شبكة ذي قار
عـاجـل










بمناسبة  مرور أربعين يوماً على رحيل المحامي خالد العلي، أحد الرموز الوطنية والقومية في لبنان والوطن العربي، أقام حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي حفل تأبين في مركز الرابطة الثقافية بطرابلس حضره ممثلون لمختلف أطياف المجتمع المدني في طرابلس والشمال، من سياسيين وقيادات حزبية وقضاة والنقابات الحرة وأساتذة جامعيين وفعاليات وشخصيات، وقد ابتدأ الحفل بالوقوف للنشيد الوطني اللبناني، فدقيقة صمت لروح الفقيد الراحل، فكلمة الدكتور منذر معاليقي، الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية، الذي تكلم عن خالد العلي، المناضل المقتحم للصعاب دون أن يهاب المنزلقات والمهالك، فكان الأستاذ الناشط الذي تربى وربى أجيالاً على الرسالة الخالدة وظل وفياً لمبادئها دون يأس أو قنوط حتى الرمق الأخير.

 

نقيب المحامين : عرفناك صادقاً مثالاً لحملة المبادئ

ثم أعطي الكلام لنقيب المحامين في الشمال الأستاذ ميشال الخوري الذي خاطب روح الفقيد الراحل قائلاً: عرفتك من سجلك الذهبي في النقابة، ومن مُحبيِّك وزملائك وفياً صادقاً أميناً على موكليك كنفسك، ومن زملائنا الذين رافقتهم إلى مؤتمر المحامين العرب في بغداد عام 1974 فكنت حاضراً في ذاكره كل زميل مثالاً للرجولة والإقدام والدفاع عن المبادئ التي ناضلت من أجلها وأنت الذي لم يعرف ضميرك الشك ولم تضمر لسواك إلا الخير، حملت هموم الأمة والوطن فلم يسعك الوطن، أما ذكراك فستبقى خالدة، خلود أرز لبنان ونهري دجلة والفرات، أنت الذي رحلت ولكن مبادؤك ما زالت باقية.

 

الرابطة الثقافية : كان رمزاً لأجيال التزمت قيم الأمة

وتكلم باسم الرابطة الثقافية في طرابلس رئيسها المهندس أمين عويضة الذي اعتبر، اننا في هذه الأمسية الحزينة نفتقد رمزاً كبيراً لطموحاتنا، تشبَّث بالحرية وكان واحداً من الطليعة النضالية المؤمنة بالقضية ورمزاً لأجيال التزمت قيم الأمة، منفتحة على حداثة العصر والحالمة بالمستقبل وهدفها الرئيس وضع نهاية للمعاناة العربية في وجه الصهيونية والاستعمار الطامعين بخيرات بلادنا وأهمها النفط السبب الرئيس لغزو العراق وتدميره حجراً وبشراً وحضارة وهوية لأنه وظف نفطه من أجل قضايا الأمة القومية وبناء العراق العظيم.

 

كلمة آل الفقيد : علمتنا الاستقامة بالممارسة اليومية:

وعن آل الفقيد، تكلمت كريمته السيدة فريدة العلي التي توجهت بالشكر إلى كل من وأسى العائلة بفقيدها الراحل وخصت بالذكر رفاقه في حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي والأصدقاء والمحبين والصحف والأقلام التي عبَّرت عن مشاعرها الشخصية والوطنية أمام الذكرى الطيبة لمن أرشد أجيالاً بتوجيههم نحو الاستقامة والانتماء وصدق العقيدة فكان المعلم الحقيقي بالممارسة اليومية والنموذج الحي والقدوة الصالحة في الإيمان والصدق والتواضع والكرم وسعة الصدر والتسامح وتقبل الآخر واحترام الصغير قبل الكبير

 

د. الرافعي : كان مؤمناً لا يعرف الراحة إلا بلقاء ربه

واختتم الحفل بكلمة رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي الدكتور عبد المجيد الرافعي الذي تحدث عن خالد العلي رفيق العمر والصديق الصدوق والأخ الذي لم تلده أمك والمناضل العربي الكبير والحقوقي اللامع الذي عرف العقيدة العربية الثورية منذ نعومة أظفاره أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، طالباً ومحامياً، إلى مشاركته في العام 1958 ضد الحكم الشمعوني المؤبد لحلف بغداد ومشروع ايزنهاور، إلى إسهامه في التعبئة والالتزام مع رفاقه البعثيين وهم يخوضون مسيرتهم الوطنية ضد الإقطاع والرجعية وهو الذي تبوأ ارفع المواقع الحزبية كعضو قيادة قومية في العام 1962 فكان مثالاً للمبدئية والتواضع والتفاؤل الدائم، وهو الذي دفع ضريبة الانتماء الوطني والقومي، فلم يسلم منزله في عكار من التفجير، قبل أن يتعرض هو شخصياً لأكثر من محاولة اغتيال بسبب مواقفه المبدئية إلى اضطراره للتهجير القسري، الذي فرض عليه لعقدين من الزمن خارج وطنه لبنان.

 

وعن الأيام الأخيرة للفقيد الراحل، قال الرافعي: كانت عينه دائماً على العراق الشقيق المحتل وهو المتفائل بقدرة الشعب العراقي ورفاقه البعثيين في المقاومة العراقية على الانتصار، مؤمناً أن لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه، معاهداً إياه على أن لا يعرف أحدنا الراحة إلا بانتصار الأمة ولقاء المولى عز وجل.

 

وهذا النص الحرفي لكلمة الدكتور عبد المجيد الرافعي

في تكريم الراحل الكبير الأستاذ خالد العلي*

 

الأخوات والأخوة، عائلة ورفاق وأصدقاء ومحبي الكبير الراحل الأستاذ خالد العلي ...

يصعب علي التعبير عن كل ما يختلج في نفسي من عاطفة وشعور، وأنا أتحدث عن مناضل عربي كبير بحجم الرفيق خالد العلي، وعن حقوقي لامع، حمل هموم الناس وقضاياهم مدافعاً ومؤازراً، كما كان عليه المحامي خالد العلي.

 

وعن إنسان صدقٍ وصديق صدوق، وأخ لم تلده أمك، فيه من الوداعة والتواضع وحب الآخرين مثل العزيز الغالي خالد العلي.

خالد العلي، رفيق العمر، جمع في شخصيته كل هؤلاء، فكان المناضل والمحامي والأستاذ مقدماً في كل ذلك الصورة الأمثل للإنسان العربي صاحب الرسالة والقيم والمبادئ، والقائد القدوة لكل شباب الأمة وطلائعها التواقة للحرية والتغيير.

 

إن ما جمعني بالرفيق الراحل الأستاذ خالد العلي، يتعدى النصف قرن من الزمن، تشاركنا معاً في مراحل الوعي والالتزام النابعين من الإيمان المطلق بقدرة الأمة على حمل رسالتها وتحقيق وحدتها وتقدمها الحضاري والتحرر من قيودها والانتصار على أعداء الداخل والخارج.

 

ابتدأ مسيرته العقائدية منذ كان طالباً ثانوياً في حمص، أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، ثم تابع دراسته الجامعية في جامعة دمشق حيث درس الحقوق، ولما عاد إلى لبنان، كانت أولى مآثره النضالية الاشتراك في ثورة العام 1958 التي قامت ضد الحكم الشمعوني المؤيد لحلف بغداد ومشروع ايزنهاور المواجهين للتيار القومي العربي التحرري والقضايا القومية العادلة، وفي مقدمتها قضية فلسطين.

 

ولقد استكمل مسيرته الوطنية التي بدأها بالتعبئة والالتزام، بالمزيد من الالتصاق بقضايا مواطنيه، ولا سيما في منطقة عكار ومسقط رأسه بلدة البرج، وساهمت مهنته كمحامٍ في التقرب أكثر وأكثر من القطاعات الشعبية المختلفة، وخاصة الفلاحين والعمال، جاعلاً للصراع الطبقي مع الإقطاع والمتحكمين بقوت الشعب، إبعاداً جديدة من التنظيم والتسلح بالوعي والمعرفة وتوحيد الجهود ونبذ التفرقة والتعصب والتمسك بالمناقبية والاحترام وقيم الأخلاق، حتى في التعامل مع أشد الخصوم، وحتى أولئك الذين يختلف معهم فكرياً، لم يكن يألو جهداً لتعزيز ساحة الود والتفاهم المشترك معهم، منطلقاً من أن الاختلاف في الرأي، لا يُفسد للودِّ قضية.

 

ولقد أهلته هذه الأخلاق الرفيعة ومحبة الناس ونجاحاته في مهنة المحاماة، على تعزيز ثقة رفاقه به وترشيحه لمختلف المسؤوليات القيادية في الحزب، متدرجاً من عضو قيادة فرقة إلى شعبه وفرع، فإلى المستوى الأعلى في القطر كعضو قيادة قطرية، ثم إلى المستوى القومي الآخر حين انتخب عضواً في القيادة القومية في المؤتمر القومي الخامس المنعقد في العام 1962، وذلك في أحرج الظروف السياسية والنضالية التي مر بها الحزب، وطنياً وقومياً، خاصة فترة الانفصال بين سوريا ومصر في أيلول من العام 1961، وانفراط عقد الجمهورية العربية المتحدة التي كانت أمل الجماهير العربية المتحقق في 22 شباط من العام 1958، وكان للانفصال الوقع الصعب على العروبيين كما على الحزب ومنظماته ومؤسساته القيادية، ومع كل ما رافق تلك المرحلة من خضات وأزمات، كان الرفيق خالد دائماً من المؤمنين، الممسكين بقضيتهم، تمسكهم بالجمرة، مهما كانت حارقة، واضعاً مصلحة الجميع فوق مصلحة الفرد، وأن الوحدة لا بديل لها، إلا الإصرار على التمسك بها والدعوة لها، مهما قدَّم الانفصاليون من ذرائع لتبرير جريمتهم بفرط عقدها، وان الحرية تؤخذ ولا تعطى، مهما تجبَّر الحاكم وظلم، وأن العدالة الاجتماعية حق معلوم لكل سائل ومحروم على هذه الأرض، سنَّتها الشرائع السماوية، وتبنتها الحركات الوضعية التقدمية، ولا مناص من أن يتحد في سبيل تحقيقها كل مظلوم.

 

وهنا، لا يفوتني، أيها الأخوة والأخوات أن أذكر، ما كان للراحل خالد العلي من ميزات طبعت مسيرته النضالية واستمرت ملازمة له حتى الرمق الأخير، وأعني المبدئية التي كانت ديدنه منذ نعومة أظفاره، وعلى أساسها، ما كان ليناقش مسألة، أو يحدد رأياً إلا انطلاقاً منها،

 

ومن مميزات فقيدنا التواضع، هذا التواضع الذي لم يفارقه سواء في الحزب أو المهنة أو المسؤوليات وحتى في البيت ومع كل الناس، وهو الذي لم تغره المناصب أو ذاك الذي يسعى للشهرة والأضواء، وكانت المواقع هي التي تسعى إليه دون أن يسعى هو إليها، مُنطلقاً من أن المسؤولية مهما تعاظمت ما هي إلا تكليف ومحط ثقة تُرضي الضمير قبل أي شيء آخر.

 

وان ما يجدر الإشارة إليه أيضاً في هذه المناسبة، ان القضايا القومية والوطنية، لم تكن لتُشغل الأستاذ خالد عن الاهتمام بالمطالب الشعبية والاجتماعية انطلاقاً من قضايا الفلاحين في عكار والضنية شمالاً، إلى مزارعي التبغ جنوباً، إلى المعارك الشعبية في طرابلس في سبيل العلم والخبز والحرية حيث كان مكتبه ومكتب المحامي الشهيد تحسين الأطرش المتلاصقين في شارع السنترال، بمثابة خليتي النحل القائمة من أجل ملاحقة قضايا المواطنين والدفاع عنهم أمام الهيئات والمراجع المختصة.

 

كما أنه لا يمكن إغفال الدور الوطني المميز للراحل خالد العلي في العام 1975، على صعيد قيادة الحركة الوطنية في عكار مع ابتداء حرب السنتين وإصراره على التوعية الوطنية اللاطائفية واللامذهبية، وكشف المخططات التقسيمية المحيقة بالوطن وتصويب البوصلة دائماً نحو تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على النسيج الوطني والشعبي اللبناني المكوِّن لهذه المنطقة العزيزة على قلبه وقلب اللبنانيين.

 

وهنا لا بد لي أن أذكر واقعة تهجير أبناء بلدة بيت ملات المسيحيين أثناء تلك الأحداث، حين هرعوا إليه لمعرفتهم بوطنيته ولا طائفيته، فاستقبلهم بكل ترحاب وفتح بيته وبيوت أقربائه لإيوائهم عندما هاجمتهم بعض قوى الأمر الواقع آنذاك ممن كانت محسوبة على المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية الداعمة لها وللأسف.

 

كما أنه لا يمكن إلا أن نذكر كيف أشرف على توزيع المساعدات الغذائية والطبية المقدمة من العراق، في تلك الآونة، وحرصه على إيصالها إلى كل بيت في عكار، في كل بلدة وقرية، ولكل المواطنين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، من علويين وشيعة وسنة وروم أرثوذكس وموارنة وتركمان وغيرهم.

 

وبالرغم من نُبل هذه المواقف، ونُبل الشخصية التي تميز بها صاحبها، فإنها لم تشفع له لدى دخول قوات الردع إلى لبنان أواخر العام 1976، من أن تعمد إلى نسف منزله في بلدة البرج في عكار بدكه كاملاً بالمتفجرات، ليعقب ذلك فيما بعد، أكثر من محاولة اغتيال ثم تدبيرها له، ونجا منها بالعناية الإلهية والتدابير الاحترازية، الأمر الذي فرض عليه الهجرة القسرية عن وطنه الأم لبنان، لحوالي العقدين من السنين، حلَّ فيها ضيفاً على رفاقه في العراق الشقيق حيث كان مقر إقامته في بغداد، ملتقى للقريب والبعيد من أبناء عكار والشمال، وملاذاً للأشقاء اللبنانيين والسوريين والعرب، متابعاً هموم الجميع، ومواصلاً في نفس الوقت مهامه النضالية المكلف بها سواء على صعيد اتحاد المحامين العرب أو المنظمات الحقوقية العربية والدولية، مدافعاً عن القضية اللبنانية وحقوق اللبنانيين في الحرية والديمقراطية ورفع الوصايات الأمنية والسياسية عنهم.

 

وإذ يغادرنا الأستاذ خالد العلي اليوم، فإن عينه كانت دائماً على العراق الشقيق المحتل الذي يغالب مؤامرات تقسيمه ونهب ثرواته وتغييبه عن قضايا أمته العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين السليبة،

ولقد كان أبو عبد الله، من المتفائلين دائماً بالانتصار وقدرة الشعب العراقي ومقاومته الوطنية المسلحة على التحرير والتوحيد مهما اشتدت المحن وقست، مؤمناً بقدرة رفاقه وتصميمهم على تحقيق ذلك، وهو الذي خبر عن كثب صدق انتمائهم لمبادئهم وعروبتهم وصلابتهم المبدئية والوطنية.

 

أيها الحضور الكريم ... أيتها الأخوات والأخوة...

إذا كان لي أن ألخص مسيرة الراحل الكبير الأستاذ خالد العلي في جملة واحدة أقول:

لقد كان مثالاً للصدق والصفاء والأخلاق ونقاء "السريرة" والتواضع، والشفافية التي لا تعرف المداهنة والمراوغة ولو كان ذلك على حساب حريته وحياته الشخصية، وفوق كل ذلك ابتسامته الدائمة التي لم تكن لتفارق وجنته حتى في أدق المراحل حراجة سواء على الصعيد الشخصي أو الحزبي أو الوطني، حيث كان يشعرك دائماً، أن من في قلبه كل هذا الإيمان والتفاؤل، لقادرٌ على تحدي الصعاب وامتطاء المحن، مؤمناً بالحديث الشريف:

ان لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه،

 

وخالد العلي مؤمن بالله والمبادئ، وآية المؤمن ثلاث، كما جاء في الحديث الشريف: إذا حدَّث صدق، وإذا وعد أوفى، وإذا أؤتمن أدى الأمانة.

فإلى جنان الخلد يا أبا عبد الله، وعهداً على أن لا نعرف الراحة الشخصية إلا بلقاء المولى عز وجل.

العزاء لكم جميعاً، وشكراً لحضوركم، والسلام عليكم

 

 

الدكتور عبد المجيد الرافعي

في  ٠١ / ٢ / ٢٠١٣

 

 





السبت ٢١ ربيع الاول ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة