شبكة ذي قار
عـاجـل










رغم كل ما يقال من قبل الذين رهنوا أنفسهم بإرادة الأجنبي، فأن صدام حسين استطاع توحيد الشعب العراقي، وتلاشت في عهده النزعات القطرية أو الدينية أو الطائفية.


ليس غريبا ما نسمعه من أركان "الحكم الجديد" في بغداد الذين يقبعون في مكاتبهم في "المنطقة الخضراء" تحت الحماية الأمريكية، فهؤلاء الذين كانت ترتعد فرائصهم من اسم صدام حسين في حياته، فأن شبح صدام حسين يطاردهم بعد استشهاده، وأخذوا يطلقون التصريحات الحانقة على العرب الذين أقاموا دواوين العزاء في مدنهم وقراهم، ونحروا الذبائح أضاحي، وتبادلوا التعازي فيما بينهم وأقاموا صلاة الغائب على نفسه الطاهرة، وفسروا هذا الحشد الجماهيري في مدن وعواصم البلدان العربية، بأنه "عائق أمام الديمقراطية الجديدة" في العراق، ديمقراطية الدم، وديمقراطية "فرق الموت" والقتل على الهوية، حتى تجاوز عدد ضحايا ديمقراطية بوش الوف القتلى ومئات الوف المعتقلين والمهجرين ..


إن الجماهير العربية التي حزنت على صدام حسين، قد عبرت عن مشاعر الغضب للمشاهد التي التقطتها أجهزة الهاتف التي يحملها الطائفيون الصفويون، الذين امتلأت قلوبهم حقدا طائفيا صفويا على العرب وتاريخهم وتراثهم. فهؤلاء الذين هتفوا للصدر، هم الذين رضعوا حليب الفرس، وضاعت أنسابهم، عندما اتبعوا دين خميني الذي أجاز "قتل المسلم للمسلم" والذي نصب نفسه "نائب الإمام الغائب" الذي لا يظهر إلا فوق بحيرة من الدم، كما هو حال المسيح المنتظر لا يظهر إلا بعد معركة "الهرمجدون"!.


وإضافة إلى مشاعر الغضب على "قرار الإعدام" الظالم الذي صدر من محاكم سياسية دافعها الحقد على العربي الأصيل، وتنفيذا لإرادة "المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة، والصهاينة في الكيان الصهيوني , والصفويين وزعامتهم ملالي ايران . ، فكل هذه الأطراف لها قصة مع الشهيد صدام حسين، وتختزن في ذاتها حقدا على الرجل وعلى شعبه وعلى جيشه الذي وقف بوجه أطماعهم التوسعية وتوجهاتهم العدوانية.


لقد وصفوا الرجل بـ"الطاغية" بدعوى أنه "مسؤول عن قتل 148 فردا من أهالي الدجيل"، وهؤلاء هم من تنظيمات "حزب الدعوة" الموالي لإيران، و"نفذ عشرات الجرائم بحق العراقيين خلال عقدي السبعينات والثمانينات"! ونسي الطغاة الجدد جرائمهم التي فاقت حدود التصور، والذين حزنوا على صدام حسين قد عرفوه عن قرب، عرفوه قائدا ومفكرا وإنساناً.


نعم لقد عرفنا صدام حسين رجلاً يتقدم الرجال في أشد المواقف وأصعبها، وراية تخفق فوق كل الرايات، وسيفا يتقدم السيوف، عرفناه أخاً نصوحا لإخوانه العرب، محبا لشعبه وأبناء أمته العربية، عاشقا لتاريخها وتراثها، مخلصا لرموزها الذين صنعوا مجد العرب في الماضي. عرفناه صادقاً مع نفسه ومع الآخرين، يقول كلمة الحق ولو كانت على حد السيف، عادلاً في حكمه، صارماً في تنفيذ مبادئه في الواجبات أو الحقوق.


معظم الذين حزنوا عليه، عرفوه عن قرب، وأنا واحد منهم، استمعت إلى كلامه السهل الواضح المقاصد، وأسلوبه المقنع في الحديث، وعرفناه كريماً، تميز بضيافته السخية، ووجهه الصارم وقت تنفيذ الواجبات، والبشوش عند التقائه أبناء شعبه، يمتلك رجاحة العقل، ودقة المنطق، وسلامة الأسلوب، بحيث تجعله تلك المميزات قادراً على سوق الحجج أمام المقابل بصورة منطقية مقنعة، فلا تعوزه المفردات والكلمات، سواء من الأقوال المأثورة، أو من آيات القرآن الكريم، أو السنة الشريفة، وكانت المفردات والأمثلة تدعم أفكاره التي يريد إيصالها إلى الآخر.


تكلم أبو الشهداء في شتى المناسبات، وفي مختلف الموضوعات، فقال آراء محددة في السياسة والاقتصاد والتربية الوطنية والقومية، أعطى مواقف واضحة محددة من قضايا الحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية، فقال في المرأة والطفولة والشباب، وخاطب كل الفئات الاجتماعية، فكان معلماً ومرشداً لكل الأجيال، على أمل أن يبني مجتمعاً موحداً بعيداً عن العصبيات القومية والدينية والطائفية.


لقد أحب صدام حسين أبناء شعبه من الأديان والقوميات والطوائف، ومنحهم كامل الحقوق الثقافية والاجتماعية والدينية، فكان حريصاً على مشاركة المسيحيين في أعيادهم، وعلى مشاركة الأكراد أفراحهم، حتى أنه تعلم اللغة الكردية ليتكلم معهم، ويجاملهم، وزار ألوف البيوت من دون تمييز بين دين أو طائفة. وفي الوقت نفسه كان صارماً حاداً على الذين باعوا أنفسهم للأجنبي سواء في الإقليم أو في العالم، وخانوا العهد، والوطن وترابه الطاهر. وفي هذا الإطار كان لا يخجل أن يعتبر نفسه خادماً للشعب، وهذا الاعتراف ليس من باب التواضع فحسب، بل من باب الثقة بالنفس، وإيمانه بأن الإنسان "قيمة عليا في المجتمع".


المراقب لحركة صدام حسين أثناء مدة حكمه من خلال وسائل الإعلام، يمكن حصر مئات الأمثلة التي تكشف عن الوجه الإنساني لهذا الرجل المظلوم، وأكدت العديد من الوقائع بأن الرجل كان يملك قلباً كبيراً وعاطفة جياشة، بحيث كانت دموعه تنهمر لمشهد إنساني من امرأة أو شيخ طاعن في السن، أو طفل يتيم.


ورغم مشاغل الرجل وهو في سدة الحكم وفي قيادة الحزب، وفي إدارة العمليات العسكرية وقت المواجهة مع الأعداء، فأنه كان يجد الوقت ليمنح الآخرين من أبناء شعبه الحب والحنان واللمسة الإنسانية، التي تداوي آلام الناس. فكان يستقبل عشرات منهم كل يوم وكانت تلك المقابلات تستمر حتى تحين صلاة الفجر، وكان يرد على مكالمات المواطنين عبر خط معروف. ويزور المواطنين في بيوتهم ويسأل عن أحوالهم المعاشية، ويفتح بيديه ثلاجاتهم ليعرف مستوى معيشتهم، ويأكل من طعامهم.


وبمقدار ما أحب شعبه وقدم له كل مقومات الأمان والعيش الحر الكريم، فأنه حرص على أن يكون كل مواطن هو ابن العراق حقا، وابن العراق المطلوب من وجهة نظره، هو الإنسان الذي يعبر عن حبه لبلده بالعمل الجاد والتضحية، دفاعا عنه، فهذا الإنسان يستحق لقب المواطنة، أما الذين باعوا أنفسهم للأجنبي وتآمروا معه ضد بلدهم، فهم خارج حالة المواطنة الحقة.


ورغم ما يقال من قبل الحاقدين الذين رهنوا أنفسهم بإرادة الأجنبي، فأن صدام حسين وحد شعب العراق، فلم تبرز النزعات القطرية أو الدينية أو الطائفية، بل شهد العراق في عهده وحدة وطنية، مكنت العراق من الانتصار العسكري على إيران في حرب استمرت ثماني سنوات. وشكل شعب العراق بشيعته وسنته الاحتياط للجيش العراقي، الذي لقي من قائده العام كل الرعاية والاهتمام، فأصبح الجيش العراقي متكاملا في العدد والتدريب والبناء الفني، ترفده منظومة متميزة في قطاع التصنيع العسكري.


ورغم أن الرجل لم يدخل المؤسسات العسكرية، إلا أنه أجهد نفسه في الاطلاع على المدارس العسكرية في الشرق والغرب، وأعطى أولوية للاستراتيجية العربية الإسلامية زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقاد عشرات المعارك من الموقع المتقدم في جبهات المواجهة مع الأعداء، يمنح الضباط والجنود معنويات عالية، ويرسم الخطط التكتيكية أثناء سير المعارك.


من عرف صدام حسين، لمس أنه رضع الخصال العربية الخالدة، والقيم العظيمة، وكان للصحراء اثر في تكوين شخصيته، فاتسم بعزة النفس، والكرم والشجاعة والتضحية، والإخلاص للمبادئ، فلم يعرف الخوف أو التردد، وقد رفد تلك الصفات - مع مرور الزمن من عمره - بالعقلانية والتحسب، والصبر المنظم. لقد تعلم الصبر منذ صغره، فهو الذي تحمل مشاق الطريق من قريته ( العوجه ) إلى مدرسة تكريت، وتعلم الصبر في شبابه وفي مدة حكمه.


لكل مواطن التقى صدام حسين قصة إنسانية لم تمحها الأيام، والذين شاركوا في بيوت العزاء وساروا في المظاهرات لهم ذكريات خاصة مع الرجل الشهيد، ولسان حالهم يقول: الرحمة من الله العلي القدير، والصبر والسلوان لمن بقي من أسرته الصغيرة، ومسيرة الرجال لا يمكن أن ينال منها الصغار، فالصغار صغار ولو جلسوا فوق كراسي الحكم، والعظماء يظلون عظماء في حياتهم وبعد مماتهم، وصدام حسين شهيد عظيم ومثال للفروسية العربية.

 

 





الاحد ١٦ صفر ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / كانون الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. حسن طوالبة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة