شبكة ذي قار
عـاجـل










حتى لو كانت الضربة محدودة، فأنها تشكل منعطفاً مهماً له تداعيات تقع في مقدمتها أولاً- أنها تأتي من خارج إطار مجلس الأمن الدولي وثانيا- ولأنها كذلك فهي سلوك غير شرعي، كما حصل حين انفردت أمريكا وبريطانيا على وجه الخصوص بقرارها غير المشروع، حين شنت عدوانها الغاشم على العراق، وثالثاً- أنها تكرس سابقة دولية خطيرة بتكرارها تضع النظام الدولي على حافة الانهيار، وخاصة ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، التي يقوم عليها هذا النظام. ورابعاً-  أنها تضع العلاقات الإستراتيجية المعلنة بين الأطراف الإقليمية وروسيا ومنطقة ( الشرق الأوسط ) في خانة الاختبار. وخامساً- أنها تكشف عن أسلوب تنفيذ جرائم أمريكا وتابعوها من دول الناتو في إدارة الصراع ومعالجة النزاعات الإقليمية، فضلاً عن فض الاحتقانات عن طريق التدخل العسكري الفاضح. وسادساً - أنها تقدم سيناريو الضربة الأطلسية المرتقبة للدولة السورية لـ ( إبقاء النظام ) وليس الإطاحة به و ( إبقاء ) المشكلة عالقة بوجه أخر تستطيع من خلاله اللعب والتدخل والتدمير على مراحل، والتي تمثل نموذج الاستهتار والجريمة التي ارتكبتها أمريكا وحلفاؤها ضد العراق وما نتج عن هذه الجريمة من كوارث ما يزال الشعب العراقي يعاني من أفعال حكومته الطائفية الفاسدة التي خلفها لتنفيذ الأهداف الأمريكية الإيرانية المشتركة .

 

من بديهيات التعامل مع السياسات الدولية أن ( لا أحد يضحي بنفسه من أجل الآخر ) ، فحين سؤل " السيد "سيرغي لافروف" ، الذي استخدمت بلاده الفيتو في مجلس الأمن وأغلقت باب استخدام القوة، وفتحت باباً أخرى غير شرعية لاستخدامها من وراء ظهر النظام الدولي المغيب ، هل سترد موسكو على قرار واشنطن بالتدخل العسكري في سوريا .. كان جوابه ( إن روسيا لا تعتزم التدخل في أي حرب مع أي كان بسبب سوريا ) .!! ، وهذا الرد سرعان ما انسحب كالصاعقة على نظام طهران الصفوي، الذي وضع موسكو خلفه في حسابات إستراتيجية إسناداً لعمقه المزعوم المتمثل بسوريا كنظام وليس كدولة عربية وشعب عربي .

 

هنا ، يأتي الإفصاح عن جزء من غاطس السياسات الدولية، ليس في فهم ما يظهر على السطح من تصريحات تمارس الشد والجذب في مداخلات ومباريات الدعم والقوة والإسناد، إنما أن اللحظة الفارقة في تنفيذ السياسات ذات الزخم الإستراتيجي تبرز ملامح حقيقة العلاقات ومدى اقترابها أو ابتعادها عن جوهر المصالح، التي تحركها ثوابت الأمن القومي والمجالات الحيوية للدول الكبرى والعظمى .

 

خطوط الترابط المعلنة بين إحدى القوى الإقليمية وروسيا ستتفكك، وهي خطوط ترابط نفعي تكشف عنها مسميات ( الدعم اللوجستي ) و ( إسناد الممانعة والمقاومة ) و ( التهديد بإحراق المنطقة بأسرها ) و ( إن النار ستتسع حلقاتها إلى دول الجوار وتمتد لتشمل المنطقة برمتها ) .. ثم الشراكة الإستراتيجية ذات المغزى التجاري والاقتصادي والمالي لا تستقيم مع الشراكة الإستراتيجية بمعناها الـ ( جيو- إستراتيجي ) القائم على عناصر الأمن القومي والمصالح الحيوية .

 

الترابط ( النفعي المصلحي التجاري ) ، الذي يطلق عليه الترابط الإستراتيجي، القائم بين ( دمشق وطهران وموسكو وبيدق العراق ) ليس ترابطاً إستراتيجياً إنما هو شراكة إستراتيجية ، والشراكة مبنية على عقد أو عقود وبالإمكان فسخ تلك الشراكة إذا ما تعرضت مصالحهم العليا إلى الخطر.. بمعنى، أن إيران لا تضحي بنظامها وأمنها القومي وتعرضهما إلى الخطر بسبب سوريا على الرغم من قولها أن سوريا باتت الولاية الإيرانية الـ ( 35 ) .. وإن روسيا لا تضحي بنظامها وأمنها القومي وتعرضهما إلى الخطر بسبب سوريا .. وإن جسور الترابط بين المثلث الإيراني السوري الروسي ستضعف ومن ثم تتفكك، عندئذٍ ، سيعود الفرقاء المعنيون بالقرار يلوحون بالتبريرات الخاصة بطريقة الترابط والعلاقة وحجم الأحداث التي تعصف بالمنطقة ، وذلك للنأي بأنفسهم عن النتائج .

 

يعتقد الإيرانيون واهمين، بأن نفوذهم سيستمر بالتشعب صوب البحر الأبيض المتوسط- العراق سوريا لبنان الأردن- في المشرق العربي، ليصل إلى - الكويت الإمارات البحرين السعودية اليمن- ويتصاعد إلى مصر ودول المغرب العربي- هذا الاعتقاد المسكون بوهم التوسع لا يستقيم مع قدرات إيران الهشة والضعيفة، وإن ابتعاد مركزها عن حملتها التوسعية هي في حقيقتها عبئاً ثقيلاً على المركز طهران غير قادرة على تحمله وبأوضاعها الداخلية المتدهورة إلا من حالة الغطرسة الفارسية.

 

فالمستنقع الذي دخلته الطغمة الطائفية الظلامية في طهران بالتعاون مع الإمبريالية الأمريكية الخائبة،  لتخريب المنطقة وإعادة تشكيلها، لن تخرج منه إيران سالمة بعد افتضاح أدواتها الطائفية التي استخدمتها أمريكا مطية لتنفيذ مشروعها الاستعماري المشبوه، فيما باتت أساليب النفخ الإمبريالي بالمشروع الإيراني والتهديد الإسرائيلي الفارغ، فاضحة على مدار أكثر من عشر سنوات من الفضائح التي تزكم الأنوف .

الحلم الإيراني بدأ يتبدد على أرض الواقع، ليس بفعل عدوان أمريكا والناتو على الشعب السوري العربي، إنما بفعل يقظة الشعب العربي وقواه المناضلة والجماهير التي أدركت أبعاد اللعبة المزدوجة القائمة بين أمريكا وإيران وخلفهما ( إسرائيل ) وأداتها العثمانية .

 

فإذا كانت موسكو تعتقد بأن وقوفها خلف إيران، التي ترعى مصالحها العليا بالدفاع عن نظام الأسد سيجعلها سيدة الموقف، فهي واهمة تماماً، لأنها خسرت وستخسر كثيراً، والسبب هو عدم موضوعيتها، وتعاملها مع نظام توسعي ( طهران ) ونظام طائفي فاسد ( دمشق ) ، اعتقاداً منها بأن المستقبل هو لصالح الطائفية ضد القومية العربية، وهذا الاعتقاد قاصر وفاشل وغبي لا يدرك طبيعة محركات الصراع في الواقع العربي، إنما مأخوذ بتوجهات ذات طبيعة نفعية ( براغماتية ) خالصة، شأنها في ذلك شأن واشنطن، التي تقف عاجزة ومترددة ومذعورة من تكرار تجربتها الإجرامية في العراق، حيث تلقت على يد المقاومة الوطنية العراقية الباسلة دروساً أنستها كل تاريخها الإجرامي، لكي تقول للعالم ( نحن لن نتدخل في أي نزاع عسكري ) ، وهذا يكفي للاعتراف بأن ظهرها قد قصمته المقاومة الوطنية العراقية.

 

وإذا كانت خسائر موسكو الجسيمة التي منيت بها جراء سياساتها النفعية القاصرة في المنطقة، وانحسار كل مواقع نفوذها التي تراها إرثها السوفياتي، والتي تريد العودة إليه في سياسة عمياء غير متوازنة ونفعية، فأن إيران أمام إفلاس كامل وشامل، بعد افتضاح أمرها وعلاقاتها مع أمريكا و ( إسرائيل ) وارتباطات مؤسستها الدينية في ( قم ) مع المخابرات الخارجية البريطانية .

 

فهل تتملص روسيا من مسؤولية دعمها النظام الدموي في دمشق بالأسلحة وبالمواد الكيمياوية وبالسياسة والدبلوماسية ، والنظام يمارس في عين الوقت كوارث القتل والإبادة ضد الإنسانية ؟ ما هي الحجج، التي تتمسك بها موسكو لتبرير استمرار النظام الدموي في ارتكاب الدمار والمجازر كل يوم منذ أكثر من سنتين؟ ثم ، هل تتملص روسيا من مسؤولية دعمها للنظام الطائفي التوسعي في طهران الذي يمارس أبشع وسائل القمع والقتل والنهب بالتعاون مع الإمبريالية الأمريكية في العراق؟! ، ألم تدرك موسكو أن أمريكا وإيران وجهان لعملة واحدة في تعاونهما الإستراتيجي في العراق وفي المنطقة ؟! كيف تتعامل موسكو مع طهران، في الوقت الذي تتعاون فيه طهران كلياً مع واشنطن من أجل تغيير خرائط المنطقة جيو- سياسياً ؟!

 

موسكو تسلح طهران، وغاز الـ ( سارين ) و ( السيانيد ) استخدمتهما طهران في مجالين ، الـ ( سيانيد ) في حلبجة والـ ( سارين ) ، ومصدره طهران وموسكو في المحصلة، استخدمه النظام السوري ، راح ضحية استخدامه في الـ ( غوطتين ) أكثر من ( 1429 ) مواطناً مدنياً سورياً .. ألم تكن موسكو شريك في جريمة العصر ضد الإنساني، التي ارتكبها نظام دمشق، ونظام طهران المجرم الشريك في هذه الجريمة، كما هي أمريكا وكيانها الصهيوني وإيران شركاء في الجريمة الكبرى وهي احتلال العراق وتدميره وتمزيق شعبه طائفياً وعرقياً .. ألم تدرك موسكو أن طهران وهي تدعم دمشق ليس حباً بالشعب العربي السوري ولا بالدولة العربية السورية العريقة في عمقها التاريخي، إنما إمعاناً في تدمير عروبة هذا الشعب وسلخ هويته القومية العربية وتدمير إرثه الحضاري ؟!

 

- والتساؤل هنا، هل أن استخدام الفيتو فقط تستطيع روسيا من خلاله أن تستعيد مكانتها في المنطقة ؟ ، الاتحاد السوفياتي السابق كان يتعامل مع الشعوب، يناصر تحولاتها وثوراتها ويساند تطوراتها وتقدمها- ليس لوجه الله طبعاً- إنما اتساقاً مع أيديولوجية ذات مضامين كونية معروفة، ولكن ما هي ملامح موسكو في هذا العصر؟ وما الفرق بينها وبين الإمبريالية في سمات المخادعة والمساومة والمناورة والنفعية والتجرد من أي أيديولوجية تحمل بين طياتها مبادئ العدل والإنصاف والموضوعية في التعامل ؟

 

- روسيا تحولت إلى تاجر جملة في السياسة الدولية، تريد زيادة إنتاجها القومي الإجمالي (  ( الذي يبلغ حالياً  قرابة  ( 2.2 ) تريليون دولار، فيما يبلغ الناتج القومي الإجمالي الأمريكي ( 16 ) تريليون دولار.. أما مكانة روسيا في إجمالي هذا الإنتاج سنوياً فأنه يضعها في المرتبة ( 77 ) ، فيما يكون المقابل الأمريكي في المرتبة ( 14 ) عالمياً .. )  ) ؟!

 

- روسيا تدعم نظاماً دموياً وفاسداً في دمشق من أجل التجارة .. وتدعم نظاماً طائفياً ظلامياً في طهران من أجل التجارة .. والتجارة وفلسفتها ربح وخسارة، فكيف ستعالج موسكو خسارتها بعد رحيل نظام الأسد؟ لأن أحوال النظام متدهورة حتى لو كان العدوان الأطلسي المرتقب على الشعب السوري محدوداً يضعف النظام أكثر ولا يسقطه، فهل تبقى الأحوال كما هي في التعامل مع الوحدات السياسية الكائنة في محيط النظام السوري القريب والبعيد نسبياً .. وما هو مستقبله؟ وكيف ستعالج موسكو خسارتها بعد ضعف نظام دمشق واحتمال انهياره داخل عزلته الإقليمية والدولية، على افتراض عدم سقوطه، في تعاملاته مع طهران، التي ستصبح أكثر ضعفاً وانهياراً من الداخل عدا المكابرة والغطرسة الفارسية بأوهام القوة الطائفية والدجل والشعوذة؟!

 

- أمريكا الإمبريالية .. بعد درس العراق القاسي ودروس مقاومته، باتت إدارتها مرتبكة ومترددة في اتخاذ قرار التدخل الخارجي، على عكس الأهوج بوش الأبن .. فأمريكا بكل قوتها وقدرات مراكزها البحثية والسياسية والأمنية والإستخبارية، لا تتطابق سياساتها مع تقديراتها غير الواقعية، وإن خياراتها غير مضمونة النتائج، ونزعتها المغامرة جلبت لها وللمجتمع الأمريكي ولشعوب العالم الكثير من الكوارث .. فهل أن أمريكا تفهم طبيعة تلك الشعوب لكي تسعى إلى إعادة إنتاج أوضاعها ومفاهيمها ومنظومات قيمها ومرتكزات حضاراتها الراسخة عبر التاريخ؟!

 

- نهج روسيا يسير على المنوال نفسه الذي تسير عليه واشنطن في إدارة صراعات العالم على وفق منافع ( براغماتية ) نفعية خالصة، حتى لو سفكت الدماء بغزارة وباتت شوارع مدن العالم تعج بالمجازر؟

 

- على طاولة الرئيس الأمريكي ست خيارات إستراتيجية أمريكية، معدة للعدوان على الشعب العربي السوري والدولة العربية السورية، بحسابات إضعاف أو إسقاط النظام في دمشق، قدمها الجنرال ( مارتين دامبسي ) في رسالته إلى الكونغرس الأمريكي بتاريخ 19/ آب- أغسطس 2013، تشير إحداها إلى إن الضربة ( ليست هجوماً شاملاً على نمط العراق عام 2003، إنما ضربة محدودة ) .. أما الخيار الثاني فهو تضمين منطقة حظر جوي محدد ( No Fly Zone ) .. وتحديد عناصر الحركة ( No Move ) حيال القوات العسكرية السورية .. وإيجاد مناطق مجردة من السلاح قرب الحدود مع تركيا والأردن لأغراض معلومة .. إلخ .

 

- ولكن ، هل أن هذه السيناريوهات، بإمكانها أن تحل المشكلة ؟ وهل يمكن أن ننسى أن الهدف الإمبريالي الصهيوني المشترك يكمن في تدمير عناصر القوة في الأمة العربية، وإحدى أهمها الجيوش العربية وتفكيك منظوماتها وهياكلها، وبالتالي تدمير كيانات الدول العربية وهويتها القومية العربية بدواعي إسقاط النظم السلطوية القمعية الفاسدة .!!

 

 





الثلاثاء ٢٧ شــوال ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أيلول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة