شبكة ذي قار
عـاجـل










 

المقدمة :

تعد خطوط الربط الحيوية المتنوعة، ومنها على وجه التحديد شبكة أنابيب النفط والغاز وما يصاحبها من تأسيس وإنشاء محطات للضخ عابرة للحدود، من أخطر المشاريع التي تقام بين البلدان.. وخطورتها لا تكمن في التجارة إنما في السياسة الإستراتيجية، التي يرسمها المُصَدِرْ للنفط والغاز حيال وحدة أو وحدات سياسية أخرى أو إزاء منطقة حيوية محددة.

 

اتفاقات الغاز والنفط التي عقدت رسمياً للتنفيذ بين إيران وسوريا، وإيران وجنوب لبنان، وإيران والأردن.. وبين العراق والأردن صوب سوريا وجنوب لبنان.. وبين إيران وباكستان:

أولاً- اتفق النظام الصفوي في طهران مع الحاكم الصفوي في بغداد مبدئياً على ضخ (35) مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي الإيراني (عبر العراق) إلى سوريا- بانياس في محافظة طرطوس، ثم يصار إلى إمداده إلى جنوب لبنان، بمسافة تقدر بـ(5) ألاف كيلومتر وبكلفة إجمالية (10) مليارات دولار وبطاقة استيعابية تصل إلى (110) مليون متر مكعب يومياً.

 

والتساؤل هنا : لماذا أصبح العراق معبراً أو ممراً لإيران صوب البحر الأبيض المتوسط بعد أن سلمت قوات الاحتلال الأمريكي مقاليد الأمور في العراق إلى إيران؟

 

ثانياً- اتفق العراق مع الاردن حول تنفيذ مشروع نقل النفط الخام من حقل الرميلة- البصرة إلى الأردن (العقبة) على البحر الأحمر، بطاقة إنتاجية تصل إلى مليون برميل يومياً، وإنشاء مصفاة في العقبة بشراكة أردنية- عالمية، وبطاقة تصل إلى (300) ألف برميل يومياً، وإنشاء ميناء خاص في العقبة لتصدير نفط العراق.!!

 

والتساؤل هنا أيضاً، ما المشكلة في تسويق نفط العراق عبر الخليج العربي؟ هل أن ميناء مبارك فد خنق العراق بحيث بات يفتش عن منفذ لتسويق نفطه، أم أن طهران هي التي وجهت لدوافع الوصول إلى البحر الأحمر صوب العقبة، عبر الأردن لغاية طائفية في عقل طهران؟ ثم لماذا تحول العراق إلى معبر لإيران؟

 

ثالثاً- أتمت إيران مد خط أنبوب نقل الغاز الإيراني من ميناء (عسلوية) ومنطقة (بارس) الجنوبي في بوشهر إلى داخل أراضي باكستان مع تصدير البنزين والمشتقات النفطية الإيرانية في ضوء الاتفاقية المبرمة بين البلدين عام 2010 لنقل الغاز الإيراني إلى باكستان عبر خط أنابيب إلى ميناء (نوابشاه) في جنوب باكستان.

 

الملاحظة  في هذا الشأن لا يعني واقع شرق إيران بقدر ما يعني كيف تعمل إيران على خرق العقوبات الدولية دون ملاحقة تذكر.. أما التمدد نحو الغرب فهو يمثل الطبيعة الإستراتيجية الإيرانية الجيو- سياسية عن طريق استخدام واقع العراق الجبوبوليتيكي مجالاً لتنفيذ أهدافها الإستراتيجية.

 

فبينما تحظى سوريا، كواقع جيو- سياسي وليس كنظام أيل للسقوط عن قريب، بأهمية إقليمية لكونها منطقة " الشام التاريخي " التي تجمع ملفات فلسطين والأردن ولبنان أولاً ولكونها منطقة مرور لخطوط التجارة نحو الجنوب حيث الجزيرة العربية ثانياً، فأن العراق يعد أهم مركز للخط الجيو-اقتصادي، والذي يتم على وفقه، أن تُطَوِرَ القوى الإقليمية (إيران وتركيا) إستراتيجيتهما في المنطقة على نحو يشمل علاقاتهما الثنائية مع كل من سوريا والعراق، حيث شكلت علاقة ارتباط جديدة للتوازن، بعد فراغ القوة في العراق، بين النفط والمياه للسياسة التركية، والنفط والغاز للتمدد الجيو- سياسي الإيراني. أما الخلفية القائمة على الجيو- اقتصاد إيراني فإنه يربط خط إقليم نفط بحر قزوين ونفط العراق بعد الاحتلال الأمريكي- الإيراني المزدوج للعراق ليستكمل خطوطه الجيو- اقتصادية صوب منطقة نفط الخليج العربي من جهة ونحو حافات البحر الأبيض المتوسط من جهة ثانية.. ويعد النفوذ الإيراني الفارسي المتزايد في العراق وسوريا وجنوب لبنان، والضغط التسليحي الإيراني الهائل الذي يتعرض له اليمن والضغط الأيديولوجي-الطائفي الهائل الذي تتعرض له البحرين، هو أحد أخطر الأوجه الدافعة باتجاه الإقفال إستراتيجياً على الجزيرة العربية، والتخطيط الإيراني يصل بخطوط الغاز والنفط إلى البحر الأحمر والأبيض المتوسط، لغرض فرض سياسة الأمر الواقع بأداة اقتصادية وأخرى أيديولوجية- طائفية تحت سياسة تصدير الثورة الإيرانية.

 

هنالك عنصرا ضغط مهمان تتعرض لهما المنطقة : (الأيديولوجية- النفط) و (المياه - النفط).. الأول تمارسه إيران، والثاني تمارسه تركيا.. وحين يطرح هذان العنصران الضاغطان في فترة معينة فهو من اجل التصعيد أو صدام على نحو قد يكون مرهوناً بعنصر ضاغط آخر يوظف كالأيديولوجية- الطائفية و الأيديولوجية- العرقية، وتوظف مشكلة المياه من جهة ثانية.. فالمشكلة الطائفية- العرقية تطل برأسها كالأفعى من طهران وقم صوب المنطقة.. ولا غرابة في أن تظل مشكلة المياه التي تحركها جهات لها مصلحة واهتمامات سياسية وعسكرية من خارج المنطقة تنتظر الفرصة المناسبة.!!

 

إيران ومنذ عام 1979 مستمرة على انتهاج دبلوماسية توتر دائم مع جيرانها تأخذ شكل الضغط والتهديد، فمن الصعب على الدول العربية جميعها أن تقبل بالنهج الإيراني في فرض سياسة الأمر الواقع.. وتوازنات محاور القوة التاريخية في المنطقة ما زالت في حالة مخاض، وكما هو معروف، أنها العراق وسوريا ومصر والسعودية، يحيطها توازنان للقوى الإقليمية، هما إيران وتركيا.. فإذا اختل التوازن الحقيقي للمنطقة أو انهار، تحركت القوى الإقليمية للتدخل وحسب أدواتها، ليس بصيغة إعادة الميزان إلى طبيعته لاستقرار المنطقة، وإنما لملء فراغ القوة لصالحهما خلافاً للقانون الدولي الذي يتعارض مع هذا النهج ويخالف نصوص مبادئ ميثاق الأمم المتحدة بتحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى..والحالة الخطيرة التي أقدمت عليها أمريكا- والصهيونية بضرب مركز التوازن وهو العراق وإحداث زلزال عنيف فيه، أفقد أطراف القوة توازنها، ومهد لتدخلات إيران الأيديولوجية- الطائفية، لأنها الأداة الأكثر تأثيراً، فيما ظلت تركيا تراقب الموقف بحكم المسألة الكردية، وموقفها يقوم على اعتراض تفاقم التدخل الإيراني الحاد في المنطقة، ولكن بأسلوب عثماني جديد محكوم بتوجيهات الناتو.

 

والتساؤل هنا، هل تنجح إيران في أن يستمر اختلال التوازن قائماً في مركز الزلزال عن طريق دعم ذراعيها الطائفيين في دمشق وجنوب لبنان وساعدها العراق؟!

 

الإجابة.. كلا، إيران لن تنجح :

أولاً- لأن خطة تقسيم العراق (بلان- بي)، التي أعدها " جوزيف أدوار " بمشاركة الباحث اليهودي " مايكل هان لون "، في معهد (بروكينغز)، اللذان يريدان تطبيق خطة بلقنة العراق، قد رفضها الشعب العراقي جملة وتفصيلاً، لأن النسيج الاجتماعي لا يسمح بذلك، ولأن واقع توازنات القوى الإقليمية لا يسمح بذلك أيضا.

 

ثانياً- كان التركيز الإيراني طوال (10) سنوات، على الرغم من تعاون إيران مع أمريكا في احتلال العراق، ينصبُ على إيجاد موضع قدم لها في البلدان العربية والعمل على تعزيزه عن طريق إمدادات المال والسلاح والرجال ووسائل التشيع الصفوي.. ومع ذلك فقد اتضح أن هذه الوسائل قد تكشفت أغطيتها أمام العالم وباتت عارية تماماً وفشلت في تعزيز النفوذ الإيراني قي بعض المفاصل الإستراتيجية.

 

ثالثاً- تعيد الآن إيران حساباتها في سوريا بعد اقتراب تغيرات مهمة على صعيد النظام السياسي الموالي لها في دمشق، فضلاً عن فشل محاولات تعزيز النفوذ الإيراني له بالمال وعناصر المليشيات والسلاح والخبراء العسكريين.. إلا أن ثغرة الإمدادات اللوجستية تظل عبر العراق.

 

رابعاً- تراجع وانكماش الذراع الصفوي في جنوب لبنان بعد أن سدت معابر إمداداته من دمشق، وضمرت منابع هذه الإمدادات في طهران، الأمر الذي دفع نظام طهران الصفوي إلى تبني خيار (جليلي) بسحب ترسانة الأسلحة الإيرانية الثقيلة من جنوب لبنان قبل سقوط نظام دمشق.

 

خامساً- العراق بات الفناء الإستراتيجي الأمامي لإيران، فقد وجهته طهران للانفتاح نجو الغرب لإحياء صفقة سلاح مع روسيا بقيمة (4) مليارات دولار وجهتها دمشق في إطار زخم الدعم والإسناد، ولكن بعد فوات الأوان.

 

سادساً- كما أن الائتمان الإيراني وقيمته مليار دولار الذي فتح لدعم النظام السوري وحزب الله في الجنوب اللبناني، كان على حساب حاجة الشعوب الإيرانية، ولكنه قد عرقل توظيفه مقتل الجنرال الإيراني (حسن شاطري) داخل الأراضي السورية وهو المسئول رسمياً عن عمليات التنسيق بين طهران ودمشق وجنوب لبنان.

 

سابعاً- نظام طهران الصفوي يعاني مأزقاً داخلياً وخارجياً على المستوى المالي والنقدي والسياسي والتعبوي الشعبي، فضلاً عن مأزقه الخارجي وعزلته الدولية.. وعلى أساس هذه الحقيقة يحاول أن يصدر مشكلاته إلى الخارج.

 

ثامناً- نظام بغداد الصفوي يعيش مأزقاً داخلياً، سياسياً وأمنياً واجتماعياً وأخلاقياً، فضلاً عن فشله المزمن في الحصول على الشرعية والقبول العربي، فهو نظام دموي فاسد لا يملك مقومات القيادة والاستمرار في نهجه الفاشل وتبعيته الطائفية لإيران.. يحاول أن يغطي على فشله وفساده وتهتكه عن طريق التصفيات والفصل الطائفي، الأمر الذي يجعل منه كياناً منبوذاً، ليس على المستوى المحلي والعربي والإقليمي فحسب إنما العالمي أيضا.

 

تاسعاً- واقع التحرك الإيراني صوب الأردن ودفع بغداد صوب (العقبة) مرده استغلال إيران قطع مصر لإمدادات الغاز عبر خط الأردن، لتطرح البديل من خلال العراق، مشروع أنابيب النفط من حقل (الرميلة)- البصرة إلى (العقبة)، ومنها بشكل لا تدع مجالاً للشك، إلى الكيان الصهيوني.

 

عاشراً- انكماش تركيا وتراجعها حيال أوضاعها الأمنية الداخلية، التي ساهمت حكومة "أردوغان" بإثارتها وخاصة تصعيد الأكراد- الأتراك (P.K.K) في الأنضول وفي جبل قنديل شمال العراق حيث قواعد حزب العمال الكردي-التركي، وظهور قوة مليشيات الأكراد السوريين على ساحة الصراع ثقلاً لا يرحب بتركيا العثمانية.!!

 

هنالك موقف عربي خليجي بدأ يتشكل على أساس جدي للوقوف بوجه خطر التمدد والتهديد الإيراني ومحاولات إيران الوقحة، ليس فقط التدخل في الشأن الداخلي الخليجي، بل العمل على تطويق دول الجزيرة العربية من جهة الجنوب (صعدة- اليمن)، حيث الأسلحة الإيرانية التي لم تتوقف لدعم وإسناد وإثارة الحوثيين، فيما تعمل على إثارة جنوب اليمن وفصله على خط تقسيم الوطن العربي وتفتيته خلافاً لإرادة شعبه العربي العريق.. هذه المحاولات مكشوفة ومدانة تماماً، وليس أمام دول الخليج إلا الإسراع بتشكيل إتحادهم وتوحيد عناصر قوتهم والاعتماد على شعبهم وقوتهم الذاتية، وإنها والله لكبيرة.!!

 

تمت ..

 

 





الاثنين ٢١ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة