شبكة ذي قار
عـاجـل










أيها الأخوة والأخوات
أيها الحفل الكريم

كم كنت أود أن أكون حاضراً بينكم، لمشاركتكم هذا اللقاء بالحوار والنقاش، حول قضية تهم أمتنا العربية، وهي متعددة ومتشعبة، لكنها تبقى متمحورة حول فلسطين، القضية المركزية لنضالنا العربي، لأنها قضية شعب وأمة، قضية حاضر ومستقبل، قضية تاريخ وحقوق غير قابلة للتصرف.


إن أتحدث إليكم في هذه الذكرى، والتي تعود في أيامها لأربع وستين سنة خلت، يوم كنا في بداية تفتح وعينا السياسي، فلأن هذه الذكرى التي دخلت قاموسنا الشعبي وخطابنا السياسي تحت مسمى النكبة، هي نكبة بكل ما تعني الكلمة، إذ أن العرب آنذاك وأهلنا في فلسطين منهم، لم يُنكبوا بالقرار الدولي الذي شرّع الاغتصاب وحسب، بل نُكبوا أيضاً بإدارة الصراع من جانبه العربي، بحيث وجدنا أنفسنا، أمام نكبة، لم تقتصر تداعياتها على معطى الساحة الفلسطينية فقط، بل غطت الساحة العربية. وهذا سياق طبيعي لارتدادات الزلزال الذي ضرب فلسطين، كونها لم تكن مستهدفة لذاتها، وإنما من خلالها الوطن العربي.


لقد كان اغتصاب فلسطين لستة عقود ونيف، محطة في مسيرة قطار التحالف الاستعماري الصهيوني، منذ أطلق نابوليون نداءه لقيام وطن قومي لليهود في فلسطين، ومروراً ببروتوكلات حكماء صهيون ومؤتمر بال 1897، وتوصيات مؤتمر باترمان / 1907، ووعد بلفور، وصولاً إلى التشريع الدولي للاغتصاب 1947، واستكمالاً بما تعرضت له وما تزال القضية الفلسطينية، من محاولات لإسقاطها كمشروع وطني فلسطيني بكل أبعاده القومية.


اخواتي وأخواني
إن نكبة فلسطين، بقدر ما كانت نكبة وطنية، فإنها كانت في أبعادها القومية نكبة للأمة، ولهذا كان وعي حركة الثورة العربية لبعدها المزدوج أساساً لبلورة المشروع القومي الذي يُسقط كل مفاعيل هذه النكبة ببعديها الوطني والقومي من الأساس. وهذا الوعي من جانب الحركة العربية الثورية، جعل قوى التحالف الاستعماري الصهيوني، تعي أيضاً ان تشديد قبضتها على فلسطين لا يستقيم ولا يستمر، إلا بضرب مرتكزات القوة في الوطن العربي سواء كان مُعبَّر عنها بالمواقف أم بالسلوك النضالي، أم بالإنجازات المادية.


إنه ضمن هذا السياق، جاء العدوان الثلاثي على مصر 1956، وبعدها عدوان 1967، والحروب المتتالية على لبنان، وانتهاء بالعدوان على العراق واحتلاله والذي كان يشكل آخر المواقع العربية الحاضنة للقضية الفلسطينية على مستوى الموقف وعلى مستوى الإسناد المعنوي والمادي وتوفير الحضن الدافئ والبيئة الآمنة لقوى الثورة الفلسطينية.


وأنه ضمن هذا السياق أيضاً، تستمر المحاولات الرامية لاختراق بُنى التركيب المجتمعي العربي، وإثارة النزاعات الطائفية والمذهبية والآثنية، لإعادة رسم خارطة الجغرافيا السياسية العربية، وجعلها بحدود الطوائف والمذاهب، كي تبقى الأمة العربية مشدودة إلى مشاكلها الداخلية، وغير قادرة على تعبئة جهودها في إطار مشروع قومي للتحرير والتوحيد.


لكن ونحن نرصد ونرى ونعي، هذا، الذي تخطط له القوى المعادية للأمة العربية على تعدد مواقعها ومشاربها الفكرية والسياسية، نعي أيضاً، أن هذه الأمة تزخر بإمكانات كبيرة، وهي أمة قادرة على إعادة بعث نفسها عبر صيغ نضالية، أثبتت بالحس والملموس، قدرتها على إثبات الوجود من خلال المواجهة التي تنخرط بها وفيها تأكيد على مقولة القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق، أمتي موجودة حيث يحمل أبناؤها السلاح.


نعم أيها الأخوة والأخوات، أن أمتنا وجدت نفسها عندما تصدت للعدوان الثلاثي على مصر ووقفت مع الثورة الجزائرية، كما وجدت نفسها في انطلاقة الثورة الفلسطينية، وإطلاق مسيرة الكفاح الشعبي المسلح، وفي حرب تشرين، وفي الاحتضان الشعبي للفعل المقاوم ضد الاحتلال والعدوان، وفي انتصار العراق على البوابة الشرقية ضد عدوانية النظام الإيراني عام 1988، كما في انتصار المقاومة الوطنية في العراق على المحتل الأميركي وإجباره على الانسحاب، وكما في دحر العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006، وصمود أهلنا في غزة عام 2009 في مواجهة الإبادة الصهيونية.


إن الأمة التي وجدت نفسها في خضَّم المنازلات الكبرى، تجد نفسها في انتفاضة الأرض المحتلة، وفي الحراك الشعبي العربي، الذي نريده أن يكون حراكاً لتحقيق الديموقراطية وعلى قاعدة سلميته ووطنيته، وعدم ارتهانه لقوى التدخل الأجنبي، نريده أن يكون حراكاً عربياً شكلاً ومضموناً، يحافظ على وحدة كل قطر ولا ينجر إلى الصراعات الطائفية والمذهبية، وأن يكون حراكاً قومياً في أهدافه، وأن تكون قضية فلسطين هي الحاضر الدائم، كما كانت حاضرة في قول القائد الشهيد صدام حسين، شهيد العراق والأمة عندما قرن التحية لفلسطين بالنطق بالشهادتين.
 

اخواني واخواتي
لا يخفى على أحد، كم هي شديدة، معاناة أهلنا في فلسطين، وهم الذين قاسوا الأمرّين من جور الاحتلال وظلمه، ومن ظلم ذوي القربى، وهذا كله لم يكن إلا نتيجة للحدث المدوّي الذي نسمّيه نكبة وعدم تعامل البعض مع القضية الفلسطينية، سوى أنها مكاسب سياسية، أو صراع سياسي على مواقع سلطوية.


إن قضية فلسطين هي قضية وجود، والصراع مع المشروع الصهيوني وكل من يتحالف ويتقاطع معه، ليس صراعاً على حدود لأن حدود فلسطين بالنسبة إلينا، بما هي قضية قومية ونضالية هي حدود الوطن العربي، وعليه يجب أن تتوحد الجهود والإمكانات لأجل إنهاء الاستلاب الاستعماري –الصهيوني لفلسطين، وعندها يمكن القول أننا أسقطنا النتائج السياسية لمفاعيل النكبة.


هذه النكبة الوطنية بالتموضع الجغرافي، والقومية بالأهداف السياسية، لا نريد لها أن تتشطى كالقنبلة العنقودية لتنعكس نكبات متفرعة في فلسطين وسائر أقطار الوطن العربي.


أننا لا نريد أن تتحول نكبة الاغتصاب، إلى نكبة في الأداء السياسي الفلسطيني وإلى نكبة في الأداء السياسي العربي، وعليه، نقول بأن مواجهة هذه النكبة الكبرى بكل تداعياتها، هو صد المحاولات لضخها إلى معطى الواقع الفلسطيني والعربي، وحتى لا نصبح نعاني نكبة في الداخل الفلسطيني على المستوى السياسي، كما في المستوى التنظيمي، ونكبة في الترويج للتطبيع مع العدو الصهيوني واعتبار الاحتلال والتعامل معه، أمراً واقعاً ومجرد وجهة نظر.


إننا في هذه الذكرى، نتوجه إليكم، ومعكم نتوجه سوياً، إلى قوى الثورة الفلسطينية، أن تجاوزوا الانقسامات السياسية الفئوية، وارتقوا جميعاً إلى مستوى تحقيق أهداف جماهير فلسطين التي ما بخلت يوماً بالتضحيات وهي على استعداد لتقديم المزيد، لا لتسقط الجدار العازل وتدمره وحسب، بل لتدمر أيضاً الجدار النفسي والسياسي العازل بين قوى الثورة الفلسطينية.


إن الأمانة لروح الشهداء وإدراك حجم المعاناة التي يعيشها الأسرى، يجب أن تكون حافزاً لإسقاط وتجاوز الكثير من الخلافات للتوحد على قواعد الوحدة الوطنية الفلسطينية المفتوحة على رحاب الاحتضان القومي.


أخواتي وأخواني

لتكن هذه المناسبة، مناسبة نجدد العهد وإياكم على إكمال المسيرة لتحرير فلسطين، وأمتنا قادرة على ذلك، ومن يدحر الاحتلال الأميركي في العراق، ويصمد في غزة، ويقاوم في لبنان، ويستمر في نهجه الكفاحي المتجدد دائماً بزخم الانتفاضة وروحها، قادر على إثبات وجوده وحماية حقوقه، وفي الطليعة منها حقه بالعودة إلى أرضه بعد تحريرها من الاحتلال وإسقاط كل إفرازاته السياسية والاجتماعية.


تحية لكم
تحية لفلسطين، شعباً وثورة
تحية للشهداء قادة ومناضلين
تحية للأسرى والمعتقلين
تحية للمناضلين في كل أرض عربية
عشتم وعاشت فلسطين حرة عربية


والسلام عليكم


د. عبد المجيد الرافعي
نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي
رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي
في ٢٠ / ٠٥ / ٢٠١٢

 

 





الثلاثاء٠١ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة