شبكة ذي قار
عـاجـل










 

 كانت الكنيسة تمثل القوة الرئيسية في العصور الوسطى المبكرة في أوروبا الغربية؛ فكانت هي السلطة الحاكمة, وتولّى البابوات والأساقفة ،  وآخرون من كبار رجال الدين ،  وظائف حكومية عديدة ،  بعد أن فقد الأباطرة الرومان السلطة. وجمعت الكنيسة الضرائب واحتفظت بالمحاكم التشريعية لمعاقبة المجرمين. هذا فضلاً عن أن المباني الكنسية كانت بمثابة مستشفيات للمرضى ونزل للمسافرين. وأصبحت المؤسستان الكنسيتان ( الكاتدرائية والدير )  مركزين للتعليم في العصور الوسطى المبكرة. وكانت الكاتدرائيات كنائس للأساقفة ،  وكانت الأديرة لمجموعات من الناس ،  يطلق عليهم اسم الرهبان


 ،  قد تخلوا عن الحياة الدنيا اعتقادًا بأنها الطريق لخدمة الله بالصلاة والعمل. وساعد رهبان بعض الأديرة ورجال الدين في الكاتدرائيات على استمرار القراءة والكتابة باللغة اللاتينية ،  وحافظوا على عدد كبير من المخطوطات القديمة النفيسة. كما أنهم قاموا بتشييد معظم المدارس في أوروبا. الإمبراطورية الكارولنجية وحدت هذه الإمبراطورية في أواخر القرن الثامن الميلادي ،  معظم أوروبا الغربية تحت سلطان حاكم واحد. وكان الكارولنجيون أسرة من ملوك الفرانكيين  ( الفرنجة )  حكمت منذ أواسط القرن الثامن الميلادي حتى سنة 987م. وكان أعظم حكام الفرنجة أهمية هم شارل مارتل وابنه ببين وشارلمان بن ببين.وحَّد شارل مارتل مملكة الفرانكيين في أوائل القرن الثامن الميلادي ،  وذلك عندما استولى على أراض كانت في قبضة سادة فرانكيين أقوياء. كما وطد ببين القصير سيطرة الكارولنجيـين على المملكة الفرانكية. وفي سنة 768 م أصبح شارلمان حاكمـًا على المملكة. وفتح شارلمان معظم أوروبا الغربية ،  ووحد أوروبا لأول مرة منذ سقوط الإمبراطورية الرومانيةواعتمد الحكام الفرانكيين ،  في إقامة إمبراطوريتهم ،  على مساعدة النبلاء الموالين لهم ،  والذين كان يطلق عليهم اسم المقطعين التابعين


.
وكان النبيل يصبح مقطعًا تابعًا عندما يتعهد بالولاء للملك ،  ويقطع وعدًا على نفسه بالقيام على خدمته. وكان الملك يصبح بالتالي سيدًا على تابعه. وقد شغل معظم الأتباع مناصب مهمة في جيش الملك ،  وخدموا فرسانًا كما كان لدى عدد كبير منهم فرسانهم الذين كانوا قد تعهدو ،  بدورهم ،  بتقديم خدماتهم إلى الملك أيضًا.

وصلت العصور الوسطى المبكرة إلى أوجها خلال العهد الطويل لشارلمان. فقد عمل شارلمان على حماية الكنيسة من أعدائه ،  والحفاظ على وحدة الشعب الأوروبي في ظل الكنيسة. ومع أن شارلمان لم يتعلم الكتابة إطلاقًا إلا أنه أسهم ،  دون شك ،  في تحسين التعليم. فقد أسس مدرسة في قصره ،  في عاصمته آخن. وحشد فيها معلمين من أنحاء أوروبا كافة. ولقد نظم هؤلاء المعلمون المدارس والمكتبات ،  ونسخوا المخطوطات القديمة. وقد أدت هذه النشاطات إلى ظهور اهتمام جديد بالتعليم دعي باسم النهضة الكارولنجية.

 

كانت أوروب ،  خلال القرن العاشر الميلادي فقيرة ومتخلفة وقليلة السكان. ولم يكن بالإمكان زراعة نصف الأراضي ،  على الأقل ،  لكثافة الغابات والمستنقعات. أدت الحروب والأمراض والمجاعات وانخفاض نسبة المواليد إلى إبقاء السكان قليلي العدد. ولم يكن متوسط عمر الفرد سوى ثلاثين سنة. وكان السفر أو الاتصال قليل ،  وأقل من 20% من السكان هم الذين كانوا يذهبون لمسافة أبعد من 16كم عن مسقط رأسهم.كان شعب أوروبا الغربية ،  في العصور الوسطى ،  يتألف من ثلاث فئات هي السادة  ( اللوردات )  الذين حكموا إقطاعات كبيرة وكان عملهم القتال. ورجال الدين الذين كانوا في خدمة الكنيسة. والفلاحون الذين كانوا يعملون في الأرض لكسب لقمة العيش لأنفسهم ولرجال الدين والسادة. وفي سنة 962م صار البابا إمبراطورًا رومانيًا مقدسًا. ولكن ماعرف بالإمبراطورية الرومانية المقدسة كانت صغيرة وضعيفة واشتملت على ألمانيا وإيطاليا الشمالية فقط. وحاول دوقات ألماني ،  في وقت لاحق ،  السيطرة ثانية على ممالكهم ،  وبالتالي فقد كانت الإمبراطورية تنقسم بشكل متواصل بسبب الحروب الدائرة. ولم تحقق ألمانيا ولا إيطاليا وحدة لأراضيها حتى القرن التاسع عشر الميلادي .

 

تنامت سلطة البابوات مع تنامي سلطة الملوك ،  الأمر الذي أدى إلى ظهور نزاعات مريرة بين حكام الكنيسة وحكام الدولة. وأدى رجال الكنيسة دورًا متزايدًا في الشؤون السياسية ،  وكثر تدخل الملوك في شؤون الكنيسة. وكان البابوات يتنازلون أحيانًا عن استقلالهم ويستسلمون للملوك. وقد حدث هذا بخاصة مابين سنة 1309م وسنة 1377م؛ وذلك عندما حكم البابوات الكنيسة من مدينة أفينيون بفرنسا. وبعد أن عاد البابوات إلى روما تمزقت الكنيسة بسبب المنازعات الدائرة حول انتخاب البابوات؛ حيث ادعى اثنان ،  وفي بعض الأحيان ثلاثة ،  اللقب البابوي. وألحقت مثل هذه المنازعات الضرر بنفوذ الكنيسة ،  كما أدت إلى توجيه النقد لشؤون الكنيسة والتعاليم الكنسية. وضعفت الوحدة الدينية لأوروبا الغربية ،  وقادت إلى الإصلاح الكنسي الذي حدث في القرن السادس عشر الميلادي وأصبحت سلطة الكنيسة القوة الوحيدة الكبيرة التي ربطت أوروبا مع بعضها خلال الفترة الإقطاعية. فقد مست الكنيسة حياة كل فرد تقريبًا بأشكال عديدة ومهمة. فكانت تُعمِّد الفرد عند ولادته ،  وتقوم بمراسيم الزفاف عند زواجه ،  وتتولى مراسيم الدفن عند وفاته. كما أصبحت الكنيسة أكبر مالك للأرض في أوروبا الغربية في العصور الوسطى؛ فقد منح عدد من السادة الإقطاعيين إقطاعات إليها مقابل خدمات يؤديها رجال الدين. وفي البداية هيمن السادة الإقطاعيون على الكنيسة ،  ولكن ظفرت الأخيرة ،  تدريجيً ،  بقسط كبير من الحرية. وعلى الرغم من أنه لم يكن لرجال الدين دور مباشر في الحروب الإقطاعية ،  إلا أنهم سيطروا على السادة بما كان لديهم من أنواع الأسلحة الأخرى الخاصة بهم. فكان الحرمان الكنسي  ( أي الطرد من المسيحية )  واحدًا من أعظم أسلحة الكنيسة. إذ إن طرد شخص يعني فصله فصلاً كاملاً من الكنيسة ،  وحرمانه من أمل الذهاب إلى الجنة الموعود بها في نظرهم. وإذا استمر أحد السادة في التمرد بعد هذا الطرد ،  فإن السلطة الدينية تأمر بإغلاق كل الكنائس الموجودة في أرضه. وعندئذ لايستطيع أي إنسان يعيش في تلك الأرض ،  أن يتزوج أو أن يدفن بمباركة الكنيسة. كما أن أجراس الكنائس لاتقرع إطلاقًا فيها. وكان الناس يتذمرون تذمرًا شديدًا إلى حد التمرد ،  الأمر الذي كان يجبر ذلك السيد ،  في نهاية المطاف ،  على الإذعان للكنيسة. كان كتاب لوثر الذي جلب له اتهام البابوية بأنه راع يهودي يحمل عنوان  ( عيسى ولد يهودي ) , وقد شرح هذا الكتاب موقف لوثر المؤيد لليهود ،  ثم وفي عام 1544م عاد لوثر ليكتب كتابه النقيض , ( اليهود وأكاذيبهم  )  وإذا كان لوثر في موقفه اللاحق من اليهود قد أسس كما يتهمه البعض لعداء السامية إو لنشوء النازية  ،  فإنه قد أسس لمرجعية التوراة ومركزيتها في الحياة المسيحية  ،  فعندما عاد لوثر لينتقض مفهوم شعب الله المختار من خلال التعارض التاريخي ليهود  ( يومه )  عن يهود البطاركة العبرانيين  ،  كان قطار حياته يصل الى محطته الأخيرة . وفي العام1546م ورغم تزامن عصر النهضة الأوروبي مع عصر الإصلاح الديني فإن الإصلاحيين لم يخطوا بأوروبا إلى عصر أرقى بل تراجعوا الى بدايات القرون الوسطى بانتقاصهم من قيمة العلم ومساواتهم بين الفلاح الأمي وكوبيرنيكوس واضع النظريات العلمية الفلكية

 

إن الكفاءة الشخصية العالية التي سمحت مع غيرها من الظروف التاريخية لـ  ( كرومويل )  باعتلاء خشبة التاريخ الانكليزي إثر تحطيمه الخصم الملك وتحويل إنكلترا إلى بريطانيا عظمى بضمه الدموي لايرلندا واسكتلندا والحاقه الهزيمة بالأسطول البحري الهولندي القوي عند ميناء دوفر 1652م فتح الباب عريضا أمام السجالات العقائدية التي تقول بنصرة العقيدة الحقة على غيرها من عقائد الآخرين المهزومة  وبذلك وكما يؤكد الكاتب في موضع آخر فإن التشكيلة السياسية الدينية والاجتماعية التي تحلقت حول بلاط حامي حمى عموم انكلترا هي التي ستؤسس عتبة البداية لتاريخ المسيحية الغارقة في التوراة .


قبل الخروج من القرن السابع عشر فإن أوروبا بعيداً عن البحار الانكليزية كانت تعيش عقائدها البروتستانتية في لوثرية المانيا وكالفينية سويسرا والأراضي المنخفضة  (  هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ )  وهيجونتية فرنسا  ،  وكلها عقائد بروتستانتية معدلة عن الاصل شيئا ما وقد اتصفت هذه الحقبة بازدهار الحركات الاصولية المسيحية ففي المانيا اللوثرية نشر رجل الدين البروتستانتي بول فيلجنهاور كتابه  (  أخبار سعيدة لإسرائيل ) , ربط فيه مابين عودة المسيح المنتظر وهبوط المسي اليهودي وتنبأ بأنهما حدث واحد  ولذا فهو يؤكد هنا على حقيقة أن عصر التنوير أو ما عرف بذلك في اوروبا كان عصرا عقائديا مذهبيا طائفيا عميق الإيمان بهذا الرابط  ،  فإسحاق نيوتن ورغم نظرياته العلمية فإنها لم تمنعه من التمتع بالهرطقة حيث يصفه جامع تراثه في  (  مخطوطات السير إسحاق نيوتن اللاهوتية.د هنري )  بأن نيوتن ترك تراثا قياميا أكثر من تراثه العلمي  ،  فقد كان مأخوذا بالتجربة اليهودية وبمفهوم الألوهية العبراني  ،  وكان يقدس طريقة القياس بالذراع لأنه قياسمعبد سليمان )  كما أنه وضع مخططا هندسيا يرمي لإعادة بناء المعبد فوق أنقاض المسجد الأقصى.

 

ان الفتن التي أشعلها اليهود في اوروبا بين أعوام 1248 - 1250م وبالأخص في ستراسبورج بالنمسا فبسبب دور المرابين اليهود والتجار وأصحاب المصارف فيها دعت الجمعيات العمالية والحرفية إلى قتل اليهود وإفنائهم لأنهم يحتكرون المال والسلع والاستثمار ،  ولكن ممثلي الطبقات الغنية في مجلس المدينة المذكورة رفضوا الحملة ضدهم لان اليهود وممثلي مجلس المدينة جنوا الأرباح الخيالية من الربا والتجارة اليهودية ،  أما الكنيسة والأمراء والفرسان فقد أيدوا الحملة ضدهم والتي قادتها الجمعيات الحرفية للتخلص من ديون الربا واحتكار الأسواق والمصارف ،  فشبت الحرائق في أملاك اليهود بل واحرق البعض منهم في أنحاء الألزاس وستراسبورج ضمن الساحات العامة. وفي عام 1384 وبعد أن تم التخلص من جميع اليهود في المدينة المسماة  ( يندلينفن )  استولوا على جميع أملاكهم ،  وتحرّر هؤلاء من ديون اليهود المفروضة عليهم ،  ورغم أن إدارة مجلس المدينة المذكورة قاومت تلك الأعمال إلا أنها رضخت لأنشطة الطبقة الجديدة. يقول سيسيل روث   ((  ... ان عهود اليهود المظلمة بدأت بعصر النهضة الأوربية ،  ولهذا نؤكد أن عصر النهضة بدأمن نقطة التضايق باليهود ودفع شرورهم ،  وانقسم اليهود إلى قسمين القسم الأول فُرض عليه الاندماج في المجتمعات الأوربية إلى حد تغيير ديانته اليهودية إلى المسيحية كما حصل في روسي ،  واسباني ،  والبرازيل ،  وكما حصل مع يهود الدونما في الإمبراطورية العثمانية والدخول في معترك المنافسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القادرة على الهيمنة على مواقع القرار أساساً في الحرب الخفية اما القسم الثاني فقد غادر أسوار الجيتو في أوربا الشرقية وانخرط بالأفكار والعمليات الثورية والراديكالية لكنه دعا إلى الهجرة اليهودية على أساس الاعتراف بالدولة اليهودية التي دعا إليها هرتزل حيث قدّم تفسيرات جديدة لمسار المسألة اليهودية تختلف عن تفسيرات الاتجاه الديني المتعصب التي لم ترض بأي شكل تسويغ مفهوم الدولة العلمانية لأن الوعد الرباني لم يكتمل بعد...  ))  .

 

لقد عارض اليهودي الاحتكاري صاحب رؤوس الأموال الضخمة مع أبناء آل روتشيلد وشركاتهم الواسعة دمج اليهود بالمجتمع الأوربي أو البريطاني والدعوة للتحرر المدني ،  فهؤلاء اليهود القادمون من روسيا وآسيا الوسطى وبولونيا وهنغاريا لا يستحقون العيش في أوربا لأنهم أصحاب فتن ومشاكل تجعل أوربا المتحضرة بؤرة فساد بكل ما يحمله الفساد من معنى لقد ركز ادموند روتشيلد واللورد شافتسبري على تهجيرهم إلى فلسطين بالقوة على أساس ما ورد بالتوراة أو ما ورد بكتاب هرتزل, وبهذه الصورة شكلت الزعامة اليهودية  ( الصهيونية الاشتراكية )  التي تزعمها بن جوريون حاجزاً بين الأفكار الاشتراكية لمؤسسي إسرائيل ،  وبين الأفكار الاحتكارية الرأسمالية للوردات اليهود وزعيم الصهيونية العالمية هرتزل ،  رغم أن التناقض لم يكن ليظهر على السطح مطلقاً بل كان هنالك تفاهم كرسته عميلة الجستابو وبريطانيا جولدا مائير صاحبة فكرة توحيد الهاجاناه والمنظمات الصهيونية في ما يسمى ب ( جيش الدفاع الإسرائيلي )  بعد عام 1950

 

لقد نشط تيار  ( المسيحية اليهودية )  في مرحلتي الاصلاح والنهضة في أوروب ،  وتمثل الدور التاريخي الذي لعبه اليهود في أنهم مع بداية القرن السادس عشر ،  أدخلوا ضمن السجالات الدينية الاعتقاد بأن هناك خطة إلهية بمجيء المسيح مع بداية الألف عام السعيدة  ( عقيدة الألفية المللية )  وظهر في حينها العديد من التأويلات الجديدة لسفر دانيال  ( العهد القديم )  وسفر الرؤيا  ( العهد الجديد )  تشير إلى مجيء المسيح ليحكم العالم في الألف السعيدة وتسبقه خطوتان عظيمتان هما عودة اليهود الى صهيون  ( أورشليم )  واعادة بناء الهيكل وهناك حركات باسم الإصلاح الديني قامت في القرن السادس عشر كالبروتستانتية ،  وكما ذكرنا مسبقا كتب مارتن لوثر عام 1533 كتابه الشهير ( المسيح ولد يهودي )  الذي أعاد فيه الاعتبار لليهود باعتبارهم هم الأصل وأبناء الرب. وعندما انفصلت بريطانيا عن الكنيسة الكاثوليكية بأمر الملك هنري الثاني عام 1538 ،  انتعشت البروتستانتية البريطانية  ( المسيحية اليهودية المتهودة )  بعد أن كانت بريطانيا لا تسمح بوجود قانون لليهود, واعتبرت نفسها صاحبة مهمة مقدسة في بعث اليهود وقيادتهم الى أورشليم كخطوة تسبق المجيء الثاني للمسيح ليحكم العالم من صهيون في الألف عام السعيدة.. وهذه تسير مع الخطة السياسية التي أعلنت في المؤتمر اليهودي في المجر عام 1975 ووضع فيه جدولا زمنيا يتم فيه السيطرة على كل العالم.

وكان نابليون بونابرت عند احتلاله لمصر توجهه نحو الشام ووقوفه على أسوار عكا ولما تعذر عليه دخولها لوجود خصومه الانجليز في فلسطين قام بإلقاء  ( الخطبة العبقرية )  والتي أشار فيها إلي حقوق اليهود في العودة الى فلسطين واقامة دولة اليهود عليه ،  بعد أن جر معه آلاف المصريين كجنود ليحصدوا في المعركة إن هي نشبت بين القوات الفرنسية والانجليزية وعندما حلت الأمراض بالجنود المصريين قام بذبحهم دون علاج.. في جريمة مازالت الأضواء تحجب عنها .

استمرت ثقافة التهويد في المنطقة الثقاقية الأوروبية ،  ومع حلول القرن الثامن عشر أصبح الاعتقاد بالبعث اليهودي في فلسطين يشكل جانبا مهما من اللاهوت البروتستانتي الامريكي ،  واحتلت عقيدة الألفية الميللية  ( أي عودة المسيح ليحكم العالم من صهيون في الألف عام السعيدة ) , ومع بداية القرن السادس عشر قاد تأثير المسيحية اليهودية الى انتشار فكر الالفية اللاحقة او السابقة لظهور المسيح وعندما وصل المهاجرون الاوروبيون الاوائل الى العالم الجديد امريكا كانت اساطير اليهود تشير الى ارض الميعاد هناك لتكوين دولة بني اسرائيل في امريكا كلها. ووصل فكر تهويد المسيحية ذروته مع الثورة  ( البيوريتانية )  في القرن السابع عشر اذ غالى اصحاب هذه الثورة في اجلال العهد القديم وطالبوا الحكومة البريطانية بان تعلن التوراة دستورا للبلاد واستعاضوا بالعادات اليهودية عن المسيحية ونشروا اللغة العبرية في صلواتهم واجتماعاتهم الخاصة فانتشرت في العالم الجديد المسيحية اليهودية ومع حلول القرن الثامن عشر اصبح الاعتقاد بالبعث اليهودي في فلسطين يشكل جانبا مهما سادت فكرة البروتستانتي الامريكي حيث سادت فكرة نهاية العالم ليحكم بعد ذلك من قبل ابناء الرب اليهود

 

اما مارتن لوثر الذي كنا ندرسه في مدارسنا العربية كمصلح وباني الفكر الديني الحديث في اوروبا قال في كتابه المسيح وليد يهودي  ((  ...ان اليهود هم ابناء الرب ونحن الضيوف الغرباء. وعلينا ان نرضي بان نكون كالكلاب التي تأكل ما يتساقط عليها من فتات مائدة اسياده ،  تماما كالمرأة الكنعانية...  ))  , وهكذا كان مارتن لوثر يدعو الى الدخول في البروتستانتية الجامعة للعقيدتين وتبنت البروتستانتية فكرة توطين اليهود في فلسطين. وهكذا كان كثير من مفكري النهضة الاوروبية يسعون لالحاق المسيحية باليهودية لارجاع العهد الجديد الي العهد القديم لذلك تضمنا في مجلد واحد ليمثل دينا مشتركا متحدا وهو الدين المسيحي اليهودي. وعبر الاب البروتستانتي جون كوتون في موعظة له لانشاء مستعمرة ما ساشوستسي بقوله   ((  ...ان الرب حين خلقنا ونفخ في روحنا قد اعطانا ارض الميعاد امريكا وما دمنا الان في ارض جديدة فلا بد من بداية جديدة للحياة نعمل فيها من اجل مجد بني اسرائيل...  ))  .

 

أما موقف الكنيسة الاوربية  من الديانة اليهودية خصوصا من الـ  ( تلمود )  فيمكن معرفته من مجمل القوانين والمراسيم التي صدرت بشأنه حيث أدانه وهاجمه كل من حكام الكنيسة والدولة وأمروا بإحراق نسخه وفي عام 553 حظر الإمبراطور جستنيان نشر كتب التلمود في الإمبراطورية الرومانية وفي القرن الثالث عشر أدان البابا وان غريغوري التاسع وانوسانت الرابع كتب التلمود وأنها تحتوي على كل أنواع الشرور والرذيلة والخطايا وتكفير المسيحيين وأمرا بإحراقها لأنها تنشر الهرطقة والتجديف على الذات الإلهية  ،  وفيما بعد أدينت كتب التلمود من قبل الكثير من الباباوات منهم جوليوس الثالث و بولص الرابع و بيوس الرابع وبيوس الخامس وغريغوري  الثالث عشر وكليمنت التأمين  والكسندر السابع والبندكت الرابع عشر وغيرهم وقد حظروا كتب التلمود بشكل قطعي وتابعهم في ذلك مجلس ترينت الكنسي وحتى أواخر القرن التاسع عشر فقد أصدر البابا  ليو الثالث عشر عام 1887 مرسوماً بخطه كتب التلمود وشروحاته .وفي بداية القرن السادس عشر عندما تعرض سلام الكنيسة إلى اضطرابات نتيجة ظهور مذاهب جديدة بدأ اليهود في توزيع التلمود علنا وساعدهم في ذلك تقدم فن الطباعة وكانت الطبعة الأولى من التلمود كاملا بكل ما يحتويه من تجديفات ضد الدين المسيحي قد طبعت وصدرت في البندقية عام 1520 كما طبعت كافة كتب اليهود في ذلك القرن وكانت الكتب كاملة وأصلية  ،  وفي نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر بدأ كثير من المفكرين والمثقفين المسيحيين بدراسة التلمود فخشي اليهود على أنفسهم ولذلك بدءوا في إسقاط أجزاء وعبارات كثيرة من التلمود وهي التي تسخر من المسيحيين وديانتهم ،  وهكذا فإن التلمود الذي طبع في بازل عام 1578 كان مبتورا مع وجود الكثير من الأسطر الفارغة

 

وفي المجلس اليهودي الذي عقد في بولندا عام 1631 أعلن حاخامات ألمانيا وغيرها من الأقطار أنه لا يجوز نشر أي شيء يزعج المسيحيين ويتسبب في ملاحقة اليهود ولهذا السبب ثمة ما يكفي من المؤشرات على أن الكثير من الفصول والعبارات ساقطة من الكتب اليهودية خاصة التي طبعت في ذلك القرن وما تلاه غير أن الحاخامات يحفظون في ذاكرتهم تلك الجمل والعبارات الساقطة كما أنهم يحتفظون بالكتب الأصلية التي لا يستطيع المسيحيون رؤيتها  ،  ومهما كان الأمر فقد طبعت الكتب اليهودية فيما بعد مع القليل من الاسقاطات في هولندا التي استقبلت بترحيب اليهود الذين طردوا من أسبانيا وقد طبع التلمود في هولندا عام 1644 وهذا يشبه طبعة البندقية

 

وكانت آخر حيلة اخترعوها لخداع المراقبين إدخال كلمة هياه وتعني كان مع النص الأصلي ليشيروا بذلك بأن الموضوع قيد البحث كان هنا وتم إسقاطه وكانوا بذلك كمن يغسل الإناء من خارجه لأنهم يشيرون بشكل رمزي إلى ما يقصدونه في الكثير من الصفحات وهنا ينبغي أن نضيف بعض الملاحظات عن كتاب آخر مشهور عند اليهود اسمه  زوهار

 

فوفقا لما يعتقده بعض الحاخامات فإن النبي موسى بعد أن تلقى تفسير الشريعة في جبل سيناء لم ينقل هذه المعلومات والتفاسير إلى يوشع ولا أي من الحكماء وإنما نقلها إلى شقيقه هارون الذي نقلها بدوره إلى اليعازر وهكذا حتى تم تسجيل التعاليم الشفهية في كتاب سمي الزوهار  ( التي تعني الإشعاع )  لان الزوهار يوضح كتب موسى وهي الأسفار الخمسة من العهد التوراتي

 

أما مؤلف الزوهار فيقال : أنه الحاخام شيمون بن يوحاي تلميذ الحاخام عقيبا الذي أنهى حياته بعد خمسين سنة من دمار الهيكل كشهيد عام 120م خلال حرب الإمبراطور الروماني هدريان ضد اليهود  ،  لكن بما أن الكتاب يذكر أسماء أشخاص عاشوا بعد عدة قرون من دمار الهيكل وبما أن رامبام وموشيه بن نحمان والحاخام اشير الذي توفي عام 1248 لم يتطرقوا لكتاب الزوهار ولم يذكروا شيئا فالأرجح والأقرب إلى الحقيقة أن كتاب الزوهار لم ير النور إلا في القرن الثالث عشر

عندما تم تدمير السلطة الكنسية  ،  التي قام بها الإصلاحيون في أوروبا مثل (  لوثر )  الذي قام بإصلاحاته الكنسية في القرن السادس عشر  ( وبفعل اليهود أنفسهم  )  ،  حيث ضُمّت التوراة إلى الإنجيل في كتب النصارى المقدسة ،  عندها وجد اليهود بعض القبول في الدول الأوروبية ،  فعادوا إليها شيئا فشيئ ،  ونتيجة للاضطهاد والطرد الجماعي ،  الذي تعرض له اليهود في هذه الدول فيما مضى ،  اجتمع قارونات المال اليهود ،  وبدءوا يعقدون اجتماعاتهم السرية في نهايات القرن الثامن عشر  (  قبل أكثر من مائتي سنة  )  للانتقام وتجنب ذلك المصير المرعب مرة أخرى الذي ينتظرهم في كافة الدول الأوربية . وبوجود المال اليهودي ،  تشكل لديهم مخططا شيطانيا للسيطرة على العالم كله وحكمه فوضعوا مخططا مبدئيا  ،  كان موجها في الدرجة الأولى ضد ملوك أوروبا ورجالات الدين المسيحي.

لقد نظرت أوربا لليهود نظرة عداء ورأى الغربيون أن لا خلاص لأوربا إلا بطرد اليهود كافة وخلاص البلاد الأوروبية منهم وقد جرت محاولات عديدة لإيجاد صيغة لطردهم من أوربا إلا أن اليهود الذين تنصروا ظلوا يدفعون باتجاه تغيير الموقف الديني الأوربي تجاههم  وتجاه التوراة وبدأت الثورة التنويرية تعيد النظر في العلاقة بين العهد القديم التوراة والعهد الجديد وعندما ترجمت التوراة إلى اللغة الألمانية على يد مارتن لوثر بدأت الحركة البروتستانتية التي كانت قد قويت آنذاك تنظر إلى التوراة نظرة مغايرة للكنيسة الكاثوليكية وقد أصبحت التوراة في متناول الجماهير الأوربية الشعبية ولم تعد حكراً على رجال اللاهوت وهذا  ما ساعد الحركة البروتستانتية على تفسير التوراة تفسيراَ حرفياً وليس رمزياَ كما كان معهوداً لدى الكاثوليك وكنيسة روما وقد صار البروتستانت ينظرون إلى ما جاءت به التوراة نظرة قدسية خاصة فالوعد الإلهي بامتلاك الأرض الموعودة ومقولة الشعب المختار أصبحتا من أهم الأمور التي يؤمنون بها ومنذ بداية القرن السابع عشر راحت نداءات الحركة البروتستانتية تنتشر هنا وهناك وتبني لأفكارها صروحا قوية في بريطانيا خاصة حتى بدا الاتجاه القائل بشعب الله المختار وعودة المسيح واليهود إلى الأرض المقدسة من أقوى الاتجاهات المسيطرة على البرلمان البريطاني رغم معارضة ملوك بريطانيا له.

 

 أن الصهيونية المسيحية بدأت في بريطانيا قوية منذ عام 1621 ،  حين نشر الحقوقي الإنكليزي عضو البرلمان  ( هنري فنش )  كتاباً بعنوان  ( البعث العظيم للعالم )  أو نداء إلى اليهود وإلى جميع الأمم والممالك في الأرض للإيمان بالمسيح وهذا الكتاب يرفض التفسير الرمزي للتوراة ويوصي صاحبه بقراءة التوراة قراءة حرفية فيقول فيه   ((  ...حينما تذكر إسرائيل ويهوذا وصهيون وأورشليم في التوراة فالله لا يعني بذلك إسرائيل روحية ولا يعني  كنيسة الله تجمع في صفوفها الأمم واليهود المتنصرين ولكن يعني بإسرائيل تلك التي تحدرت من نسل يعقوب وقل الأمر نفسه فيما يخص العودة إلى أرضيهم وانتصارهم على أعدائهم فاليهود هم المعنيون حقاًَ وصدقاً بالتحرير وليس المسيح هو الذي يحرر البشر...  ))  ,  وقد دان البرلمان الإنكليزي حينذاك هذا الاتجاه المتزمت القائل بعودة المسيح بعد ألف عام واعتبره الملك جلك الأول 1603-1625 أمراً خطيراَ ولكن هذا الاتجاه بقي حجر الزاوية في الصهيونية المسيحية وقي منتصف القرن السابع عشر تقريباً أصبحت السلطة البرلمانية في إنجلتراَ بيد البروتستانت المتزمتين المتعصبين واليهود وقد كانوا يسمون بالطهوريين ومنهم بدأت الهجرة إلى أميركا بشكل واسع حيث اندمجوا مع اليهود المهاجرين مثلهم اندماجاً أشبه ما تكون بما جاءت به التوراة عن فتوحات يوشع والقادة العبرانيين في أرض كنعان فالتغييرات اللاهوتية في الحركة الدينية  الجديدية البروتستانتية روجت  لفكرة أن اليهود أمة مختارة ونادت كما رأينا بعودتهم إلى فلسطين فإعادة اكتشاف العهد القديم التوراة في الحركة البروتستانتية كعنصر أساسي في مفاهيم الحركة بعد أن كان مهملا من قبل الكاثوليكية قد عزز من النزعة اليهودية ودعم وجهة نظرها في الأوساط المسيحية الجديدة وأصبحت فلسطين بذلك أرضاً يهودية في الفكر المسيحي في أوربا البروتستانتية.

 

يقول روجيه غارودي   ((  ...إن تلك الخلفية الفكرية  التي كانت لدى لوثر أصل الصهيونية المسيحية هي نفسها التي كانت لدى وعد بلفورد الذي وفر للصهيونية السياسية انتصارها الأول حينما كان آرثور بلفورد رئيس وزراء إنجلترا وناصر قضية الحد من هجرة اليهود إلى إنجلترا وقد اتهمه المؤتمر الصهيوني السابع بمعاداته السافرة للشعب اليهودي...  ))  , وهذه اللاسامية المتأصلة لدى وعد بلفورد كانت تتفق تمام الاتفاق طوال حياته قبل عام 1905م ، وبعده مع المطالبة بتخصيص أرض لليهود بغية تحقيق هدف واحد وهو إبعادهم عن إنجلترا  وكان بلفورد قد وعد اليهود منذ عام 1903بإعطائهم أرض أوغندا وفي عام 1917م ،  وانسجاما مع أهدافه في حربه مع ألمانيا كتب إلى اللورد روتشلد تصريحه المتضمن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ومن جانب آخر فقد رأى منظرو الصهيونية غير اليهودية أن قيام دويلة للصهاينة سيكون رأس جسر للزحف الاستعماري نحو الشرق.

 

 لقد بدأت عملياً نظرة تجمع اليهود في فلسطين وإعادة بناء الهيكل في زمن نابليون بونابرت الذي أطلق عليه الباحثين نابليون الإمبراطور الصهيوني فقد أعطى اليهود بعد الثورة الفرنسية حق المواطنة ومنحوا الجنسية الفرنسية وقد أعدت  حكومة الإدارة الفرنسية خطة عام 1798م ،  لإقامة كومنولث يهودي في فلسطين في حال انتصار الفرنسيين في الشرق وقد أصدر نابليون بمجرد وصول حملته إلى مصر بياناً حث فيه اليهود على الالتفاف حول رايته من أجل إعادة بناء  ( مملكة القدس )  ثم وجه نداء آخر أثناء حصار عكا جاء فيه   ((  ...من نابليون القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في إفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين أيها الإسرائيليون أيها الشعب الفريد الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم اسمهم ووجودهم القومي وإن كانت قد سلبتهم أرض الأجداد فقط...  ))   ,ويتابع بيانه   ((  ...أدركوا أن عتقاء الله سيعودون لصهيون وهم يغنون وسيولد الابتهاج بتملكهم لإرثهم دون إزعاج فرحاً دائما في نفوسهم وإن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به والذي يقوده العدل ويواكبه النصر جعل القدس مقراَ لقيادتي وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي لم تعد ترهب مدينة داود...  ))  .


وفي ربيع 1977أصدر نابليون بياناَ طلب فيه من يهود إفريقياَ وآسيا أن يقاتلوا تحت لوائه لإعادة إنشاء مملكة القدس القديمة وكان الممثل الفرنسي للصهيونية غير اليهودية في حقبة نابليون المدعو آرنست لاهاران  السكرتير الخاص لنابليون الذي يؤيد خطط نابليون الاستعمارية وقد عبر عن فكرته بإقامة مملكة اليهود الجديدة بقوله   ((  ... يالهم من مثل يحتذي ويالهم من جنس إننا نحني رؤوسنا لكم أيها الرجال الأشداء لقد كنتم أقوياء بعد مأساة القدس لأنكم كنتم كذلك طول تاريخكم القديم وإن الباقين منكم ممكن أن ينهضوا من جديد ويعيدوا بناء بوابات القدس...  ))   في هذه الأثناء كان كثيرون من زعماء الصهيونية غير اليهود يتملقون هرتزل ويحضون على استعمار القدس وفلسطين فالقس وليم هتشلر الذي استحوذت على عقله نبوءة حزقيال بعدما فرغ من قراءة كتاب هرتزل الدولة اليهودية اقتحم مكتب هرتزل وقال  ( أنت هو الذي كتب انتظرتك أنت المسيح المنتظر )  وكذلك الأب أغناطيوس عام 1837-1908 الذي تحمس للصهيونية وكان يتحدث دائماً عن بعث مملكة يهوذا ووصف هرتزل بقوله   ((  ...هو يشوعكم الجديد الذي جاء لتحقيق نبوءة حزقيال إن الصهيونية هي تحقيق لكلمات حزقيال النبي و اليهودية هي الصهيونية والصهيونية هي يهودية الله...  ))   والقس هتشلر الذي اقتحم مكتب هرتزل قائلا  ( أنت المسيح المنتظر )  جاء بصحبة هرتزل إلى مؤتمر بال بسويسرا عام 1897م ،  معتبراً نفسه سكرتير المسيح المنتظر وطالما كان يردد في الاجتماع  ( يحيا الملك )  معتبراً مسيحية هرتزل ملك الملوك وقد قال في إحدى مقالاته   ((  ...استفيقوا يا أبناء إبراهيم فالله يدعوكم للرجوع إلى وطنكم القديم ويريد أن يكون إلهكم...  ))  , وقد بشر هذا القس بـ  (  إسرائيل )  حسب فهمه للتوراة وتفسيره لنبوءاتها,أنها ستعود إلى فلسطين قبل عودة المسيح الثانية يأتي ملكاً مجيداً يتربع على عرش القدس ويحكم العالم هناك مالكا للملوك, وفي عام 1884م ،  أصدر كراساً بعنوان  ( إرجاع اليهود إلى فلسطين حسبما ورد في أسفار الأنبياء )  وهو يرى أن عودة اليهود إلى أرض الميعاد قد بدأت بالفعل ويؤيد هذه الرؤيا  بآيات من العهد الجديد أخرجها بالتفسير والتأويل عن مدلولها الظاهر فإذا هي تعني ماضي فكره وتوافق هواه , وفي عام  1885قال الحاخام غودمان لهرتزل   ((  ...كأنني أرى موسى بلحمه وعظمه ربما كنت ذاك الذي اصطفاه الله...  ))  . وقد ظهرت موضوعات عبرية توراتية في الأدب الفرنسي وكان العهد القديم التوراة مصدراً لموضوعات  ( دوجين باتبيست راسين )  الفرنسي الكلاسيكي ولا تزال  ( مأساة إستير )  التي كتبها عام 1689تعد واحدة من أهم الدراما الفرنسية  وسارت فلسطين والقدس واليهود جنباً إلى جنب  في الأفكار الصهيونية وقد صور برستلي فلسطين أرضاَ غير مأهولة بالسكان أهملها مغتصبوها الأتراك ولكنها مشتاقة مستعدة لاستقبال اليهود العائدين , فيما تظهر دولة إسرائيل المستقبلية في كتابات جان جاك روسو وهو مواطن من جنيف ينحدر من أسرة بروتستانتية فقد جاء في كتاب روسو عن التعليم عام 1762م ،   ( لن نعرف الدوافع الداخلية لليهود أبداً حتى نكون لهم دولتهم الحرة ومدارسهم وجامعاتهم )
 
وكتب باسكال إن  ( إسرائيل هي البشير الرمزي للمسيح المنتظر ) .

 

كيف تمت عملية تهويد المسيحية او هل المسيحية المتصهينة هي واقع ؟؟؟ و بالحديث عن المسيحية المتصهينة او تسمى في بعض الاحيان بالاصولية المسيحية يقول الكاتب جورجي كنعان  ((  ...بدأت ظاهرة المسيحية المتهودة او الاصولية المسيحية تتخذ شكلا مميزا في اوروبا في اوائل القرن السادس عشر , حين تظافرت حركة النهضة الاوربية مع حركة الاصلاح الديني على ارساء اسس التاريخ الاوروبي الحدي, فعندما راحت حركة الاصلاح الديني  (  البروتستانتية  )  تنتشر و تتجذر في المجتمعات الاوروبية , بدأت النزعة الاصولية تنغرس شيئا فشيئا في النفس الاوروبية , وغدت عنصرا مهما في اللاهوت البروتستانتي . وقبل عهد الاصلاح الديني لم تتضح الميول الاصولية في التفكير الاوروبي


حيث اخذت تنحى البروتستانتية منحى جديد الا وهو العودة والتمسك بالتوراة باعتباره هو الاساس و المنبع الرئيسي للانجيل,و تسلحت البروتستانتية بفكرة العودة الى الاصول  (  النصوص المقدسة  )  , ودعى المؤمنون للعودة الى الكتاب المقدس  (  العهد القديم )  باعتباره مصدر المسيحية او في اساسها , اي بوصفه الاصل و النبع الحقيقي للدين...  ))  , وقد اخذ الاوربيون ينتهجون صورا معينة من التعصب و التمسك بالمعنى الظاهر للكتاب  (  العهد القديم و الجديد  )  اي التوراة و الانجيل و العودة الى حضن الدين بصورته السلفية هذا ما جاء في كتاب المسيحية الاصولية, حيث يقول جورجي كنعان في هذا الشأن   ((  ...اقبلت الجماهير في البيئات البروتستانتية على العهد القديم  باعتباره كلمة الله المعصومة من كل عيب او نقص , وتشعبت به مضمونا و اسلوبا و اصبح باعتباره المرجع الاول لفهم العقيدة المسيحية و المصدر السامي للمعتقد و السلوك اي مصدر التعاليم الخلقية و الهداية الروحية و الاجتماعية و ايضا السياسية و مع تقدم الايام اضحى مترسخا في النفسية الاوربية , و مكونا هاما من مكونات العقل الاوروبي , و من بعد الامريكي ...  ))  .

 

ومن الكلام اعلاه نرى خطورة هذا الامر و تتجلى شيئا فشيئا معتقدات اغلب شعوب الغرب و امريكا و يعود الكاتب بالحديث ليقول   ((  ... و لكثرة تردد النصوص في الصلوات , و القصص في الاجتماعات و مدارس الاحد , باتت شخصيات اي التوراة  و بعض القصص المثيرة فيه , مألوفة لدى الفرد العادي في المجتمعات الاوروبية . و أمست حكاياته و رواياته التاريخية و قصصه الميثولوجية , للقداسة التيتجللها , مرجعهم الاساسي و مصدر معلوماتهم التاريخية وكان كتاب  العهد القديم  بالغ بالفعل و التأثير في الجماهير البروتستانتية . وبه اتخذت الكنيسة البروتستانتية الشكل الذي تميزت به فيما بعد و من هنا جاء و صف بعض العلماء لحركة الاصلاح الديني بأنها نهضة عبرانية تهويدية و يكمل تقبل البروتستانت عصمة الكتاب المقدس - التوراة - الذي ترجم في حينه الى لغات عامة الناس و مع ترجمته  الى اللغات القومية , راح قسم كبير من البروتستانت يفكر بفلسطين كأرض يهودية ...  ))  . وهكذا استطاع الصهاينة في تهويد المسيحية الاوربية , فقبل ان يوفى القرن السادس عشر على نهايته كانت الحروف العبرية قد دخلت عالم الطباعة و انكب الناس من رجال الدين و غيرهم على دراسة نصوص العهد القديم  بالعبرية , واصبحت العبرية  مسألة ثقافة واسعة , بالاضافة الى انها مسألة دين  و اقبل الناس على قراءة الكتاب المقدس بلغته الاصلية.

 

ـ يتبع ـ

 

 





الجمعة٠٦ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل ابراهيم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة