شبكة ذي قار
عـاجـل










عقب إنهيار برجيّْ التجارة العالمية، بثمانية أسابيع ضاعف البيت الابيض وتيرة تصريحاته  في ترويج دعاوى (الإرهاب الإسلامي)!!، في مقاربة نظرية بين العراق وأفغانستان، ففي يوم 19-20/11/2001، عقدت الإدارة الأمريكية جلستي عمل، أكدت خلالها على ضرورة البدء بالتركيز على العراق، نظرا لما يشكله من مخاطر على الكيان الصهيوني، والمصالح الأمريكية. لتبدأ بعد هذا التاريخ مرحلة جديدة يغادر فيها العقل السياسي الامريكي الرؤى والنظريات والافكار، لينزل إلى ميدان العمل المسلح، وكانت أفغانستان أولى ضحايا الغضب الوحشي الاهوج، وإقترن الغزو البربري للبلد الاسلامي، بتوسيع مساحة مصطلح "محور الشر"، ليعم جنوب الكوكب الارضي، وكان العراق مرقوما على كتاب الاساطير الامريكية في ثلاثية سحرية  (أسلحة الدمار الشامل ـ التحالف مع تنظيم القاعدة ـ تهديد دول الجوار) وفي ظل غيبوبة النظام العربي، وفي تجاوز فاضح للمنظمة الدولية، ولمجلس الامن، أوجز الرئيس الامريكي بوش قرار شن العدوان بعبارة قصيرة لم تزد عن أربع كلمات؛ "لقد نفذ صبر الإدارة"، وتم بسرعة فائقة تجهيز "الحملة الصليبية" الجديدة، ها هو الرئيس المحارب كما سمى نفسه يتجه بجيوشه الجرارة لمعاقبة بلد إسلامي آخر، وبدأت ( الحرب النظيفة )!! وهو مصطلح إستخدمته الباحثة (راشيل برونسون) العاملة في الخارجية الامريكية، مدعية في دراستها النظرية البحتة، التي تناقلتها وسائل الاعلام، بأن إحتلال العراق سوف يتم بدون دماء أو ضحايا، وستكون الحرب سريعة ونظيفة، وستبدأ العمليات العسكرية بغارات جوية لقصف بعض المواقع الحيوية لإضعاف النظام العراقي، يليها الهجوم البري، يرافقه إنطلاقة الجيش الامريكي فور الإجتياح الى تطويق (منابع النفط ومنشآتها الحيوية) حفاظا على سلامتها من الدمار، ثم يبادر الجيش الفاتح بتقديم المساعدات الطبية والصحية والبيئية والتعليمية والسياسية لابناء البلاد، وستعيد قوات الولايات المتحدة للشعب العراقي كرامته التي أهانها نظام صدام حسين، وسيتحقق ذلك كله بصورة سريعة ونظيفة، وسوف يتم إستقبال جنودنا بالورد والرياحين، بوصفهم أبطالا ومحررين. وأتخذ البنتاغون من أسطورة "الحرب النظيفة" عنوانا إعلاميا للحملة العسكرية التي لا شبيه لها في التاريخ على حد قول الجنرال (تومي فرانكس) على أساس ان ما سوف يستخدم في هذه الحرب من أسلحة ذكية تتميز بدرجة عالية من الدقة في إصابة أهدافها، مما يجعل السكان المدنيين في منآى عن مخاطرها، وستكون الخسائر في الأرواح والمشآت هامشية  وفي أضيق نطاق ممكن.

 

 فيما إنقلب الشعار على رأسه تماما، فالوقائع الدموية وسلسلة المذابح التي إرتكبتها القوات الامريكية، قضت فورا بتهافت هذا الشعار وحولته المجازر الفاشية إلى حرب قذرة، فالتدمير الشامل للأحياء السكنية، والاسواق الشعبية، وما حصد فيها من آلاف القتلى وعدد لا يحصى من الجرحى، وجميع هؤلاء الضحايا من المدنيين، هذا وغيره من المآسي الانسانية،  جعل من الغزو الامريكي ، حربا همجية  قذرة، كانت  بأيامها ولياليها ، سلوكا وضيعا ، وسقوطا اخلاقيا لانظير له في تاريخ الحروب ، فالبربرية المتوحشة  هي العنوان الذي يليق بالحملة العدوانية التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق.

 

ومن بين أسلحة الحرب النظيفة التي إستخدمها الغزاة: غاز الاعصاب، القنابل الفسفورية، القنابل العنقودية، الصواريخ العابرة للقارات، الذخائر المحرمة، القنابل الذكية.

 وعندما إحترقت الاجساد وذابت المواد الصلبة، ظهر شعار جديد "الصدمة والترويع"، وكان أولى مقدماتها إغتيال العقل وحرق الكتاب، وهي المهمة الامريكية العاجلة، بموجب لائحة التصنيف التي أعدها الإحتلال سلفا، المثقلة  بأسماء العلماء، الخبراء المفكرين، الاكاديميين، علاوة على مواقع؛ المكتبات، المتاحف، خزائن الوثائق والمخطوطات، الشواخص الحضارية ، كان التوصيف الذي سجلته اللائحة الامريكية شروحا مسهبة عن كيفية سحق الذاكرة التاريخية والحضارية والجمالية وتجريد  بغداد من البنى  الثقافية والاكاديمية والعلمية ، لجعل العراق  قاعا صفصفا، ومن هنا جرى تطبيق ( الفوضى الخلاقة ) كأداة ماحقة للتدمير المثالي، والحرق الكلي، الموت والدخان هو العنوان الكبير الذي حملته بغداد والمدن الاخرى، وفي ظل السعير الذي أوقدت نيرانه قوات المارينز كانت المصطلحات الارهابية أسلحة أخرى لبث الرعب في النفوس، فكانت الصدمة والترويع في لغة الجندية الامريكية حصد الرؤوس في الشوارع والبيوت والشرفات، وفتح النار على السكان المدنيين،  والتنقل من مجزرة إلى مجزرة، وكانت كل هذه الضروب الفاشية من الموت ، قد جرى التدريب عليها ، تنفيذا لمفردات قاموس الالفاظ، الذي يبدأ جملته الاولى ( أيها المحارب أقتل .. فإن لم تفعل فأنت في عداد الموتى .. تذكر دائما حكمة الصياد .. لا تدع طريدة تفلت منك ) !! وترسيخا لـ ( فعل القتل ) وتشجيعا عليه حملت المهمات العسكرية تسميات من قبيل؛ عمليات؛ "عقرب الصحراء، لدغة العقرب، العقرب الإسبارطي، العقرب الحفار، الثعبان سايدواندر، الثعبان آيفي، الرصاصة الحديدية، تفتيش النمر النائم، المطرقة الحديدية، حجاب النسر، نمر كل الأمريكان إعصار اللبلاب، بووت-هل، البندقية الخاطفة، تمشيط البندقية، عصرة النمـر، الطرق الخلفية للنمر، البندقية الغاضبة، معبر الشيطان، الخنق المستمر، الحل الحديدي، الحـانة، القَصَة النهائية، المسحال الناري، خطافة الشيطان، ملوك الانتحار، محق وتقطيع الاوصال، الطعنة النجلاء، قضمة الذئب، إنتصار التنين، المثقاب الصليبي، عملية نقار شواهد القبور، مدافع الشبح، اللعبة الثلاثية، شبكة العنكبوت، حلبة مصارعة الثيران".

 

تلك هي أسماء العمليات العدوانية التي استولدتها الصدمة والترويع، بقصد إصابة المواطن العراقي باليأس والاحباط أمام القوة الغازية، أي ألا تجرى مقاومة ضد قوات الاحتلال بعد وصولها داخل المدن. كان ذلك هدفا أساسيا يرتبط بما بعد نهاية الأعمال العسكرية ضد النظام العراقي السابق، وهو ما يذكرنا بقصف هيروشيما ونجازاكى بالقنابل النووية رغم أن الحرب العالمية الثانية كانت قد انتهت تقريبا. وقد قصد الامريكيون من إلقاء القنابل الذرية، ترويع الشعب الياباني نفسه، وهزيمته من الداخل.

 

هنا أيضا تتبدى المغايرة القاطعة في معاني الاسماء ودلالة الالفاظ ، بين ثقافة القتل الامريكية وبين التقاليد الاخلاقية للمقاومة؛ يعلق الدكتور طلعت رميح على هذه الفروق بسؤال؛ أي حضارة تلك؟ وأي ديمقراطية وحقوق الإنسان التي يدعون؟ وأي مجرمين هؤلاء؟ ؟،

 

إن الفارق الحضاري هنا بين الحضارتين الإسلامية والغربية يظهر حتى من اختيار الأسماء الرمزية للعمليات، فحين اختاروا تلك الأسماء القاهرة  والمسميات السوداوية ، تجد الأسماء الكودية للعمليات التي تقوم بها الجماعات المقاومة، تدور حول معاني ومضامين رفيعة بدر، الوعد الحق ، فجر ، غسق .. الخ.

 

أما الكاشف الأكبر لنمط الحضارة المعتدية ولأهداف الصدمة والترويع هو أن شركات تجارية تقدمت إلى البنتاغون الأمريكي، لتحصل على مسمى الصدمة والترويع  كعلامة تجارية. !!







الاحد ١٢ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور عبد الستار الراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة