شبكة ذي قار
عـاجـل










تُوحي الحالة العراقية الآنية بأننا أمام نفس الصورة عشية التوقيع على الاتفاقية الامنية العراقية ـ الامريكية. تصريحات متناقضة تعلن رفض التمديد وتضمر الموافقة عليه. رحلات سرية وعلنية الى ايران والولايات المتحدة الامريكية لاستمزاج الرأي حينا وتلقي الاوامر أحيانا. مزاد بيع وشراء للمواقف بين العرب والاكراد، وبين الطائفيين بعضهم مع بعض قد بدأ. جمع أوراق ضغط بحشود ميليشاوية تجوب العاصمة والمحافظات بمسيرات استعراضية، تقابلها تهديدات بعودة الصحوات الى ممارسة مهنة الامس. كُرة التجديد للقوات المحتلة من عدمه تُلقى على رئيس السلطة التنفيذية، الذي بدوره يلقيها على الشركاء. محاولات للوزير الاول باستعراض قوته بين المتظاهرين في ساحة التحرير، من خلال ميليشيات مجالس الاسناد والبلطجية.

 

 وفي كل هذه المشاهد تبقى المصلحة الوطنية هي الغائب الوحيد عن صياغة هذه المعادلة، في النسيج الواقعي الذي يتحكم بتلابيبه شركاء العملية السياسية. على الطرف الاخر من هذه المعادلة تقف قوى الاحتلال، التي نسجت خلال أكثر من ثماني سنوات شبكة مصالح سياسية واقتصادية مع أطراف كثيرة فاعلة في الساحة العراقية. بات من المؤكد أنها رافضة تماما لمغادرة الوجود الامريكي. في مقدمتها الحزبان الكرديان اللذان يسيطران بصورة مطلقة على الواقع السياسي والاقتصادي في شمال العراق، واللذان يصرحان علنا بضرورة استمرار الوجود الامريكي، بحجة أن هنالك ملفات سياسية خطيرة لازالت عالقة بينهما وبين الحكومة المركزية. أولها وأخطرها قضية كركوك و(المناطق المتنازع) عليها.

 

وأن الامريكان هم الضامن الوحيد لتحقيق المصالح الكردية. وقد لعبت الادارة الامريكية على الوتر السياسي الكردي كي تجعله فاعلا في الساحة العراقية أكبر بكثير من حجمه الحقيقي، بل دفعته في الكثير من الاحيان على إظهار دوره بشكل يكاد يكون هو المتنفس الوحيد لكل القضايا المصيرية التي تمر بها العملية السياسية، وهو الذي يتحكم بمصير الوطن كاملا، بما يجعله ورقة ضغط بيد الولايات المتحدة على كل الاطراف الاخرى لتحقيق مصالحها. كان آخرها طاولة أربيل بقيادة مسعود البارزاني لحل الخلاف على تشكيل الحكومة، وحاليا ما يسمى مباردة جلال طالباني لحل الخلاف بين علاوي والمالكي، بل إن الامريكان أوصلوا القيادات الكردية الى قناعة بأن استمرار وجودهم هو الوحيد القادر على أبعاد شبح عودة الدولة المركزية القوية التي قد تبتلع طموحاتهم مرة أخرى.

 

كما أن بعض أطراف القائمة العراقية هي الاخرى اتخذت من الوجود الامريكي ضامنا سياسيا لها، في ظل لعبة التوازن السياسي مع الطرف الرئيسي الحاكم، الذي بات ضامنه الايراني قادر على تغيير التحالفات وكل قواعد اللعبة السياسية، بما يؤبّد استمرارهم في السلطة بغض النظر عن الاغلبية أو الاقلية الانتخابية. ناهيك عن قوى أخرى وواجهات اجتماعية محسوبة على الطائفة الاقل عددا كما يقولون، كان الاحتلال قد عزز من وجودها في المجتمع والسلطة، كقادة الصحوة وبعض شيوخ العشائر ورجال دين، في اطار لعبة التوازن الهش التي أدت الى صنع اقطاعيات صغيرة متناثرة هنا وهناك، ومتناحرة في ما بينها.


ان الولايات المتحدة الامريكية تعتبر أن العراق بلد ذو أهمية جيوسياسية كبرى لمصالحها في المنطقة، وأن وجودها فيه يجب أن يستمر في الوقت الحاضر على الاقل، ان لم يكن بالتمديد مرة أخرى لقواتها داخل قواعد ثابتة، فيجب أن يكون التمديد بغطاء آخر هي قادرة على ايجاده، كما أن القوى المحلية المرتبطة بها قادرة على تبريره. لذلك حاولت على مدى أكثر من ثماني سنوات صنع مكابح حقيقة كبرى أمام عودته الى ممارسة دوره الفاعل في الساحة العربية والاقليم، من خلال استمرارها في الوقوف الى جانب القوى الطائفية والاثنية وتعزيز سيطرتهما على الدولة والمجتمع، وتنمية المشاكل السياسية من خلال جعلها لبنات أساسية في الهيكل الاداري للدولة، وعرقلة التطور الاجتماعي والاقتصادي، بل انها ذهبت الى أبعد من ذلك عندما بدأت بالايحاء لبعض الاطراف العراقية، بان التطورات السياسية التي عصفت ببعض الانظمة العربية في تونس ومصر، والانتفاضات التي تعيشها ليبيا واليمن والبحرين وسورية ليس العراق بمعزل عنها، بل قد تكون أكثر ضراوة فيه في حالة حدوثها، في ظل الغياب العسكري الامريكي الفاعل في الساحة العراقية.


ان انعدام الولاء الوطني وتفشي الجهل بالمصالح الوطنية والقومية العليا للوطن والامة، الذي يعانية الوسط السياسي الحاكم، وأمية الوعي السياسي ومحاربة الكوادر الوطنية العراقية، قاد الى استغفال كبير مارسه المحتل في قضية حل الجيش العراقي السابق وانشاء جيش جديد، في سبيل الاستمرار بالتعكز على موضوعة عدم وجود جيش قادر على حماية البلاد، كي يضمن استمرار وجود المبرر الكافي لوجوده في ظل التهديد بـ'البعبع' الايراني. فلقد انطلت الخديعة على كل القوى السياسية بانشاء جيش جديد، تبين اليوم أنه لم يكن سوى مجاميع غير متجانسة وخالية من أية عقيدة عسكرية، جرى تدريبهم على مهام تخص الامن الداخلي، وملاحقة واعتقال معارضين سياسيين، ولم يكن هنالك أي أعداد حقيقي لمواجهات تتطلبها عمليات الدفاع عن الوطن في حالة تعرضه الى عدوان خارجي، كما لم يكن هنالك تسليح يوازي ما هو موجود لدى جيوش المنطقة، التي قد تكون عدوا محتملا للعراق وفق المنطق العسكري.

 

مما يشي بأن كافة القوى السياسية كانت قد ارتبطت بتعهدات مع المحتل قبل مجيئها الى السلطة، يقضي بوضع العراق تحت الحماية الامريكية الى أجل غير مسمى، خدمة لمصالح أمريكية ولمقتضيات الدور الاستعماري في المنطقة. وهذا ما أشارت اليه بعض مراكز البحوث الغربية قبل الشروع باحتلال العراق في العام 2003، التي كشفت فيه الكثير من خفايا اللعبة الغربية مع ما سمي (المعارضةالعراقية)، وبضمنها التوقيع على اتفاقيات عسكرية واقتصادية نفطية، لصالح شركات كان العراق قد قضى على احتكاراتها النفطية في قرار التأميم في العام 1972.


ان جلاء قوات الاحتلال ومغادرة آخر جندي أمريكي عن أرض العراق، هي مهمة تقع على عاتق كل القوى الوطنية المقاومة، ويجب عليها أن تتحمل مسؤولية ذلك، وأن تتوسل في سبيل تحقيقها بكل الوسائل والسبل التي أقرتها الشرائع السماوية والوضعية، وألا يجري الاعتماد في ذلك على القوى المتشاركة في غنيمة السلطة، لانها اثبتت تآمرها على الشعب والوطن. كي لا تتكرر تجربة التعويل على جبهة التوافق من قبل، التي مررت الاتفاقية بحجة الاستفتاء الشعبي الذي لم يجر. كما أن على الجميع العمل على احباط أية مناورات تستهدف التمديد بأغطية أخرى. فها هي هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الاحتلال تتحدث عن بديل للتمديد بزيادة عدد المتعاقدين الامنيين، وزيادة كادر حرس السفارة الامريكية في بغداد الى 25 الف مقاتل، أو بانشاء ما يسمى قوات حفــظ السلام في العراق.

 

أما بالنسبة الى القوى المشاركة في السلطة والتي تدعي مقاومة الامريكان، فعليهم أن يثبتوا اليوم موقفهم بالافعال لا بالاقوال، وألا يكرروا لنا تجربة شتم ومعارضة المالكي ثم التصويت له لرئاسة الوزراء، وألا يكونوا صوت وعيد ايرانيا للامريكان، لان هذا الوعيد بالمقاتلة الايرانية للامريكان الذي يلوكونه بالسنتهم، انما هو مجرد شعارات وكلمات معسولة لسحب الامريكان الى واقعية أكبر للدخول في مفاوضات مع ايران، تحقق فيها مصالحها القومية على حساب العراق والمنطقة.

 

 





الثلاثاء٢٦ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة