شبكة ذي قار
عـاجـل










خلاف على المناصب واتفاق على خدمة المحتل، هذا هو عنوان الصراع الدائر بين متزعمي الطوائف والمليشيات المسلحة داخل الحكومة البرلمان. واي تصور اخر فانه يجانب الحقائق والوقائع. فالمناصب في عهد الاحتلال الامريكي اصبحت تجارة رابحة ومضمونة، ويصل مردودها الى مئات الملايين من الدولارات، واحيانا الى عدد من المليارات، مقابل تقديم الخدمات للمحتل لتكريس احتلاله للعراق الى امد غير منظور. ومن هذه الخدمات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الموافقة على عقد الاتفاقيات المذلة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والامنية، وقد نجد نموذجا عنها في الاتفاقية المشؤومة، التي وقعها رئيس الحكومة نوري المالكي مع رئيس امريكا جورج بوش في نهاية ولايته الثانية عام 2008، والتي جعلت من العراق ولاية امريكية بامتياز.


بصرف النظر عن النتائج التي سينتهي اليه هذا الصراع، فان ما تميز به، هذه المرة وبوضوح اكثر من اي وقت مضى، ذلك الانحدار السياسي والاخلاقي الذي وصلت اليه الاطراف المتصارعة، فبالاضافة الى تبادل الاتهامات والشتائم المبتذلة، جرى استغلال الدم العراقي، كوسيلة لاثارة عواطف الناس لكسب تاييدهم لصالح هذه الجهة او تلك. فنوري المالكي قد شق الجيوب ولطم الخدود على الضحايا الابرياء والقى بحملها على شريكه في "العملية السياسية" طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، ووعد بالقصاص منه دون رحمة، في حين فسح له المجال للهروب الى شمال العراق واكتفي باعتقال حمايته، تحسبا من قيام الاخير بفضح جرائمه اذا ما جرى تقديمه الى المحاكم المختصة. لتنتقل عدوى الاتهامات الى الاخرين، حيث مسعود البرزاني وصف المالكي بالدكتاتور والكذاب والطائفي وخائن العهود، ردا على اتهام الاخير له بانه آوى الهاشمي ورفض تسليمه "للعدالة"، وانه سرق عائدات نفط كركوك، وانه يسعى الى الانفصال عن العراق والعمل على تقسيمه، ومن الطريف ان كلاهما وقع على الدستور الذي قسم العراق الى دويلات على عدد محافظاته وفق المادة 118 منه. وهكذا الامر فيما يخص اياد علاوي ومقتدى الصدر واسامة النجيفي.


هذا الصراع وبهذه المستوى المتدني، قدم خدمة كبيرة ومجانية للمقاومة العراقية، فما حدث قد كشف، وعلى الهواء مباشرة، بان اطراف الصراع في الحكومة والبرلمان، هم من ارتكب الجرائم بحق المدنيين الابرياء وليست المقاومة العراقية كما روج الاعلام الامريكي واجهزته العملاقة طيلة سنين الاحتلال، بل وصل بهم الحال لان يفضح كل منهم الاخر بالادلة والارقام ونوع الجرائم ومكان حدوثها والجهات الخارجية التي تعاونت مع هذا الطرف او ذاك للقيام بهذه الجرائم البشعة، فهذا يؤشر على ايران وذاك على السعودية وثالث على تركيا ورابع على الموساد الاسرائيلي وهلم جرا. وبذلك تكون هذه الاعترافات قد برأت ساحة المقاومة من تلك الجرائم، ونفت عنها تهمة الارهاب التي عانت منها طويلا وحرمتها من نيل الاعتراف بها من قبل دول العالم، باعتبارها مقاومة مشروعة ضد الاحتلال، كما نصت عليه مواثيق وقرارات الامم المتحدة، التي تجيز للشعوب مقاومة المحتل بكل الوسائل المتاحة بما فيها الكفاح المسلح. بل اصبح من الصعوبة بمكان الاستمرار في تشويه سمعة المقاومة، من الان فصاعدا، بعد ان تبينت الحقيقة ساطعة كما الشمس التي لا ييغطيها الغربال. .


بالمقابل وعلى الجهة الاخرى، فقد كشف هذا الصراع، حقيقة الادعاءات الزائفة التي صورت العملية السياسية والدستور والديمقراطية والانتخابات على انها دعائم العراق الجديد، الذي سيصبح منارة تهتدي اليها شعوب المنطقة.!!، حيث اثبتت مجريات الصراع بان كل هذه الادعاءات ليست سوى اكاذيب جرى تسويقها بين الناس في غفلة من الزمن. فشهود اهل البيت قد اعترفوا بفشل العملية السياسية، فمنهم من وصفها بالهزيلة واخر وصفها بالعرجاء وثالث قال عنها بانها ولدت ميتة، اما الدستور فقد وصفه احدهم بالملغوم والاخر بالمشوه والثالث بالمتناقض الخ، بل ان بعضهم اعترف بان الامريكان هم من كتبوه، وانهم وقعوا عليه بعد اضافة مواد ضمنت مصالح هذه الجهة او تلك. وعن الديمقراطية، التي صدعوا رؤوسنا بها، فقد كذبها عتاولة العملية السياسية امثال مسعود البرزاني واياد علاوي ومقتدى الصدر، حيث اجمعوا على ان النظام في العراق ليس نظاما ديمقراطيا، وانما نظام دكتاتوري يقوده المالكي بوسائل اكثر دموية من جميع الانظمة الدكتاتورية التي شهدها العراق. اما الانتخابات "الحرة والنزيهة" فقد تبين انها مزورة وان المناصب وزعت باتفاق فيما بين المالكي ومسعود قبل تشكيل الحكومة، وفق اتفاقية جرى التوقيع عليها في محافظة اربيل والتي نشرها البرزاني قبل عدة ايام، لاثبات تنصل المالكي من تنفيذ بنودها، وهي في مجملها فضيحة مدوية للنظام الديمقراطي المزعوم.


لكن الاهم من كل ذلك في حصة المقاومة من هذا الصراع، استعادة المقاومة مكانتها، اكثر من اي وقت مضى، بين عموم العراقيين، جراء انسياق شرائح منهم وراء الوعود والعهود والاحلام الوردية، حيث توصلوا الى قناعة اكيدة، كما عبروا عنها في وسائل الاعلام المختلفة، بان هؤلاء الحكام ليسوا سوى مجموعة من الكذابين ورؤساء عصابات ومليشيات مسلحة، لا هم لهم سوى الاستحواذ على السلطة والتمسك بها وسرقة اكبر قدر من المال العام وتخريب البلاد وتمزيق وحدته الوطنية وتقسيم العراق الى دويلات هزيلة. بل ان مطبلي الحكومة، الذين يعتاشون على فتات موائدها، لم يعد بامكانهم الدفاع عنها او الدفاع عن رموزها وتسويق اي منهم كرجال وطنيين حريصين على العراق واهله مهما استخدموا من وسائل الدجل والتزييف اوشراء الذمم او الترهيب.


لا نعني هنا بان المقاومة العراقية، بعد ان منحها القدر مثل هذه الفرصة الثمينة، اصبح بامكانها الانقضاض على العملية السياسية والتفرغ لهزيمة ما تبقى من قوات الاحتلال، فالمحتل لن يقف مكتوف الايدي امام التدهور الذي جري لعمليته السياسية، والفضائح التي تلبس بها اقطابها، فهذه العملية هي السلاح الذي تعتمد عليه امريكا في المرحلة الراهنة للوقوف بوجه المقاومة العراقية من جهة، وتضليل الناس وخداعهم بالجنة الموعودة لتجنب حدوث انتفاضات شعبية واسعة من جهة اخرى، وبالتالي سيعمل المحتل بكل الوسائل والسبل على ترميمها واحياءها وتحصينها، سواء بالتي هي احسن كما يقال، او باستخدام العصا الغليضة لاجبار تلاميذه المتصارعين على الصلح، وهذا ما عبر عنه التصريح الذي ادلى به السفير الأميركي في بغداد جيمس جيفري يوم اول امس الاحد، والذي ينطوي على تهديد واضح لعتاولة العملية السياسية حين قال ، "أن الديمقراطية نجحت في العراق، وان ذلك النجاح كلف بلاده الكثير". ليس هذا فحسب، وانما سيجبر المحتل الحكومة وبرلمانها على تحقيق بعض احتياجات العراقيين الضرورية لتخفيف معاناتهم، بهدف تشجيعهم على الالتفاف حولها، على امل عزل المقاومة العراقية عن محيطها الشعبي الذي يعد لحمتها وسداها.


اذا نجح المحتل في مسعاه، وهذا محتمل جدا، من خلال توحيد سكان المنطقة الخضراء ونبذ خلافاتهم والاكتفاء بما سرقوه من المال العام، فان جبهة المحتل السياسة تكون قد توحدت والى امد طويل، وبالتالي فان الرد المناسب على ذلك ينبغي على الاقل ان يكون مماثلا او شبيها به، ونقصد بذلك، رغم التكرار الممل، توحيد معسكر المقاومة العراقية عسكريا وسياسيا واعلاميا. ولا نمل ايضا من التاكيد على الاسراع في تحقيق هذا الهدف النبيل، كونه الطريق الاوحد لتحرير العراق، خاصة وان بعض القوى الهشة في معسكر المقاومة وبعض القوى الانتهازية والوصولية التي تلبس عباءة المقاومة، ستستغل هذا التشتت لتبرير انتقالها للعملية السياسية، وليست مصادفة عابرة ان يجري الترويج هذه الايام لمقولات من قبيل، لقد ادت المقاومة المسلحة واجبها وانتهى دورها بعد "الانسحاب الامريكي" وجاء دور العمل السياسي، ولا ينسى احدهم ان يكافئ المقاومة بعد "انتهاء" واجبها بالسماح لها بالاحتفاظ بسلاحها، ولا ندري ما المقصود بذلك، هل هو من اجل الذكريات، ام ليبقى السلاح جاهزا اذا ما فشل هؤلاء في تحقيق المكاسب الفئوية الضيقة؟.


وفق مقولة الوقائع دائما عنيدة، فان الاحتلال الامريكي لم ينته بعد، وانما غير من خططه واستراتيجيته والية عمله، فبالاضافة الى القوات العسكرية المتبقية في العراق، والعديد من القواعد العسكرية العملاقة، وال 20 الف جندي في السفارة الامريكية، هناك جيش الاحتياط المنضوي تحت خيمة الشركات الامنية، والذي يتجاوز عدد منتسبيه عشرات الالوف من المرتزقة المحترفين في حرب المدن، الذين يفوق تدريبهم وكفاءتهم، في هذا المجال، تدريب وكفاءة قوات المارينز الامريكي. وهذا يعني بان حرب تحرير العراق لا تزال تدخل في خانة الحروب الطويلة الامد، وان الفوز بها لن يتحقق الا من خلال المقاومة المسلحة. هنا لا نتجاهل الخيارات والوسائل الاخرى، سواء كانت سياسية او اجتماعية او ثقافية او اعلامية او فنية،على ان يصب ذلك في خدمة السلاح وليس العكس. وبهذه المناسبة، ولحين تحقيق وحدة فصائل المقاومة، ندعو قادة هذه الفصائل الى تشكيل جناح سياسي للمقاومة يمثل كل فصائلها، عبر ممثلين عنها ممن كشفوا عن اسمائهم وهوياتهم واصبحوا معروفين من قبل المحتل الامريكي وعملائه، الامر الذي يمكن المقاومة المسلحة من تحقيق العديد من المهمات، ومنها التعبير عن هوية المقاومة واهدافها النبيلة وتعبئة الناس باتجاه دعمها ومساندتها، وزج العراقيين في المعارك الوطنية ضد المحتل واعوانه، ومنها ايضا ايجاد منافذ لخرق الحصار السياسي والاعلامي المفروض على المقاومة عربيا واقليميا وعالميا، ومنها كذلك، اقامة افضل العلاقات بين المقاومة وبين حركات التحرر في العالم لكسب التاييد والدعم والاسناد. لكن الاهم من ذلك كله، فان تشكيل الجناح السياسي للمقاومة يعد الاداة الفعالة لاقامة الجبهة الوطنية العريضة المناهضة للاحتلال، ويسهل مهمة توحيد فصائل المقاومة العراقية وتشكيل قيادة مشتركة عسكرية وسياسية.


شعب العراق وشعوب العالم تتطلع الى المقاومة العراقية، فانتصارها يعد انتصار لكل شعوب الارض، وهزيمتها تجعل من امريكا القوة الاعظم والقادرة على التحكم بمصير ومقدرات شعوب الارض قاطبة.

 

 





الاربعاء٠٩ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة