شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما وقعت حرب لبنان 2006 وحرب غزة (2008-2009) تساءل المواطن العربي عن الدور العربي الغائب في هاتين الحربين المدمرتين اللتين شنهما الكيان الصهيوني ضد لبنان وقطاع غزة, ودمر كل البنى التحتية فيهما, وقتل وجرح ألوف المواطنين العرب. والتساؤل منطقي وحتمي, لان الأنظمة الحاكمة هي الأولى بنجدة أبناء لبنان وأبناء فلسطين. وقد قيل كلام كثير وكبير عن هذا الغياب غير المبرر للأنظمة العربية, وترك الساحة فارغة, كي تأتي إيران لتملأها. ومن حق المواطن العربي الذي ارتبط بقضايا أمته ارتباطا عضوياً, وأعطى الولاء للأنظمة التي تحكمه, من حقه أن يزعل ويغضب من موقف الأنظمة العربية السلبي المتخاذل إزاء مجازر الصهاينة ضد أبناء العروبة , ومن حقه أيضا أن يكيل المديح للزعامة الإيرانية التي قدمت الدعم المادي والعسكري والمعنوي لكل من حماس في غزة وحزب الله في لبنان. لان من يقف ضد عدو العرب هو صديق وحليف لهم.


الأمر نفسه كان مثار عجب واستغراب عندما تخلى الحكام العرب عن دورهم القومي إزاء العراق, وتركوا الساحة مفتوحة لإيران, وبعد أن تنامي المد الإيراني في العراق برزت صرخات الخوف من المد الشيعي الإيراني في البلدان العربية, وتحركت مكنة الدعاية الأمريكية والغربية ضد النفوذ الإيراني, وتبعتها الدعاية العربية, التي أوحت للرأي العام العربي أن إيران هي العدو الأول لهم, وهي أخطر من الكيان الصهيوني, ورغم موقفنا المبدئي النابع من ثوابتنا القومية المؤمنة والبعيدة عن العنصرية والتحجر من نزعات إيران التوسعية, والسعي لنيل دور إقليمي متميز على حساب العرب, فإن المنطق العقلي والمشاعر القومية, يقولان بان إيران كدولة إقليمية ذات تاريخ إمبراطوري معروف, وجدت فرصتها الذهبية باحتلال العراق, وزوال النظام الذي كان يقف كالطود بوجه كل الحملات القادمة من الشرق لتسرق بريق العرب الذهبي, في ظل الغياب العربي الرسمي, صارت الساحة مكشوفة للاختراق الخارجي. وعندما تترك الأبواب مفتوحة فمن غير المنطقي أن نلوم من يدخل هذه الأبواب ويُحقق غاياته.


إن موقف إيران المساند لسورية وحزب الله وحماس, اكسبها سمعة ممن لا يدركون نواياها الحقيقية ,على حساب سمعة الأنظمة العربية التي كان من المفروض أن تأخذ دورها القيادي في المنطقة, وتسد الفراغ فيها. لا سيما بعد أن اصطفت ما سمي بأنظمة الاعتدال إلى جانب الولايات المتحدة, وتفاوضت مع الكيان الصهيوني باشتراطات صهيونية مفروضة. فلم تكسب هذه الأنظمة أي رصيد شعبي, وبالذات بعد حرب غزة, إذ وجهت اتهامات كبيرة لهذه الأنظمة وبالذات نظام مبارك في مصر . وعندما هبت رياح التغيير ,وتصاعدت الانتفاضة الشعبية في مصر , وأطيح بنظام حسني مبارك , اتضح كم كان هذا النظام حجر عثرة أمام العرب ليأخذوا دورهم في الساحة , ويسدوا الطريق على القوى الطامعة بالاستئثار بدور القيادة الميدانية في المنطقة ..


وإذا عدنا للتاريخ القريب, أي منذ خمسة عقود, فإن الأنظمة العربية اعتمدت سياسة التخندق والمحاور, ففي عهد جمال عبدا لناصر, كان تحالف مصر وسورية واضحا ضد سياسة السعودية, وقد وصفت آنذاك بأنها قاعدة للرجعية الميدانية .. إن التقاء سورية ومصر أمر ضروري تحتمه الطبيعة الجغرافية لكليهما. ونتذكر فكرة عمرو بن العاص والي بلاد الشام في عهد خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) حيث كتب للخليفة يدعوه إلى الموافقة على غزو مصر وتحقيق الوحدة معها, لان أمن الدولة الإسلامية لا يكون إلا بوحدة هذين البلدين, لان سورية هي قلب بلاد الشام, ومصر ثغر إفريقيا. وقد وافق الخليفة عمر على هذه الفكرة وكانت مصر وسورية قلب العالم الإسلامي فيما بعد.


وبعد مرور عدة قرون أعاد محمد علي باشا الفكرة عندما قرر إرسال جيشه إلى بلاد الشام 1830 بقيادة أخيه إبراهيم باشا, وأمره في حينه أن لا يتوقف حيث هناك لسان ينطق بالعربية, وقد حقق إبراهيم باشا وحدة بلاد مصر والشام وأرسى قواعد دولة قوية قائمة على العدل والمساواة.


واليوم نجد أن التحالفات تغيرت إذ وقفت مصر والسعودية ضد سورية, مما دفعها للتحالف مع إيران وتشكيل حلف سمي فيما بعد (بالممانعة), , ونال هذا الحلف إعجاب قطاعات واسعة من أبناء العروبة لأنه داعب مشاعرهم القومية, وأعاد لهم بعض الأمل بالوقوف بوجه رياح الهدم والدمار.


وبالمقابل فإن حلف الاعتدال العربي الرسمي, لم يحقق انجازات ترضي بعض طموحات أبناء العروبة, فرغم انصياعه لإرادة زعماء البيت الأبيض بحيث صارت كوندوليزا رايس ومن ثم هيلاري كلينتون آمرة ناهية, تطلب الاجتماع بوزراء خارجية هذه الدول متى شاءت.


منح الانقسام الفلسطيني إيران فرصتها للنفاذ إلى لبنان وفلسطين من خلال موقف عملي داعم لحزب الله وحماس,.وفرض هذا الموقف نفسه في الشارع العربي, بحيث صار المواطن العربي يتحدث بإعجاب وفخر عن الدعم الإيراني, مقابل الخنوع الذي أبداه حلف الاعتدال إزاء العدوان الصهيوني.


وقد كشفت حرب غزة كل الأسرار التي كانت تخفي عيوب الأنظمة العربية القطرية, وقد عبرت الجماهير العربية عن غضبها على هذه الأنظمة, وبالذات على النظام المصري, الذي كان يفترض أن يلعب دوراً قيادياً رائداً يليق بحجم مصر وتاريخها وتراثها, ويليق بعظمة الشهداء والجرحى من أفراد الجيش المصري الذي عبر القناة وسطر سفراً خالداً في المقاومة العربية. , ونلمس التغير الذي حصل بعد نجاح الثورة , فقد تم فتح معبر رفح ,ورفع الحصار المفروض على سكان غزة ,


إن غضب الجماهير العربية على الأنظمة لأنها لم تكن بمستوى المسؤولية القيادية الملقاة عليها, لأنها تصرفت بالضد من إرادة هذه الجماهير, بل أنها خذلت الجماهير عندما تقاعست عن نصرة شعب فلسطين في التصدي للعدوان الصهيوني,


وعندما يسمع المواطن العربي مثل هذه المواقف الخانعة من الأنظمة العربية, ويسمع بالمقابل موقف إيران القوي الداعم لمنظمات المقاومة عندما يسمع هذين الموقفين المتناقضين, كيف سيقتنع بأن إيران هي العدو رقم واحد قبل الكيان الصهيوني.


إن إيران تسعى لتحقيق إستراتيجيتها بطرق وأساليب شتى, ووفق عقيدتها الدينية الطائفية , فهي حتى ألان لم تقم بالعدوان العسكري المباشر على أي بلد عربي بعد ذاك العدوان الذي وقع في عقد ثمانينيات القرن الماضي, لكنها تدخل بسبل وأساليب مقبولة في إطار الحس الجماهيري, وقد دخلت إلى العراق وفق أجندة تحكمها اعتبارات سياسية وعقد تاريخية وثارات قديمة, ووفق عقائد مذهبية, لكنها دخلت وتمددت وفعلت ما تشاء في غياب أي دور عربي فاعل في العراق,;كما أنها تتسلل إلى أقطار الخليج العربي من باب الدفاع عن حقوق الإنسان , وخاصة حقوق الشيعة في هذه البلدان .


لقد امتلكت إيران أوراقاً قوية ضاغطة على الولايات المتحدة, , في حين لم تملك الأنظمة أية أوراق ضاغطة على العدو, وحتى أوراق الضغط التي حققتها المقاومة في حربي 2006 في لبنان وحرب 2009 غزة لم تستثمرها الأنظمة, بل حاربت حركات المقاومة بسبل شتى, وبالتالي فإن المنطقة مفتوحة لأي اختراق خارجي, وسنرى كيف يتقرر مصير المنطقة بأجندات خارجية , رغم ما نشهده من انتفاضات شبابية .

 

 





الثلاثاء٢٦ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د . حسن طوالبه نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة