شبكة ذي قار
عـاجـل










لا حركة، ولا حراك شعبي بدون قوى تقوم بدور المحرك، سواء كان هذا الدور حقيقياً أم مزيفاً .. ولا قيادة تتولى زمام الحركة أو الحراك الشعبي بدون رؤية سواء كانت هذه الرؤية حقيقية تقود إلى التحول من الانتفاضة إلى الثورة على وفق بوصلة أم أنها رؤية مزيفة تقود متعمدة صوب المجهول ونتائجها التي تقود، هي الأخرى، إلى الفوضى المدروسة لإجهاض الانتفاضة الحقيقية حتى وهي قبل مراحل نضجها وتكاملها، أو لحرفها عن طريق تحولها من انتفاضة جماهيرية ضد الظلم والفساد والقمع إلى ثورة تتبنى التغيير الجذري في بنية المجتمع، في عملٍ استباقي قبل أن تنضج الانتفاضة وتأخذ مداها الثوري بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبنيوية في ارض الواقع .

 

إذن ، لدينا حالة الاستباق المخطط لها حتماً، التي ترصد حالة التحول من الانتفاضة إلى الثورة، تستهدف تشتيت زخم الانتفاضة بوسائل متنوعة قد تكون مقبولة لدى البعض، تقع في مقدمتها دفع عناصر في واجهات القيادات لتقود المجاميع من الجماهير بوسيلة التصادم والعنف، فيما تتولى عناصر أخرى تقود تياراً يرفع شعارات مطاطة لا تنم عن منهج يستشف منه البناء لما بعد مرحلة الانتفاضة، بينما يتم وضع عناصر معروفة بانحرافها وفسادها وتلوثها واسع النطاق مع الأجنبية تحت يافطة المعلومية مثل ( البرادعي ) الذي دفعت به إلى سطح الأحداث ( الموساد والسي أي أيه ) ، و ( عمرو موسى ) ، الذي يعد منبع تسريب المعلومات الآنية للرؤساء ووزراء الخارجية العرب في اجتماعات قممهم العادية والطارئة في ضوء جسامة الأحداث، فضلاً عن نقل النيات التي يزمع المسئولون العرب تنفيذها حيال تلك الأحداث.

 

نموذجان سيئان للغاية دفع بهما الأجنبي إلى سطح الأحداث الجسام في مصر، على الرغم من أن الجماهير تعرف من هو البرادعي ومن هو موسى ومن هو سليمان ومن هو على شاكلتهم كثير.. تعرفهم الجماهير، ولكن لا سلطان عليهم يرشدهم، بدعوى أن هؤلاء جاءوا لإعانتهم في الانتفاضة، فيما تكون مهمتهم التشويش وتمزيق الصفوف ووئد الانتفاضة قبل أن تتحول إلى ثورة .!!

 

والتساؤل هنا أين هي القوى الوطنية والقومية والإسلامية الوطنية من زخم الشارع المصري المليوني المتدفق الرافض للظلم والفساد والقمع السلطوي المهين؟ هل تركت الساحة مفتوحة على مصراعيها لكي تقود الجرذان الموبوءة جماهير الأمة صوب المجهول؟ ألم تسأل هذه القوى إلى أين يقود هذا الزخم الذي يعلن سقوط الصنم ولا يدري ما بعد هذا السقوط إلى أين ينتهي بالوضع؟ وهل احتسبت الخطوة المتقدمة أن لا تؤدي إلى تراجع خطوتين أو أكثر إلى الوراء؟ والمهم في الأمر هل ناقشت هذه القوى أوضاعها أولاً من حيث جمع مشتركاتها وتجميد مفترقاتها من أجل قيادة المسيرة النضالية التاريخية قبل الانتفاضة وأثنائها ومصيرها في خضم الأحداث؟ وهل توقعت قيادات هذه القوى صفحة أو صفحات مضادة حتمية ومؤكدة لأي فعل ثوري يطفح يستهدف إجهاض الحركة ووئدها في مهدها إن أمكن ذلك، وإلا في صفحة لاحقة، وتلك حالة تعد في الأدبيات السياسية من الحتميات التي تستوجب الرصد؟

 

الساحة العربية، ليست خالية من القوى المضادة للانتفاضة والثورة.. وليست خالية من العناصر الأجنبية الإستخبارية، التي ترصد حتى ثمن رغيف الخبز وسعر لتر البنزين، فكيف بالحراك الشعبي العارم؟، الساحات العربية جميعها بلا أبواب ولا سقوف وطنية.. دعونا نستذكر بعض ما فات أو ما زال قيد البحث والممارسة، ثم نعود إلى موضوع الانتفاضة والثورة وأساليب إجهاضها في رحمها أو بعد أن تولد:

 

أولاً- بعد غزو العراق واحتلاله، الذي كبد المحتل الغازي خسائر فادحة في الأرواح والأموال والتأثير الدولي.. خسائر وضعت أمريكا واقتصادها في دائرة الانهيار، بسبب قوة الزخم المقاوم في العراق، الأمر الذي أسقط قدرة أمريكا على شن حرب  مماثلة  في مكان آخر.. وتلك حالة إستراتيجية مرصودة ومؤكدة تعتمد على بديل أسمته أمريكا الشراكة الإستراتيجية، التي هي الأخرى لم تعد تفي بالغرض والاستجابة.. الأمر الذي دفع صناع القرار في البيت الأبيض إلى الركون إلى إستراتيجية أخرى سبق وشرحناها في مقالات سابقة، إستراتيجية تجمع بين ( العمل الإستخباري الخشن والعمل الدبلوماسي بقفاز ناعم من حرير ) ، لكي تتجنب أمريكا الخسائر بالأرواح والأموال وتعيد لوجهها الإمبريالي الكالح قبوله على المسرح السياسي الدولي .. أمريكا لم تعد قادرة على شن حرب.!!

 

ثانياً- أحداث ليبيا العربية وتدخل الـ ( ناتو ) وإسقاط النظام في هذا البلد العربي، من الصعب الاعتقاد بأن أمريكا تستطيع أن تكرر جريمتها في العراق، في ساحة أخرى، ليس لأنها لا ترغب في ذلك، بل لأن نزيفها القوي لا يسمح بذلك من جهة، ولأن توازن القوى الدولية لم يعد كما كان عليه نهاية عام 1989 حين انهارت ركائز النظام السوفياتي ومنظومته الاشتراكية من جهة ثانية.

 

ثالثاً- التحول في التوازن الدولي الراهن منع الـ ( الناتو ) من تكرار الحالة الليبية في سوريا، ولكنه ترك باب الداخل مفتوحاً على مصراعيه لمختلف القوى من أجل إسقاط نظام فاسد وطائفي يحتكر السلطة لحسابات خارجية .. وقوى الداخل الوطنية تستطيع أن تستمر في إطلاق النار.. ولكن هل أن تدفق عناصر الخارج كان صدفة؟ الآن جاء معنى التوصيف السياسي من أنها إرهابية، والأسلحة الكيميائية ربما تسقط في يدها، وإنها عازمة على أن تبني دولة إسلامية تعادي ( إسرائيل ) وتناصب الغرب العداء، وعليه فينبغي التريث في تقديم الدعم والإسناد لانتفاضة الشعب العربي السوري؟، ولكن منذ متى كانت أمريكا تناصر الشعوب في انتفاضاتها وثوراتها؟ ألم تغتال رؤساء دول؟ ألم تختطف بعضهم؟ ألم تتآمر على أنظمة وطنية وتسقطها بتحالفات إستخبارية؟

 

إذن .. تدفق عناصر إسلاموية، مدربة في بلغارية وباكستان وأفغانستان والشيشان وقواعد مخصصة في إيران انتشرت في تونس وليبيا وعبرت الحدود وأقامت في معسكرات في تركيا، وقادتها هم من خريجي سجن "غوانتانامو" سيء الصيت ؟، امتزجت وتداخلت في الانتفاضات الشعبية، ليس بهدف دعمها وإسنادها، إنما من أجل حرفها عن أهدافها الوطنية وتكريس واقع الاقتتال والتمزق .. فليست صدفة أن يتحول وجود هذه العناصر الإسلاموية العميلة إلى ورقة ضاغطة قوية على طاولة المفاوضات الخاصة المتعلقة حتى بمستقبل العباد والبلاد على حد سواء، فضلاً عن الاستحقاقات التي تفرزها هذه الورقة المدروسة جيداً على مسار التحولات من حالة إلى حالة موضوعية أخرى تبعاً لما يجري على الأرض.

 

الانتفاضات عادة، وحسب إدراكنا لماهيتها وصيرورتها ومساراتها وطبيعة قواها والقوى المضادة لها العاملة على وفق صفحات تآمرها المواكب للانتفاضات والثورات، لم تأتِ صدفة أو كرد فعل يفاجئ المراقب والمتتبع والباحث المتخصص، إنما تأتي الانتفاضات نتيجة لتراكم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية إلى حدود لا تستطيع جماهير الشعب تحملها فتنفجر .. ويفجرها صاعق قد يكون بسيطاً مثل "بوعزيزي" .. ومن غير هذا التراكم لا أحدَ يتكهن بانتفاضة أو ثورة لاحقة، طالما أن هذا يقع في إطار قوانين التحولات النوعية والموضوعية للشعب والأمة.. التحولات لا تجري إلا وفق قوانين النضج والتناسق، وشروطها الذاتية والموضوعية بأي حال .!!

 

وإزاء هذه القوانين وزخم السياسات التي تخلق الأحداث وتحرك الصراع أين موقع القوى الوطنية والقومية والإسلامية الوطنية   منها وفيها وفي قيادتها؟ ألم تدرك قوانين الحراك الشعبي وتحولات الحركة في خضمها ونضجها وتناسقها من عدمها ورموزها والطارئون على قياداتها؟ هل راقبت ورصدت هذه القوى ما يجري على وفق مقاسات حقيقية واقعية ورسمت تحالفات وطنية وقومية وإسلامية وطنية تمكنها من قيادة الانتفاضات العربية وتضع خططها المضادة لحالات الإجهاض الحتمية والمؤكدة؟، لماذا لم تعلن لحد الآن قيام الجبهة الوطنية والقومية  والإسلامية الوطنية  في الساحات العربية لتتولى قيادة الانتفاضات العربية على وفق منهج الثورة القائم على الدراسة والتجربة؟

 

إن تحليل الحالة مسألة مهمة، ولكن وحده التحليل لا يكفي لتحولات الواقع من حالة نوعية إلى أخرى أكثر نضجاً وثباتاً وعطاءً وطنياً وقومياً، تتحول في خضمه الجماهير أحزمة ساندة لمكتسبات الانتفاضات على طريق نضج قوانين الثورة.!!

 

دعونا نتكهن بما تسعى إليه القوى المضادة للانتفاضة في مقدمتها القوى الأجنبية ( أمريكا وتابعوها وإسرائيل ) :

 

أولاً- لا تريد أمريكا أن تفقد جندي أمريكي واحد أو تسفك دم أي جندي عن طريق الحرب المعلنة والمكشوفة.. لأنها نزفت الكثير من الدماء، نزفت بغزارة .

 

ثانياً- لا تريد أمريكا أن تنفق اقتصادها المأزوم بسبب الحروب، حيث كانت الإمبريالية الأمريكية تعالج اقتصادها عن طريق الحروب ( تشغيل شركاتها لأعمار ما تهدمه آلتها العسكرية من جهة، وتصريف مخزون إنتاجها العسكري على مناطق الاحتقان والحروب الإقليمية في العالم ) .. الآن ليس باستطاعة أمريكا الإمبريالية أن تشن الحروب مباشرة، ولا تستطيع أن تعتمد على ما يسمى بالشراكة الإستراتيجية، إنما تظل تعتمد على تهديد الـ ( ناتو ) المعطل حالياً، وتعتمد على الحروب بالإنابة .. وهي العودة إلى أسلوب إشعال الحروب في ظل الحرب الباردة .. وحروب الإنابة لها شروط صارمة تقع في مقدمتها أن الصديق المدفوع للحرب يجب أن يكون مسيطر عليه، وإلا فلا مجال للحديث عن بقاء النيران داخل حدود الدول الإقليمية وتمنع اتساعها.!!

 

ثالثاً- أمريكا تريد حروب لا تشارك فيها بجنودها وأسلحتها وأموالها، إنما بعناصر غيرها وبأموالهم وبأسلحة تدعم فيها أطراف الصراع، لتبقى هي المتسيدة على الموقف تملي رأيها وسياساتها على هذا الطرف أو غيره وتجعل من تعاملاتها مع أطراف النزاع أوراقاً ضاغطة تمس الجميع وتصب في المصلحة الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء .

 

 أمريكا و ( إسرائيل ) ، ومنذ تحريك الموقف الراكد عام  1973، وهما يفكران في المتغير الإستراتيجي ويعكفان على استثماره ويعملان سوية من اجل حروب أدواتها داخلية تحقق ما لم تحقق لهما الحروب المباشرة وفقاً للسياقات النظامية المعروفة.. بمعنى، أن الكيان الصهيوني كان يفكر في تحول مجرى الصراع وأدواته .. قال "شيمون بيريز" عبارته الشهيرة وهو يلمح إلى هذه الرؤية تجنباً لحرب الاستنزاف غير القادر على تحملها ( إن الصواريخ حين تنطلق، لا أحد يستطيع أن يمنعها من الوصول إلى أهدافها ) ، فهو بذلك، كان يشير إلى أهمية التفكير بأسلوب آخر غير الحرب يحقق للكيان الصهيوني الأهداف ذاتها بدون سفك الدماء وبدون كلف وبدون مجازفات لا تحمد عقباها.

 

هذه الإستراتيجية لا تلغي دوافع العدوان والتوسع على وفق المشروع الصهيوني.. كما أن مثل هذه الإستراتيجية لا تلغي دوافع العدوان الأمريكي على وفق مشروع الشرق الأوسط الجديد .. الإستراتيجيتان تتطابقان في الرؤية وفي المنهج، كما تتطابقان في الوسائل.

 

أمريكا تقاتل بأدوات غيرها من اجل الوصول إلى أهدافها بدون سفك دماء جنودها وبدون كلف تتحملها خزينتها .. والكيان الصهيوني يقاتل، هو الآخر بأدوات غيره بدون سفك دماء جنوده وبدون كلف تتحملها خزينته.. ومن هنا ينشأ التطابق الإستراتيجي، فيما تكون الساحات العربية مسرحاً لتطبيق السياسات الأمريكية والإسرائيلية أما أدوات هتين الإستراتيجيتين المتطابقتين فهم شباب العرب القادر على حمل السلاح من اجل القتل والتدمير، أما الوقود فهو الشعب الوطن والحضارة العربية الإسلامية التي يحاربها الجميع في هذا العصر المتوحش.

 

نعود لنسأل من جديد، ما العمل ؟!

والتساؤل هذا مطروح على القوى الوطنية والقومية والإسلامية الوطنية، لأن تنهض بوحدة صفوفها وجبهتها الرصينة على أرض الواقع .. ومن غير وحدة الصف الوطني والقومي والإسلامي الوطني، يصعب الإجابة على هذا السؤال الذي يبرز في أزمات التاريخ .!!

 

 

 





الخميس ٢٦ ذو الحجــة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / تشرين الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة