شبكة ذي قار
عـاجـل










 بعد الفيتو الروسي والصيني .. التفرد الأمريكي لم يعد قائماً .

الفيتو الروسي والصيني .. أعاد التوازن الإستراتيجي للعالم .

الفيتو الروسي والصيني .. كان متوازناً .

والفيتو الروسي والصيني .. يقوم على التوازن بين الضرورات والخيارات.

 

 

مقدمة :

 

فيتو واحد يكفي لنسف أي مشروع قرار يعرض على مجلس الأمن ، فلماذا الفيتو الروسي والصيني معاً ؟! .. وإذا كان الأمر له مغزاه على خط السياسات الإستراتيجية وتوازناتها، بعد أكثر من عشرين عاماً على انهيار الإتحاد السوفياتي وبروز ( فراغ القوة ) على المستوى الإستراتيجي الكوني، فأن ثقل التوازن من هذا النوع له دلالات تعني :

 

أولاً- إن معادلاً إستراتيجياً جديداً قد أعلن عن مرحلة جديدة يستعيد فيها النظام الدولي مكانته على مسرح العلاقات الدولية .

ثانياً- إن المعادل الإستراتيجي الجديد ، لا يقوم على أساس القطبية الثنائية في التوازن الدولي ، إنما على أساس التعددية القطبية .

ثالثاً – إن دولاً عظمى متأهبة لأن تنخرط في هذه التعددية ، كالهند ،  أما أوربا ( فبعد أن تتخلص من التبعية الأمريكية ) .

 

رابعاً- إن الثلاثي الإستراتيجي ( روسيا الاتحادية والهند والصين ) ، سيشكل المرتكز الأساس للتعددية القطبية ( بعد أن توحدت سياسة الشراكات الإستراتيجية في ما بينها ، تحت خيمة مؤتمرات قمة شنغهاي ) .

 

كما أن ثقل التوازن من هذا النوع، الذي يقوم على قاعدة لها أبعاد تؤسس لعلاقات دولية تستند على القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ، تبعث رسالة تفيد :

 

بأن الوقت قد حان لتوسيع العضوية في مجلس الأمن، لأن الحالة التمثيلية فيه لم تعد تنفع أمام المتغيرات ، لكون أعضاء المجلس الدائمون الخمسة هم نتاج الحرب العالمية الثانية والمنتصرون فيها ، فلا بد من انتماء دول عظمى أخرى إليه ليتقرر مصير المساواة والعدل والإنصاف في العالم، بعد أن اختل التوازن في أعقاب انهيار الإتحاد السوفياتي وأفول الحرب الباردة ، حيث ملء فراغ القوة التفرد الأمريكي المتوحش ، اعتقاداً منه بأنه سيكون قادراً على أن يرسم مساراً أسماه (القرن الأمريكي) .. تلك النزعة المتغطرسة المشحونة بالقوة التدميرية الهائلة، التي امتدت من كوسوفو إلى الصومال إلى أفغانستان إلى العراق إلى ليبيا، وتركت هذه الدول في مهب ريح الدمار والتمزق .. فيما خلفت هذه النزعة التدميرية عنفاً مضاداً في بعض أوجهه يعزز وجود التطرف (القاعدة) في أكثر من مكان في العالم ، امتد هو الآخر من أفغانستان مروراً بالعراق ، حيث ترعى إيران (القاعدة) على أراضيه، إلى المغرب والجزائر وليبيا والسودان وغيرها .

 

لم يستخدم الفيتو في مجلس الأمن منذ 20 عاماً ، ولم يكن وليد الظروف الراهنة ، كما أنه لم يكن رد فعل على التهديد الذي تتعرض له سوريا والمنطقة ، إنما لمدركات ذات أبعاد إستراتيجية قائمة على معطيات النضج والتناسق بين الضرورات الإقليمية والخيارات الدولية ، الأمر الذي سيرتب أوضاعاً على المستويين الإقليمي والدولي :

 

أولاً – المستوى الإقليمي :

 

سيعيد الفيتو ترتيب أوضاع العالم النامي، ويخفف من أعباء الضغوط الغربية وفي مقدمتها الضغوط الأمريكية .. والضغوط التي تمارسها الدول الكبرى والعظمى من شأنها كما هو معروف ، أن تقيد حركة الدول وتحرمها من ممارسة حقها في خياراتها السياسية والاقتصادية وشكل نظامها السياسي والاجتماعي .

 

سيمكن دول العالم النامي من إعادة النظر في خياراتها الوطنية وتوازناتها الإقليمية.

سيعاد تاطير التحالفات بما يعزز السيادة والاستقلال الوطني لدول العالم النامي.

 

سيشجع هذه الدول على انتهاج سياسات من شأنها التأكيد على خياراتها السياسية والاقتصادية، دون أن تفرض عليها أطر العولمة الجاهزة اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وإستراتيجياً ، وستتحدد أبعاد العلاقات الثنائية على أساس من الاعتبارات الخاصة بتبادل المنافع والمشاركة في إقامة علاقات قائمة على احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وكذلك مبدأ المعاملة بالمثل في ترسيخ دعائم الاستقلال الوطني.

 

سيضعف الفيتو الروسي والصيني من دعاوى استمرار الاحتلال العسكري الأمريكي المباشر للعراق وبأي ذريعة تقبل بها حكومة الاحتلال وتشريعاتها الباطلة شرعاً وقانوناً ، ويقوي من حركة المقاومة السياسية الشعبية والعسكرية المسلحة التي ترفض أي شكل من أشكال الاحتلال وبأي صيغة .

 

ثانياً- المستوى الدولي :

 

سيرتد الفعل على الولايات المتحدة بلجم اندفاعها نحو فرض هيمنتها على العالم، بتراجعها أمام حالة العجز المالي والاقتصادي والنقدي فضلاً عن تراكم ديونها التي بلغت (4) تريليون دولار.

 

ستعزز أوربا نهجها في بناء الوحدة الأوربية الشاملة ( بعد أن استكملت وحدتها النقدية والسياسية ) وبما يعزز وحدة بنائها العسكري ، والتخلص تدريجياً من أساليب فرض القرار الأمريكي عليها من خلال منظمة حلف شمالي الأطلسي (الناتو) ، وابتزاز نظام الحماية الأمريكية .. كما ستعيد النظر في الحسابات التي تمليها سياستها – الجغرافية التي طالما انساقت خلف إيهام (المظلة) الأمريكية بدواعي ليست حقيقية، ولأغراض القرار السياسي والاقتصادي والعسكري المستقل عن الهيمنة الأمريكية .. والاستقلال الأوربي من هذا النوع لا يعني التقاطع الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية . !!

 

ستتأثر العلاقات الأوربية- الإسرائيلية بما يجنب أوربا أحادية الموقف المخالف لطبيعة الحقائق، التي يؤكدها الصراع العربي- الإسرائيلي . وسيصار إلى تحول سياسي نوعي حيال القضية الفلسطينية، وذلك باستقطاب يؤكد قيام دولة فلسطين وحدودها لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية !!

 

ستعيد تركيا النظر في طبيعة تعاطيها الكامل والشامل مع (الناتو)، ليس على أساس التقاطع ، إنما على أساس التعامل الذي يرجح مكانتها الجيوبولتيكية المحاددة للمجال الحيوي لروسيا الاتحادية على تخوم (أوراسيا ) من جهة ، وإشرافها على المعابر المائية المطلة على البحر الأسود وحوض البحر المتوسط ، واقترابها من مناطق الاحتقان والتوتر، ومنابع الماء والنفط وممراتها الدولية من جهة أخرى .. فيما ستولي اهتماماً لمصالحها إذا استطاعت أن تحترم الضرورات الإقليمية وتعيد النظر في التزامها الأعمى بالخيارات الدولية، التي ذهبت فيها بعيداً، الأمر الذي جعل عمقها الإستراتيجي نحو الوطن العربي والإسلامي يجابه تعثرات وعدم قبول النيات التركية التي تصاحب السلوك التركي غير البريء!!

 

أما إيران فقد يصار العمل الخارجي إلى التصعيد في صيغة (سياسة الاحتواء) المصاحبة لسياسة (التفجير من الداخل)، وحرما طهران من نفوذها في العراق وتطلعها نحو المنطقة .

 

 ستعيد أطراف الولايات المتحدة، التي تشكل الاتحاد، النظر في المركز طالما يقود الأطراف إلى الهاوية السياسية والمالية، الأمر الذي يضع الولايات المتحدة أمام حالتين : إما الانكفاء نحو الداخل أو تفكك الفناء الخلفي لها .. والمرجح ، حسب التحليل المستقبلي، هو تفكك واقع الإتحاد إلى وحدات سياسية مستقلة ، الأمر الذي سيؤدي إلى الانكفاء نحو الداخل كمرحلة قد تنتهي إلى حراك شعبي عام يضع الحزب الجمهوري وأخيه، اللذان ينفردان في اتخاذ القرارات وهما على رأس السلطة خلافاً لقرار الكونغرس المتعلق بالحرب على العراق وبما يتعارض مع الدستور، الذي يقر الحرب الدفاعية ولا يعترف بنظريات الحروب الإستباقية الصهيونية . الفيتو الروسي والصيني فاتحة خير على العالم الذي عاش كابوساً مخيفاً من الرعب والقتل والتدمير والإبادة الجمعية باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية الشعوب !!

 

 





الاثنين١٢ ذو القعدة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / تشرين الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة