شبكة ذي قار
عـاجـل










يصعب على المتتبع لسياسة التخبط التي تمارسها حكومات الأحتلال المتتابعة في العراق أن يحيط بكل أبعاد القرارات التي صدرت وتصدر عن مواقع القرار في عراق اليوم، ليس بسبب تعقيداتها أو صعوبة فهمها، بل لكونها ترتكز في الأساس على ميزان القوى في المنطقة وابتعادها عن الواقع العراقي، وتنفيذها لأجندات خارجية لا تقترب إلى أبسط مقومات الوطنية، لذلك أصبح من الواضح تقاطع هذه القرارات مع بعضها البعض وتجاوزها لمفهوم الصالح العام وتركيزها على المصالح الفئوية والفردية الشخصية.


نحاول اليوم أن نسلط الضوء على موافقة ما يسمى مجلس الوزراء على مشروع قرار ينص على وجوب تخلي المسؤولين والوزراء عن أي جنسية أجنبية أخرى والاحتفاظ بالجنسية العراقية فقط أو التخلي عن المناصب السيادية!! وللإحاطة بحيثيات القرار وأبعاده وخلفياته ينبغي أولا أن نطلع على صيغة القرار الذي نقلته الصحف العراقية :


(( قرر مجلس الوزراء وجوب تخلي اي مسؤول من مدير عام فما فوق وكل ضابط عن اي جنسية اخـــــــــرى والاحتفاظ بالجنسية العراقية فقط ))


القرار واضح جداً، لكن المبهم فيه هو أبعاد هذا القرار الذي من المفترض إذا ما تم تنفيذه فإنه سيطيح برؤوس العملية السياسية الذين أذاقوا العراقيين الآلام والأحزان طوال الحقبة السوداء ما بعد أحتلال العراق، ولأننا وجميع العراقيين على يقين بأن فاقد الشيء لا يعطيه، فسيكون في حكم المؤكد أن وراء هذا القرار الكثير مما يمكن كشفه، ويفتح الآفاق لتتبع جذور الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار المبهم.


سنضع أمام القارئ بعض الحقائق التي لن يختلف عليها إثنان يمتلكان القليل من الوطنية، ومن خلالها يمكن أستنباط المفاهيم التي أسست لهذا القرار، وهل بالأمكان استبعاد نظرية المؤامرة؟ أو بعبارة أخرى، هل بالإمكان توقع الخير ممن لا خير فيه؟ هذا سوف نتركه لنهاية المقال.


وقبل أن يذهب البعض بعيداً باتهامنا باستهداف قرارات تبدو جيدة في ظاهرها -حتى لو صدرت ممن لا خير فيه- نقول لهم بأن هكذا قرار مصيري كان يجب أن يتخذ قبل وقت بعيد، وهو بالفعل قد تضمنه الدستور الجديد، لن أوقف تنفيذه من قبل البرلمان الأول في حكومة الاحتلال الأولى لأسسباب معروفة، فدخل العراق بعدها في دوامة بائعي الضمير وآكلي السحت الحرام الذين تعلو انتماءاتهم الأجنبية فوق جنسيتهم العراقية، والذين استلموا الوزارات تلو الوزارات حتى أحالوها إلى ركام طائفي يملؤه الفساد والمحسوبية، لكننا سنناقش هذا القرار في واقعه الزمني الحالي ودون اتهامات خالية من الأدلة، بل بأدلة أثبتها أصحاب القرار أنفسهم قبل غيرهم.


ومن بين الحقائق التي تطرح نفسها بقوة والتي أثبتت بالوقائع خلال العشر سنين الماضية من عمر العراق في ظل منظومة أراد لها المحتل أن تكون ذات فائدة كبيرة لمخططات تتجاوز حدود العراق دون أن يكون للعراق وشعبه نصيب من خيراته وثرواته، نبين أبرزها فيما يلي:


1- تنص الفقرة الرابعة من المادة 18 في الدستور العراقي الجديد على انه يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصباً سيادياً أو امنياً رفيعاً، التخلي عن اية جنسية اخرى مكتسبة على ان ينظم ذلك بقانون، وكما بينا سابقا بأن البرلمان الأول بعد الاحتلال عطل العمل بهذه الفقرة بسبب شمول أغلب اعضاء البرلمان بمواد القانون.


2- كما ونعلم بأن هناك مواد في القانون العراقي لم يجرى عليها أية تعديلات بعد الاحتلال، والتي تمنع تعيين أصحاب الجنسيات المتعددة بمناصب الدرجات الخاصة والوزارات والضباط، بل ويمنع المتزوجين من أجنبيات من التعيين في هذه المناصب، فقد ورد في المادة الخامسة من القانون الأساسي (1925) ( تعين الجنسية العراقية وتكتسب وتفقد وفقا ً لأحكام قانون خاص ) وقد نصت المادة الثلاثون منه على :ــ


(لايكون عضوا ً في مجلس الأعيان أو مجلس النواب ) :ـــ

 

1 ـ من لم يكن عراقيا .ً


2 ـ من كان مدعيا ً بجنسية أو حماية أجنبية .


وتطبق على الوزارة نفس هذه الأحكام وفقا ً للمادة الرابعة والستين من القانون الأساسي.


3- إن معظم المنخرطين بالعملية السياسية يحملون جنسيات أجنبية بحكم معارضتهم للنظام الوطني.


4- وأن أغلب هذا المعظم هم من المشاركين بدورات أستخبارية نظمتها دوائر الاستخبارات التي شاركت بغزو العراق.


5- وهؤلاء يمثلون مصالح الدول التي يحملون جنسيتها بحكم قوانين منح الجنسية الأجنبية.


6- وأن كثير من هؤلاء يستلمون معونات تلك الدول بالرغم من تفاهتها وضخامة رواتبهم في وظائفهم الحالية.

7- وإن منهم من حصل على الجنسية العراقية بعد أحتلال العراق.

8- وأن جميعهم على الاطلاق يعيش هو وعائلته في خارج العراق ويزور العراق في مواسم معينة.


9- كشفت عدد من التحقيقات ملفات فساد وسرقة أموال العراق ضد خمسة وزراء سابقين وتهريبهم لتلك الأموال إلى دول اجنبية لشراء العقارات والمباني وإقامة المشاريع المختلفة، ولم تحسم هذه القضايا لحد اليوم، ولن تحسم بسبب تغلغل الفساد في أساسات الدولة.


10- يمثل هؤلاء أكثر الأحزاب المشاركة في العملية السياسية وبعضهم يقودها وأخرين يمثلونها في الدول الأجنبية.


11- بعض من هؤلاء يحملون صفة سفير أو دبلوماسي في الدول الأجنبية ويديرون مصالح الآخرين ممن هم في الحكم.


12- إن تخلي هؤلاء عن الجنسية الأجنبية كمن يستغني عن الملايين التي سرقها والتي سيسرقها مقابل تخليه عن الجنسية الاجنبية، أو تخليهم عن الملاذ الآمن الذي يؤمن لهم الخروج من العراق بعد فقدان وظائفهم.


هذه الحقائق المهمة تضعنا أمام علامات استفهام كبيرة حول جدية هذا القرار وما يمكن أن ينتج عنه في حال تنفيذه، وفيما إذا كانت هناك دوافع حقيقية تقف خلفه، وهنا نطرح التساؤلات التالية:


1- ما هي التبعات القانونية لخرق مواد قانون الجنسية العراقي الذي يمنع من تولي المناصب الوزارية لمن يحمل الجنسية الأجنبية؟


2- ما هي ردة فعل قادة ألأحزاب المشاركة في العملية السياسية تجاه هذا القرار الذي سيضعهم أمام خيارات صعبة، بين ميزات منحتها لهم جنسيتهم الأجنبية، وبين ميزات توفرها مناصبهم الحالية؟


3- هل يمثل هذا القرار جزء من خطة إيرانية للسيطرة على المناصب الحكومية بعد التخلص من ذوي الانتماءات الأجنبية الغربية؟ والتي ستعد عملائها بإعادة منحهم الجنسية الإيرانية في حال خروجهم من الوظيفة؟ وهذا يقودنا إلى التساؤل التالي:


4- هل سيؤثر ذلك على حاملي الجنسية الغربية من الذين ينفذون في الأصل أجندات إيرانية؟


5- هل سيكون هذا القرار تجاوزاً على اتفاقات وتفاهمات وعهود قديمة أبرمتها الدوائر الغربية قبل إحتلال العراق من أجل ضمان السيطرة على العملية السياسية في العراق؟


6- هل طرح هذا القرار وتوقيته على علاقة بالانتخابات القادمة، والتي يمكن أن تفتح الآفاق لمساومات سياسية جديدة؟


7- هل يحاول المالكي وأئتلافه تبييض صورته أمام الشارع العراقي بعد فقدانه السيطرة على غرمائه السياسيين وفقدانه فرص ترشيحه لرئاسة الوزراء لدورة ثالثة؟


8- فيما لو كنا متفائلين! هل سيفتح هذا القرار الباب أمام تسلم المناصب الوزارية والمهمة من قبل شخصيات عراقية وطنية من التكنوقراط؟ أم هناك بدائل جاهزة لن تختلف عن سابقتها عدا في موضوع تعدد الجنسية؟


هذه بعض التساؤلات التي دارت في مخيلتي عندما استقبلت الخبر، وربما هناك الكثير منها لم يذكر، لكن الاجابة عليها تعتمد على أبعاد القرار وحسن نيته المفقودة خلال عمر العملية السياسية التي لم تثبت غير كونها عملية بنيت على باطل، وكل ما صدر ويصدر عنها باطل كتحصيل حاصل، ويقودنا هذا إلى وضع القرار في خانة الصراعات السياسية بين أطراف العملية السياسية، وكذلك بأعتبارها مخططاً إيرانيا للتخلص من غرماء تابعيهم في العراق.


وفيما يتعلق بتاثيره على وضع العراق الداخلي فسيكون الموضوع اسوء بكثير، والسبب ببساطة يرجع إلى استمرار منهج نقل الصراعات السياسية إلى الشارع العراقي من خلال التأجيج الطائفي لخلق البيئة المناسبة لإدامة زخم المشاريع المشبوهة ضد العراق ومحيطه العربي.

 

 





الخميس٩ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الوليد خالد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة