شبكة ذي قار
عـاجـل










مقدمة :
ليس صعباً أن يتلمس المراقب من خلال بعض الكتابات خيوط التسويق لمفاهيم معينة تأتي في صيغة مفردات أو عبارات أو مصطلحات، حتى أحياناً تكون فاقدة لمدلولاتها بين تلك السطور، التي تبدو وكأنها محشورة حشراً أو مقحمة في قلب النص ولا تمت له بصلة .. وهذا الأمر في معطياته يتسبب لدى المتلقي إرباكاً، فيما لا يصعب على النخبة معرفة بواطن تلك المفاهيم المراد تسويقها . ولكن ، لماذا تسوق تلك المفاهيم بهذه الطريقة وبهذا التوقيت وكأن الصراع والتنافس قائم بين تركيا وإيران وترجيح التسويق لتركيا وهي تحمل مشروعين خطيرين في آن واحد ، الأول أطلسي بلا منازع والثاني عثماني أيضاً بلا منازع ولكن كما قيل بواجهة جديدة، نكاية بإيران الصفوية التوسعية !!


الإشكالية هنا في هذا الطرح الغريب، هو النظر فقط من زاوية واحدة، وحتى هذه الزاوية لم تكن صافية تأخذ حقائق التاريخ لتضعها على طاولة التشريح لالتقاط المترشح عنها على طريق فهم السلوك السياسي للدولة التركية وفهم الأحداث.. هل ثمة مبررات للتسويق والترجيح تفصح عن أهداف يراد الوصول إليها من خلال جلب الانتباه والأضواء والتمهيد لحالة مرتقبة قد تظهر على مسرح الأحداث ؟!


فالمفاهيم ومصطلحات علوم السياسة والإستراتيجية لا تستخدم ولا تقحم في غير مجالاتها، وحتى تكون الأمور في نصابها، ولكي لا تختلط الأوراق في زحمة ما يطرح، أقول ، إن المفارقة بين السياسة والحرب، والدبلوماسية احد أدوات السياسة كما هي القوة بمعناها العسكري، هي مفارقة تستوجب التوقف عندها ، ولكون الأمر، ليس خياراً بين السياسة والقوة واستخداماتها، فأن القوة هي سياسة ولكن بوسائل أخرى، وإن السياسة هي التي تحرك القوة وليس العكس لأن الأخيرة أداة من أدواتها .


وليس شرطاً أن تكون الدبلوماسية، وهي الأخرى أداة من أدوات السياسة، قوية وناجحة لكون الدولة قوية عسكرياً ، لأن القوة العسكرية لا تكمن لوحدها في مكونات القوة والقوى وتوازناتهما ، ليس على إقليم الدولة إذ تصبح نسبية محضة بل على مستوى مفاهيم ونظريات الـ(جيو- ستراتيجية)، حين تقاس توازنات القوة بين بلدين أو أكثر، وتوازنات القوى في منطقة محددة ومعينة .. فالقوة السياسية وسياسة القوة، ترتكزان على الحنكة وقاعدتها الخبرة والمعرفة في تصريف شؤون السياسة :


دعونا نأخذ بعض التجارب :


• نابليون .. خطط لإجتياح أوربا من أقصاها إلى أقصاها، ولكن سياسته التي تقود القوة العسكرية لم تكن تمتلك من الحكمة ما يعزز تحركه العسكري، انهارت سياسته ومعها تداعت تباعاً دبلوماسيته .


• هتلر .. امتلك ممكنات القوة العسكرية، ولأن سياسته التي تحرك القوة خاطئة، أخفقت مؤسسته العسكرية في الوصول إلى أهدافها، فانهارت دبلوماسيته تباعاً .


• لا تستطيع حكومة الاحتلال ذات الولاء المزدوج في ظل الاحتلال الأمريكي الإيراني الصفوي للعراق أن تخرج عن طوع المحتل الأمريكي الغازي، كما لا تستطيع في الوقت ذاته الخروج عن أوامر المحتل الإيراني الباغي .. فكيف يمكن الافتراض بهذه الحكومة أن تكون قوية، وكيف يمكن الافتراض بهذه الحكومة أن ترد على عدوان إيران المتكرر على الحدود والقرى الحدودية العراقية وتشريد سكانها وتدمير ممتلكاتهم ؟ ، ولما كانت هذه الحكومة العميلة محكومة بقرار الاحتلال العسكري الأمريكي، وقرار الاحتلال الإيراني الصفوي .. يجمع هذين الاحتلالين سقف سياسي إستراتيجي واحد هو (التوافق الإستراتيجي بين واشنطن وطهران )؟! ، فكيف لها أن تكون قوية وترد بقوة ؟ ، لماذا يصار إلى الحديث في (مدخلات) السياسة و(مخرجاتها) بصورة تتعارض مع حقائق الواقع وواقع السياسة الذي يتحكم بالوضع .. فلا الحديث في البديهيات يجدي، ولا الحديث الذي يفضي إلى تناقضات في المفاهيم والمفردات ينفع .


.. وفي هذا السياق، هل يوجد ميزان تعادل القوى في المنطقة بعد أن أسقط أهم ركن من أركان التوازن وهو العراق ؟ ثم أن الحديث عن التوازنات الإقليمية تستوجب الحديث عن المخاطر الوشيكة والمحتملة ، وكما نعلم جميعاً وخاصة الذين يفكرون، أن الكيان الصهيوني يشكل خطراً قائماً يمكن توقعه في أي لحظة، فيما تشكل إيران خطراً داهماً ليس على المستوى العسكري إنما على المستوى الأيديولوجي- الطائفي ، أما تركيا فهي في نظر الإستراتيجيين الذين يفكرون بعمق، خطراً محتملاً بدأ يتحول إلى خطر وشيك على أرض الشام حين دفعت بجنودها وضباطها بلباس مدني وسمحت بتسريب الأسلحة الثقيلة والخفيفة بناء على أوامر الناتو .. ثم نأتي لنقول أن تركيا يمكن أن تشكل عنصر توازن في المنطقة !!


مع من يتم التوازن المزعوم ؟ هل مع إيران ؟ أم مع الكيان الصهيوني ؟!


دعونا ندخل في بعض التفاصيل :
- التباين في المصالح بين تركيا وإيران، لا يعني التقاطع ، ولا ينفي التوافق الإستراتيجي .. وتقع في قمة التوافقات التركية الإيرانية مسألة الأمن الإقليمي وخاصة في ركنه (الكردستاني)، وهو الأمر الذي حدا بتركيا وإيران إلى عقد اتفاقية أمنية تضع خطوطاً حمراء بين البلدين، تتناول بنودها تبادل المعلومات الإستخبارية حول أكراد البلدين وتحركاتهم ومخططاتهم ونياتهم وحجم تسلحهم وتعاونهم مع غيرهم ومطاردتهم خارج حدود قواعدهم، وعدم السماح للحركة الكردية أن تؤثر على الأمن القومي لكل من تركيا وإيران .. فكيف تقيم تركيا تحالف إقليمي (يرتب وضعاً بوجه نوايا التوسع الإيراني)؟! وإن (التباين في المصالح يصب في مصلحة العرب مرحلياً) .. كيف ، ثم ما بعد الربما وما بعد المرحلية ؟! ، كيف يمكن أن نفكر بهذه الطريقة التي لا تستوي مع منطق الأشياء ومفاهيم علوم السياسة والإستراتيجية ونظرياتها ؟!


- ترتبط تركيا بعدد كبير من الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، منها على سبيل المثال لا الحصر(اتفاقية تزويد الكيان الصهيوني بصهاريج المياه بدلاً من عملية تحلية مياه البحر - اتفاقية الصناعات العسكرية المشتركة -اتفاقية تعزير دواعي أمن الحدود التركية الكترونياً في منطقة الأنضول -اتفاقية تصنيع طائرات عسكرية إسرائيلية في مصانع تركية - اتفاقية للتعاون الإستخباري عقدت بعد عملية "عبد الله أوجلان" - اتفاقية تقدم تركيا بموجبها تسهيلات للطيران الحربي الإسرائيلي في ممرات محدد ومقننة لغرض تنفيذ عمليات معينة - اتفاقيات تجارية متنوعة .. إلخ) .. فهل تدخل تركيا إلى المنطقة لتتوازن مع الكيان الصهيوني، لأن الأخير (خربط) عليها تحركها في قافلة الحرية في البحر الأبيض وهي عازمة على كسب موضع قدم في منطقة تعاني من عجز مزمن وحالة انعدام الوزن الوطني والقومي؟!


صحيح ، أني لست وصياً على من يقذف الحصى في الظلام ، أو على من يعتقد بأنه يسبح في اليم .. ولكن المهم وضع الأمور في نصابها، وحتى لا تختلط الأوراق على القارئ في زحمة المفاهيم الخاطئة .. أقول ، إن تركيا ليست بعيدة عن (الناتو) ومؤتمره الذي عقد في أنقرة حول الخليج العربي ، ولا بعيدة عن الكيان الصهيوني، ولا بعيدة عن إيران، ولا بعيدة عن الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض .. فعلينا أن نصحو ولا نطلق للمخيلة الأدبية والإنشائية عنانها .. لأن في عالم السياسة ليس هناك غير التخطيط والتنفيذ ، ولا مكان للأوهام والتخيلات أبداً، في الوقت الذي تحفل فيه أدبياتنا الفكرية بالكثير من أعمدة السياسة .. فأين نحن من هذا ؟!

 

 





الثلاثاء٠٢ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٢ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة