شبكة ذي قار
عـاجـل










كثر ت الدعوات  في المدة السابقة إلى  ضرورة توحد المقاومة العراقية في جبهة وطنية متحدة من أجل إكمال مهمات التحرير. لكن هذه الدعوات بقيت دون نتائج ملموسة  رغم أن كل الفصائل تتحدث عن ضرورة  هذه الوحدة. في هذه الأيام و بعد  ظهور معالم الطبخة التي يعد لها الاحتلالين الأمريكي و الإيراني من أجل رسم مستقبل العراق أصبحت قضية توحد الفصائل مسألة ملحة و أكيدة قد ينجر عن تأخيرها لا سامح الله خسارة كل المكاسب التي تحققت على أيدي أبطال المقاومة العراقية الباسلة.

 

احتلال العراق ليس ككل الاحتلالات  

أخواننا العراقيين الأعزاء في ساحات المواجهة مع العدو

 لقد صنعتم المعجزات و حققتم ما لم تقرأ له قوات الاحتلال أي حساب . في هذه المناسبة التي أجبرتم فيها قوى العدوان على الانسحاب الجزئي من العراق أود  أن ألفت نظركم إلى أن ما حصل في العراق اكتسى صبغة فريدة  و استثنائية في عدة مجالات سواء منها المتعلقة  بالقوة التدميرية التي انتهجتها قوات الاحتلال ضد  كل مظهر من مظاهر الحياة البشرية  أو المتعلقة بشراسة المقاومة و قدرتها الفائقة على إلحاق الهزيمة النكراء بأعظم آلة تدميرية استعمارية في التاريخ. و لم يقتصر الوضع الاستثنائي على قوة طرفي المواجهة بل انسحب كذلك على البرامج و المشاريع  المعدة خصيصا لتحويل بلاد الرافدين إلى مقبرة تدفن فيها  عروبة العراق و حضارة بلاد الرافدين إلى الأبد كخطوة نحو انجاز الفصل الثاني من مخطط تفتيت الوطن العربي بعد أن تم استكمال الفصل الأول المعروف باسم "اتفاقية سايكس بيكو". العراق لم يتعرض إلى احتلال ككل الاحتلالات العادية بل تعرض إلى احتلال استثنائي لأن العراق يحتل مكانة استثنائية في مخططات الأعداء و في التوازن العالمي ، هذه المكانة التي تعود  خاصة إلى أهمية العراق من ناحية الثروات الطبيعية و الموقع  الجغرافي و القيمة التاريخية و الوزن الاستراتيجي في المنطقة بل في العالم بأكمله. هذه الخصوصية التي يتميّز بها العراق هي التي دفعت قوى الشر في العالم إلى التلاقي و التكاتف و التعاون لتركيع هذا المارد العظيم الذي بقي لعشرات السنين حائلا دون تنفيذ مشروع تعددت أسماؤه و استقرت على اسم ا"لشرق الأوسط الكبير".

 

احتلال استثنائي لكثرة الدول المحتلة ، فقد هبت إلى العراق عدة دول من مختلف أنحاء العالم طمعا في حصة من ثروته الهائلة أو حرصا على تدمير سلطة وطنية ذنبها الوحيد بناء مشروع نهضوي عربي  يستفيد من خيرات أمته.  و تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا و إيران و أسبانيا  أكبر الأقطاب المشاركة في العدوان فحتى الدول العربية المجاورة كان لها نصيب في المساهمة في الاحتلال و إضفاء صفة الاستثنائية عليه.

 

ولقد استطاعت المقاومة العراقية بفضل ضراوة عملياتها أن تجبر العديد من الدول المحتلة على الهروب مبكرا من ساحة المعركة بعد أن أصابها الرعب و اليأس من بلوغ الأهداف المقصودة. و انحصر عدد الدول المحتلة للعراق في اثنين من جهة الولايات المتحدة الأمريكية  التي تمارس احتلالها بواسطة جهاز عسكري بلغ تعداد رجاله مئات الآلاف و جهاز سياسي متركب من عملاء العملية السياسية و من جهة ثانية إيران التي بقيت متخفية وراء الولايات المتحدة في بداية الاحتلال ثم تعاظم نفوذها الاستعماري و أصبحت  طرفا مهما في عملية احتلال العراق و هي تفرض  نفوذها اليوم بواسطة جهاز متنوع متكون من ميليشيات مسلحة و عملائها في العملية السياسية و ملايين من المستوطنين التي جلبتهم من إيران .

 

لم يعد خافيا على أحد أن قرار إعلان الرئيس الأمريكي الانسحاب من العراق تزامن مع ارتقاء العلاقة الأمريكية الإيرانية إلى حد الشراكة المعلنة و التنسيق العلني خاصة فيما يتعلق بترتيبات العملية السياسية بعد أن كان الطرفان يحرصان في السابق على إبراز خلافهما على الواجهات الإعلامية. و هو ما يؤشر إلى حصول اتفاق سري على مستوى عالي  طالما تحدث عنه محللون ميدانيون ومضمونه أن يعمل الطرفان على اقتسام السيطرة على العراق على أن يكون النفوذ السياسي لإيران و الثروة لأمريكا . إن تسليم أمريكا ملف النفوذ لإيران هو الذي يشكل الصفة  الاستثنائية الثانية التي تميز بها احتلال العراق.

 

ما يخططون له يشبه ما حصل في فلسطين

عادة ما تهدف قوات الاحتلال من انسحابها الجزئي من البلد المحتل إما إلى استبدال  الاحتلال العسكري بالاحتلال السياسي و الاقتصادي أو إلى الإعداد  للانسحاب الكامل. أما أن تنسحب قوات البلد المحتل عسكريا لتترك مكانها  لاحتلال ثاني يقوم نيابة عنها بضمان مصالحها في المنطقة فهذا لم يتكرر كثيرا في التاريخ بل يذكرنا بصفحة سوداء من تاريخ الاحتلال في وطننا و هو احتلال فلسطين.

 

نعم تلك هي الصورة الحقيقية لما يخطط له أعداء أمتنا. الشبه كبير بين ما حصل في فلسطين حين انسحبت القوات البريطانية  لتملأ العصابات الصهيونية الفراغ و تستولي على السلطة و تأسس الدولة الاستيطانية الصهيونية الغاصبة  و بين انسحاب القوات الأمريكية و ترك النفوذ لإيران عبر تثبيت عملائها في الجهاز السياسي العراقي ليتحول إلى حكومة شرعية تعترف بها منظمة الأمم المتحدة مثلما اعترف هذا المنتظم الأممي بدولة الكيان الصهيوني.

 

لقد تأكد الطرفان الأمريكي و الإيراني أنهما لا يمكن استغناء عن بعضهما  مثلما كان من غير الممكن استغناء الصهيونية عن الامبريالية البريطانية في مرحلة أولى و الأمريكية في مرحلة ثانية. فكلاهما يطمح إلى تنفيذ  الفصل الثاني من مخطط تفتيت الوطن العربي و كلاهما يعتبر أن أكبر خطر على مشروعهما القومي هو وجود سلطة وطنية عربية قوية ذات توجهات قومية تلف حولها طاقات الأمة التحررية التي اتضحت قوتها اللامحدودة في ساحات المواجهة في العراق و فلسطين.

 

هذان الاحتلالان الأمريكي و الإيراني  تحكم علاقتهما المصالح الاستراتيجية المشتركة  التي لا تنغصها الخلافات العرضية. فلا تغرنك تلك المشاكسات التي كانت في بعض الأحيان تنذر باشتعال مواجهات عسكرية بينهما إذ قد سبق للعصابة الصهيونية الهاغانا في فلسطين أن دخلت خلال الثلاثينات من القرن الماضي في مواجهة عسكرية  استهدفت قوات الاحتلال البريطاني في فلسطين ومنشآته ومؤسساته وحتى شخصياته الرسمية مما أدى إلى سقوط قتلى من الجانبين( مقال الفصول الإجرامية الصهيونية من إرهاب العصابات إلى إرهاب الدولة المنظم - أكرم عبيد)

 

إن الضربة القاسمة التي تلقتها الولايات المتحدة في العراق على أيدي أبطال المقاومة العراقية الباسلة من جهة و اهتزاز نفوذ و قوة الكيان الصهيوني بعد الهزائم العسكرية التي مني بها في فلسطين و لبنان و الهزائم السياسية و الأخلاقية و القانونية التي مني بها في المحافل الدولية جعلها تفكر في الإعداد لاحتياطي جديد يضمن استمرارية سيطرتها على أهم و أغنى منطقة في العالم . فقد  كثر الحديث في الأوساط الأمريكية  و الصهيونية  عن زوال "اسرائيل" بل إن التقارير السرية المسربة من وكالة المخابرات الأمريكية CIA  و التي نشرت على الانترنيت تتوقع زوال هذا الكيان  في غضون عشرين عاما. أكثر من ذلك تسرب هذا التوقع إلى الأعمال الفنية اليهودية إذ قام أحد المخرجين اليهود بإصدار شريط وثائقي بعنوان " خارج الغابة" يتوقع صاحبه زوال "إسرائيل"  سنة 2040  .

 

نفس المعلومة يتحدث عنها الآن السياسيون و الكتاب الإيرانيون فقد أعلن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في خطبه أكثر من مرة أن "اسرائيل " ستزول . الطرفين الأمريكي و الإيراني تفاعلا مع هذه المعطيات التي أصبحت تطرق أبواب الحقيقة بإلحاح. فبدأت أمريكا تبحث عن البديل أو عمن يعوض الفراغ الذي قد يحدثه تراجع نفوذ الكيان الصهيوني في المنطقة و من جانبه أعد الطرف الإيراني ما يتوجب  للانفراد بدور المعوض خاصة و أن أمريكا تخيّر حليفها التركي الأكثر وفاء على الطرف الإيراني. فإيران التي تطرق طبول العداء للكيان الصهيوني لها منافع من تراجع قوة الكيان الصهيوني ( ليست هي نفس منافع الأمة العربية ) فهي بحصول ذلك التراجع .

 

أ‌- تقتلع موقعا متميزا في وجدان المواطن العربي بعد أن تقدم إثباتات بأنها كانت وراء هزيمة العدو الصهيوني  و هذا الموقع يحد من الريبة التي تبديها العديد من الأطراف الوطنية و القومية العربية تجاه الدور العدائي الذي تقوم به إيران في العراق و يمكنها من التسرب إلى داخل الوطن العربي و الدخول العملي في تنفيذ برنامج تفتيته  و التوسع على حسابه مما يسمح لها بتحقيق  حلمها في بناء امبراطوريتها الفارسية  .

 

ب‌- تفرض على الطرف الأمريكي  أمرا واقعا جديدا فكلما ضعف نفوذ الكيان الصهيوني يشعر الطرف الأمريكي  بخطر انهيار نفوذه في المنطقة  و بالتالي احتياجه إلى بديل قوي يعوض هذا الفراغ  و يصبح عندها النفوذ الفارسي في المنطقة العربية ضرورة أمريكية  خاصة بعد التأكد من أن أدوات السيطرة الصهيونية  و المعتمدة على القوة العسكرية الضاربة لم تعد الطريقة الناجعة لفرض النفوذ و تنفيذ المشروع الاستراتيجي الأمريكي بينما يمتلك الطرف الإيراني الأدوات المتطابقة مع المتطلبات الراهنة و هي الطائفية و القوة البوليسية و العسكرية .

 

المصالح القومية الفارسية هي التي تقود كل القرارات الإيرانية

لا بد من الإشارة إلى أن صراع إيران مع العدو الصهيوني ليس صراعا استراتيجيا بل صراع تقاسم نفوذ ، أي أن وجود هذا الكيان لا يلغي تنفيذ المشروع القومي الفارسي لكن ربما يؤثر في حجم اتساع هذا المشروع . صراع إيران الاستراتيجي هو مع من يدافع على المشروع القومي العربي. فبالنسبة لإيران الصهاينة مرحب بهم حين يقومون بضرب مقاومة ذات توجه عروبي و مبادئ قومية و غير مرحب بهم حين يواجهون حلفاء و أنصار إيران في المنطقة  أولائك الذين يسهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في تنفيذ بنود مشروعها القومي. بعبارة أخرى الصهاينة مرحب بهم في العراق طالما أنهم يقومون بإعدام القادة العسكريين العراقيين في فترة النظام الوطني و تصفية الطيارين و العلماء و عناصر المقاومة الوطنية المناهضة للاحتلالين الأمريكي و الإيراني فهؤلاء ينشطون في شوارع العراق جنبا إلى جنب و بالتنسيق مع الميليشيات الموالية لإيران لكن الصهاينة غير مرحب بهم في لبنان لأنهم يواجهون حلفاء أوفياء لها. الحصيلة إذن هي أن الميليشيات الإيرانية في العراق تدعم التواجد الصهيوني في بلاد الرافدين  بينما يقوم حلفاء إيران بشن حملات شعواء ضد الجواسيس الذين يشتغلون لصالح الكيان الصهيوني في لبنان. و يقوم عملاء إيران في العراق و خاصة جيش المهدي بمتابعة الفلسطينيين ذوي الانتماءات العروبية و القومية  و يقومون بتصفيتهم  بينما يدعمون بالمال و السلاح المقاومة الاسلامية الموالية لهم في فلسطين . و خلاصة الحديث فإن الوجود الاستعماري الصهيوني داخل الوطن العربي لا يقلق إيران في حد ذاته بل ما يزعجها هي القرارات الصهيونية المعرقلة للتمدد الإيراني في المنطقة. إيران تريد إزالة  "إسرائيل" لكن لا تريد من المقاومة الفلسطينية أن تسلك طريق التوحد على قاعدة المبادئ القومية .  تريد أن يتحقق زوال "اسرائيل" دون أن يؤدي ذلك إلى إنعاش قوى التحرر العربية و خاصة تلك التي لها توجهات قومية . تريد أن تكون وصية على هذه المقاومة حتى تتحكم في برامجها و تحصرها في حدود ما يخدم مشروعها القومي . فهي تناصر المقاومة المسلحة لأنها تردع الكيان الصهيوني لكنها لا تريد أن يحل محل هذا الكيان الغاصب قوى وطنية و قومية تتمسك بتحرير كامل فلسطين و تجعل من تحرير فلسطين جزءا من مهام قومية تنغص عليها مشروعها التوسعي . لذلك فإن إيران تريد أن تبقى قضية فلسطين قضية قطرية و ترى أن الشعار المتماشي مع مصالحها هو قيام دولة فلسطينية على أراضي 67. هذه الازدواجية ( مساندة المقاومة المسلحة  من جهة و العمل على منع القوى الوطنية الفلسطينية إلى الارتقاء إلى الشعارات القومية المتعلقة بالقضية الفلسطينية) هي التي تفسر تخبطها و تناقض تصريحاتها حول العدو الصهيوني . فهي من جهة تدعو إلى زوال "إسرائيل"  و من جهة أخرى تطالب بدولة فلسطينية في أراضي 67 و ما يعني ذلك من التدرج نحو الاعتراف بالعدو الصهيوني.

 

توحّد المقاومة مهمة ملحّة

نحن إذن أمام وضعية معقدة تختلط فيها الأوراق على من لا يمسك بالروابط الخفية  بين النظام الإيراني و الامبريالية الأمريكية ولا يكشف أغوار و حقيقة  المخططات الاستراتيجية لكل واحد منهما. و اكتشاف هذه الحقيقة المتمثلة في نوايا تحويل العراق إلى أرض مغتصبة بشكل مشترك بين الأمريكان و الإيرانيين على شاكلة فلسطين  أو مغتصبة بشكل منفرد من طرف إيران على شاكلة عربستان التي تحتلها بشكل استيطاني منذ سنة 1925 ، يجعل المقاومة العراقية أمام مسؤولية تاريخية كبيرة. فبيدهم ليس مصير العراق فحسب بل مصير المنطقة العربية و ربما العالم بأكمله. فإما أن تدحر هذه المقاومة العظيمة النفوذ الامبريالي و الصهيوني و تضرب الثعبان الإيراني قبل أن ينطلق من عقاله فتتوفر بذلك ملامح بناء نظام عربي و عالمي جديد مبني على العدالة و المساواة و السيادة و إما أن نمنح للامبريالية الأمريكية فرصة الخروج من مأزقها و استبدال أقنعتها بأخرى أكثر مغالطة لتواصل تحقيق قرنها الأمريكي بمشاركة أطراف أخرى تشكل وبالا على المستقبل العربي و نخص بالذكر منها الطرف الإيراني.

 

إن هذا الاحتلال الإستثنائي  الذي تعرضنا إلى معالمه يستوجب قوة مضادة استثنائية  فلئن وفر أشاوس العراق القوة القتالية الاستثنائية التي دحرت طغاة العصر عسكريا إلا أنها لم تهتد بعد إلى توفير مستلزمات بقية مشوار المواجهة و المتمثلة خاصة في الأداة السياسية الاستثنائية القادرة على مقارعة البرنامج السياسي الأمريكي الإيراني المشترك الذي توضحت معالمه و قاربت مرحلة دخوله حيز التنفيذ باكتمال تشكيل حكومة الاحتلال الجديدة.

 

في بداية هذا المحور لا بد من التأكيد بأن القوة العسكرية  لوحدها لا يمكن أن تنهي الاحتلال بصورة جذرية  خاصة بعد أن مر على وجوده في العراق أكثر من سبع سنوات . كان بإمكان الحسم العسكري أن يؤدي إلى التحرير لو تحقق ذلك في الثلاث سنوات التي تلت الاحتلال لكن انتكاسة  ظهور "الصحوات" مددت من أنفاس المحتل  فسمحت له بالبقاء لمدة أطول مما ساعده على غرس أجهزة سياسية و إدارية سمحت له  بإحكام السيطرة على الشؤون السياسية.

 

الاحتلال الأمريكي و الايراني يعملان جنبا إلى جنب على ترسيخ نفوذهما السياسي  لأن الصفحة التي تعيشها المواجهة في العراق هي صفحة المعركة ذات الطابع السياسي الخاضع للعسكري و التي ستحسم أيا من الطرفين( المحتلين أو المقاومة)  سيتحكم في الشارع العراقي.  حين شعرت قوات الاحتلال بخسارتها في الساحة العسكرية  قررت سحب أغلب قواتها من المواجهة و إخفاء المتبقين في قواعد عسكرية محمية ثم حولت المعركة إلى الساحة السياسية  آملة أن تحقق الانتصار السياسي الذي  تسعى من خلاله للتوصل إلى مسح هزيمتها العسكرية. و تفتقت قريحة خبرائها السياسيين على خطط تأمل من ورائها إلى الثأر من تلك القوى الوطنية التي وقفت درعا منيعا لحماية أرض الرافدين.

 

إن الحسم السياسي بالنسبة للمقاومة لا يمكن أن يتحقق إلا حين تصبح لها القدرة على التحكم الكامل في الشارع العراقي لأن كنس الاحتلال نهائيا من العراق يتطلب المزج الدقيق بين السياسي و العسكري بين انتفاضة الشارع العراقي و تصاعد المقاومة المسلحة . لا مفر إذن من الاعداد للثورة الشعبية المسلحة. هذه هي الحل الاستثنائي لمشروع احتلالي استثنائي يسعى إلى استعادة أنفاسه . و هذه الثورة العارمة لا يمكن تحقيقها إلا إذا بسطت المقاومة نفوذها السياسي على كامل التراب العراقي و شكلت أجهزتها و منظماتها السياسية و الثقافية و الرياضية في كامل التراب العراقي و لن يكون لهذا النفوذ فعالية إلا إذا شمل كامل شرائح و أطياف الشعب العراقي . و هذه المهمة لا يستطيع تحقيقها فصيل واحد مهما كان حجم اتساع دائرة نفوذه . إن هذه المهمة لا يستطيع إنجازها سوى جهازا يضم كل فصائل المقاومة . و نقصد بذلك  الجبهة الوطنية المتحدة و هذا هو الجهاز الاستثنائي القادر على إفشال البرنامج الاستثنائي و الخطير الذي تحدثنا عن تفاصيله في بداية النص. و لتلخيص القول نقول إن توحيد المقاومة هو الذي يجعلنا عمليا على عتبة التحرير الفعلي و النهائي لأن

 

1 -  الشعب لن يكسب الثقة في نفسه و يتجرأ في خوض غمار المواجهة السياسية الثورية مع العدو إلا متى تأكد أن المقاومة قادرة على استثمار عمله المقاوم في اتجاه التحرير الفعلي.

 

فلن تجدي الدعوات  الموجهة للجماهير العراقية مطالبة منها الانتفاض و الخروج للشوارع إذا كانت الفصائل الداعية لذلك لم تتجرأ على اتخاذ قرار حاسم يتعلق بتوحدها مع بقية الفصائل و انخراطها في الجبهة الوطنية المتحدة. إن الشعب العراقي يعرف أن عدول بعض الفصائل عن الالتحاق بالجبهة مرده ليس مصلحة العراق بل المصلحة الضيقة لفصيل  معين أو لحزب محدد أو لطائفة بعينها. فلن تصبح لهذه الفصائل مصداقية لدى كامل الشعب العراقي إلا متى انبثقت أوامرها و توجيهاتها من إطار تنظيمي مهمته الأولى و الوحيدة هي تحرير العراق. و عندها تستطيع  أجهزة الجبهة الوطنية المتحدة  إقناع جماهير الشعب بأن الحسم العسكري لم يعد كافيا لتحقيق النصر وأن الاتكال على المقاومة المسلحة و الثقة في قدراتها و التعاطف السلبي معها لم يعد كافيا لقلب موازين القوى . و عندها سوف تستجيب الجماهير الواسعة في كامل أنحاء العراق إلى التنظّم في أطر المقاومة و تقتنع  أن التحرير مرهون في نزولها للشارع و في الاسترشاد بتوجيهات المقاومة الموحدة و اتباع الأشكال  النضالية المناسبة لكل نشاط سياسي  و تتأكد عندها  بأن تصعيد نضالها إلى مستوى الانتفاضة الشعبية أمر ممكن  و كفيل بتحقيق النصر الحاسم و طرد كل أنواع المحتلين من العراق.

 

2 - ترفّع الفصائل عن الاعتبارات الثانوية يجعل الجبهة مكسبا ثابتا لا تزعزعه الخلافات الثانوية  و لا تربكه الدغدغات الطائفية التي يطلقها الاحتلال الإيراني  بنية شق صفوف المقاومة و يمكّن هذه  الجبهة من الاستثمار الجيد للروح الوطنية العالية التي يتصف بها الشعب العراقي. فقد أثبتت كل عمليات سبر الآراء التي قام بها المحتلون أنفسهم أن الشعب العراقي بما فيه الموجود في جنوب العراق يرفض التدخل الإيراني و يعتبره احتلالا سافرا. ففي ظل قيادة موحدة مستنيرة بتجربة عريقة  تستطيع الجماهير الشعبية المنتفضة و المسلحة التخلص بدون عناء من كل أنواع الاحتلال بما في ذلك الاحتلال الإيراني الذي أعد كل مستلزمات العنف و القوة لفرض احتلاله على شعب العراق الأبي.

 

3 - توحيد فصائل المقاومة يحرك الشارع العربي  لأنه  يصبح أمام  هيكل موحد يجسد عظمة المقاومة العراقية  تتعامل معه  الجماهير ليس كشيء غامض تجهل حقيقة صلابته و قوته  بل أمام حقيقة تعجز وسائل الاعلام المعادية على تشويهها . و مثل هذه الوضعية    تساعد أنصار المقاومة العراقية على جدولة دعم المقاومة في برنامج عملهم النضالي اليومي و يتحمسون للمطالبة  بالمكاسب لفائدة هذه المقاومة  سواء بفتح  مكاتب لها في الأقطار العربية أو بدعمها ماديا و سياسيا.

4 – بتوحيد المقاومة تصبح للجبهة الوطنية المتحدة أجهزتها الديبلوماسية التي تستطيع بواسطتها التخاطب مع دول العالم من أجل كسب التأييد و المساندة و تسعى من خلالها إلى فرض نفسها على المحافل الدولية و عزل ممثلي الحكومة العميلة في مختلف المنظمات الدولية و العربية كمنظمة الامم المتحدة أو جامعة الدول العربية و غيرها. كما يمكنها هذا الجهاز من التواصل مع حركات التحرر العالمية و المنظمات الدولية المناهضة للاحتلال من أجل تعزيز مكانة المقاومة العراقية و قوة إشعاعها العالمي

 

و في الاخير

إننا ننتظر بفارغ الصبر إعلانا قريبا عن وحدة الفصائل العراقية المجاهدة فذلك من شأنه أن يقرب حلم التحرير إلى الحقيقة . يكفي أن نعلم بشعور الانشراح الذي  أصبح عليه الأعداء حين دخلت فصائل المقاومة في المدة الأخيرة في مشاحنات لا طائل من ورائها لنتأكد أن التفريط في الانتصار رهين قرار أخرق و تحقيق الانتصار رهين قرار حكيم في متناول كل القادة المجاهدين. إن نسف  الانجزات الجبارة التي حققتها المقاومة العراقية رهين الانجرار وراء مهاترات قد يشفي من ورائها أحد الفصائل الصغيرة غليله الطائفي أو الحزبي   بينما لا يجني منها كامل الشعب العراقي سوى الخسارة المدمرة . و عسى أن تكون تلك المشاحنات قد جعلت الجميع يدركون أن هذا الطريق يبعدهم أشواطا عن خط التحرير  بينما تقربهم روح الوحدة  إلى النصر النهائي الذي نشاهد ملامحه في الأفق. 

 

 





الاحد٠٣ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابن تونس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة