شبكة ذي قار
عـاجـل










تحدث الكتاب والباحثون والسياسيون عن القوة. وظهرت نظريات واقعية تتحدث عن القوة في المجالين العسكري والسياسي.وقد سبق لصاحب النظرية الواقعية (مورجنتاو) أن وصف السياسة بأنها " صراع على القوة". وعندما يذكر مصطلح القوة يتبادر إلى الذهن انه يعني القوة العسكرية. وهذا صحيح في كثير من الأحوال لان أساس النظرية تعني القوة العسكرية, وقليل من الباحثين ميزوا بين القوة والقدرة, بل وحصل خلط واضح بين مصطلحي القوة والقدرة, وحل احدهما محل الأخر في مواقع كثيرة في رسم الخطط والاستراتيجيات.


ماذا يعني مصطلح القوة ؟

عرف (لسان العرب) القوة بأنها " الخصلة الواحدة من الحبل". وقيل هي "الطاقة الواحدة من طاقات الحبل أو الوتر". وعليه فالقوة تعني " مجموعة عوامل القوة العضلية والقوة الذهنية, والقوة العسكرية والقوة الاقتصادية".


وتعني القوة في الإسلام: قوة الحق, وقوة الإرادة والمعنويات, وقوة النفس والسيطرة على نوازعها.


وماذا يعني مصطلح القدرة ؟


عرف (لسان العرب) القدرة من لفظ القدير والقادر, وهي من صفات الله تعالى لقوله (إن الله على كل شيء قدير)." المائدة 17". وقوله تعالى (تبارك الذي بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير) "تبارك1".

ونعرف المصطلحين بما يأتي:


القوة : مجموعة الوسائل والطاقات والإمكانات المادية وغير المادية, المنظورة وغير المنظورة, التي بحوزة الدولة, يستخدمها صانع القرار في فعل مؤثر, يحقق مصالح الدولة, ويؤثر في سلوك الآخرين.


القدرة : هي محصلة استثمار عوامل القوى المادية والمعنوية من صانع القرار,الذي يملك إرادة قوية, وعقلا راجحا, وفكرا نيرا وإيمانا راسخا بالمبادئ التي يسعى إلى تحقيقها وتحويلها إلى فعل مؤثر يمكن من خلاله تحقيق مصالح الأمة وحسم الصراع مع الطرف المقابل لصالحها.


التداخل بين المصطلحين:
مما تقدم يتضح التداخل بين المصطلحين, ولكن البعض ميز بينهما فيما خلط بعض أخر بينهما. وعليه فالقوة تعرف بدلالة القدرة على الإتيان بأفعال مؤثرة. فقوة الدولة لا تظهر إلا من خلال قدرتها بالتأثير في غيرها من الدول. وقدرة الدولة تكمن في فرض إرادتها على دول أخريات اقل منها قدرة أو موازية لها.


ونشهد عبر مراحل التاريخ بروز دول تفرض إرادتها على الآخرين من خلال قوتها المتكاملة ( البشرية والعسكرية والاقتصادية وموقعها الاسترايجي بين القارات ) . فالقوة في نظر أصحاب النظرية الواقعية تعني الإكراه, أي إكراه الآخرين على فعل شيء لا يريدونه, أو فعل شيء يضر بمصالح بلادهم الوطنية.ولكن لا بد من التمييز بين قوة الدولة بكل عواملها. وبين قدرتها على وضع هذه العوامل موضع التطبيق العملي والفعلي في ظروف معينة لتحقيق أهداف محددة.


وقد خلط البعض بين القوة والقدرة. مثل أصحاب المدرسة الانجليزية الذين يرون أن القدرة هي القوة التي تتاح لحكومة ما, كي تستخدمها في سياستها الخارجية, أو لتأمين ما تريده لدى غيرها من الحكومات. فالقوة في رأي أصحاب هذه المدرسة لا تعدو أكثر من مجموعة العوامل المشكلة لقدرة الدولة.


وإذا كان قياس القوة المادية صعبا, فان قياس القوة المعنوية أكثر صعوبة, وهنا تكمن أهمية القدرة في توظيف عوامل القوة المادية والمعنوية في صالح الأمة والشعب وصالح القضايا الوطنية والقومية.
وتتباين عناصر القوة المعنوية من شعب إلى آخر تبعا لعدد من العوامل, أبرزها التماسك الاجتماعي, والوحدة الوطنية, والتاريخ والتراث الذي يجمع بين أبناء الشعب اضافة الى شيوع العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين .


واستنهاض عوامل القوة المعنوية يقع على عاتق مؤسسات الدولة وقوى المجتمع المدني والأحزاب. وعندما تجتمع مقومات القوة المعنوية لدى شعب صغير فانه يصبح نموذجا في التحدي والإبداع والخلق, وخلق مستقبل واعد للأجيال المقبلة. فالإرادة التي يتمتع بها صانع القرار, أي القائد, هي التي تمكنه من استحضار مقومات القوة المادية في اللحظة المناسبة وتحويلها إلى قدرة مؤثرة في أبناء الشعب وفي الآخرين, وعندما تغيب الإرادة تضيع معها كل ممكنات القوى المادية والمعنوية.


تحقيق الموازنة بين القوة والقدرة
عندما تجتمع عوامل القوة والقدرة فأن الفعل (السلوك) سيكون أكثر تأثيرا في الطرف المقابل ولكن عندما لا تتحقق الموازنة بينهما فان الفعل يكون اقل تأثيرا.
إن الذي يحقق التوازن في استخدام القوة والقدرة هو صانع القرار أي القائد الذي يملك إرادة حرة مستقلة, يتسم بكل سمات القيادة التاريخية المرتكزة إلى تاريخ مجيد وتراث عريق, مثل هذا القائد لا يرضخ لأحداث الواقع بل يتعامل معها بإرادة المؤمنين بالله والمبادئ, ويسخر كل ممكنات البلاد ومقومات القوة المادية والمعنوية لتحقيق مصلحة الشعب والأمة .


فالأساس في هذا المنهج المتوازن هو أن ينطلق القادة المخططون والمنفذون من إمكانية تحويل الخصائص السلبية إلى خصائص ايجابية لصالح الهدف والنتيجة. فالقادة الميدانيون هم الذين يستوعبون إمكانياتهم الواقعية وهي عوامل القوة المادية التي يملكونها مهما كانت بسيطة, ويستخدمونها استخداما عقلانيا من غير أن يعطل أي منها المجال الذي تستخدم فيه الإمكانات الأخرى أو يضعف تأثيرها.


إن التعمق في هذه الفكرة يفيد أن النجاح يكمن في اقتران القدرة بالإرادة الواعية الحرة وقرنها بالحصانة المبدئية العقلانية والإيمان والهداية . فالاهتداء إلى كل هذه المعاني يطرد حالة الضعف من النفوس , أما الجهل بها فيقود إلى الجهل بوجود القدرة استحضارا وتنمية وفعلا. فمفهوم القدرة له صلة بالإيمان, وكيفية استخدام العقل والذكاء والبصيرة, إضافة إلى توظيف عوامل القوة في مواجهة القوى الغاشمة العمياء. فالعقل والإرادة والإيمان هي رصيد القائد, ومن يتحلى بهذه السمات يصبح قادرا على الفعل المؤثر والتأثير في الأخر.


أين العرب من الفعل المؤثر؟
إذا كان الباحثون قد حددوا مصادر القوة بعوامل الجغرافية والسكان والموارد الطبيعية والمقدرة الصناعية, والخصائص القومية والمعنويات. فأن هذه العوامل جميعها موجودة في وطننا العربي. ومع ذلك فان هذا الوطن يوصف بالضعف في شتى المجالات ورغم غناه في الموارد المعدنية ومنها النفط والأرض والمياه فان حوالي 70 مليون فرد يعيشون تحت خط الفقر, إضافة إلى أرقام البطالة المخيفة.


الوطن العربي يقع في قلب العالم القديم ( قارات اسيا وافريقيا واوروبا ), وله موقع جيوبولتيكي استراتيجي متميز في قلب العالم, ويملك من الموارد المادية مايكفي لثلاثة أضعاف سكانه الحاليين الذين يتجاوز عددهم 370 مليون فرد. وفيه طاقات بشرية فنية وعلمية وتقنية متميزة. أي إن العرب يملكون الممكنات المادية أي القوة المادية. كما أنهم يملكون ممكنات القوى المعنوية, أي أن غالبيتهم يدينون بالاسلام الذي يدعو الى الجهاد وقد وعد الله المجاهدين بادخالهم الجنة , كما ينتمون إلى قومية عربية وقوميات اخرى متعايشة معها , ولديهم تاريخ مشترك , وهموم مشتركة ,و ثقافة قومية عريقة متسامحة يؤمن بها أفراد الأمة بكل أديانهم وطوائفهم وأحزابهم ومنظمات مجتمعهم المدني. ومع ذلك فما الذي جعلهم ضعفاء وصاروا تحت هيمنة القوى الخارجية ؟.


لقد شخصت الدراسات والبحوث علة العرب في فقدان الإرادة الحرة القادرة على تحويل ممكنات القوة المادية والمعنوية إلى قدرة مؤثرة في الآخرين, وقدرة تمكن الأمة من مجابهة التحديات الخارجية والداخلية.العلة اذن تكمن في القيادات التي غلبت مصالحها على مصالح الشعب , وتمسكت بكراي الحكم وارخت حبالها لاعوانها لكي ينهبوا ثروات الشعب , وعليه فمن حق ابناء الشعب ان يثوروا على حكامهم الفاسدين , ويستثمروا ممكناتهم المادية والروحية لتحرير الارض والارادة , وبناء المستقبل الذي ينشده كل مواطن لنفسه .

 

 





الخميس ٢٨ رمضــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أب / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د . حسن طوالبة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة