شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

الدول والحكومات، التي تحترم نفسها وشعبها ونظامها السياسي والقضائي، لا تعقد صفقات مع رؤساء منتهية ولآيتهم، وخاصة عند وجود رئيس جديد منتخب، يعلن بأن لدية مفتاح الحلول، ويتعهد بحل المشاكل العالقة،  ويعلن ويؤكد أنه رسالة سلام لشعبه المضطهد ولدول الجوار التي تعاني من التدخل السافر والمنطقة والعالم الذي يرى في السلوك السياسي الإيراني مبعثاً للارتياب والقلق وعدم الاستقرار.

 

 فلماذا هذه العجالة في عقد صفقات مريبة مع رئيس منتهية ولآيته قبل (48) يوماً من مغادرته مكتب الرئاسة، وعدم الانتظار حتى يفتح "حسن روحاني" ، بمفتاحه الإيهامي الصدئ ما علق بين البلدين على أساس أعتاب مرحلة جديدة لم يتفاءل بها العالم، وتكون مثل هذه الصفقات سارية مع العهد الجديد- القديم، خاصة وأن الرئيس نجاد من أكثر الرؤساء الإيرانيين تهوراً وغطرسة واستهتاراً ورعونة في تصرفاته وسلوكه وفي علاقات بلاده، الأمر الذي جلب له الكثير من التقريع والتوبيخ والاتهامات.. ومع كل ذلك يأتي إلى العراق "الضيعة الإيرانية" ليوقع عدداً من الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية والثقافية خلافاً لإرادة الشعب العراقي.؟!

 

ماذا يريد " نجاد " أو بالأحرى ماذا تريد القيادة الصفوية من العراق ؟ ولماذا أرسلت "نجاد" .. ولماذا لم تنتظر زيارة الرئيس الجديد "حسن روحاني" .. ثم ما الذي تستهدفه من هذه الصفقة المستعجلة ؟!

 

وقبل الإجابة على هذه التساؤلات لا بد من التطرق أولاً إلى عدد من الموضوعات المهمة والخطرة، قبل تناول تصريحات هذا اليهودي الإيراني بالتحليل والاستنتاج طالما يخفي الإيرانيون نياتهم وراء عبارات تكشف باطنيتهم حيال العراق والمنطقة والعالم على حد سواء :

 

أولاً- غياب المفاهيم القانونية في إيران :

الرئيس (نجاد) المنتهية ولآيته ما يزال يحتجز بدون وجه حق وبدون سند قانوني أو حتى دستوري - وليس ذلك دفاعاً - موشحين رئاسيين سابقين هما (مير حسين موسوي) و ( مهدي كروبي )، إضافة إلى زوجة موسوي (زهراء رهنافارد)، التي وضعت أيضاً في الإقامة الجبرية .. وإن اعتقالهم كان وما يزال سياسياً دون أن توجه لهم تهمة، في ظل نظام يدعي الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة .. كما إن النظام القانوني الذي وضعه "خميني" لا يحتوي نصاً للاحتجاز السياسي، كما أن المدونة القانونية الإيرانية لا تقدم تعريفاً لمفهوم الاحتجاز الإجباري، وليس هنالك تشريع، ومع ذلك تحتجز رئاسة "نجاد" سياسيين مرشحين رئاسيين معارضين منذ الانتخابات الرئاسية الإيرانية السابقة.!!

 

الملاحظ ، في ظل ديمقراطية النظام الصفوي الإيراني، أن أكثر من (4000) مواطن إيراني مودع في السجون الإيرانية حالياً أو قيد الإقامة الجبرية لأسباب سياسية مزعومة دون أن يحددها القانون بتهمة أو بعقوبة محددة .. وعلى مدى خمسة وثلاثين عاماً الماضية أمضى أكثر من نصف مليون إيراني وبفترات متباينة في السجون والمعتقلات الإيرانية بتهم سياسية لم يحددها قانون، فيما ترتفع معدلات الإعدامات في عموم إيران، وخاصة في الأحواز العربية، بشكل لا مثيل له في ظل أكثر الأنظمة فاشية .. و"نجاد" هذا جاء إلى العراق لإشاعة الأمن والسلم في العراق والمنطقة .!!

 

ثانياً- لا أحد يستطيع ضبط تدفق السلاح الإيراني إلى خارجها :

قبل بضعة أيام، وبالتحديد يوم 13تموز- يوليو الحالي، أطلق " هوشيار زيباري" وزير خارجية الحكم الصفوي في العراق تصريحاً مفاده ( أن السلطات العراقية لا تستطيع منع تدفق الأسلحة والمقاتلين عبر العراق إلى سوريا ).. فيما قال مستشار وزارة النقل (أن الوزارة لا تستطيع تفتيش جميع الرحلات القادمة من إيران وغيرها- موسكو-)، وتتذرع الوزارة بعدم وجود أجهزة لديها للكشف عن الأسلحة.!!

 

الحقيقة ليست هذه .. إنما هي تسويف متفق عليه بين طهران وبغداد ودمشق وتحت أنظار واشنطن واستخباراتها الكثيفة التي تتولى أنشطتها من خلال أضخم سفارة أمريكية في المنطقة من حيث تخصصات كوادرها وفي مقدمتهم المخابرات، التي تعلم علم اليقين عدد الطائرات الإيرانية التي تهبط يومياً في مطار النجف قادمة من إيران وهي في طريقها إلى دمشق محملة بمقاتلي (الحرس- بصفة زوار إيرانيون) و (الأسلحة والذخيرة الإيرانية) .. فلو أرادت أمريكا أن تغلق باب الدعم العسكري لنظام دمشق لتحركت، حتى في إطار الاتفاقية الأمنية المذلة للعراق، وأوقفت هذا الدعم المخالف لقرارات مجلس الأمن، التي وافقت عليها أمريكا ذاتها .. ولكنها لا تريد أن تفعل شيئاً، لأن سياستها حيال القضية السورية تقوم حالياً على (لا غالب ولا مغلوب) في ضوء التوافق الإستراتيجي الروسي الأمريكي .

 

ولكن الغرابة في التصريح .. ما المقصود منه ؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات ؟ ربما جاء لكي يلفت النظر إلى مسألة باتت تؤرق في تداعياتها الشعب السوري، الذي بلغ حد الكارثة الإنسانية، ولكي تحرك أمريكا ساكناً حيال هذه القضية الملحة وإيجاد الحلول لها قبل أن تستفحل أثارها وتمتد إلى خارج حدودها .. والإيرانيون لا يكترثون كما هو معروف بالشعب العربي السوري ولا بالدولة السورية، إنما يهمهم النظام السوري فقط.!!

 

الأسلحة الإيرانية والروسية تتدفق عبر العراق إلى سوريا.. والعراق بات معبراً إستراتيجياً لإيران وروسيا .. ولا نستغرب أن صفقة السلاح التي عقدها العراق مع موسكو قد يذهب بعضها إلى دمشق وبأوامر من طهران، لأن مليارات العراق ليست حصة الشعب العراقي، إنما هي خاضعة لتصحيح اختلال الموازنة الإيرانية، بدليل أن الحجم التجاري بين طهران وبغداد تجاوز (13) مليار دولار، وإن إيران تصدر أكثر من (25) مليار مكعب من الغاز إلى العراق – والعراق هو بلد النفط والغاز الأول في المنطقة من حيث المخزون الإستراتيجي بعد السعودية، فهل يعقل أن يستورد العراق الغاز الإيراني والعراق يحرق غازه بملايين الدولارات؟! .. ثم ماذا يصدر العراق إلى إيران مقابل الـ(13) مليار دولار الحجم التجاري بين البلدين؟!

 

ثالثاً- كيف نفسر تصريحات اليهودي الصفوي "أحمدي نجاد" في بغداد السلام؟:

قال هذا المأزوم بالجريمة ( أنا وعلى عاتقنا رسالة مشتركة. رسالة تقدم واستقرار وأمن، وكذلك رسالة سلام .. وإن العلاقات العراقية- الإيرانية علاقات متميزة واستثنائية، وعلاقات لها جذور حضارية وثقافية وكذلك الاعتقادات السماوية.. وإن للبلدين دورهما في إشاعة الثقافة في المنطقة )؟!

 

ولو تفحصنا مدلول الكلمات التي وردت في هذا الصريح ، وما تنطوي عليه المعاني التي ترمي إليها بباطنية معروفة عنها طبيعة الفرس في أحاديثهم وكلامهم وتصريحاتهم، يمكن الوصول إلى الآتي :

 

- يتحدث "نجادي" عن رسالة مشتركة بين طهران وبغداد، والمعنى في هذه الرسالة هو الخط السياسي الذي رسمته طهران للعمل المشترك عابر للحدود على صعيد الأمن على وجه التحديد، طالما أن العلاقات- حسب وصفه- علاقات استثنائية ومتميزة .

 

- يتحدث "نجاد" عن روابط هذه العلاقات ويصفها بأنها حضارية وثقافية.. ولا أدري أي رابط بين ثقافة العراق وحضارته العربية الضاربة في عمق التاريخ ، وبين الحضارة المجوسية الفارسية التي تناصب العداء للعرب وللمسلمين، وتسعى من أجل محوها وطمس معالمها عن طريق العدوان والتوسع والتشيع الفارسي؟!

 

- يتحدث "نجاد" عن ما أسماها بجذور الاعتقادات السماوية .. فإذا كان يقصد الإسلام ، فأن الإسلام لا يبيح العدوان ولا القتل ولا الرجس، إنما يدعوا إلى العدل والتسامح والإنصاف ومخافة الله .. فأين منهج إيران ونظامها الصفوي من كل هذا؟ فهي تتعاون مع عدوة الشعوب أمريكا، كما تتعاون مع منهج الكفار حسب منطق الإسلام والمسلمين.. فأين هو الرابط الحقيقي إذن في ما أسماه بالمعتقدات السماوية؟ ، والمقصود الباطني هنا ، هو الطائفية التي تجمع النظام الصفوي في طهران، مع مجموعتها من الطائفيين الذين يحكمون بغداد في الوقت الراهن، حيث يضفي عليها هالة السماوية بشيء من القدسية، ويتحاشى ذكر الدين والمذهب.!!

 

- ثم يتحدث "نجاد" عن الدور المشترك لكل من إيران والعراق في إشاعة الثقافة في المنطقة .. والتساؤل هنا ، إي ثقافة مشتركة بين البلدين يمكن إشاعتها في المنطقة ؟ وما هو نوعها وشكلها ومضامينها وأسانيدها وحقائقها ومنطلقاتها الفكرية والفلسفية، لكي يصار إلى أن تكون مشتركة وتلعب دوراً مشتركاً في المنطقة؟ ثم لماذا تكون مشتركة وثقافة العراق ثقافة عربية خالصة وهي جزء من الثقافة العربية الإسلامية ومركز من مراكز إشعاعها وتنويرها ؟ وما هو الربط بين ثقافة عربية أصيله يشهد لها التاريخ، وثقافة جذورها فارسية متعالية على كل الثقافات في المنطقة، حيث ترى الثقافة الفارسية ولحد الآن العرب هم مجرد همج لا يجيدون أي شيء سوى الرعي وأكل الجراد!!  

 

الذي يبطنه " نجاد " في موضوعة الثقافة المشتركة بين إيران والعراق، هو العمل الطائفي- السياسي المشترك، حيث يصدر العراق الطائفية إلى المنطقة حسب المنهج الصفوي الإيراني، وهو المنهج الذي يتضمن خارطة واسعة من العمل المشترك، تشتمل على إعداد الرجال وتدريبهم على الإرهاب في معسكرات العراق، وتسليحهم وتوفير مستلزمات تحركاتهم ومهامهم وسفرهم وتنقلاتهم ودعمهم بالمال والسلاح والمعلومات، كما يحصل الآن على سبيل المثال، في جبال (صعدة) اليمنية وجزرها التي يتكدس فيها السلاح الإيراني، وكما حصل لحزب الله في الجنوب اللبناني حيث السلاح الإيراني الذي جعل هذا الحزب (يتغول) على الدولة اللبنانية ويهدد استقلالها الوطني وسيادتها وسلمها الاجتماعي بالتقسيم والتفتيت الطائفي.. وما حصل في الجنوب اللبناني وفي جبال صعدة اليمانية، يمكن أن يحصل في البحرين والكويت والسعودية وغيرها من بلدان المشرق والمغرب العربية وحسب واقع التحولات ومجرى السياسة.!!

 

فعلى الدول العربية جميعها، ودول الخليج العربي على وجه الخصوص أن تدعم الخط المقاوم في العراق بكل ثقلها وأن تشكل مدداً دفاعياً لأن العراق عمقها الإستراتيجي، مهما فرطت بهذا العمق، سيظل كذلك مهما تكن الظروف.!!

 

رابعاً- أهداف زيارة "نجاد" المريبة إلى بغداد .؟

1-  لاستكمال الخطة التي بدأها لـ(تطبيع) العلاقات، وتكريس واقع الترابط الاقتصادي والنفطي والأمني بين البلدين لمزيد من استنزاف موارد العراق النفطية والمالية، فيما يحرم الشعب العراقي من هذه الموارد .. إذ ينعدم التكافؤ في العلاقة التجارية ويميل الميزان التجاري لصالح إيران بنحو أكثر من (13) مليار دولار، وهو الأمر الذي ينعش الاقتصاد الإيراني على حساب العراق وشعبه، والحكومة العميلة لا تعارض تسويق (زبالة) المنتجات الإيرانية إلى العراق.

 

2-  ربط العراق بخطة الأمن المتبادل، وهو الأمر الذي ينبغي أن يطلع الشعب العراقي على مضامين الاتفاق، وعدا ذلك فأنه في حل من كل التزامات يفرضها الاتفاق، وتلك هي مهمة النواب الشرفاء ومهمة القوى الوطنية والقومية والإسلامية الوطنية المناهضة والمقاومة، كما هي مهمة الشعب العراقي العظيم لإجهاضها.

 

3-  الإنفاق على أن يكون العراق ساحة متقدمة للدفاع عن النظام السوري ومعبراً للسلاح ولعناصر المليشيات الإيرانية، تنفيذاً لتوجيهات المرشد ولي الفقيه "علي خامنئي" .

 

4-  يستكمل اليهودي الإيراني "نجاد" ما توصل إليه في زيارته الأولى في بغداد وعلى طاولة المفاوضات مع الأمريكان من خلال سفيره " حسن قمي" وجنرالاته ومخابراته دون أن يكون للحكومة الصفوية العميلة في بغداد أي تمثيل في تلك المفاوضات، التي خلصت إليه بالتوافق.

 

إن نهج ملالي طهران مكشوف تماماً مهما برعوا في باطنيتهم (تقيتهم)، لأن العراقيين والعرب جميعاً باتوا يدركون نياتهم الخبيثة ، ولأن السلوك الصفوي هو الذي يكشف النيات على الأرض .!!

 

 





السبت ١١ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة