شبكة ذي قار
عـاجـل










دشن العقل السياسي الامريكي الالفية الثالثة، بثنائية (الإرهاب والإصلاح)، فأدخل العالم في دوامة الحروب العدوانية، ليسقط في محرقتها مئات الالوف من العرب والمسلمين، ليمتد خط الدم من كابول إلى بغداد، وعلى ذات الجبهة وإمتداد ضلالاتها ، تدور معركة المفاهيم والالفاظ والمدركات، لتصبح واحدة من معارك هذا العصر، وقد وضع العقل السياسي الامريكي لغة جديدة، وأعد لها خطابا مخادعا، وشعارات مخاتلة، ليشكل منها معجما سياسيا قائما بذاته، حاملا فقها مغايرا للمفاهيم المتداولة، ونقيضا للمدركات المعروفة.


وقد لجأ العقل الامريكي في بناء منظومة الالفاظ المستحدثة، إلى ثنائيات تقوم على قاعدة مقابلة الاضداد، الخير والشر، الحليف والعدو، النعيم والجحيم، الوعد والوعيد،.. الخ.      سعى في الشق الاول منها؛ إلى التبشير بالفردوس الامريكي الموعود، بإغداق الوعود الذهبية، بزعم  تحويل "أرض الرافدين" إلى جنة وارفة الظلال، تمنح العراقيين أمنا وسلاما، حرية وعدلا، وخيرا عميما، لا يجوع أحد فيها ولايعرى، وله ماتشتهي نفسه وما يتمنى؛ بيتا جميلا وحديقة غناء، وعربة فارهة، وسلة غذاء تمتلئ بالثمار والطيبات، (الشكولاتة، والعطور، وبأصناف من المشروبات الغازية والروحية)، حسب رغبة المواطن وذائقته، وفوق (السلة) خمسون دولارا لكل فرد!!


أما الشق الثاني؛ فهو الكاوبوي الهوليودي، المدجج بأسلحة يوم القيامة، المصمم على تحويل الاوطان إلى خرائب وأطلال.


هكذا تكلم جورج دبليو بوش وهو يعلن للعالم أن الحملة التي ستقودها الولايات المتحدة على الإرهاب (الإسلامي) حربا صليبية أخرى، وأنها معركة الخير الذي يمثله الغرب (الحضاري)، ضد الشر الإسلامي، مع تشديد متكرر على مقولة (من ليس معنا فهو ضدنا). وهو نص مقتبس من إنجيل متى: (مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ وَمَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ). بهذا الخليط السحري أقحم بوش (النفط) بنصوص الانجيل، والشرق الاوسط الجديد، والعقيدة الاصولية المسيحية الصهيونية، بشعار القديس أوغسطين "الحرب العادلة"، وفلسفة القوة النيتشوية. بسلفر ستالون. وبهذا المنطق اللاعقلي واللاتاريخي شنت واشنطن عدوانها على نقائض الحضارة الغربية؛ ( العراق، الإسلام، الجهاد).   


تلك هي فلسفة الإنسان المتأله (المتعالي)، الذي يستمد قوته المتجبرة، من هذيانات اللاهوتيات التوراتية، العامدة إلى عبودية الجنس البشري وهوانه، لصالح الاسطورة الامبراطورية.


يرى الفيلسوف إرنست كاسيرر في كتابه (الدولة والاسطورة): ان إعادة تصنيع الأساطير السياسية الكبرى تتطلب (إحداث تغيير كبير في مهمة اللغة؛ بحيث يصبح للكلمة بُعد سحري يتجاوز بُعدها الدلالي، أو بصورة أدق: يصبح للكلمة مهمة قيمية تتجاوز وصف الأشياء والعلاقات بينها، بل تتعداها في سعيها إلى إحداث أثر سحري فيمن يخاطبهم صناع الأسطورة لتضفي شرعية على الأسطورة).


ومن وجهة نظر المفكر الفرنسي (ريجيس دوبريه) في نقده للعقل السياسي؛ فإنه لا شيء يشبه الساحر إلا السياسي المعاصر، فكلاهما كاهن: الأول في معبده السحري يتمتم بكلمات سحرية قليلة مؤثرة تضمن له تبعية القطيع البدائي واستسلامه، والثاني -أي السياسي المعاصر- كاهن جديد لأسطورة جديدة، عليه أيضًا أن يحافظ على تمائمه السحرية ويحفظها عن ظهر قلب، وأن يحافظ على مكره السياسي الشديد ليضمن نجاح أسطورته السياسية الجديدة لنقل أيديولوجيته السياسية الجديدة؛ فلا شيء يشبه الأيديولوجيات السياسية الجديدة إلا الأساطير السياسية الجديدة، كما ترى هبة رءوف عزت أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة.


العقل الامريكي مهووس إلى حد الجنون بإبتداع  الاساطير، ومولع بصناعة الاعداء ، فما أن تهاوى العدو الأحمر ، وإنطفأ الحلم الاممي الإشتراكي، حتى إستوى القطب الواحد، فخرجت الإمبريالية تصول وتجول في أرجاء العالم، لتضع على خارطتها السياسية عدوا لدودا آخر، أطلقت عليه مصطلح (الخطر الاخضر) عدو الحرية والحضارة والديمقراطية. وتحول إتجاه الماكنة الاعلامية من قاموس (العالم الجديد، العولمة، القرية الكوكبية..) إلى لائحة أخرى من المصطلحات ؛( القرن الامريكي الجديد، صراع الحضارات، مابعد الحداثة، حرب الأفكار، معركة الخير والشر، الإرهاب الاسلامي، الانسان الاخير، موت الفلسفة..) .


وفي زحمة الالفاظ وصخب المفاهيم، شرعت الإدارة الامريكية إحياء وتفعيل مايدعى بقانون "تحرير العراق"، الذي شرعه الكونغرس الامريكي عام 1998 متزامنا مع مطحنة الحصار التي إستلبت أرواح مليون عراقي.

 

 





السبت ١١ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الستار الراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة