شبكة ذي قار
عـاجـل










الحكم الاستبدادي وآثاره النفسية والاجتماعية - حالة حكم أسرة آل ثاني في قطر - حصاد الاستبداد -

 

ما العلاج لحل أزمة الاستبداد الشاملة في وقت لا تحمل أي إصلاحات جذرية في النظام السياسي بدولة يهيمن عليها حاكماً غير خاضع للمساءلة ؟

 

 

دراسة توثيقية إعداد / ناصر محسن وآخرون بدافع وطني بحت

 

 

 

حقوق النشر والتوزيع متاح للكل بالمجان للمنفعة العامة

الطبعة الأولى الدوحة ٢٠١١

Naseermh5@hotmail.com

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

   

الإهداء

 نهدي ثمرة هذا الجهد المتواضع إلى الشعب القطري الذي يعاني من الاستبداد وإلى كل مجاهد يعمل لأجل الحق و الحرية و حقوق شعبه وأمان وطنه هادفين من ذلك تأمين الأمن و السلم

 

  

شكر وتقدير 

بعد حمد الله سبحانه وتعالى حمدا كثيرا والثناء عليه لمنه علينا بفضله لإتمام هذه الدراسة, فانه يشرفنا أن نسجل هنا امتناننا وشكرنا لكل من ساعدنا في إتمامها

 

 

 

                           

 الفهرس

 

الموضوع                                                               الصفحة

مقدمة  ..................................................................                9

 

المبحث التمهيدي

 ما هية الاستبداد

 

أول : مفهوم الاستبداد  ................................................                 10

ثاني : تسويغ الاستبداد  ................................................                11

ثالث : تفسيرالاستبداد....................................................                11

1- التفسير النفسي (السادومازوخية)  .................................               12    

2- التفسير النفس- اجتماعي (العادة)  .................................               13

3- التفسير الاجتماعي (البناء الاجتماعي)  ...........................                14

رابع : تكريس الاستبداد  ...............................................                 15

خامس : مقاومة الاستبداد والظلم في المنهج السلفي ...................           15

 

المبحث الأول

 تــاريخ قطــر العام

 

أول : بداية التاريخ القطري قديما.........................................              16

ثاني : المشروع العتبي التوسعي وظهور آل ثاني  ......................            18

 

المبحث الثاني

 كيفية وصول الحكم لآل ثاني

 

أول : الهجوم على الزبارة  (حرب الزبارة الأولى 1878)  ............                  19

ثاني : الحماية  الخارجية  .......................................................             20

ثالث : وقعة العصرية (حرب الزبارة الثانية 1937)  ....................                 20

رابع : تجنيد المقاتلين  ....................................................                    21

خامس : الانتهازية السياسية  ..............................................                 24

 

المبحث الثالث

بدايات حصاد الاستبداد

 

أول : ضريبة الغوص  ...................................................                    28

ثاني : الجمارك  ..........................................................                     28

ثالث : حصص الأزمة الاقتصادية  ......................................                   28

رابع : صناعة النفط والحكومة  .........................................                   29

خامس : السكان في قطر من الغوص إلى العمل في شركات النفط  ...                32

سادس : الدخل السنوي  .................................................                   34

سابع : موازنة عائدات النفط  ..........................................                    35

ثامن : توزيع الأراضي  ................................................                     35

تاسع : التجارة  .........................................................                      36

عاشر : النشاط السياسي في الدوحة  ..................................                   36

الحادي عشر : الصحافة ................................................                    38

الثاني عشر : التطور الإداري والسياسي..............................                    38

الثالث عشر : تأسيس البنية الأساسية والخدمات الاجتماعية والحقوق المدنية      40

 

المبحث الرابع

 الآثار النفسية والاجتماعية على المحكومين

 

أول : لجوء الحاكم المستبد إلى القوى الخارجية لتثبيت حكمه  .......               45

1- نفقات الوجود العسكري الأمريكي في قطر  .....................                    46

2- تقديم الدعم العسكري الإسرائيلي  ................................                   47 

ثاني : نشوء الأسرة الحاكمة استناداً لسمة الغلبة  .....................               48

ثالث : ظهور الأزمات الاجتماعية والنفسية.............................                 49

رابع : انتشار ثقافة الخوف السياسي في دولة الخوف  ..............                 51

خامس : الفساد الإداري ................................................                   52

 

الخاتمة

 

أول : تم اكتشاف وتعلم شيئاً في غاية الأهمية غفل عنه البعض.......              53

ثاني : إذ ما العلاج لحل أزمة الاستبداد الشاملة في وقت لا تحمل أي إصلاحات جذرية في النظام السياسي بدولة يهيمن عليها حاكماً غير خاضع للمساءلة؟                           53  

 ثالث : نظرة مستقبلية، الحرية أولا  ....................................               54

رابع : ثمن الحرية السياسية  ...........................................                 55

 

المراجع

 

أول : باللغة العربية  .....................................................                56

ثاني : باللغة الإنجليزية  ..................................................               60

ثالث : المواقع الالكترونية  ................................................             61

 

 

  

والله ولي التوفيق

 

 

 

مقدمه

 

إذا كانت الديمقراطية قد سودت فيها صفحات كثيرة بحثت جذورها وبذورها وشروط قيامها, فان نقيضها الاستبداد لم يلق العناية نفسها, ولا البحث الذي يستحقه، فالاستبداد ظاهرة نشأت وتراكمت في تاريخنا الممتد قروناً عديدة, ورغم المحاولات التي جرت هنا وهناك تحاول إصلاح نظام الحكم في بعض الأحيان,   إلا أن الاستفراد بالحكم وتوظيفه لخدمة مصالح فردية, مازال جاثما وظاهراً للعيان لا تخطئه العين المجردة.

 

وهذا ما أوجب على المثقف الأبي بالكتابة كواجب وطني بعد أن غدا أعوان الحاكم والعديد من المثقفين والمتخصصين في القانون والسياسة والدين يشكلون أدوات الحاكم القامعة، ويبررون الخطيئة البينة، ويتاجرون بالكلمة ويتحدثون باسم الشريعة الإسلامية وتبعاً لمصلحة السلطة، ما دام صاحب الصوت الأعلى هو السيد.

 

وإن هذا البحث هو محاولة لربط الحاضر بالماضي، بصورة موضوعية وحيادية وعلمية بحته بعيدة عن السطحية، من خلال تركيزه والتفاته إلى المصادر التي قلما يلتفت لها من يدرسون تاريخ قطر، فالتاريخ هو مرآة يعكس واقع الحياة.

 

في أيامنا هذه لا يعتبر من قبيل الكياسة أن نتغنى على الملأ بفضائل حكم الفرد المطلق، الذي لا ينتخب من شعبه ولا يخضع لمحاسبة، فالحكومة تكون بطبيعتها مبنية على الاستبداد, فهذا التغني لم يساعد على تقديم صورة واقعية عن هذا الحكم، فيما وراء الصورة التبجيلية التقديسية له، والتي أضحت اليوم عنصرا لإنتاج شرعية السائد، إلا أن التبجيل لا يمكنه أن يصمد أبداً أمام المنهج العلمي، ولم يعد أمام الشعوب التي تخلفت عن ممارسة الديمقراطية سوى سبيل واحد هو محاولة اللحاق بها، فممارسة الديمقراطية تشبه الطوفان، وعلى من يريد البقاء ضرورة الاستعداد بقوة لمواجهته، وإلا أصبح بقاؤه من المستحيل.

 

ويأتي هذا البحث ليتناول موضوع الاستبداد موضحاً للمواطن العادي مفهوم الموضوع وأهميته، للوقوف على الانعكاسات السلبية له، ومدى تأثيرها على المجتمع، وفقاً لمنطق عصري مقبول, بغية التحقيق العلمي المتحرر من كل أيديولوجية, وتسلط فكري مسبق.

 

 

 

المبحث التمهيدي

ماهيــة الاســـتــبـداد

 

الاستبداد وباعتباره من ظواهر الاجتماع السياسي لا يولد اعتباطاً، وإنما تحكمه مجموعة معقدة من الأسباب والشروط والظروف، يتداخل فيه الذاتي والموضوعي، والداخلي والخارجي، والاقتصادي والثقافي، فهو ثمرة مجموعة مركبة من القوى والبواعث المختلفة في طبيعتها ودرجة تأثيرها، المتشكلة بظروف المكان والزمان. ومن أهم المفاهيم التي اختلطت بمفهوم الاستبداد مفهوم الطغيان، وهما لفظان مترادفان يستخدمان لتلك الصورة الصارمة من الحكم الفردي، وعلى الدول البوليسية برغم وجود قانون فيها، لأن السيادة ليست للقانون بل لإرادة الحاكم.(1)

 

أول : مفهوم الاستبداد

الاستبداد كما تشير معاجم اللغة هو الانفراد، استبد به : انفرد به، واستبد الأمر بفلان : غلبه فلم يقدر على ضبطه، واستبد بأميره : غلب على أمره فلا يسمع إلا منه، واستبد الأمير بالسلطة : أخذها لنفسه ولم يشارك فيها أحداً، ولم يستشر، فهو مستبد، وعندما نصف الاستبداد بـ (السياسي) فإننا نعني به الانفراد بإدارة شئون المجتمع السياسي من قبل فرد أو مجموعة أفراد دون بقية المواطنين.

 

 ويكتسب الاستبداد معناه السيئ في النفس ليس من صفة الانفراد وحدها، ذلك أن جذر الكلمة لا يفيد أي معنى سلبي أو غير سلبي، بل يستفيده من كونه اغتصاباً، واحتكاراً لحق مشترك مع الآخرين، فالاستبداد السياسي يفترض ابتداءً وجود علاقة بين طرفين متساويين في الحقوق والواجبات العامة، ينفرد أحدهما (بالحقوق المشتركة = إدارة شئون المجتمع السياسي) دون الآخر، فهو فعل يقوم على الاستحواذ والاستيلاء والسيطرة على (شيء) هو حق مشترك مع الغير، فالمستبد يستولي على (الشيء) دون وجه حق، فالسمة الجوهرية في الاستبداد هي (الانفراد دون وجه حق).(2)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راشد الغنوشي،الحريات العامة في الإسلام،مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1993، ص 306. (2) محمد جمال طحان، الاستبداد وبدائله في فكر الكواكبي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1992، ص 22. 

 

ثاني : تسويغ الاستبداد  

إذا كان الاستيلاء هو المنشئ الأول لنظام الاستبداد، إلا أن أي نظام سياسي لا يعيش بدون (شرعية) حقيقية أو مصنعة، تسنده، وتضمن له القبول بين أفراد المجتمع، فالحكم الاستبدادي لا يمكنه الاستمرار في الحياة بمجرد الاعتماد على محض القوة، ذلك أنه إذا كانت القوة لازمة في كل الأحيان لممارسة السلطة، إلا أنها وحدها لا تكفي لديمومة هذه الممارسة، إن إقامة نظام يعتمد على الإكراه لإدامة السيطرة عملية لا يحتملها أي نظام سياسي مهما كانت الوسائل التي يمتلكها، لذا أصبح الاستبداد في حاجة إلى تسويغ يمنحه الشرعية، أي قبول ورضا الناس، فمن النادر أن يقدم المستبدون أنفسهم عارية من كل صفة يسوغون بها استبدادهم.

 

وإذا كان بعض المستبدين قد يلجأ إلى (الدين) لتسويغ استبدادهم، فإن البعض الآخر قد راغ إلى ميدان (الفضيلة : العدل- الرشد- الاستنارة- العلم) يستمد منه العون، واتجه البعض الآخر إلى حاجة الناس إلى الأمن يؤسسون عليه سلطتهم المطلقة، كما لجأ آخرون إلى الظروف يتذرعون بها، ذلك أن الاستبداد لا يمكن " أن يظهر عارياً وأن يبرز نفسه بطبيعة الحال من حيث هو استبداد فحسب، ومن غير استنارة وعدل وعقلانية، وهو لذلك، وربما لهذا السبب بالذات لا بد له من مشروع يزوده بأسباب الجاذبية وبسحر التسويغ، وهو في الحقيقة مشروع غالباً    ما يظهر على أنه عقلاني وضروري، بل المشروع الممكن الوحيد.(1)

 

ثالث : تفسير الاستبداد

إذا كان التسويغ يهدف إلى حجب الاستبداد وتغطيته، بمظاهر التزيين والتجميل، ليبدو مقبولاً، فإن التفسير على العكس من ذلك، يهدف إلى كشف حقيقة الاستبداد، وقد قيل في فهم ظاهرة الاستبداد أكثر من تفسير، لن نسعى إلى الإحاطة بها، فذاك مقام يتجاوز هذه القراءة الأولية، بل سنعرض بصورة مختصرة لنماذج منها، للفت الانتباه وإثارة الذهن، والتنبيه إلى أن ظاهرة الاستبداد السياسي، كغيرها من ظواهر الاجتماع، ظاهرة معقدة، تخضع لاعتبارات الزمان والمكان، يتداخل فيها الشخصي مع الاجتماعي، ولا يمكن تفسيرها بالنظر إلى جانب واحد، بل لا بد من استخدام منظار متعدد العدسات علّنا نخرج بصورة متكاملة وحقيقية، وتكون عوناً لنا في تناول ظاهرة الاستبداد في الحياة السياسية العربية بصورة أقرب إلى الموضوعية.

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محمد حافظ يعقوب، الخديعة والكلمات، دراسة في مفهوم الاستبداد العادل- الاجتهاد- العددان 51/16، السنة الرابعة، 1992، ص 36-98.

 

 

لقد تراوحت التفسيرات بين الحدود القصوى لعلاقة الفرد بالجماعة، من محاولة فهم تبحث عن الاستبداد في شخصية الفرد، إلى أخرى تبحث عنه في بنية المجتمع بتكويناتها المتعددة.

 

1- التفسير النفسي (السادومازوخية)

ويعد تفسير اريك فروم في كتابه (الهروب من الحرية) من تلك المحاولات التي تنشد فهم الظاهرة من خلال تحليل سلوك الفرد وشخصيته.

ينطلق فروم في تحليله من أن نزعتي (السيطرة-السادية) و (الخضوع-المازوخية) موجودة عند البشر جميعا، أسوياء ومنحرفين، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، ومن ثم فإن تفسير ظاهرة الاستبداد، أو بالأحرى تفسير سلوك طرفي ظاهرة الاستبداد، يكمن في تحليل سلوك هذين الطرفين، ذلك أن العلاقة بين المستبد والمستبد به تكمن في هاتين النزعتين.

 

المستبد يمارس ويعبر عن النزعة السادية- أي التلذذ بإيقاع الأذى بالآخرين- التي   " ترتد في نهاية الأمر إلى دافع أساس واحد هو السيطرة الكاملة على الشخص الأخر، بان تجعله موضوعا عاجزا تحت إرادتها" ذلك " أن متعة السيطرة التامة على شخص آخر هي ما هية الدافع السادي"،(1) فالمحرك لسلوك المستبد هو دافع السيطرة.

 

أما المستبد به الخاضع الخانع، فهو يمارس ويعبر عن النزعة المازوخية - أي التلذذ بالألم الذي يقع عليه - من خلال الخضوع لشخصية أقوى منه، تحرره من خوفه، ذلك أن النزعة المازوخية في جوهرها تعبير عن (الخوف)، خوف من الذات وما يرتبط بها من حرية ومسئولية، فالمازوخي فرد خائف لا يتحمل ذاته الفردية المستقلة عن ذوات الآخرين، فاستقلاله يشكل مصدر قلق له لا يطاق، لهذا فهو يبحث عن ذات أخرى، أقوى منه ينضوي تحتها ويخضع لها، ذات تمنحه الأمان، ويشعر من خلالها بالقوة، فالشخصية المازوخية هي في الواقع تعبير عن حل للصراع الذي ينتاب الفرد " بين أن يكون مستقلاً وقوياً وبين شعوره بالتفاهة " وهو حل كما نلاحظ لا يجنح نحو امتلاك القوة بل ينتهي إلى الخضوع والتلذذ به.(2)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إمام عبد الفتاح إمام، مسيرة الديمقراطية،رؤية فلسفية، عالم الفكر، مجلد 22، العدد 2، الكويت، 1993، ص 339.

(2) المرجع السابق، ص 338.

 

2- التفسير النفس- اجتماعي (العادة)

في تفسير لظاهرة الاستبداد اتجه لابواسييه بفكره صوب الخاضعين المستبد بهم أكثر من المستبدين، إن ما استرعى انتباهه هو جانب الخضوع في الظاهرة أكثر من جانب الإخضاع، لذلك فهو يتسأل عن السر في انصياع هذا العدد من الناس لطاغية فرد واستسلامهم له، وخضوعهم لأوامره، لهذا اتجه بسؤاله صوب هذا الحشد محاولاً تفسير سلوكهم.

 

والذي جعل في الأمر سراً أو قريبا منه - في عين لابواسييه – هو أن مصدر قوة المستبد لا يستمدها من ذاته، بل ممن استرقهم واستبد بهم، فالمستبد في رأيه ليس له من القوة إلا ما منحه الناس إياها، وقدرته على إيقاع الأذى، وإنزال الشر بهم مستمدة من احتمالهم أذاه، وصبرهم بدل مواجهته.

إذا كان الأمر كذلك فإن هزيمة الطاغية المستبد لا تستدعي أن ينهض المستبد بهم لمحاربته كي يهزموه، يكفيهم الامتناع عن عطائه...فيسقط، كتمثال هائل سحبت قاعدته فهوى على الأرض بقوة وزنه وحدها فانكسر.ونتيجة هذا التحليل هي أن الشعب هو الذي يقهر نفسه بنفسه، هو الذي ملك الخيار بين الرق والعتق، ما دام خلاصه مرهونا بالكف عن خدمة الطاغية.

 

فكيف استطاعت جذور هذه الإرادة العنيدة، إرادة العبودية، أن تترسخ في نفوس المستبد بهم، فتفشلهم بحيث يعجزون حتى عن الرغبة في الخلاص من أغلالهم؟  وما الذي استطاع أن يمسخ طبيعة الإنسان، وهو وحده المولود حقيقة ليعيش حراً، وتجعله ينسى ذكرى وجوده الأول وينسى الرغبة في استعادته؟

 ويجيب لابواسييه بأن العبودية تجد طريقها إلى الناس من مدخلين الإكراه أو الخداع، هذا في أول الأمر، لكن طول تعودهم على الاسترقاق وعناق الأغلال، يجعلهم يقنعون بالعيش خانعين خاضعين، إلى الدرجة التي يبدو لمن يراهم أنهم لم يخسروا حريتهم، بل كسبوا عبوديتهم، إن من ولدوا وهم مغلولو الأعناق ثم أطعموا وتربوا في ظل الاسترقاق، من دون نظر إلى أفق بعيد، يقنعون بالعيش مثلما ولدوا، فيصبح حال مولدهم هو الحال الطبيعي، ثم تأتي العادة لتجعل الناس يتجرعون " سم الاسترقاق من دون الشعور بمرارته".(1)

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) اتين دي لابواسييه، مقال في العبودية المختارة، ترجمة مصطفى صفوان، الطبعة الأولى، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1990، ص 73-92.

 

3- التفسير الاجتماعي (البناء الاجتماعي)

أما دوفرجيه، فإنه لا يبحث عن تفسير الاستبداد في سلوك الفرد رغم أهميته، إنما يحاول أن يجده في البناء الاجتماعي، ويبدأ بحثه بالتساؤل : هل وراء اختلاف أنظمة الحكم الديكتاتورية العديدة المختلفة في نماذجها والمتنافرة في ظروف نشأتها خيط واحد يجمعها؟ أو ما العوامل التي تؤدي إلى ميلاد الديكتاتوريات؟ ويجيب : "إن عاملاً جوهرياً واحداً كان الأساس في ظهور كل هذه الأنظمة الديكتاتورية، هو تطور مختلف أشكال ونماذج البنيان أو التركيب الاقتصادي- الاجتماعي للعالم الذي نحياه" فالحكم الديكتاتوري ينشأ نتيجة تفاعل عوامل اجتماعية تضرب بجذورها في نسيج البناء الاجتماعي، أما تلك التي تظهر بسبب عوامل عارضة فإنها " نادرة الحدوث، ولا تدوم طويلاً، ومصيرها الفشل دوماً"

 

إن أنظمة الحكم الدكتاتورية المعاصرة " قد ولدت وتشكلت خلال مرحلة من عدم توازن البنيان أو التركيب الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات"، ولكن كيف يؤدي عدم التوازن هذا إلى ظهور الحكم الديكتاتوري؟ عندما تتطور العناصر التي يتكون منها المجتمع بصورة غير متوازنة وغير متكافئة، أي إذا لم يصاحب النظام السياسي التغيرات التي تطرأ على النظام الاقتصادي والاجتماعي، فإنه سوف ينتج عن ذلك تباينات تصبح مع مرور الزمن غير محتملة، مما يجعل من تغيير النظام السياسي لينسجم مع تلك التغيرات حاجة ضرورية، هذه الحاجة تخلق أوضاعاً ملائمة لظهور الدكتاتوريات " التي تكاد تنحصر وظيفتها بإيقاد الشرارة التي تحرك وتدفع أو على العكس، بإطفاء هذه الشرارة وتجميد الطاقات والقوى المحركة "

 

لكن ما يجب أن نلاحظه، هو أن التطور اللامتكافئ لعناصر المجتمع " لا يؤدي دوما إلى قيام نظم دكتاتورية " وذلك في حالة قيام النظام السياسي بإصلاح نفسه بنفسه، ومن ثم يعيد الانسجام بين عناصر المجتمع المختلفة، ذلك أن الأزمات البنيانية تجد حلولاً لنفسها في أغلب الأحيان دون اللجوء إلى الطغيان والديكتاتورية، شريطة ألا تكون هذه الأزمات مصحوبة بأزمة في المعتقدات، إذاً لكي ينشأ الحكم الديكتاتوري قد يستلزم توافر شرط أخر – إضافة إلى الأزمة البنيانية – هو أن تكون مشروعية الحكم.. في أزمة، أي أن تصبح الأصول الأساسية والمبادئ الأولية التي تستمد السلطة سلطاتها منها محل نقد من قبل أفراد المجتمع أو بعضهم، بحيث ينقسم أفراد المجتمع إلى جبهتين متعارضتين وقويتين، ولابد من تعرض المبادئ الأساسية للسلطة إلى النقد أو المطالبة بإلغائها واستبدالها.(1)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اتين دي لابواسييه، المرجع السابق، ص 39-59.

 

رابع : تكريس الاستبداد

إن الطغيان وتكريس الاستبداد يحكمه قانون عام في كل زمان ومكان، فهو يعتمد في انتزاع الطاعة من أفراد الشعب، سياسة العصا أو الجزرة، أو كليهما معا، وبين هذه وتلك أو بالإضافة لهما، يستخدم المستبد أساليب التسويغ، والكذب، والخداع، والتضليل، والإغراء، والإغواء، وينوع في العصا التي يستخدمها، وطرائق استخدامها، فهذه للتخويف والإرهاب، وأخرى، والجزرة أنواع وأشكال، أولها الهبة والمنحة والعطية قلت أو كثرت، والمنصب صغر أو كبر، وأعلاها الحظوه.(1)

 

خامس : مقاومة الاستبداد والظلم في المنهج السلفي

 

المنهج السلفي يقرر أن السلفية حفاظ على العقيدة إصلاح في جانبها الروحي والمدني معاً، وإصلاح سياسي وروحي معاً، ولم يتكون اتجاه سلفي معتبر بخلاف ذلك، والنصوص قطعية في وجوب مقاومة الاستبداد والظلم، والآثار والأحاديث التي تبرر أو تأمر بالصبر على الجور معارضة بما هو أقوى منها، وللمحدثين والأصوليين، كلام قواعد تبين ذلك في مسألة العلل ونقد المتن أو التعارض والترجيح، فأدلة الصبر على الجور غير قطعية، لأنها معارضة بما هو أقوى منها وأصرح، غير صريحة أو مرجوحة أو غير صحيحة، وأغلبها أحاديث صريحة أولها بعض الفقهاء الغافلين - في أزمة الاضطرار- كحديث (إلا أن تروا كفراً بواحاً) فقد بين الفقهاء أن الكفر البواح، لا يقتصر على الكفر المعنى الحقيقي : الإلحاد، لأن كلمة الكفر تطلق في القرآن والسنة كثيراً، للتعبير عن كبار الفواحش، ولأن الشريعة تصف كل جريمة ذات خطر جسيم بالكفر، ولو لم تكن كفر إلحاد، كما قرر الأصوليون كالشاطبي في الموافقات، بل إن المقصود الأساس بالكفر البواح- في الحديث- هو الإخلال بأركان إسلام الدولة، وقد صرح على أن المقصود بالكفر البواح الاستبداد والظلم، عدد من الفقهاء كالنووي، وقد شهدت على ذلك روايات الحديث (إلا أن تروا معصية بواحاً)، ومن أجل ذلك فإن الوصف بالكفر منطبق على كل إخلال كبير بأي ركن من أركان إسلام الدولة العشرة، كالاستبداد والظلم المقنن، وليس الكفر خاصاً بالأمور الروحية كترك الصلاة والصوم، فالسلفية ليست محصورة بالإصلاح الروحي، بل هي أيضا إصلاحات سياسية شتى.(2)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محمد عابد الجابري، العقل الأخلاقي العربي، دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية، الطبعة الأولى، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص 236.

(2) أبو بلال عبد الله الحامد، السلفية الوسطى، سلسلة إصدارات مكتبة ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي، الطبعة الأولى، 2009، ص 13.    

 

المبحث الأول

تــــــاريخ قطــــر العام

 

أول : بداية التاريخ القطري قديما

 

كان يطلق منذ القرن الرابع الميلادي وصولا إلى صدر الإسلام  وحتى القرن السادس عشر الميلادي إسم البحرين على الإقليم الممتد على طول ساحل الخليج العربي بين عمان والبصرة، فهي تشمل ما يعتبر في الوقت الحاضر الإمارات العربية المتحدة، والكويت والإحساء وقطر وجزر البحرين المعروفة قديما باسم أوال.(1)، ويذكر المؤرخون  وعلى رأسهم هيرودوتس 484- 425 ق.م أن أول من سكن هذه المنطقة القبائل الكنعانية الذين ينتمون إلى أصول فينيقية، فهم بهذا رجال بحر منذ أقدم العصور، وأنهم أشهر من ركبوا متن البحار في العصور القديمة.

 

وقد كان للنصارى في قطر مطرنة، وكانوا يسمونها بالآرامية" بيت قطرايا " ويمتد سلطانها إلى مساحة أوسع مني قطر الحالية، وكان لها عدد من الأسقفيات لرئيس أساقفة فارس، وكانت الأزمات التي تحدث في فارس تنعكس على بيت قطرايا، ففي عام 524- 537 م، شملت عمليات التصفية التي قام بها الجاثليق " اليشاع " البحرين أيضا، فقد عزل رؤساء الأساقفة المعارضين له، وعين آخرين بدلهم، وفي عام 649- 659م.

 

امتدت الاختلافات التي وقعت في بلاد فارس، في عهد " يشو عياب الثالث" إلى بيت قطرايا، التي كانت حتى ذلك الوقت تتبع أسقفية فارس، ولا سيما تسمية الأساقفة، وقد شجع " يشو عياب " الأسقفيتين الفارسية وبيت قطرايا إلى التحرر من الحماية، كما دعاهم إلى ذلك، حتى أصبحتا تتمتعان بالنفوذ الكامل، ولهما الحرية في تسمية كل واحد منهما لأسقفيتهما كالهراقطة، وقد أصبحت بيت قطرايا حرة ولها مطران، وقد ورد اسم قطر في المجمع الذي عقده الجاثليق " يشو عياب " في     عام 585م، للنظر في الشئون الخاصة بنصارى البحرين، ومنها وجوب ترك الأعمال في أيام الآحاد، وإعفائهم من ذلك في حالة الضرورة، ويظهر في مجمع نسوري آخر عقد عام 676م، دبر فيه الآباء عدة أمور دينية أن بلاد البحرين كانت حافلة بالكنائس والأديرة ودعاة الدين، وكان إذ ذاك على قطر أسقف اسمه توماس.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد الرحمن عبد الكريم العاني، البحرين في صدر الإسلام، دار الكتاب الجامعي، الطبعة الأولى، الإمارات، 2002، ص 245.

 

هذا وأن آخر ذكر للمسيحية في عهد الجثليق اوانيس الثالث عام 893- 899م،  وقد عامل أبو سعيد القرمطي المسيحيين معاملة حسنة، إن ورد أسماء الأساقفة في مجامع الكنيسة النسطورية، ووجود الكنائس يدل على وجود أتباع لهذا المذهب، ويدل أيضا على أن النصرانية قد بقيت في البحرين حتى بعد الإسلام، وأنهم ما زالوا يزاولون طقوسهم ويدبرون أمورهم الدينية بحرية تامة في ظل الإسلام.(1)

 

وفي القرن السادس عشر، تمكن البرتغاليون من الاستيلاء على بعض المناطق من البحرين ومنها قطر ، ثم طردوا منها على يد العثمانين، الذين استولوا على قطر عام 1555 م،  وفي أثناء مرور العثمانيين ببادية الشام التحق بهم جماعة من بني خالد فنزلوا الإحساء ونصبوا أنفسهم ملوكا على الإحساء عام 1669، وما لبثوا أن مدوا سلطانهم على نجد وقطر وغيرها، وعهدوا إلى أنسابهم من أحد بطون بني خالد وهم آل مسلم بمهام جمع الزكاة من قطر.(2)

 

في عام 1650 وبخروج البرتغاليين نشبت معركة تنافسية بين هولندا وبريطانيا على الشواطئ الخليجية، إلى أن تمت السيطرة الكاملة لبريطانيا عام 1766 عليها، وانحسر الوجود الهولندي كليا عن الخليج، ولم تكن المبادرة البريطانية للسيطرة على الخليج حكومية أو سياسية، إنما تجارية قامت بها " شركة الهند الشرقية " لحسابها، التي أسسها مجموعة من التجار البريطانيين، وكان للشركة جيشها وبحريتها ومفاوضاتها السياسية مع حكام المناطق التي تنوي الاستيلاء عليها.

 

إلا أن غياب قوة بحرية مقيمة أبان القرن الثامن عشر، حول سكان هذه الشواطئ إلى اتخاذ القرصنة صناعة دائمة ورابحة دون خوف من انتقام أو ردع، حتى توقيع معاهدة السلام البحري الدائم مع شيخ الساحل المتصالح عام 1853، ثم تحولت مسئولية بريطانيا عن دول الخليج منذ عام 1858، إلى حكومة بومباي بالنيابة عن التاج البريطاني، وفي عام 1892، وقعت بريطانيا معاهدة غدت بموجبها مسئولة عن الشئون الخارجية لدويلات الخليج بواسطة مقيم بريطاني للخليج، وعين معتمد سياسي في كل من الكويت والبحرين.(3)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد الرحمن العاني، البحرين في صدر الإسلام، مرجع سابق، ص 67.  

(2) محمد طالب الدويك، الأغنية الشعبية في قطر، إدارة الثقافة والفنون بدولة قطر، الطبعة الثانية، 1990،   ص 36.

(3) رياض نجي الريس، صراع الواحات والنفط، هموم الخليج العربي بين 1968 – 1971، رياض الريس للكتب والنشر، 2004، ص 19.

 

ثاني : المشروع العتبي التوسعي وظهور آل ثاني

 

ويعود هذا المشروع إلى أن قصة السلطة مع الاحتكار في منطقة الخليج تبدأ منذ اللحظة الأولى التي شهدت بروز هذه الأسر وصعودها إلى سدة الحكم، في تواريخ متقاربة نسبيا، تؤرخ بالربع الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي وهي المرحلة التي شهدت بداية الضعف التدريجي للسيطرة العثمانية ودخول بريطانيا العظمى.(1) وذلك على خط الامتداد الاستراتيجي الغربي نحو الشرق، كما كان من دواعي المرحلة كذلك بداية انطلاق المشروع السياسي لآل سعود المزخوم أيدلوجيا بدعوة محمد عبد الوهاب السلفي، وانهيار سلطة القواسم في إقليم عمان، أما سلطة بني خالد في شرق شبه الجزيرة العربية فقد تبنت المشروع العتبي التوسعي بعشوائيته تحت زعامة ثلاثة أسر كبيرة وهي آل صباح وآل خليفة والمعاضيد ومنهم آل ثاني، والتي قدر لها أن تحكم في الكويت والبحرين وقطر على التوالي(2)، وآل ثاني فرع من المعاضيد من بن علي العتوب وبني عتبه وهم العتوب من بني رياح من قبيلة بني هلال العدنانية، التي كانت تسكن المدينة المنورة وهاجرت إلى البحرين وقطر وفيها انفصل جد آل ثاني معيوف المعضادي العتبي بعد أن جاور آل مسلم، وصار حليفا لهم، وأقرب ما يكون لهم في النسب آل عمر من آل بن علي(3). ويذكر أن البوكوارة  أيضا هم فرقة من عرب بني عتبة، ومسكنهم الدوحة، وكبيرهم محمد  بن ثاني شيخ فويرط.(4) فالبوكوارة أبناء عمومة آل ثاني المعاضيد، وقد احتفظوا باسمهم، وبقي اسم المعاضيد في قطر يدل على ذرية سالم بن عمرو بن معضاد.(5)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ        

(1) انطون متى، الخليج العربي من الاستعمار البريطاني حتى الثورة الإيرانية، 1798-1978، دار الجيل، الطبعة الأولى، بيروت،1993، ص 10.

(2) فتحي عفيفي، الخليج العربي، التعددية السياسية ومشكلة البيروقراطية السلطوية، دراسة في تحرير الاحتكار، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، 2008، العدد 353، السنة 31، لبنان،   ص 48، (3) ورد ذلك بوثيقة يبلغ عمرها ثلاثة قرون موجودة في الأرشيف العثماني برئاسة الوزراء التركية، دفتر المهمات رقم : (111)، صحيفة رقم 713، حكم رقم 2518، سنة (1113هـ)(1) من والي البصرة علي باشا إلى السلطان العثماني، ترجمة الأستاذ : زكريا كوروشون، اسطنبول تركيا، أما الرأي الرسمي للحكومة في قطر يصرح بأن آل ثاني من المعاضيد من قبيلة الوهبة  من بطون بني تميم العدنانية، أنظر على سبيل المثال موقع وزارة الخارجية القطرية،, www.mofa.gov.qa  وأنظر أيضا، إبراهيم جار الله بن دخنه، المعاضيد وقطر، تاريخ ونسب وحضارة، الطبعة الأولى، الكويت، 1999،ص 149.

 (4) ذكر في الوثيقة الإنجليزية رقم : ( 183/1/15/ ز) جلال خالد الهارون الأنصاري، تاريخ عرب الهولة والعتوب، تقديم وتعليق أحمد يوسف العبيدلي، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 2011، ص 207. ج.ج. لوريمر، دليل الخليج، القسم التاريخي، الجزء الثالث، قسم الترجمة بمكتب صاحب السمو أمير دولة قطر، 1975،  ص 1196.

(5) محمد بن سليمان الخطيب، قبائل دولة قطر، الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع، 2009، ص 97.

 

المبحث الثاني

كيفية وصول الحكم لآل ثاني

 

أول : الهجوم على الزبارة  (حرب الزبارة الأولى 1878)

الزبارة هي موضع نزاع تاريخي، تقع في شمال قطر، وهي مستوطنة أنشأها آل خليفة، عندما هاجروا إلى قطر عام (1766)، وعندما غادروا قطر إلى البحرين في أواخر القرن الثامن عشر، أعلنوا ملكيتهم لها، وفرضوا سيطرتهم على قبيلة النعيم المقيمة فيها والتي أعلنت ولائها لدولة قطر، وبسبب إدعاءات البحرين حول الزبارة نشأت سلسلة من المنازعات بين قطر والبحرين ولم تفلح المحاولات لإيجاد حل لها، وأدى احتلال تركيا الإحساء إلى أن تصبح سيادة شيخ البحرين على قطر التي كان مسلما بها من قبل موضع خلاف، فقد توجه عام (1873)، ضابطا تركيا إلى الزبارة لإقناع أهلها بالاعتراف بسيادة تركيا، وتحرك شيخ البحرين ليجدد مزاعمه في السيادة على الزبارة على أساس أن قبيلة النعيم(1) التي تقيم بالزبارة من رعاياه، وقد اعترفوا بذلك بحضور المقيم البريطاني.

 

وفي عام (1874)، حاول  بنو هاجر العبور للبحرين، فوجهوا اهتمامهم إلى قرية بني نعيم في الزبارة، فعاد بني نعيم من البحرين وشواطئ اللؤلؤ إلى الزبارة وأوقعوا هزيمة ببني هاجر، وفي عام (1876)، انقسمت قبيلة بني هاجر إلى قسمين قسم ارتبط باللاجئ البحريني ناصر بن مبارك، وبقى الثاني مع بني نعيم في الزبارة، وفي عام (1878)، توجه الشيخ قاسم بقوات كبيرة ومعه ناصر بن مبارك (الذي كان الشيخ قاسم صهره)، وحوصر بني نعيم وقد تجاوز عددهم (500) شخص، وتحولت قرية الزبارة إلى أنقاض، لأن الشيخ قاسم كان معه من المقاتلين (البدو) المؤجرين (2000) مقاتل، ونتيجة للتفاوت بين الطرفين بالعدد والسلاح لم يقع قتال فعلي، وقد استسلم بنو نعيم عقب رحيل الرائد البريطاني روس الذي توجه بحريا عند سماعه بذلك من بوشهر إلى ميناء البحرين إلى الزبارة، حيث صادر الشيخ قاسم أموالهم ثم قام برد نصفها، واستطاع بهزيمة النعيم تثبيت كلمة آل ثاني بالقوة المؤجرة على سائر قطر، ولم تعد الزبارة مكاناً أهلاً بالسكان بعد ذلك.(2)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)أكبر القبائل القطرية تنتقل في رعيها بين قطر والإحساء.

 (2) لوريمر، دليل الخليج، القسم التاريخي، مرجع سابق، ص 1240. وفي قصيدة نبطية للشيخ قاسم بن محمد : ملكنا بها ديراتهم مع ديراتنا = بيوم دعا قصر الربيجة خرايب = ولينا وغفينا وجدنا بعتقــهم = وجدنا لــهم بأموالـهم والربـايب، محمد أحمد غنيم، التحضر في المجتمع القطري، تقديم أحمد العناني، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1983، ص 241. 

 

ثاني : الحماية الخارجية

في العام 1921 واجهت حكومة قطر قلاقل داخلية و خارجية، اضطر معها الشيخ عبدالله إلى السفر إلى البحرين بحجة الاتجار باللؤلؤ، حيث قابل هناك المعتمد البريطاني عام 1922، طلب بعدها الشيخ من بريطانيا مساعدته على مواجهة أية مؤامرات محتملة ضده, وعبر بأنه لم يكن يخاف على أمن قطر طالما أنها تحت الحماية البريطانية, ولكن قلقه كان نابعا من خطر قيام بعض العناصر التي لم تكن راضية عن الوضع في البلد بالتفتيش عن دعم خارجي، وقد حذر الحكومة البريطانية من أن أي إهمال في قبول طلبه قد ينتج عنه ثورة داخلية شعبية قطرية، بينما بإمكان المساعدة البريطانية أن تضع حدا لأي تدخل خارجي، كما هدد بأنه ما لم يحصل على الدعم المطلوب، فإنه  وابنه قد يستقيلا ويغادران قطر.(1)

 

ثالث : وقعة العصرية (حرب الزبارة الثانية 1937)

دارت هذه الوقعة بين قبيلة النعيم، وبين بن ثاني الذي اعتمد في قوته القتالية على العناصر البدوية "الفداوية", الذين تم جلبهم من قبائل ترعى على أطراف بادية قطر وهذا أمر لا غنى عنه لأن بن ثاني ليس إلا تاجر كبير, وليس له أي سيطرة على المناطق الداخلية, وليس له قبيلة يعلن أنها قبيلته في قطر.(2) وانتصر بن ثاني بذلك على قبيلة النعيم، وأخذ عليهم سلة الحرب، وبذلوا له ما عندهم من حلال، أما القبائل الذين قاموا معهم جردهم من كل ممتلكاتهم،(3) واستخدم الشيخ حمد الجفافلة من النعيم الذين بقوا في قطر طبقا لشروط مشددة اتفقوا عليها مع حرس الشيخ من     بني هاجر، لحفظ التوازن بين صفوف بني هاجر الذي كان يخشى تعاظم قوتهم.(4)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يوسف إبراهيم العبدالله، العلاقات القطرية- البريطانية، 1914-1945، الدوحة، رقم الإيداع بدار الكتب القطرية 8/ 1999، ص 68.

(2) IOR. R/15/1/627, Note from Lieut-Colonel, Political Agent, Bahrain, 10th Jan.      1934. P 85.

حيث أن العناصر البدوية هي قبائل مهاجرة من السعودية، جون.س.ولينكسون، حدود الجزيرة العربية، قصة الدور البريطاني في رسم الحدود عبر الصحراء، ترجمة، مجدي عبد الكريم، الطبعة الثانية، مكتبة مدبولي، القاهرة، ، 2009، ص 193، فحتى أواخر الخمسينات كان المندوب السياسي المقيم يحذر من إن ابن سعود يعرف دون شك كثيرا عن بدو قطر أكثر من حاكم قطر، المرجع السابق، ص 310.

(3) راشد بن فاضل، مجموع الفضائل في النسب وتاريخ القبائل، مرجع سابق، ص 122.

 (4)  F.O.1016/63, Despatch No. (1/24/50), From British Agency, Doha, to C.J.Pelly Political Agent, Bahrain, 5th June 1950, P 10.                                                         

 

رابع : تجنيد المقاتلين

 كان آل ثاني يعتمدون في شئون الأمن على مقاتلين قبليين يطلق عليهم الفداوية    أو لخويا(1) كحرس خاصين لهم، بالأجر وهم مليشيا مسلحة تستخدم للعمل كقوة محاربة(2) ولا يعتبر عملها من أعمال الغزو, لأن الغزو عموما هو خروج في طلب الرزق والمعاش، من طريق التقلب والارتحال، أو الحروب والقتال، ولكن يجب أن نضيف هنا أن الغارات التي يقومون بها أشخاص مستأجرين، دون سائر أشكال الغزو الأخرى، تعد عدوانا يعاقب فاعله، وإن كان الدافع لها الفقر والجوع والمحل، ذلك أن الصعاليك (الفداوية) طائفة خرجوا عن شرعة المجتمع، وعاداته وتقاليده، وعاشوا حياة مختلفة عن حياة القبائل ومصالحها في كثير من الأمور، ويسمون عند العرب بـ "شذاذ العرب" والشذاذ هم المتفرقون من الناس، يكونون في قوم مع أنهم ليسوا من قبائلهم ولا منازلهم، فهم مؤجرين لا غير، تختلف حروبهم عن حروب القبائل وغزواتهم.(3) ويسمى فعلهم بـ "الفغيصية" أي السلب والنهب بطرق ملتوية تخالف السلوم القبلية.(4).

 

 فالفداوية، هم فئة لصيقة بالشيوخ، يتحرك أفرادها معهم في الحل والترحال، وتتمثل بشباب من أصول بدوية، يقطن معظمهم في الصحراء، حيث علمتهم الحياة فيها أن يعرفوا كل معالمـها وخفاياها، سواء من شعبها أو الرمـال المتحركة، في معظمها،

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهناك مسميات أخرى منه : في دولة الإمارات العربية المتحدة "المطارزية" وهم فئة تابعة للحاكم مسلحة تقوم بواجب الدفاع وقت الحاجة وتعمل وقت السلم في مجال الأمن. عبدالله حمد الشامسي، الحياة السياسية والأمنية في مجتمع الإمارات، حقوق النشر محفوظة، الطبعة الأولى، 2000، ص 84، وكلمة "البلطجة" تعبير مألوف جدا في العالم العربي، دخل القاموس السياسي المصري، وتعرف بأنها محاولة للحصول على وتثبيت سلطة ومنافع ذاتية غير مشروعة باستعمال العنف الجسدي ضد البعض بما يحقق إرهاب عامة الناس نفسيا وفكريا ويؤمن خضوعها لإرادة البلطجية دون نقاش. والرديف السوري للبلطجي هو "الأزعر"             توجان فيصل، البلطجة، تاريخ زيارة الموقع 24/2/2011،

www.aljazeera.net/Portal/Templates/Postings/PockeetPcDetailedPage.aspx

   وفي اللغة الإنجليزية الدارجة يسمى "البولي بوي، Bully boy" وهو شخص غليظ الطباع يستأجر لتهديد أشخاص أو إرهابهم. محمد بدوي، قاموس اكسفورد المحيط، أكاديميا، بيروت، 2003، ص 145.

(2) موزة سلطان الجابر، التطور الاقتصادي والاجتماعي في قطر، جامعة قطر ، مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، الدوحة، 2001، ص421.

 (3) عرفان محمد حمور، قواعد الأمن في مجتمعات العرب القديمة، الطبعة الأولى، مؤسسة الرحاب الحديثة، لبنان، 2000، ص 71-73.

(4) سعد العبدالله الصويان، الصحراء العربية، ثقافتها وشعرها عبر العصور، قراءة انثروبولوجية، الطبعة الأولى، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2010،ص 753.

 

وقد أكسبتهم الصحراء سجايا منها الفراسة وقص الأثر والخبرة بالجهات ولو في ظلام الليل، والقدرة على الوصول للأماكن التي يقصدونها رغم تشابه معالمها، وعلمتهم مخاطر هذه الصحراء المهارة في الرمي.(1)

 

فهم أفراد الحاشية المسلحين في قصور الأمراء الكبار وأمراء الحكومة، ويمكن التعرف عليهم من أحزمة الرصاص المتصالبة على صدورهم والجرابات المتدلية على جنباتهم، ولكنهم لا يرتدون بدلات رسمية، ويجند هؤلاء الحراس شبه العسكريين من بين قبائل البدو، وهم رجال أشداء بسطاء، يدعون من حين لآخر، ومعظمهم أميين.(2)

 

 أما من حيث الجوانب السياسية فهم متقلبون ولا يثبتون، وهم كما يقولون عن أنفسهم دون مواربة : " أصدقاء من يدفع لهم أكثر "(3) وبحكم مرافقتهم للأمراء يمنح "الخوي"، مكانة أو ما شابه الأخوة بين شريكين غير متكافئين، والعطايا النقدية المنتظمة.(4)

 

وفي الوقت المعاصر، وبعد ظهور النفط، وما صاحبه من تغيرات في المجتمع وفي زمن العلم والتخصص، ما زالت عقلية الفداوي موجودة، بطبيعتها اللاحوارية وطاعتها العمياء، وهي مقياس ومعيار الحراك الاجتماعي في المجتمع، حيث يضطر المتعلم إلى تقمص عقلية الفداوي، ويلغي بالتالي بقناعاته وأفكاره وسنوات دراسته جانباً ويتحول إلى فداوي عصري، ليتحسن وضعه، لأن مساحات التهميش في المجتمع كبيرة جداً، والمجتمع له من القوى الضاغطة الشيء الكثير.(5)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)عبد الرحمن عطبة، بدايات النهضة في قطر، مآثر ومفاخر وذكريات، دراسة توثيقية، جميع الحقوق محفوظة للمؤلف، الطبعة الأولى، سورية، 2009، ص 103.

(2) مارسيل كوبرشوك، البدوي الأخير، القبائل البدوية في الصحراء العربية، ترجمة : عبد الإله النعيمي، الطبعة الأولى، دار الساقين بيروت، 2002، ص 269.

(3) الليفتنانت كولونيل، هـ.ر.ب  دكسون، المعتمد السياسي لبريطانيا العظمى 1929م، عرب الصحراء، أشرف على ترجمته وحققه ونشره : سعود غانم الجمران العجمي، تعريب : محمد حسن التيتي، حقوق الطبع محفوظة، الكويت، الطبعة الأولى بالعربية، 1997، ص 65.

(4) مضاوي الرشيد، تاريخ العربية السعودية بين القديم والحديث، ترجمة عبد الإله النعيمي، دار الساقي،بيروت، 2009، ص 180.

(5)  عبد العزيز الخاطر، عقلية الفداوي المعاصر، الاقتصاد الريعي ينتجها والمجتمع الطبقي يتبناها، بتاريخ 15/8/2010، تاريخ زيارة الموقع، 28/2/2011   www.doroob.com/archives/?p=46257

 

أما دولياً، فإن تجنيد الأجانب لخوض الحروب سياسة قديمة عند الدول والأشخاص المستفيدين منها، وأطلق عليهم "المرتزقة – Mercenaries" هاجسهم الأول والأخير كسب المال، وقد ظهر هذا النوع من الخدمة بعد التحولات التي أصابت الأنظمة الحاكمة، فحين تظهر الحكومات بمظهر الضعف تواجه انقلابات ومؤامرات، عنـدها قد يلجـأ الحاكم للاستعانة بقوة أكبر وأكثر تنظيما، وقدرة في ذات الوقت على تحقيق الأهداف المنشودة.

 

لذلك فإنه من الطبيعي جداً حدوث حالات الارتداد والتحزب وتقلب التحالفات،     بل والخيانة لم تكن حالات استثنائية، فهم محاربون بالأمر، ولاؤهم الوحيد لأنفسهم، ثم للشخص الذي يدفع لهم، أما الوطنية أو الشرف أو حتى معاني الديمقراطية وغيرها من المسميات، فإنها اعتبارات ومفاهيم لا تدخل في إطار ما يعقدونه من صفقات، مهمتهم تنفيذ ما تعاقدوا عليه بأي وسيلة، ثم الحصول على المقابل(1).

 

وقد عرفت المعاهدات الدولية المرتزق بأنه " كل من يجند محلياً أو دولياً ليشارك في صراع مسلح أو في الأعمال العدائية مدفوعاً برغبة الربح المالي ويحصل على أجر يفوق نظيره المجند في الجيوش الرسمية ".(2)

 

 إن هؤلاء المرتزقة الذين يتخذون من الحرب كمهنة يتعيشون بها، ويثرون بها، ويبيعون حياتهم لمن يدفع أكثر، دون أن تهمهم أسباب الحرب أو المبادئ والعوامل الإنسانية أو من هي الدولة التي ستنتصر في الحرب أو التي تخسر فيها، إن مثل هؤلاء لا يكتسبون صفة المقاتل في القانون الدولي ولا يتمتعون بالحماية الدولية، وإذا ما قبض عليهم الطرف الآخر جاز له أن ينزل بهم أشد العقاب، ويطلق عليهم قانونا المرتزقة.

 

 وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها (38) تقرير اللجنة المكلفة لإعداد صياغة اتفاقية دولية لحظر تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم.(3)

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) باسل يوسف النيرب، المرتزقة، جيوش الظل، العبيكان للنشر، الطبعة الأولى، الرياض، 2008، ص 11-13- 24.

(2) ا لفقرة (2) المادة (47) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف عام 1949، لعام 1977.

 (3) سهيل حسين الفتلاوي، جرائم الحرب والعدوان، موسوعة القانون الدولي الجنائي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2011، ص 116.

 

 خامس : الانتهازية السياسية

الانتهازية ليست مفهوماً جديداً، بل كان أسلوباً متبعاً منذ القدم، فهي ظاهرة إنسانية خطيرة، ولها عواقبها وانعكاساتها السيئة على المجتمع، لأن الانتهازي يحطم صمود المجتمع، ويفقده قدرة التمييز بين الحقيقة والزيف، فما هي الانتهازية؟

 

تشتق هذه الكلمة في معناها اللغوي من " نهز " التي تعني اغتنم، والانتهاز هو المبادرة، ويقال انتهز الفرصة أي اغتنمها وبادر إليها، وهي في معناها السياسي    لا تختلف كثيرا عن المعنى اللغوي، فالإنسان الانتهازي هو الذي يغتنم الفرص ويستثمرها من أجل أهداف معينة تختلف باختلاف منطلقاتها، فقد تكون محدودة ضيقة الأفق لا تخرج عن إطار المنفعية الذاتية القصيرة الأمد.

 

والانتهازي إنسان ذكي، براغماتي، فهو شخص مجرد من مبدأ سياسي، أو عقيدة أخلاقية، أو فكرة، أو مذهب معين، عدا المبدأ النفعي الخاص، وسرعان ما ينقلب على إدعاءاته، ولا يمانع من الخروج عن الجماعة التي يدعي الانتماء إليها، ويتصف بصفات الغدر والخيانة، وهو لاعب ماهر يجيد كل الأدوار، وهو أفضل من يقوم بتزييف الحقيقة، مقابل مصالح شخصية مضحياً بمصلحة الوطن بوسائل  لا يجيدها سواه، أولها النفاق، والصعود على أكتاف الآخرين، وهو العدو للحقيقة، ويبذل جهده كي لا تظهر، فهو شخص لا يبني نجاحه على التعب والإخلاص، وولائه لمصالحه وعلاقاته لمنفعته، وهو يرى أنه فلته من فلتات الزمان، وينسى أن من صفات الانتهازية المذلة أن يكون صاحبها تابعاً وليس متبوعاً.

 

وتكون لغة الانتهازيين مغايرة للغة الأسوياء، فنهب المال العام وتوزيع الغنيمة شطارة، والكذب فطنة، والصدق بلاهة، والنفاق مهارة، والنصح حسد، والنفعية    لا تقف عند حد، ولا تثبت على مبدأ واحد، ويبرر انتهازه بأن المرحلة تتطلب ذلك، وهو يقصد مصلحته، وإلا كيف لنا أن نفسر استمرار نفس الوجوه في السياسة والثقافة والصحافة في البقاء على الواجهة؟ فهنيئاً لكم الحرام في كل ما غنمتم وسرقتم من قوت الشعب.

 

إن العائلة الحاكمة تشكل مصدراً مهماً لظهور الانتهازيين، لأن تاريخهم ومنهجهم قائم على الانتهازية التي يتلون أصحابها حسب الزمان والمكان وحسب ميزان القوى، ولا يتورعون عن خيانة (آبائهم) إخوانهم وحلفائهم في الساعة الحرجة،   ولا يترفعون عن استغلال أزمة عامة استغلالاً مصلحياً، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أنه بعد تفكك الحكم السعودي وبروز إمارة حائل كقوة سياسية مؤثرة في شبه الجزيرة العربية، غير الشيخ قاسم بن ثاني حاكم قطر ولاءه للسعوديين،        وعمل على توطيد علاقته مع آل رشيد، إذ أن العلاقات بين قطر والدولة السعودية الثانية، كانت قائمة على أسس غير متكافئة، اعتمدت على قوة السعوديين وانحسارها، وبعد أن استطاع الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود استعادة الرياض عام 1902، تغيرت العلاقة بين إمارة حائل وشيخ قطر، الذي رفض العرض المقدم من الأمير عبد العزيز بن متعب الرشيد في إقامة تحالف بينهما ضد بن سعود، لإدراكه بقوتهم أمام إمارة حائل، ومحاولته تكيف مصالحه مع الأقوى، والأهم من ذلك أنه قدم المساعدات المادية والمعنوية للأمير السعودي خلال حربه مع بن رشيد, (1) فهذا التنقل من جانب بن ثاني من السعوديين إلى حائل ثم السعوديين يمثل انتهازا لتعاونه مع الدولة القوية.

 

ومن كل ما سبق يتحتم الشروع في مقاومة ثقافة الانتهازيين والوصوليين، من خلال الرقي بوعي الناس كجزء من استعادة الثقة في المستقبل، كي لا تصاب بها الناشئة، ويتوهمون أن الانتهازية هي الطريقة المثلى للعيش وتحقيق الأهداف، والعمل على تحرير المثقفين من عقدة الانتهازية بكشف الخلل في علاقة المثقف بالسياسي الانتهازي، لأن هذا الأخير حريص على جلب المثقف الذي يضفي المشروعية على أداءه أو على الأقل يتحالف معه في وجه خصومه، وذلك من أجل الوصول لمجتمع بديل، تتحقق في إطاره الحرية، والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.(2)     

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جبار يحيى عبيد، التاريخ السياسي لإمارة حائل، 1835 – 1921م، تقديم ومراجعة : عبدالله محمد المنيف، الطبعة الأولى، الدار العربية للموسوعات، حقوق الطبع محفوظة، 2003، ص 141-145.

(2) محمد عزيز، ظاهرة الانتهازية وتدهور العمل السياسي، 17/3/2009، زيارة الموقع بتاريخ 25/2/2011    www.maghress.com/about

 

إذاً يتضح مما سبق أن وصول آل ثاني للحكم كان نتيجة استقوائهم بالقوى الخارجية, ولمركزهم المالي الذي يؤجرون به المقاتلين القبليين, وليس نتيجة الالتزام بالأعراف القبلية, التي تعد سمة من سمات المجتمع البدوي, ولها سلطانها الاجتماعي كما تعرفها القبائل العربية, وهي متصلة بقواعد النظام العام, وهي مصدر للمسئولية والجزاء, وكلما تمسك الفرد أو الجماعة بالعرف نالت خطوة أكثر من التقدير و الاحترام و العكس من ذلك صحيح.(1)

 

وغني عن البيان أيضا أن هذا النمط من الحكم لا صلة له بالشورى الإسلامية التي لها ضوابطها, كما أنه نظاماً للحكم لا يمكن اعتباره نظاماً قبلياً, إذ إنه يفتقد التوازن    والمدافعة والتكافؤ التي يتصف بها النظام القبلي، (2) ولذا فإن ما قام به بن ثاني   من فعل أو تصرف يكون ضرب من ضروب اللصوصية، وليس غزوا, لأنه يفقد روح البداوة وشظف عيشها، ومعاني الفروسية التي تخالط الغزو، وبالقيم الرائعة والنبيلة التي خلدتها قصص البداوة، وفيها معاني الإباء والوفاء والشهامة والنجدة. ولذلك فإن هذا الفعل يعد باطلا...وما بني على باطل فهو باطل وضلال, كما قال تعالى (فذلكم الله ربكم الحق, فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون...).(3) وكذلك قوله تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق...).(4) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.(5)  

 

وبناءً عليه فإن حكم آل ثاني غير صحيح لا شرعاً و لا عرفاً ولا منطقياً، وهو ما ظهرت معه التفرقة بين الناس على أساس التعصب القبلي بشكل رسمي وعلني, ترتب عليه تقسيم الناس إلى أسياد و"عبيد" وزرع ثقافة الخضوع للأسياد من آل ثاني والحرمان  من الحق في حرية اختيار الحاكم وبطانته.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مصطفى محمد حسنين، علم الاجتماع البدوي، الطبعة الأولى، شركة مكتبات عكاظ للنشر والتوزيع، 1984، ص 113.

(2) يوسف خليفة اليوسف، دول مجلس التعاون الخليجي ومثلث الوراثة والنفط والقوى الخارجية، المستقبل العربي، السنة الثالثة والثلاثون، العدد 383، يناير 2011، ص 10.

(3) سورة يونس- الآية 32.

(4) سورة الأنبياء – الآية 18.

(5) حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما.

 

وبعد ذلك يستلزم هنا التركيز بشكل رئيسي على وحدة الموضوع أكثر من التركيز على التتابع الزمني للحكام, وسيكتفي بذكر هذا التتابع، وبذكر الشيخ أو الحكومة أو الأمير فيما يلي بحسب الأحوال :

الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني (1913- 1949)

الشيخ حمد بن عبدالله  آل ثاني ( حكم أثناء حياة والدة حتى توفي سنة 1947) الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني (1949-1960)

الشيخ أحمد بن علي آل ثاني (1960 – 1972)

الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني (1972- 1995)

الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (1995- حتى وقت كتابة هذه الأسطر).

 

وقطر دولة ملكية وراثية مطلقة, والسلطة العليا فيها الأمير بالحكم الفردي الشمولي دون وجود مجلس ممثل للشعب يشارك في النظام، وله مطلق الحرية في تنظيم شئون الدولة الداخلية والخارجية.(1)

والمناصب الوزارية المهمة في قطر ظلت حكراً على أبناء الأسرة الحاكمة, واتصفت أحيانا بشيء من التأبيد أي تولي المنصب لعشرات السنين, أما بقية الوزارات فقد كانت تعطى أحيانا لغير أعضاء الأسرة الحاكمة بشرط توفر الولاء والتبعية لهذه الأسرة.(2) ويوجد اختلال طبقي بسبب التوزيع غير المتوازن للثروة, وغياب العدالة الاجتماعية.

 

وقطر كانت فيما مضى تابعة للبحرين وكلاهما تابعتان لآل سعود, ثم قامت بريطانيا عام 1869 بفصل قطر وتنصيب محمد بن ثاني شيخا عليها, الذي كان وكيلا للوهابيين في جمع الضرائب من شيوخ القبائل، ثم خضعت قطر للدولة العثمانية في عام 1871 إلى عام 1916. و في هذا العام خضعت قطر للحماية البريطانية وقد استقلت قطر من بريطانيا عام 1971.(3)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إبراهيم ناصر، التربية المدنية (المواطنة)، الناشر مكتبة الرائد العلمية، الطابعون جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، الأردن، 1994، ص 50.

(2) يوسف خليفة اليوسف، يناير 2011، مرجع سابق، ص 13.

(3) محمد البسام التميمي النجدي، كتاب الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر، قبائل العرب، 1818م، حققه ونشره : سعود غانم الجمران العجمي، الطبعة الثانية، 2010، ص 236.

 

 





الجمعة١٩ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب دراسة توثيقية إعداد / ناصر محسن وآخرون بدافع وطني بحت نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة