شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يخفى على أحد الكم الهائل من الأدوات و الأموال و المخططات التي وظفتها القوى الامبريالية و الصهيونية من أجل سلخ كل مواطن عربي عن هويته العربية الاسلامية. و لئن أعطت هذه القوى في بداية مرحلتها الاستعمارية للأدوات العسكرية أهمية كبيرة لتحقيق هذا الهدف إلا أنها تيقنت من خلال تجربة خاضتها على مدى عشرات السنين أن المخزون الثقافي و الحضاري المكون لهوية المواطن العربي هو السبب في عجز هذه القوى على ترسيخ موازين القوى التي أنجزتها عبر الأداة العسكرية. الهوية العربية الاسلامية هي اللغز الكبير الذي حير كل علماء الهيمنة الامبريالية و الصهيونية. فبعد فشل البعثات الثقافية الموجهة للوطن العربي ( فيالق السلم الأمريكية و الأنشطة الثقافية عبر السفارات...) في إحداث تغيير جوهري على التركيبة الهوياتية للمواطن العربي تفتقت قريحة علماء مخابر المخططات الاستراتيجية على خطط تتناسب مع ما يستوجبه انفراد القطب الواحد الأمريكي بمقدرات العالم . فكان مشروع العولمة و ما يحمله من اهتمام بالجانب الثقافي و الحضاري للشعوب. فمنذ مرحلة انهيار جدار برلين و الدخول العملي في استهداف العراق باعتباره قلعة الممانعة العربية طرح مخطط العولمة على نفسه النفاذ إلى المفاصل الدقيقة لحياة المواطن العربي اليومية بهدف التسرب إلى المكونات الجينية لهويته و إحداث التغييرات الجذرية التي تقضي نهائيا على المخزون الثقافي المغذي لروح المقاومة و الاستبسال في الدفاع عن الوطن و الذات. و قد تمكنت الامبريالية و الصهيونية بتوخي هذا النهج من تحقيق العديد من الأهداف عبر توظيف تكنولوجيا معلومات الاتصال و رصد أموال هائلة لإحداث قنوات فضائية تستهدف مباشرة ذهنية الشاب و المثقف و الطفل العربي و اخضاع الناشئة لبرامج تعليمية معدة سلفا في المخابر التربوية الاستعمارية و الصهيونية . فقد استطاعت هذه الأدوات الاستعمارية أن تحاكي مشاعر و وجدان المواطن العربي و تدخل معه في حوار غير متكافئ تنفذ بواسطته عملية غسل تدريجي لكل ما هو متأصل و راسخ في تركيبته الحضارية و الثقافية. لكن هل حققت القوى الامبريالية و الصهيونية كل أهدافها ؟ قبل الإجابة على السؤال لا بد من التذكير بحقائق مهمة هو أن مكونات المجتمعات و ذهنيات الأفراد لا تخضع كليا لقوانين المادة و النظريات العلمية. فالمخزون الثقافي و التراثي الذي يصمد طيلة آلاف السنين من شأنه أن ينحت تركيبة بشرية فريدة لا تخضع آليا لقوانين العلوم الحديثة مهما كان تطورها نظرا لمحدودية منابعها في الزمن و انفاصالها عن العامل الروحي. و هذا ما كان يقصد به القائد الشهيد صدام حسين حين قال في إحدى رسائله بعد أشهر من دخول الاحتلال " إن للعراق إذا جاز التعبير خلطة كيميائية خاصة به لا يحل مفاتيحها ورموزها إلا من هو من أبنائه أو المؤمنون الصالحون من أبناء أمته " هذه الخلطة الكيميائية هي التي يجهلها الأعداء و نعرفها نحن العرب دون أن نستطيع تفسيرها لكننا نحس بوجودها في وجداننا و أحاسيسنا و عقيدتنا. و مثلما عجزت آلة حربية ذات تقنيات عالية و قدرات تدميرية رهيبة من كسر شوكة المقاومة العراقية و الفلسطينية المتسلحة تقنيا بآلة عسكرية لا تقارن مع تجهيزات العدو فإن ما نحصل عليه في حرب الإرادات و الثقافات و القيم مع العدو المدجج بالمسلسلات و الأفلام التخريبية و الاعلام المزيف منطقيا يجب أن يكون أرقى من ذلك في صورة احكام الخطط و الاستعداد لذلك و تهيئة أدوات المواجهة.


و خلاصة ما أردنا أن نقوله أن كل من يتذرع بقوة آلة الدمار الثقافية للعدو وبضعف النظام الرسمي العربي ليغرق في بحور تحليلية من التشاؤم مستندة على ما حققه العدو الامبريالي الصهيوني من مكاسب في المجال الذهني و الثقافي على الساحة العربية هو ( إذا كان عن حسن نية ) كعالم الاجتماع الذي يجهل تركيبة ذاته الثقافية و يسهم بجهله في زرع روح الاستسلام الغريبة عن تاريخنا و تراثنا و قيمنا العربية الاسلامية.


يكفي لهؤلاء المثقفين أن ينتبهوا إلى ردود أفعال شعبنا العربي في الفترات الوجيزة التي تتوفر له فيها فرصة التعبير عن حقيقة ما يؤمن به و يجول بخاطره لكي يتأكدوا أن قوة الدولار و أجهزة هوليوود المعقدة بعيدة عن تحقيق تغيير جذري في التركيبة العاقائدية و الذهنية و القيمية للشعب العربي. ولن نعتمد لإثبات هذه الحقيقة على مواقع المواجهة كفلسطين و العراق رغم أهميتها بل سنعتمد حدثين حصلا في تونس التي تبعد غربا آلاف الكيلومترات عن جبهات المواجهة مع العدو و صدرا من شعب اتهمه العديد من المحللين بالانسلاخ عن هويته العربية الاسلامية.


الحدث الأول هو سبر الآراء الذي أقامه مشتركون تونسيون على الفايس بوك يوم 8 يونيو- جويلية الفارط و دام ثلاثة أيام

( انظر الرابط http://www.facebook.com/photo.php?pid=164638&id=112166148822613

و طرحوا فيه على المشاركين السؤال التالي : ما هي أشهر الشخصيات السياسية والقيادية والنضالية التي اثرت في الشعب التونسي ؟
و النتيجة كانت كالآتي:


- المرتبة الاولى للرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة برصيد 1385 صوت
- المرتبة الثانية للقائد الراحل صدام حسين برصيد 1314 صوت
- المرتبة الخامسة لرئيس الوزراء رجب طيب اردوجان برصيد 1012 صوت
- المرتبة الثامنة للزعيم النقابي و الوطني التونسي الراحل فرحات حشاد برصيد 783 صوت
- المرتبة الحادية عشر للرئيس احمدي نجاد برصيد 501 صوت


سوف لن نتناول النتائج الكاملة كما لن نقوم بتحليل كل الاحصائيات فالمجال لا يسمح بذلك لكننا سنأخذ ما له ارتباط بموضوعنا أي اختيار الشهيد صدام حسين في المرتبة الثانية.


إن اختيار هذه الفئة من الشعب التونسي للقائد صدام حسين له معاني كثيرة في مقدمتها تمسكه بالقيم و المبادئ التي استشهد من أجلها و التي بهدف محوها من ذهنية المواطن العربي و من ضمنهم المواطن التونسي جند ت المخابرات الثقافية العالمية ميزانية خيالية و أدوات متنوعة و مبتكرة. و يكفي الاطلاع عن سبب اختيار بعض المشاركين للشهيد صدام حسين لنتأكد من رسوخ القيم العربية الاسلامية الأصيلة في ذهنية المواطن العربي في تونس . فقد وردت في بعض التعليقات العبارات التالية: إني أحبه ..– الله يرحمه و ينعمه ...– رجل...- هذا وحدو ( أي ليس له مثال ) - هذا هو الرسمي زعيم الأمة..- هذه الشخصية الأولى – إنه شهيد الله يرحمه – معلم بدون منازع..- ما بالكم برجل كانت آخر كلماته عاشت فلسطين حرة من النهر الى البحر..- لا تأسفن على غدر الزمان فكم رقصت على جثث الأسود كلاب... قلائل هم الذين أختاروا أن يموتوا واقفين – الله يرحمه الوحيد الذي يستحق الاحترام – صدام رمز أمة كاملة - صدام عاش رجلا ومات منتصب القامة لم يخنع ولم يساوم على مبادئه يجب ان نوفي الرجل حقه اما دكتاتوريته فقد اصبح يتمناها العراقيون على الذل الذي يعيشونه الان الرجل مات فلنقل خيرا او فلنسكت. – رمز النخوة العربية و العزة ..- صدام أسد العروبة – شهيد الحج الأكبر – عاش رجلا و مات رجلا – رجل و سيد الرجال - عشت مجيدا و مت شهيدا......


الحدث الثاني و هو ردة فعل المشتركين التونسيين في الفايس بوك على شريط فيديو يظهر فنانا تونسيا يهتف بحياة السفاح الصهيوني ناتنياهو وفور اكتشاف المقطع الذي يبدو أنّ تصويره تمّ في مدينة “إيلات” بحضور صهيوني كثيف، شنّ عدد كبير من مستعملي الانترنت هجوما على الفنان محسن الشريف وأنشؤوا ضده عددا من المجموعات على الفايس بوك لعلّ أضخمها الصفحة المُسماة “من أجل سحب الجنسية التونسية من الفنان محسن شريف” ( انظر الرابط )

http://www.facebook.com/pages/mn-ajl-shb-aljnsyt-altwnsyt-mn-alfnan-mhsn-shryf-3/149422908404437

 

 

والتي تمكّنت خلال بعض ساعات من استقطاب قرابة الثلاثين ألف تونسيّ. وكال مشتركو تلك الصفحة الشتائم ضدّ الفنان المذكور.
وبخصوص الحملات التي أطلقت ضدّ محسن الشريف وزملائه يرى فتحي الرحماني الناشط ضمن الحملة الالكترونية المناهضة للتطبيع أنّ التونسيين عبروا في تعليقاتهم وفي تحرّكاتهم عن استهجانهم لكلّ أشكال التطبيع الثقافي والرياضي والاقتصادي والسياحي، ويقول: “نلمس ذلك في الأنشطة الافتراضية مثل التعليقات ومجموعات المناهضة للتطبيع وعبارات العداء للكيان الصهيوني التي تصدر عنهم، كما نلمسها في ردود الفعل على أخبار التطبيع والمطبّعين من أمثال الفنانين أو رجال الأعمال أو المثقفين، وندرك حجم الرّفض للتطبيع في الأدبيات النقابية عامّة وبعض الأدبيات السياسية أيضا، ممّا يعني أنّ هنالك وجدانا شعبيّا رافضا لقصّة التطبيع رغم المحاولات الرسميّة للسعي في هذا الاتجاه”.


هذا هو شعب تونس العربي الأصيل و نحن إذ نفتخر بهذا النهج العروبي فإننا نطمئن المقاومة الفلسطينية و العراقية إلى أن شعب تونس يسير وراء كل مقاومة تجسد على أرض الواقع مشروع تحرير أي شبر من الأرض العربية من الاحتلال الامبريالي الصهيوني كما أن هذا الشعب يثبت يوميا أنه جزء لا ينفصل عن هذه الأمة و يؤكد على أنه يشكل احتياطيا هاما لأي مشروع نهضوي عربي يهدف إلى تحرير الوطن و توحيد الأمة و النهوض بها. و في انتظار اسهامه الفاعل في مقاومة الاحتلال فإن مساندته للمقاومة مقتصرة اليوم على رفض كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني و الدعم المعنوي للمقاومة العراقية الباسلة .


و في الأخير لقد نحت معالم هذه الأمة العربية رجال أبطال و عظماء سواء كانوا أنبياء كسيد المرسلين محمد صلوات الله عليهم و السلام أو غيرهم من القادة السياسيين و العسكريين الذين خاضوا مواجهات مصيرية للتصدي لكل طامع في هذا الوطن و خيراته . كما أن هذه الأمة لها من الزاد القيمي و الثقافي و الحضاري ما يمكنها من خوض مواجهات عاتية أخرى و لكن شريطة أن ينهض أبناؤها في جميع الأقطار ليحطموا الحواجز التي تحول دون التحامهم بمن يسيرون بخطى حثيثة عبر تهشيم رأس الأفعى الأمريكية في انجاز برنامج متكامل لتحرر هذه الأمة و وحدتها و نهضتها.

 

 





الاثنين١٣ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٣ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابن تونس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة