الإعلام العربي؛ هو جزء من منظومة أكبر تحكمه .. ولا يمكن أن نتصور أن يكون حرا ومستقلا تماما، ورغم ذلك حاول الإعلام العربي اختراق حصار الوهم الأمريكي، وتقديم صورة مغايرة عن المشهد العراقي.. ولكن رد الفعل الأمريكي كان عنيفا ومباشرا .. كانت الرصاصة في مواجهة الكاميرا والصاروخ يتجه بخط مستقيم إلى بؤرة الفكرة .. لم تكن هناك حصانة لأحد، فقد تم قتل وتصفية الكثيرين من الإعلاميين وغيب واختطف عشرات المراسلين والمصورين. وبالرغم من الجنون الامريكي وإحكام قبضته على الشبكات الخبرية والفضائية، وسعيه المستميت على وئد الكلمة الحرة ، ومنع بث الصورة الصادقة، فإن الصحفيين العراقيين الاحرار، رفعوا شعارا يلخص المسألة كلها: "أقلامنا أقوى من بنادقكم"؟!، وذلك أثناء مسيرة حاشدة تعبيرا عن غضبهم واستنكارهم لإقدام جنود الاحتلال الأمريكي على قتل اثنين من زملائهم. فيما توالت عمليات إقتناص أصحاب الكلمة والصورة على نحو مأساوي، فقد سقط خلال سنوات القتل الامريكي عشرات المراسلين والصحفيين.

والمؤسف في الأمر ؛ المفارقة الصارخة ، ففي الوقت الذي سعت قنوات الأخبار العالمية الرصينة، توفير الحد الأدنى من الحماية والحقوق لمراسليها، فإن مثيلاتها العربية لا تزال حتى الآن في غفلة عن الأمر، ولعل هذا هو أحد الاسباب التي أتاحت لقوات العدو الامريكيي ولفصائل الإغتيال الحكومية فرصة اقتناص صحفييّ هذه القنوات.

ورغم وجود بعض الاستثناءات النسبية ، إلا أن الإعلام العربي في معظمه حاول التكيف للاسف مع المشهد المخادع، بل وإنحداره إلى مستوى الكذب الرخيص ، لإقتصاره في غالب الاحيان على نشر وجهة النظر الأمريكية ، بعد القيام بتخفيف نسبي من حدتها ورعونتها.. لكن المشهد الميداني وأخبار القتلى الأمريكيين التي ملأت قنوات إعلامية غربية شجعت بعض الوسائل الاتصالية العربية على التمرد ولو على إستحياء.. وبدأ الإعلاميون العرب الحديث مجددا عن "المقاومة" و"الاحتلال".

ومن عجائب الامور أيضا أن التشويه حدث ولايزال يحدث داخل المنظومة الاعلامية العربية لمصطلحات سياسية ولمفاهيم فكرية كانت هي الاساس في إحداث تغيير إيجابي لدى الامة العربية، خاصة في مرحلة نهوضها القومي، إبان الخمسينيات وأواسط الستينيات بفعل مشروع النهضة الوحدوي الذي تحمل مسؤوليته الزعيم العربي جمال عبد الناصر.