شبكة ذي قار
عـاجـل










إذن .. نموذجان سيئان في النيات والعمل يجابهان بالضد من المشروع العربي، وكل منهما له أجندة سياسية واستخبارية تسهل حركتهما في أجواء أنظمة عربية خائبة وعاجزة ومتواطئة وغارقة بالفساد والتهتك !!


فإذا كان القطبان الأساسيان الإتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية قد حققا توازناً كونياً نسبياً في ظل الحرب الباردة فأن هذا التوازن لم يكبح جماح إيران من العدوان على العراق استمر ثمان سنوات بسبب من التوظيف الأمريكي- الصهيوني لإيران للإخلال بالتوازن الإقليمي، ولم يُحِد التوازن الدولي من طبيعة خيارات إيران حيال العراق ودول المنطقة ، كما أن انهيار الإتحاد السوفياتي وتصدع حلف وارسو، قد فتح الباب على مصراعيها لخيارات إيران التي جعلت المنطقة تتعرض إلى عدم استقرار عنيف كان مقدمة لتغيرات واسعة نتيجة الإخلال في ميزان تعادل القوى الإقليمي، تكرسَ باحتلال العراق، الذي كان له تأثيراً كبيراً على تداعيات المنطقة برمتها، انتعشت بأجوائها سيناريوهات إقليمية وأخرى غربية معززة بمشاريع مصممة على مقاسات المنطقة العربية ، تستهدف إسقاط الأنظمة العربية بطريقة الفوضى العارمة وحروبها ألأهلية ، كما هو واضح من أسلوب الإمعان في خلق عدم توازن في المنطقة يتحمل مسؤوليته النظام العربي الرسمي .. جاءت في شكل سيناريوهات ، الفراغ ، والإرهاب ، وتصدير الطائفية والنزعات العرقية ، وإنعاش روح التمرد غير الهادف، وإشاعة مفهوم الفيدرالية أو الكونفدرالية، التي يراد تجربتها في العراق تمهيداً لأعمامها على النظم المشمولة بمشروع (الشرق الأوسط الجديد)، لأن محور ميزان تعادل القوى الدولي قد انهارَ، فتصدعت معظم التوازنات الإقليمية، ومنها توازنات المنطقة العربية بصورة مركبة بعد تكبيل مصر واحتلال العراق .


فتركيا تعاني من الدعم الأمريكي والصهيوني لنشاطات حزب العمال الكردي- التركي (P.K.K) ، في الأنضول وشمال العراق، الأمر الذي جعل القوات التركية تقوم بنشاطات تخرق فيه أرض وأجواء العراق المحتل لمطاردة عناصر هذا الحزب، مدعية بكل صفاقة ( سد فراغ السيطرة الذي نجم عن الحرب الإيرانية العراقية من جهة، ومحاربة الإرهاب من جهة ثانية )، فيما يتكبد شعبنا في شمال العراق القصف والتدمير والتهجير، كما يحصر من قتل وتهجير وتجريف وإفراغ للأرض في فلسطين العربية من لدن الكيان الصهيوني .!!


بيد أن الإستراتيجية التركية وهي تعمل في إطار المتغيرات الدولية وتوجهات (الناتو)، بعد أن خرج عن جغرافيته- السياسية، باتت تربط بين إقليم القوقاز و(الشرق الأوسط) على خط العراق والخليج العربي، وهو الخط، الذي يعد امتداداً – حسب هذه الإستراتيجية – بين شرق الأنضول نحو الخليج العربي من جهة، وبين القوقاز والمحيط الهندي من جهة ثانية، تحت مؤشرات جديدة للتوازن (النفط والمياه) .. هذان المؤثران باتا أكثر إلحاحاً وصرامة في مجرى التحولات الجارية إقليمياً ودولياً ، إذ ترى الإستراتيجية التركية في أبعادها خطوط ارتباط لهذه المؤثرات مثل (منطقة نفط بحر قزوين، ومياه العراق، ومشروع مياه الأنضول، ونفط منطقة الخليج العربي ) .. الرؤية الإستراتيجية التركية هذه لها مشتركات يتعذر فصلها عن تطلعات الناتو طالما بات العراق يمثل أهم مركز لخط الارتباط الجيو- اقتصادي في المنطقة . فتركيا تعمل على هذا الخط المرادف لخط شرق بحر الأبيض المتوسط، الذي يعتبر حزام لمحور القوقاز- الشرق الأوسط - البلقان . وكلا الخطان الإستراتيجيان يضمان العديد من الإشكاليات والمشكلات مثل (قضية العراق المحتل ، والعلاقات العربية الإيرانية المحتقنة ، والعلاقات العربية الإسرائيلية المعقدة، والمسألة الكردية في ساحات عدد من دول المنطقة ، والتي تحظى بدعم إسرائيلي وأمريكي بالضد من الأمن القومي التركي بوجه خاص، والأمن القومي لدول جوار العراق سوريا وإيران بوجه عام ، ثم مشكلة قبرص ، والخليج العربي الذي تصر إيران على تطبيعه باسم قوميتها الفارسية، فيما هو خليج عربي منذ ألاف السنين وضفتيه الشرقية والغربية هما أرض عربية ، وامتدادها من البصرة إلى نهاية أطراف سلطنة عمان ) !!


فإذا كان التوسع العثماني الجيو- سياسي يجمع قديماً بين خطي التوسع لكل من (داريوش) و (الاسكندر الأكبر) ، الأول نحو شرق – غرب ، والثاني باتجاه غرب- شرق ونقطة انتشارهما الإستراتيجي من الأنضول، كما يقول المحللون الأتراك، فأن خط (( المجابهة )) بين هذين الخطين يتمثل في غرب آسيا بخط العراق .. والواضح هنا أن إيران لم تعد قادرة على أو لديها إمكانية خلق توازن بين الضرورات الإقليمية وبين الخيارات الدولية ، فهي في وضعها الراهن الذي تعمل فيه على أساس (أيديولوجية الدولة الفارسية القومية)، تتجاوز واقع الخيارات ليس الإقليمية فحسب إنما الدولية في كل أبعادها السياسية والاقتصادية ومكونات استقرارها، على الرغم من استعراضاتها العسكرية التي هي مدعاة للسخرية، وتوافقها الإستراتيجي الهش على خط توسعها المذهبي من خلال الهيمنة الأمريكية على العراق .. أما تركيا فأن عمق ارتباطاتها بالكيان الصهيوني واستعمارها للأراضي العربية (الاسكندرون) وأراضي ومياه إقليمية سورية، ونزعتها في التدخل الأحمق في العراق، وتصرفاتها المشبوهة حيال ليبيا التي تتعرض لعدوان الناتو الوحشي، وحيال سوريا التي تتعرض لمثل هذه الموجه التآمرية الكبرى ، فأن صدقيتها في استخدام مفتاح فلسطين أو القضية الفلسطينية لا يجدي نفعاً لكي تنجح في أن تلعب دوراً في المنطقة العربية ، وإذا كانت كل من تركيا وإيران تفكران في شيء أسمه استغلال الفراغ الجيو- سياسي الناجم عن تفكك الإتحاد السوفياتي، والذي استحدث هامشاً أكثر مرونة سياسية أيقظ الحلم التركي بعثمانية جديدة ، وحلم إيراني بمسحة فارسية- طائفية ، فأن هذه المرونة غير المحسوبة لن تحقق شيئاً في واقع عربي له حساباته الخاصة أيضاً مهما كانت المشاريع العدوانية شرسة وغادرة ومخاتلة .. لأن قضية فلسطين قضية لها عمقها في التاريخ النضالي للشعب العربي، وإن اللعب التركي والإيراني على وتر هذه القضية هو كمن ينفخ في رماد !!


تمت ..

 

 





الاربعاء٢١ ذو القعدة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / تشرين الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة