شبكة ذي قار
عـاجـل










على عكس الثورات المسلحة التي تتوفر لها فرصة الإسراع باقتلاع جذور النظام المستهدف فإن الثورة في تونس اتخذت طابعا سلميا و هو ما جعل نتائجها لا تتسم بالسرعة ، لكن رغم بطئها فإنها بصدد تحقيق انجازات مؤكدة.

 

طابعها الشعبي هو سلاحها في التغيير، أنجز الشعب هذه الثورة لكنه لم يتوقف دقيقة واحدة عن فرض التغييرات و مراقبة  تنفيذها. يمكن اعتبار تشكيل الجماهير الشعبية لأدوات حماية ثورتها هو أبرز عنصر محدد في تسلسل الانجازات الثورية. صحيح أن من يمسك بالسلطة لا يمثل الشعب  إلى حد الآن لكن الاعتصامات و المسيرات الشعبية أحدثت تغييرات في تركيبة رجال الدولة في عدة مناسبات مما مكن هذا الشعب من فرض مسارات تختلف عما سطر في الكواليس الأمريكية و الفرنسية.

 

يمكن القول أن الشعب توصل إلى إحداث التغييرات التدريجية عبر أسلوبين:

 

1-    الضغط المتواصل بالمسيرات و الاعتصامات على الماسكين بزمام الحكم لإجبارهم على تنفيذ ما يطلبه الشعب.

2-    الاعتماد على المجالس المحلية لحماية الثورة التي شكلتها الجماهير بنفسها في الأحياء الشعبية و على النقابات العمالية لإحداث تغييرات في أسفل هياكل الدولة عبر التخلص من الرموز القديمة الممسكة بزمام المؤسسات و الإدارات العمومية و الأجهزة ذات الطابع الخدماتي كالبلديات و العُمد ( العُمْدة هو ممثل رئيس المحافظة في الحي الشعبي) .

 

ماذا تحقق خلال المرحلة الجديدة من الثورة؟

 

أهم إنجازات الثورة في تونس هي :

اسقاط حكومة الغنوشي و تعويضها بحكومة تكنوقراط وقتية مهمتها تسيير الأعمال

إلغاء العمل بالدستور و إصدار قرار لانتخاب  مجلس تأسيسي  يوم 24 يوليو 2011 مهمته وضع دستور جديد للبلاد.

  حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان يمسك بزمام الحكم في فترة الرئيس المخلوع

حل جهاز البوليس السياسي الذي مارس القمع و التعذيب و التنكيل بالشعب لمدة عشرات السنين.

سن مرسوم يقضي بتأسيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الاصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي يضم في عضويته 71 شخصية بين ممثلين عن الأحزاب السياسية  وعن الهيئات والمنظمات والجمعيات ومكونات المجتمع المدني.

 

تم سن هذا المرسوم تلبية لمطلب تقنين مجالس حماية الثورة الذي أنشئ بمبادرة شعبية و العديد من الأحزاب و المنظمات  و تعويضا للجنة الاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي  لكن هذا المشروع لاقى معارضة شعبية بسبب تركيبته الغير ممثلة و انتماء العديد من أفراده إلى منظومات سياسية مرتبطة بالنظام السابق.

 هذا الملف مرشح بأن يكون محور صراع جديد بين الحكومة و الشعب في الأيام القادمة.

 

تعتبر مجمل هذه الإجراءات بمثابة الضمانة للمضي قدما في تحقيق أهداف الثورة و قطع الطريق أمام قوى الردة التي تترصد أي ارتباك أو انتكاسة للقوى الثورية.

 

المكتسبات الديمقراطية تعزز الروح القومية.

1) رغم الوضع الاقتصادي المتردى الناجم عن مخلفات الثورة الشعبية فقد هب الشعب التونسي نحو الحدود التونسية الليبية في وقفة تضامنية رائعة نحو أخوانهم المصريين الفارين من مخلفات المعارك المسلحة الدائرة في القطر الليبي الشقيق.

 

لقد بلغت حملة الدعم و تمويل المخيمات بالغذاء و الأغطية حدا فاق كل التصورات إذ ساهم في ذلك المواطنون و المنظمات الشعبية سواء تلك التي تشكلت حديثا مثل مجالس حماية الثورة أو التي رتبت بيتها و تخلصت من رموزها الفاسدة كالكشافة التونسية و الهلال الأحمر التونسي.

 

لقد فوجئت منظمات الإغاثة الدولية بهذا المد التضامني الرائع تجاه السيول البشرية من أخواننا المصريين التي تدفقت على بلادنا، فقد اتضح أن روح العطاء و الكرم و التضامن الذي تميز بها شعب تونس فاقت نتائجها من حيث سرعة الإغاثة و حسن الأداء مقارنة بفرق الإغاثة الدولية ذات التجهيز العالي و التمويل القوي.

 

2) الحدث الثاني الذي امتحن فيه  الأداء القومي للشعب التونسي هو رد الفعل على زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية لبلادنا. لم يفوت الشعب الفرصة للتعبير عن رفضه لهذه الزيارة منطلقا من موقفه المندد بالسياسة العدوانية و الاستعمارية للإدارة الأمريكية. فقد رفع المتظاهرون في عدة مناسبات  قبل الزيارة و خلالها شعارات منددة بسياسات الولايات المتحدة الأمريكية مطالبين هيلاري كلينتن بالرحيل. و قد أفزعت هذه الاحتجاجات وزيرة الخارجية  الشيء الذي دفعها إلى إخضاع الصحفيين التونسيين إلى تفتيش مهين حد استعمال الكلاب بل بلغ رعب هيلاري كلينتون من تعرضها لنفس المصير الذي عرفه رئيسها السابق بوش حين قذفه الصحفي منتظر الزيدي بحذائه إلى درجة اتخاذ قرار تغيير مكان الندوة الصحفية  و تعمدها مراوغة الصحفيين الغير مرغوب في أسئلتهم المحرجة و الجريئة الذين بقوا ينتظرونها في المكان الأول لمدة أكثر ثلاث ساعات . و قد أصدرت جمعية الصحفيين التونسيين و نقابة أعوان وزارة الخارجية بيانا يستنكران فيه الممارسات المهينة التي تعرض لها الصحفيون.

 

3) بروز الكثير من المواد الثورية والقومية على شبكة الفايسبوك وفرض اتساع كبير لمساحة حرية التعبير والتوصل إلى فرض إدخال تغيير جدي على أداء وسائل الإعلام الرسمية المسموعة والمرئية.

 

4)  ظهور تشكيلات سياسية إلى العلن ترفع الشعار القومي وفيها الكثير من الوجوه المعروفة بنضالها القومي ومساندتها الفعلية للمقاومة.

 

إن الشعب يفرض تدريجيا مكاسب الثورة عبر جولات من الصراع ضد أطراف الثورة المضادة المدعومة من القوى الأجنبية . ففي كل مرة يتضخم ملف التراجعات و المؤامرات ينتفض الشعب و في مقدمتهم شباب الاعتصامات ليخوضوا جولة جديدة من النضالات. و تشير الأحداث إلى أننا على أعتاب جولة جديدة من الصراع ضد قوى الردة . فقد أصدر شباب الاعتصامات بيانا ذكروا فيه بأنهم نبهوا الحكومة بقولهم " إن عدتم... عدنا" أي إذا عادت الحكومة إلى التراجعات و المراوغات فإن هؤلاء الشباب سيعودون إلى الاعتصامات . و قد شرعوا في التعبئة إلى اعتصام أعطوه إسم "اعتصام القصبة 3 "    و قد حددوا ثمانية مطالب من بينها :

 

 - إسقاط النظام
- إستقلالية القضاء
- رفض أي تدخل أجنبي
- رفض القروض من البنك الدولي بينما أموال الشعب مازالت مجمدة في الخارج ولم يقع جلبها

 

و في الأخير نقول أن المرحلة القادمة من الصراع ضد قوى الردة ستتخذ طابعا قوميا بالضرورة بعد أن أقدم الحلف الاستعماري على استهداف أرضنا العربية في ليبيا. الشعب في تونس لم يتفطن بعد إلى خطورة ما أقدمت عليه القوى الاستعمارية ، لكن ستتضح له الصورة قريبا وعندها سيتحمل مسؤوليته القومية مثلما عودنا دائما.

 

 





الاثنين١٦ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابن تونس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة