلك ذات الموقع: ثلث الجنود الأميركيين المرضى مصاب بثلاث مشكلات أو أكثر (رويترز).

[25])) أنظر الموقع الإلكتروني ، شبكة النبأ المعلوماتية: إعداد: ميثم العتابي: حروب أمريكا: فشل في إستراتيجية ما بعد الحرب على الإرهاب،  الخميس 3/تموز/2008 - 29/جمادي الثاني/1429

[26])) لم يذكر المرجع المُشار إليه في الهامش أدناه لأسم الدورية (النشرة) التي ضمنت التقرير المذكور في المتن.  ).)).    

[27])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net، جنود أميركيون يعانون مشاكل صحية بعد العودة من العراق.. تغيرات نفسية غير مريحة حدثت لكثير من الجنود الأميركيين العائدين من العراق (الفرنسية-أرشيف)، الأربعاء 7/7/1427 هـ - الموافق 2/8/2006 م. 

[28])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net، مازن النجار، جنود أميركا يعانون اضطرابا نفسيا تسارعت زيادة تشخيص مشكلات الصحة العقلية للجنود الأميركيين بعد غزو العراق (الفرنسية-أرشيف)، الاثنين 27/7/1430 هـ - الموافق 20/7/2009 م.   

[29])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.annabaa.org، ، إعداد: محمد حميد الصواف، حروب أمريكا: محاولات للحد من الانتحار وخوض حروب المستقبل، الثلاثاء، 10/شباط/2009 - 14/صفر/1430.   

[30])) الحج/40، تفسير الآية الكريمة كما وردت في تفسير الجلالين المُحمل على قرص كمبيوتري: ((40 - (ولينصرن الله من ينصره) أي ينصر دينه (إن الله لقوي) على خلقه (عزيز) منيع في سلطانه وقدرته.)). 

[31])) آل عمران/126، تفسير الآية الكريمة كما وردت في تفسير الجلالين المُحمل على قرص كمبيوتري ((126- .. (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) يؤتيه من يشاء وليس بكثرة الجند)).

[32])) الأنفال/10، تفسير الآية الكريمة كما وردت في تفسير الجلالين المُحمل على قرص كمبيوتري: (( 10 - .. (وما جعله الله) أي الإمداد (إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم)).

[33])) محمد/7، تفسير الآية الكريمة كما وردت في تفسير الجلالين المُحمل على قرص كمبيوتري:  7 - (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله) دينه ورسوله (ينصركم) على عدوكم (ويثبت أقدامكم) يثبتكم في المعترك.)). 

[34])) أنظر شبكة المعلومات/الانترنيت: الدكتور ثروت اللهيبي:  بالصور يوثق الاحتلال الأمريكي للعراق انتصارات المقاومة العراقية المُجاهدة على قواته الكونية

[35])) أنظر الموقع الإلكتروني: ttp://www.f555f.com، واشنطن، الولايات المتحدة (CNN)، يراقب البنتاغون عن كثب أي مؤشرات على استمرار تصاعد الظاهرة. 

[36])) العنكبوت/40، تفسير الآية الكريمة كما وردت في تفسير الجلالين المُحمل على قرص كمبيوتري: (( 40 - (فكلا) من المذكورين  (أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) ريحا عاصفة فيها حصباء كقوم لوط (ومنهم من أخذته الصيحة) كثمود (ومنهم من خسفنا به الأرض) كقارون (ومنهم من أغرقنا) كقوم نوح وفرعون وقومه (وما كان الله ليظلمهم) ليعذبهم بغير ذنب (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) بارتكاب الذنب.)).

[37])) أنظر الموقع الإلكتروني: ttp://www.f555f.com، واشنطن، الولايات المتحدة (CNN)، يراقب البنتاغون عن كثب أي مؤشرات على استمرار تصاعد الظاهرة.

[38])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.albasrah.net، الانتحار في صفوف الجيش الأمريكي في العراق، تزايد انتحار الجنود الأمريكان في العراق.

[39])) أنظر الموقع الإلكتروني:  http://www.albasrah.net، جاسم الشمري: الانتحار حصاد الجيش الأمريكي في العراق.

[40])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.alarabiya.net، واشنطن- ا ف ب، الأرقام ارتفعت مع تزايد الضغوط بسبب الحروب.. الجيش الأمريكي يشهد أعلى معدلات انتحار لجنوده منذ ربع قرن النسبة ارتفعت 12.7% في 2006، الجمعة 24 محرم 1429هـ - 01 فبراير 2008م.

[41])) أنظر كذلك الموقع الإلكتروني: http://www.albasrah.net، أ.د. محمد إبراهيم السقا، ظاهرة الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي.

[42])) أنظر كذلك الموقع الإلكتروني:  http://www.albasrah.net، جاسم الشمري: الانتحار حصاد الجيش الأمريكي في العراق.

[43]))  انترنيت، تزايد دراماتيكي في نسب الانتحار.

[44]))  أنظر الموقع الإلكتروني ، شبكة النبأ المعلوماتية: إعداد: ميثم العتابي: حروب أمريكا: فشل في إستراتيجية ما بعد الحرب على الإرهاب،  الخميس  3/تموز/2008 - 29/جمادي الثاني/1429.

[45]))  أنظر الموقع الإلكتروني ، شبكة النبأ المعلوماتية: إعداد: ميثم العتابي: حروب أمريكا: فشل في إستراتيجية ما بعد الحرب على الإرهاب،  الخميس  3/تموز/2008 - 29/جمادي الثاني/1429.

[46]))  أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.alarabiya.net، واشنطن- ا ف ب، معدلات الانتحار بالجيش الأمريكي عام 2008 الأعلى منذ عقود، الجمعة 04 صفر 1430هـ - 30 يناير 2009م..

[47]))  أنظر الموقع الإلكتروني: جنرال أميرکي: http://www.alalam-news.com، زوبعة الانتحار عادت بين الجنود الأمريكيين، Wed, 18 Nov 2009.

[48]))  أنظر كذلك الموقع الإلكتروني: http://www.albasrah.net، أ.د. محمد إبراهيم السقا، ظاهرة الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي.

[49]))  أنظر كذلك الموقع الإلكتروني:  http://www.albasrah.net، جاسم الشمري: الانتحار حصاد الجيش الأمريكي في العراق))

[50]))  أنظر الموقع الإلكتروني: http://arabic.cnn.com، واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية (CNNالجيش الأمريكي يحقق في التقاط صور "غير ملائمة" لمجندات، 19/06/09.

[51]))  أنظر كذلك الموقع الإلكتروني:  http://www.albasrah.net، جاسم الشمري: الانتحار حصاد الجيش الأمريكي في العراق.

[52]))  أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.alarabiya.net، واشنطن- ا ف ب، 180 أنهوا حياتهم في 10 أشهر.. والتحقيق حول الكحول والمخدرات.. الجيش الأمريكي يسجل مستوى قياسياً لانتحار جنوده خلال 2009.. سلاح البرّ سجّل 140 حالة بين صفوفه، الأربعاء 01 ذو الحجة 1430هـ - 18 نوفمبر 2009م ؛ أنظر كذلك: http://www.almesryoon.com، الجيش الأمريكي يلوم القادة العسكريين جراء ارتفاع حالات الانتحار، 31-07-2010؛ أنظر كذلك: http://www.ennaharonline.com، (ح.م)، الانتحار بات الحل الوحيد للجنود الأمريكيين للهروب من جحيم المعارك!!.

[53]))  أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.alalam-news.com، جنرال أميرکي: زوبعة الانتحار عادت بين الجنود الأمريكيين، Wed, 18 Nov 2009 .

[54])) أنظر الموقع الإلكتروني  لوكالة مهر للأنباء الرسمية الإيرانية، http://www.mehrnews.com 18/11/2009.

[55])) شبكة المعلومات/الانترنيت، البنتاغون "مُرتعب": الجنود المنتحرون أكثر من قتلى الحروب بيناير، 7/2/2009.

[56]))  أنظر الموقع الإلكتروني: www.AmericaInArabic.com، واشنطن، 17 يوليو/تموز (وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك)، ارتفاع انتحار الجنود الأمريكيين لرقم قياسي في يونيو؛ أنظر كذلك المواقع الإلكترونية: http://www.hurras.org الرئيسة أخبار أعلى رقم قياسي لانتحار الجنود في الجيش الأمريكي خلال هذا الشهر، الأحد 18 يوليو 2010.

[57]))  أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.alarabiya.net، لندن - كمال قبيسي: يقاتلون أشد المحاربين وينهون حياتهم لأي سبب.. إرهاب "الانتحار" يفتك بجنود أمريكا أكثر من عمليات القاعدة..  32 جندياً أمريكياً انتحروا بالعراق وأفغانستان خلال شهر واحد، السبت 05 شعبان 1431هـ - 17 يوليو 2010م؛ أنظر كذلك المواقع الإلكترونية: http://wam.org.ae، جنديا أمريكيا انتحروا في العراق وأفغانستان في يونيو الماضي، واشنطن في 20 يوليو/وام/Jul 20, 2010 - ؛ أنظر كذلك: http://www.almesryoon.com، الجيش الأمريكي يلوم القادة العسكريين جراء ارتفاع حالات الانتحار، 31-07-2010؛ أنظر كذلك: http://www.almokhtsar.com، المختصر، الصحة العقلية للجنود الأمريكيين و  انتحارهم، 19/8/1431 الموافق 31-07-2010.

[58])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net، العدد فاق قتلى المعارك.. ظاهرة انتحار الجنود الأميركيين، الخميس 1/5/1431 هـ - الموافق 15/4/2010 م .

[59])) أنظر الموقع الإلكتروني: ttp://www.f555f.com، واشنطن، الولايات المتحدة (CNN): يراقب البنتاغون عن كثب أي مؤشرات على استمرار تصاعد الظاهرة.

[60])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.alalam-news.com، جنرال أميرکي: زوبعة الانتحار عادت بين الجنود الأمريكيين، Wed, 18 Nov 2009 .

[61])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.myportail.com، د. أحمد إبراهيم خضر- مصر، جيش أمريكا العظيم: الأسطورة و الواقع.

[62])) أنظر الموقع الإلكتروني: ttp://www.f555f.com، واشنطن، الولايات المتحدة (CNN): يراقب البنتاغون عن كثب أي مؤشرات على استمرار تصاعد الظاهرة.

[63])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.raya.com ، إعداد : محمد حسين عبد العزيز ( الراية نت )، ماذا فعل المحافظون الجدد .. بأمريكا والعالم ؟! ( 4 ـ 4 )، تاريخ النشر: الخميس 11/12/2008.   

[64])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.albasrah.net، أ.د. محمد إبراهيم السقا، ظاهرة الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي، الخميس 2 ربيع الثاني 1431 / 18 آذار  2010.    

[65])) أنظر شبكة المعلومات/الانترنيت: الدكتور ثروت اللهيبي: دراسة: تأثير عمليات المقاومة العراقية على القوات المُسلحة الأمريكية والمُشاركه معها المُحتله للعراق... المبحث الرابع: تأثير عمليات المقاومة العراقية في الحد/انخفاض نسب التطوع/التعاقد في/مع الجيش الأمريكي... والبدائل التي استخدمتها وزارة الدفاع الأمريكية لمعالجة ذلك.

[66])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.almokhtsar.com، المختصر، الصحة العقلية للجنود الأمريكيين و  انتحارهم، 19/8/1431 الموافق 31-07-2010.

[67])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net، أميركا تدرس ظاهرة انتحار جنودها.. بقاء الجنود وحيدين فترة طويلة قد يسهم في إقدامهم على الانتحار (الفرنسية)، الاثنين 18/8/1430 هـ - الموافق 10/8/2009 م؛ أنظر كذلك: أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.almesryoon.com، الجيش الأمريكي يلوم القادة العسكريين جراء ارتفاع حالات الانتحار، 31-07-2010.

[68])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://wam.org.ae، جنديا أمريكيا انتحروا في العراق وأفغانستان في يونيو الماضي، واشنطن في 20 يوليو / وام /Jul 20, 2010 - 05:49

[69])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.albasrah.net ، الانتحار في صفوف الجيش الأمريكي في العراق، تزايد انتحار الجنود الأمريكان في العراق، الخميس 2 ربيع الثاني 1431 / 18 آذار  2010.      

[70])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.nb3aljod.com، المُختصر: علاج نفسي بالكلاب لتخفيف التوتر لدى الجنود الأمريكيين العائدين من القتال بالعراق وأفغانستان.     

[71])) أنظر الموقع الإلكتروني:http://translate.googleusercontent.com/، واشنطن (29 يوليو 2010) من قبل مكتب رئيس شؤون صحافة الشؤون: تقرير الجيش تعزيز صحة والحد من المخاطر ومنع الانتحار في 28 يوليو 2010.       

[72])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.nb3aljod.com، المُختصر: علاج نفسي بالكلاب لتخفيف التوتر لدى الجنود الأمريكيين العائدين من القتال بالعراق وأفغانستان. .      

[73])) أنظر الموقع الإلكتروني: www.AmericaInArabic.com، واشنطن، 17 يوليو/تموز (وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك)، ارتفاع انتحار الجنود الأمريكيين لرقم قياسي في يونيو؛ أنظر كذلك الموقع الإلكتروني: http://www.hurras.org الرئيسة أخبار أعلى رقم قياسي لانتحار الجنود في الجيش الأمريكي خلال هذا الشهر، الأحد 18 يوليو 2010.      

[74])) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net، الأميركيون العائدون من الحروب يعانون علاقات زوجية محطمة.. بقاء الجنود الأميركيين في ميدان القتال فترات طويلة أثر سلبا على حياهم الأسرية (الفرنسية-أرشيف)، السبت 27/3/1429 هـ - الموافق 5/4/2008 م. 





الاثنين١٣ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٣ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور ثروت اللهيبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة