شبكة ذي قار
عـاجـل










أيقنت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بنهاية القرن الماضي أنها أصبحت القوة -البشرية- الأعظم في العالم، وأن الوقت قد حان لبسط الهيمنة الكلية على القارات الخمس قبل بروز القوى الصاعدة كالاتحاد الأوروبي والصين، مستمدة ذلك من بعض النظريات المرتجلة كنظرية "نهاية التاريخ" التي لا تحمل من "الحقائق الراسخة" إلا صور "قصور العقل" غير المهتدي.


وشهد العالم منذ بداية القرن الجديد عدداً من السقطات المريعة للحكومة الأمريكية، التي أطلقت العنان لقوتها "متعددة الوجوه" لتنسف العديد من الاتفاقات الدولية في عدد من المجالات (البيئية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والسياسية)، ولتبدأ في تشكيل المناطق الاستراتيجية في العالم حسب رؤيتها ومصالحها القومية.وقد تطلب الإنفراد المتجبر للقوة الامريكية، مضاعفة دورها في فنون وتقنيات التدخّل في الشؤون الداخلية للدّول غير الحليفة لها، فسياستها تقوم على تفتيت القوى التي ترى فيها منافسة لها، أو ترى أنّها تشكلُ خطرا على مصالحها، بهدف المحافظة على تفرّدها السياسي في الهيمنة على مصائر الشعوب الأخرى، وقد استخدمتْ هذه السياسة في تعاملها طوال عهد الاتحاد السوفييتي، ومنظومة الدول الاشتركية روسيا، ومع الوطن العربي، ويوغسلافيا وإندونيسيا، والصين الشعبية. ودرجت خلال العقد الاول من الالفية الثالثة على اقحام جنودها في عمليات عسكرية خارج الحدود بإنتهاج نمط جديد من الحروب العدوانية يعتمد التدخل العسكري المباشر، لإزاحة الأنظمة المناهضة لإدارتها أو المتمردة على ما سمي اصطلاحا بـ(النظام العالمي الجديد) وتنصيب حكومات موالية لها كما في أفغانستان والعراق، وهى ترسي بذلك سوابق لم تعرف من قبل، وباتت تحقق بالقوة المسلحة ما كانت تسعى للحصول عليه من قبل بالتملق والمداهنة، أو بالدبلوماسية الصامتة طويلة النفس، ما جعلها تستبطئ أدوات التغيير في ظل سرعة الإيقاع العالمي.. وقد شهد النصف الأخير من القرن الماضي عمليات انتهاك عديدة للجنود الأمريكيين خارج بلادهم بهدف الإطاحة بالحكومات غير الصديقة للولايات المتحدة، امتدت من بنما إلى يوغسلافيا، ومن هايتي إلى الصومال.


إحتفظت الولايات المتحدة وعلى مدى سنوات مديدة بإستراتيجية تغيير الأنظمة السياسية الوطنية بمنطق القوة العمياء، عبر سيناريوهات متنوعة الاشكال والادوات تارة تعمد إلى تدبير الإنقلابات العسكرية وأخرى عن طريق إثارة الفتن الداخلية والإحتراب الاهلي، أو شن الحروب العدوانية المباشرة.. وكان اللجوء إلى العنف المسلح، يتم تحت طائلة من الذرائع البائسة من قبيل التصدى للخطر الاحمر، والتطهير العرقي، الدكتاتوريات، ومنذ أحداث الحادي عشر 2001 والعالم أصبح يراقب بحذر وخوف تحرك الولايات المتحدة، نظرا لما قد ينتج عن ذلك التحرك من تأثير سلبي على هذه الدولة او تلك، وقد أصبحت أمريكا بعد تلك الأحداث وحشا هائجا لا يحكّم أي عقل او منطق في تصرفاته وردّات فعله بل أصبح الانتقام هو أساس التحرك، وقاعدة للحكم في وجه كل ما هو عربي وإسلامي. بدعوى الخطر الاخضر.. وحدث هذا كله ويحدث في عالم لم يعد يؤمن بمبادئ النفعية في السياسة بل يؤمن بفلسفة حكم الغابة بكل فطرتها وهمجيتها.


وقد وفرت أحداث الحادي عشر من أيلول- سبتمبر دافعا جديدا لتطوير إستراتيجية الحروب تمثل في شعار «الحرب ضد الإرهاب» وفق المفهوم الأمريكي وهي مهمة لم تجند واشنطن مثيلا لها في تاريخها كله من حيث التقنيات العسكرية من الاسلحة والذخائر ومن جيوش المرتزقة والمحاربين.


وإذا كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد قامت بتمويل عمليات العصيان، والانقلابات العسكرية المنظمة، وشجعت التمردات الموالية لها، للإطاحة بالأنظمة الاجنبية، فإنها لم تتحمس كثيرا لتدبير وتغذية حركة تمرد من أجل الإطاحة بصدام حسين بل فضلت إنفاق آلافا مؤلفة من المليارات، والمخاطرة بأرواح الآلاف من أجل تنفيذ المهمة بنفسها.


يقول شابيل لاوسون الذي يقوم بتنظيم دورات في مجال تغيير الأنظمة وإقامة الديموقراطية في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا في جامعة كامبردج؛ (غداة الحادي عشر من سبتمبر يمكنك أن تتوقع رؤية عمل عسكري أمريكي موسع سري وعلني).


ويوجد لدى الولايات المتحدة عدد كبير من الوسائل التي لا تتسم بالعنف لتركيع زعيم غير صديق لها من بينها: ممارسة الضغط الدبلوماسي، وفرض العقوبات الاقتصادية، والمقاطعة الدولية، والحصار التجاري، ودعم الفصائل السياسية المحلية، إلا أن هذه الأساليب تستغرق وقتا طويلا، كما أنها قد تسفر عن نتائج محدودة وربما غير مجدية، وقد فشلت جميع هذه الوسائل في العراق الذي واجه أشد العقوبات الاقتصادية صرامة في التاريخ، حيث لم يكن لها أي تأثير يذكر على النظام السياسي، نعم.. لقد ساهمت هذه العقوبات في الحد من قدرة العراق على الحرب، إلا أنها لم تسفر عن تغيير النظام.


يرى المؤيدون للعمل العسكري ضد العراق أن هجمات الحادى عشر من سبتمبر تبرر اتباع سياسة الضربة الوقائية، عندما يتعلق الأمر بمحاربة الإرهابيين، أو الدول التي ربما تساند تنظيم القاعدة، أو تهدد باستخدام أسلحة الدمار الشامل.


إن التركيز الجديد على قضية الإرهاب، يعطي وضوحا في الغرض لإدارة الرئيس بوش، الأمر الذي ظهر في عملية صناعة القرار الأمريكي الخارجي منذ الحرب الباردة، حدث ذلك عندما كانت أمريكا اللاتينية تمثل الفناء الخلفي للولايات المتحدة، وكان مبدأ مونرو واضحا لا لبس فيه: «عدم السماح لأي قوى أجنبية بالحصول على موضع قدم بالمنطقة» كان ذلك يعني أن أي علامة على وجود نفوذ سوفييتي حقيقي أو خيالي ستتم مواجهته بالقوة.


كانت الحكومات ذات الميول اليسارية في جواتيمالا، وجمهورية الدومنيكان، وكوبا، ونيكاراجوا، وجرينادا هدفا للسياسة الأمريكية، وكلها باستثناء نظام فيدل كاسترو في كوبا سقطت بفعل انقلابات وعمليات تمرد رعتها واشنطن، أو عن طريق غزو مباشر. وقد أدت عملية مواجهة التوسع الشيوعي بالقوات الأمريكية إلى التورط في كوريا وفيتنام.


لماذا هذا التدخل الأمريكي؟ لقد بررت الولايات المتحدة عمليات التدخل العسكري خلال العقد الماضي في هاييتي والصومال والبوسنة وكوسوفا وأفغانستان بالدفاع عن حقوق الإنسان، والنهوض بالديموقراطية،!! إلا أن هذه التفسيرات في رأي كارين فون هيبيل مؤلف كتاب «الديموقراطية بالقوة: عمليات التدخل العسكري الأمريكي في حقبة ما بعد الحرب الباردة» لم يتم وضعها بأسلوب منطقي عقلاني. في حقبة الحرب الباردة وجدتْ أمريكا في أسطورة ربيع (براغ) فرصة سانحة لانفصال تشيكوسلوفاكيا عن دول المنظومة السوفييتية، غير أنّ الجيش السوفييتي حَسَمَ الأمرَ عندما أنزل دباباته في ميادين (براغ) صبيحة يوم21 /8/ 1968، وأنهى أكذوبة ذلك الربيع، ثمّ لجأتْ أمريكا إلى زرع أوتادها من الوكلاء، أمثال (ليخ فاليسا) زعيم حركة التضامن البولندية لينخرَ الجسد السوفييتي من الداخل، بدعوى أنّ الطبقة العاملة السوفييتية أقلّ رفاهية من مثيلاتها في الغرب، وواظبتْ واشنطن ّعلى دعم هذه الدمى حتى اكتملتْ فرحتها بإستقالة ميخائيل غورباتشوف آخر الرؤساء السوفييت، وتفسّخ الدولة السوفييتية على يديه، فكان أنْ سارعتْ إلى دعم استقلال جمهوريات البلطيق.


وفي مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي واصلتْ أمريكا السياسة ذاتها، فاتجهتْ أنظارُها هذه المرة إلى تفتيت الفيدرالية الروسية، فراحت هي وعملاؤها تثير القلاقل في أقاليم القوقاز الروسية، وتدعمُ النزعات الانفصالية فيها، ثمّ عملتْ على تفتيت الاتحاد اليوغسلافي بالحرب المدمّرة حينا، وبالضغوط الدولية أحيانا أخرى، فكان دعمُها لانفصال جمهورياته واحدة تلو الأخرى، بدءا بالبوسنة والهرسك، مرورا بكرواتيا والجبل الأسود، وانتهاء بإعلان ما يسمى باستقلال إقليم كوسوفو. وفي أعقاب حرب الخليج الثانية 1991 أقامت جدارا مسلحا في المنطقة الشمالية من العراق، إيذانا بعزلها عن الوطن الام.

 

 





الخميس ٩ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الستار الراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة