شبكة ذي قار
عـاجـل










أزعج تصريح مشعل حول استعداده لتقبّل أي اتفاق يتم التوصل اليه مع الجانب الصهيوني و قبوله مشروع إقامة دولة فلسطينية على أراضي 67 ، أزعج كل عربي يؤمن بعروبة فلسطين و باصطناعية الكيان الصهيوني. جميعنا مذهولين رغم الإشارات التي كان يقوم بها مشعل من حين لآخر حول إمكانية قبول التسوية مع العدو . كلنا مصدومون و لا نعرف من أين نبدأ . هل نذكّر هذا الفصيل الفلسطيني المقاوم الذي حمل البندقية و قاد معركة تاريخية ضد العدو الصهيوني في غزة بالبديهيات ؟ هل نخوّنه و هو الذي قدم شهداء و مقاومين نخجل أن نصيب بشعرة سوء أي واحد منهم؟ لكن رغم كل ذلك نريد أن نقول شيئا... نريد أن نصرح بما يجول في خاطرنا.


يا سيد مشعل ما فائدة أن يضاف إلى كل هذا الوطن العربي الكبير بعض كيلومترات مربعة يسميها البعض فلسطين المحررة ؟ و كيف نعتبر فلسطين تحررت و العدو لايزال جاثما حتى على شبر واحد من أرضها . نحن لا نطمح إلى زحزحة هذا الكيان من مكان إلى آخر . نحن نريد اقتلاع هذا الكيان من أي مكان في الوطن العربي يتواجد فيه . هذا الوطن عربي و كل شبر فيه ينضح بالعروبة فهل نمتنع عن الدفاع عن أرضنا و نحن نعرف أن من اغتصبها ليس بحاجة للثروات التي تحتويها فحسب بل أتى ليمنع سكان أرض العروبة من التوحد و التحرر و النهضة أيضا؟ لو كانت معركتنا مع العدو هي تحديد الحدود التي تفصلنا معه لشهدت قضية فلسطين الحل منذ عقود من الزمن لكن قضية تحرير فلسطين هي قضية استئصال السرطان كي يتمكن جسم الأمة من الحياة ... من الوجود، لهذا السبب ارتبط تحرر الأمة و توحدها بتحرير فلسطين و لذات السبب اعتبرت فلسطين قضية كل العرب و ليست قضية الفلسطينيين فحسب.


يا سيد مشعل أنتم بهذا الشكل تصادرون قرار الأمة بالتخلص من أهم عقبة تحول دون تحررها ، بأي حق تتكلمون نيابة عن الأمة. لا يحق لمن يتكلم باسم الأمة إلا الذين تبنوا كامل بنود مشروعها التحرري مثل الشهيد عزالدين القسام و الزعيم جمال عبد الناصر و الشهيد صدام حسين. بل من فوضكم للحديث باسم الشعب الفلسطيني فهذا الشعب لم يتنكر يوما لعروبته و يعتبر نفسه جزءا من أمة عظيمة تمتد من مراكش للبحرين . بمقدوركم الحديث باسم حركتكم فقط و هذه حدود صلاحياتكم. و مثل هذه الصلاحيات لا تسمح لكم بالحسم في مواضيع مركزية بحجم قضية فلسطين. الشهيد صدام حسين كان يتحدث من خارج فلسطين لكنه كان مسكونا بقضية تحرير فلسطين لأنه عربي قبل كل شيء و لأنه تبنى مشروعا قوميا من بين بنوده تحرير كامل فلسطين من النهر إلى البحر بل إن العدو الصهيوني كان يعتبر أن خطر تحرير فلسطين سيبقى قائما طالما بقي صدام حسين و حزبه و نظامه متمسكين بذات المشروع. لم يقل يوما صدام بكونه سيعترف بالعدو الصهيوني إذا اعترفت الفصائل الفلسطينية به . لقد اعترفت فتح و زعيمها ياسر عرفات المعروفين بعلاقتهم المتميزة بالنظام العراقي الوطني لكن ذلك لم يزحزح قيد أنملة موقف الشهيد صدام من قضية فلسطين بل إنه سحب البساط من تحت هذه الحركة و أخذ القضية على عاتقه و قدم التضحيات التي تهون من أجلها قضية فلسطين . استشهد صدام من أجل فلسطين و تخلى الشهيد عن السلطة من أجل فلسطين و الجميع يتذكر رفضه لكل العروض التي تقدمت له قبل العدوان الأمريكي على العراق من أجل مقايضة بقائه في السلطة بمجرد اعترافه بالكيان الصهيوني لكنه رفض قطعيا ذلك المقترح . و ما زال إلى اليوم حزب البعث العراقي رافضا لكل مساومة تتضمن رجوعه للسلطة مقابل قبوله الاعتراف بالعدو الصهيوني.


سيد مشعل لقد شاركتم في الانتخابات في ظل الاحتلال و كانت تلك الخطوة محل نقد من أطراف وطنية عربية و قومية عديدة باعتبار أن مسك السلطة يجعلكم مكشوفين و تحت ضغوط عالمية و عربية و اقليمية كبيرة تمنعكم من الثبات في المواقف لكنكم تمسكتم بالسلطة و طمأنتم كل الفلسطينيين و العرب بكونكم ستتمسكون بالثوابت و لن تعترفوا بالعدو الصهيوني مهما حصل. أين وعودكم يا سيد مشعل ؟ نحن على معرفة بحجم الضغوط المسلطة عليكم . لكن ألم يكن من الأجدر حين أحسستم أن هذه الضغوط ستجبركم على تجاوز الخطوط الحمراء أن تقوموا بفضح هذه الضغوط و تنسحبوا من السلطة و تعودوا إلى صفوف المقاومة الشعبية ؟


انسحبوا من المفاوضات أنها فخ يطبخ في أفران الامبريالية و الصهيونية و القوى الاقليمية المعادية للعروبة . إن طريق التمسك بالسلطة على حساب الثوابت هو طريق الخراب و الاستسلام إن هذا النهج يجبركم على تهديم الرصيد المقاوم الرائع الذي بنيتموه بسواعد الشعب الفلسطيني تحت قيادتكم.


انسحبوا من السلطة و عودوا إلى المقاومة الشعبية المسلحة و ستجدون ليس الشعب الفلسطيني فقط بل الأمة و شعوب العالم أيضا إلى جانبكم . لا تربطوا الأهداف بالتوقيت و لا بالإمكانيات و لا بالخطط المرحلية ، اربطوها فقط بالثوابت ستجدون أنفسكم ممسكين بجوهر القضية الفلسطينية باعتبارها قضية الأمة المركزية. أنظروا إلى المقاومة العراقية ، لم يصدر منها يوم أي تذمر من كونها تواجه لوحدها أعتى قوة في العالم ،و لم تفكر يوما في عرقنة القضية ( تحويلها من قضية عربية إلى قضية عراقية ) ، و لم تكفر بعروبتها ، بل تعتبر ذلك فخرا لها و ثمنا ضروريا مقابل التمسك بالثوابت. الجميع يعلم أنه كان بمقدور المقاومة العراقية أن تعود إلى السلطة لو تخلت على ثلث شروطها ، و كان بإمكانها إقامة دولة في وسط العراق لو قبلت تقسيم العراق ، دويلة يكون ثمنها قيام دولة صهيونية جديدة في الشمال ، و دولة فارسية في الجنوب . لكن المقاومة العراقية تمسكت بعروبة العراق و ظلت صامدة بعد أن حرصت على تهيئة كل الظروف التنظيمية و السياسية و المخابراتية الكفيلة بحمايتها من أي ضغوط تفرض عليها لتجبرها على قبول تنازلات . لهذه الأسباب رفضت هذه المقاومة الدخول في العملية السياسية حتى لا تنخرط في مشروع الاحتلال.


سيد مشعل ألا تعلم أن الكيان الصهيوني ليس عدوا للعرب فقط بل عدو لكل المسلمين و لكل شعوب العالم باعتباره يشكل قلعة القيم الامبريالية و الصهيونية العالمية . و بالتالي لن تغفر لكم الأجيال العربية في المستقبل تخليكم عن مبدأ القضاء الكامل على الكيان الصهيوني بعد أن سرتم أشواطا كبيرة في ذلك و بعد أن اعترف العديد من المحللين الصهاينة أن التصعيد من وتيرة المقاومة ضد العدو الصهيوني على شاكلة معارك غزة يقرب الكيان الصهيوني من نهايته.


كما لن يغفر لكم المسلمون في كل أنحاء العالم تخليكم عن المقاومة و تبنيكم مشروع بناء الدولة بدل توخيكم نهج التحرير . لن يغفروا لكم ذلك حتى و لو كانت القدس من نصيب هذه الدويلة الفلسطينية. فالقدس لا تعتبر محررة إذا بقي صهيوني واحد على أرض فلسطين . لن يتحرر العالم من الصهيونية إلا متى تم تدميرها في قلعتها الرئيسية و القضاء عليها جذريا.


سيد مشعل تصريحك هذا أكد لدينا أن ما نحتاجه اليوم ليس كفاحا مسلحا بالمطلق بل نحتاج إلى بندقية ملتزمة بثوابت التحرير و المتمثلة باعتبار فلسطين عربية من النهر إلى البحر و أن اليهود الموجودين فيها يعتبرون غزاة و أن تحريرها يكون بإستراتيجية العمل المسلح . البندقية إذا انحرفت عن مسارها التحرري تتحول إلى كارثة إذ تصبح أداة للمساومة و المزايدة ،أو أداة للدفاع عن مصالح طائفة أو حزب أو فصيل في صراعه مع فصيل آخر من أجل السلطة . المزالق التي تهدد المقاومات المسلحة هو سقوطها في المساومات إذ عند ذلك تتحول البندقية من أداة تحرير إلى أداة لإضفاء المصداقية على القرارات الاستسلامية.


سيد مشعل هل درستم جيدا آثار هذا القرار الخطير ؟ ماذا سيكون مصير الصهيونية حين تنتزع الشوكة التي كانت ساكنة في حلقها و تمنعها من التغذية و الانتعاش ؟ ستنطلق طبعا كالعنقاء لتمد جناحيها على كامل الوطن العربي .


ماذا سيكون موقف الأنظمة العربية التي دفعتها مقاومتكم للاحتلال في السابق إلى تخفيض وتيرة التطبيع مع العدو بل إيقافه كليا في بعض الأحيان ؟ ألن تنفذ صاغرة ما تأمرها به الامبريالية و الصهيونية حول التطبيع الكامل مع الصهيونية ؟


ماذا سيكون مصير حركة التحرر العربية التي انسلخ منها أحد عناصرها الهامة ؟ ألا تتركون بقراركم هذا المقاومة العربية في العراق و لبنان تتهافت عليها كل قوى العدوان لتحاصرها و تبيدها؟


ماذا ستكون تبعات تحول حماس من قائد لأعتى مواجهة تاريخية ضد الاحتلال إلى قائد لقافلة المفاوضات مع العدو على أرضية مشروع الدولتين؟ و من يتبنى استراتيجية المفاوضات هل يستطيع أن يبقى قادرا و جاهزا سياسيا و عسكريا و نفسيا لمواجهة العدو؟ إن من يجيب بالإيجاب هو كمن يريد أن يقنعنا أن محمود عباس الذي انتقل من تبني مبادئ الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل المتضمن لكل الثوابت الوطنية في أواخر الستينات من القرن الماضي إلى تبني مبادئ أوسلو قادر اليوم أن يعلن و يقود مواجهة مسلحة ضد العدو الصهيوني.


كيف يحق لكم ربط إرادة الشعب الفلسطيني بمشروع الاعتراف بالعدو الصهيوني؟ من المفروض ربط هذه الإرادة بالمقاومة و ليس بالاستسلام . فهل تعتبرون أن ما سينتج عن استفتاء السودان من تقسيم لهذا القطر العربي مثلا يعبر عن إرادة الشعب السوداني ؟ إن إرادة الشعب العربي مرتبطة بمشروع تحرره و وحدته و نهضته و ما عدا ذلك لا يلزم أي شعب في أي قطر من وطننا العزيز.


و في الأخير أرجو أن أكون مخطئا حين شعرت بعد التعمق في حديثكم بما يذكرني بأجواء تشبه تلك التي حصلت في كامب دافيد بعد أن استثمر السادات سلبيا انتصار أكتوبر 73 .

 

 





الاربعاء١٩ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابن تونس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة