شبكة ذي قار
عـاجـل










يقول جيفري انجل الأستاذ في مدرسة بوش للحكومة والخدمات في تكساس "انه على الرغم من النقاشات الحامية في ذروة الحرب مع العراق لكن بوش وغورباتشوف كانا مهتمان أساساً بحماية مستقبل العلاقات السوفيتية الأمريكية"!!


مقدمة

هرولت كثير من الصحف والمواقع الالكترونية الإخبارية لنقل مقتطفات مجتزئة من حديث مطول لآخر سفراء روسيا في العراق فلاديمير تيتورينكو على قناة روسيا اليوم! ليس بسبب أهمية الحوار أو طزاجته! بل لأنه جاء كما تشتهي سفن مدمني شيطنة النظام الوطني في عراق ما قبل 2003، فبالرغم من أن الحوار لم يأت بجديد فيما يخص تلك الفترة التي لا زال شهودها على قيد الحياة ولهم كل الحق بالرد عليه، إلا إن التوقيت مشكوك فيه! بل مُفتعل، كما سنبين لاحقاً.

 

وقبل البدء بتفصيل الحوار وما يقبع خلفه من نوايا غامضة أود الإشارة إلى أهمية قراءة تعقيب الأستاذ قيس محمد نوري الذي نشر على عدد من المواقع الوطنية العراقية وجاء تحت عنوان "شهادة للتاريخ .. تعقيباً على حديث السفير فلاديمير تيتورينكو" والذي أوضح فيه بعض النقاط المهمة بحكم عمله في وزارة الخارجية في العهد الوطني، وأشار فيه إلى كم التحريف الهائل في سرد مجريات الأحداث تلك الفترة، وسنستعين لاحقاً بما جاء بالتعقيب لإثبات واقعة الكذب والتحريف بحكم المثل القائل "إذا حضر الماء بطل التيمم".


افتراءات مكشوفة

نبدأ من حيث بدأ تيتورينكو حديثه، فهو يقول بأن العراقيين لم يتوقعوا أن تكون الضربة بهذا الشكل، ولم يتوقعوا احتلال العراق! ويضع نفسه بموقع الخبير العسكري الاستراتيجي حينما قال بأنه ذهب إلى البصرة ليستعرض القطعات الأمريكية التي تتحرك خلف الحدود!! وإنه علم حينها بأن تلك القوات قادمة لاحتلال بغداد، لكن العراقيون لم يكتشفوا ذلك!! 


ودليلنا على هذا الكذب والتلفيق هو إن بيانات القيادة السياسية والعسكرية العراقية كانت واضحة جداً حيال الاستهداف الأمريكي، خاصة وإن هناك تجربة سابقة توضح خلالها قدرة وتفوق الآلة الحربية لقوات الحلفاء، عدديا وتكنولوجياً، لكن على ما يبدو أن السفير الروسي قد أستقى معلوماته المتناقضة من خلال وسائل الإعلام العالمية وحتى العراقية منها، فمن الطبيعي أن تلجأ الدول للتشويش على العدو إعلامياً خلال الحروب ، لكن بالتأكيد لم يمثل هذا أي دليل على واقع الأمر على طاولات إدارة الحروب.

 

وبغض النظر عن التفاوت الكبير بالقدرات العسكرية والتفوق التكنولوجي بين القوات الدولية المتحالفة وبين جيش العراق الذي استُهدفت إمكانياته القتالية والمعنوية والتكنولوجية عبر عشر سنين، إلا أن تحركات الجيش بين المدن تدل على الوعي الكامل بخطط الأعداء، خاصة في ظل تفوق جوي هائل لم يمنح الفرصة للقطعات العراقية في التمركز لأكثر من ساعتين في ذات المكان، وهي إشارة واضحة إلى وعي القيادة إلى أن هناك حرب غير تقليدية ومؤكدة في الأفق، كما إن التهيئة للمقاومة المسلحة كانت أحدى الخيارات المطروحة لما بعد الحرب، وقد تم رصد الأموال لها مسبقاً، وكذلك الأسلحة التي دفنت في الصحراء، وحتى الوقود الذي سيحتاجه المقاومون فيما بعد، كما إن القيادة السياسة وصلت إلى قناعة قبل الحرب بكثير بأن أمريكا ماضية بخططها حتى ولو نفذ العراق كامل التزاماته المطلوبة من المجتمع الدولي، ويبدو ذلك جلياً في موقف المفتشين الدوليين الذين ماطلوا كثيراً في إصدار قرار خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل الذي أثبت بالدليل القاطع بعد احتلال العراق، والذي كان يمكن أن يجنب العالم هذه الحرب العبثية، فيما لو كانت هناك نية حقيقية بتجنبها.


خيانة طارق عزيز!!

 هنا تكمن المفارقة الكبيرة، فقد تعمد المذيع توجيه سؤال إلى تيتورينكو حول معلوماته عن خيانة طارق عزيز! ولا نعلم هنا من أين جاء المذيع بهذه الفكرة أصلاً والتي أيدها تيتورينكو بقوة معتمداً على توقعاته الشخصية رغم إنه قال بأنه متأكد! لكن أين أدلتك الظرفية والواقعية يا سعادة السفير؟

 

ثم أعقبه سؤال آخر من المذيع عن الأسباب التي جعلته على يقين من هذا الأمر؟ جاء جوابه مرة أخرى مبنياً على أقواله فقط! ولم يقدم لنا أية أدلة واقعية سوى إنه التقى طارق عزيز وقد أخرج مسدسه من قرابه إلى باقي القصة!! وتساءل لماذا كان طارق عزيز أول من سلم نفسه! ولم ينفذ ما وعد به!! وإن الأمريكان أبعدوه عن الآخرين من الأسرى ، ولم يحاول الاختباء!! فهل هذا كل ما لديك من أدلة يا سيد تيتورينكو على خيانة طارق عزيز؟؟ أتعلم أين طارق عزيز اليوم؟؟ إن مكان إقامته دليل قاطع على خطأ تقييمك واعتقادك، فهل يُعقل أن يتكلم مسئول رفيع في الخارجية الروسية بهذا الأسلوب الاستعراضي؟؟

 

نعم! كان السفير استعراضيا بإيماءاته الغير موزونة!! وهذا أمر نتركه لخبراء علم التواصل أو لغة الجسد وتفسيرهم لها، لكن من الواضح للمتابع أن تيتورينكو قد سرد قصته بطريقة مستوحاة من خيال بوليسي أو ربما استخباري، وهو ما سنلاحظه في قصة خيانة طارق عزيز، عندما التقى به عشية الهجوم على العراق وقال له بغضب بأنهم أضاعوا فرصتهم، وإنه "كان غباءً منكم لأنكم لم تقنعوا صدام حسين بقبول الخطة الروسية"!!

 

تصوروا سفير روسي يتكلم بهذا الأسلوب أمام طارق عزيز الذي نعرفه؟؟ فهل من مثل قادة العراق القبول بمثل هذا النوع من الحوار؟؟ وهل هذه أصول الدبلوماسية؟؟

 

بعد التطرق إلى اللقاء مع الرئيس صدام حسين وما إلى ذلك من تفاصيل يقول السفير سألني طارق عزيز هل تلمح إلى إنني خائن؟؟ فرد تيتورينكو "لا"!! ونضع تحت "لا" خطين أحمرين!! فقد دحض بنفسه افتراءه السابق! وبالرجوع إلى تعقيب الأستاذ قيس محمد نوري الذي فند تماماً وجود هكذا خطة روسية من الأساس بحكم اطلاعه على ملفات وزارة الخارجية آنذاك، فإن ذلك يؤكد بطلان الاتهام الموجه لطارق عزيز، وينسف كل ما جاء لاحقاً من حديث بشأنه.

 

غباء أم استغباء؟ 

ومن بين القضايا المهمة الأخرى التي وجب توضيحها في هذا الحوار هو قوله بأن المعركة الوحيدة التي خاضها العراقيون مع القوات الأمريكية كانت على مشارف مدينة الحلة!! بينما نسى أو تناسى أولى معارك هذه الحرب التي جرت في أم قصر واستمرت لأسبوعين!! كذلك تجاهل معركة المطار التي شكلت أهمية كبرى لمسيرة الأحداث فيما بعد، والذي من المفروض أن يكون قد سمع بها مع هذا الكم الهائل من المعلومات الإستخبارية التي يمتلكها!!

 

ثم جاء الحديث عن خيانة خمسين جنرالاً عراقياً! وكان دليله على ذلك ضعيفاً جداً، حيث قال بأنه كان يتنقل في شوارع بغداد عندما شاهد الدبابات الأمريكية تتجول في شوارعها!! ومن ثم شاهد طائرة ركاب أمريكية من نوع سي 130 تقلع فجأة من المطار! وإنه علم فيما بعد من بعض أصدقاءه "الضباط العراقيين" بأن هذه الطائرة نقلت بالتحديد 50 من كبار الضباط إلى أمريكا!! ولا نعلم بالضبط هل هو سفير أم ضابط استخبارات؟؟ لكننا نعلم جيداً دور روسيا في هذه الحرب، ونعلم أيضا أسباب تمسك روسيا ببقاء سفارتها في العراق إلى لحظة دخول القوات الأمريكية، فبقاء السفير بالرغم من يقينه من احتلال العراق أمر مشكوك فيه!

 

لم يكن اتهام الخيانة موجه للضباط الخمسين فقط!! بل تمادى ذلك السفير ليوجه اتهامه للرئيس صدام حسين باستعداده للخيانة عبر مفاوضات مع الأمريكان!! لكنه سرعان ما ناقض نفسه بنفسه!! فقال بأن بوش الابن لم يكن ليغفر لصدام حسين محاولة قتل أبيه عام 92 في الكويت!! وإن هناك أحقاد شخصية على مستوى عائلة بوش وعائلة صدام حسين!! فعن أي مفاوضات يتحدث سفير روسيا؟؟ ثم يتبعها بدليل آخر على مستوى تفكيره الذي لا يمكن أن يعبر عن أية دبلوماسية حينما قال بأنه سأل سفير كوبا عن سبب بقاءه في العراق بينما غادرت كل السفارات العراق؟ فسكت السفير الكوبي! لكن تيتورينكو رد بدلا عنه قائلاً، "إنك بقيت هنا مع القائم بالأعمال السوري كي تؤمنوا خروج آمن لصدام حسين من العراق"!! ويقول بأن السفير الكوبي قد أرتبك وفهمت من ارتباكه بأن التخمين كان حقيقياً!! لا حاجة لتعليق هنا!!


من فمك ندينك

 نرى من الأهمية أن نذكر بأن السفير الروسي فلاديمير تيتورينكو قد صرح عام 2010 لنفس القناة الروسية حول الحرب على العراق، وفيما يلي أبرز النقاط الواردة فيه :


- أمريـكا فشـلت في العراق

- كلمـة الانسحاب من العراق غير صحيحـة

- أمريـكا قتلت مليـون مواطن عراقـي

- أمريـكا سـاعدت إيران ونفذت أهـدافها في العراق

- أمريـكا وراء الفتنة الطائفية في العراق

- أمريـكا احتلت العراق من أجل النفط

- أمريـكا لم تبني نظاما ديمقراطيا حقيقيا في العراق

- أمريـكا لن تسـاعد على بناء العراق

- خسـائر أمريكا في العراق خمسـة أو أربعة أضعاف الأرقام المعلن عنها

 

من الواضح الاختلاف الكبير في مضمون التصريحين، وبما إنه يصدر من مسئول في وزارة الخارجية الروسية فإنه حتما يعبر عن وجهة نظر السياسة الخارجية الروسية آنذاك، وما يثير الريبة إن رابط التصريح على موقع القناة قد حذف من الموقع*، فيما تبدو إشارة إلى تغيير في الإستراتيجية الروسية تجاه أمريكا وتدخلها في قضايا المنطقة، والذي توضح جلياً من خلال التجني الواضح للسفير تيتورينكو على قيادتنا الوطنية وتحميلها كامل اللوم على تلك الحرب دون توجيه أي اتهام للحكومة الأمريكية، خاصة بعد مرور عشر سنوات من الفشل الذريع في العراق، والذي أعترف به هو نفسه في وقت سابق من العام 2010، فما الذي غير وجهة النظر الروسية؟؟

 

خاتمة

نقول للسفير الروسي بأن العراقيين يعلمون جيداً الدور الروسي في احتلال العراق، وكيف كانت تحمل الرسائل الملغمة في وقت كان العراق بأمس الحاجة لدولة واحدة من بين دول العالم لدعم موقفه، لكن الهيمنة الأمريكية كانت فوق كل اعتبار، وهذا ما أشار له الرئيس صدام حسين في 1991 عندما قال "وغدر الغادرون" وكان يقصد كل الدول التي ساهمت في جر العراق لهذه الحرب وتحت يافطة تقديم النصح للعراق، وبالأخص روسيا التي كانت تتذلل لأمريكا من أجل اقتناص الفرص للاستفادة مادياً على حساب العراق، الذي تكالبت عليه كل دول العالم من أجل تنفيذ رغبات رئيس مجنون يحكم دولة عظمى كأمريكا!


وبإيجاز لما تقدم نختم بالقول، أن كل ما جاء في هذا اللقاء لا يعبر لا من قريب أو بعيد عما حدث بالفعل في حرب لم تكن متكافئة بكل المقاييس، وإن استعراض السفير الروسي لعضلاته قد جاء متأخراً جداً، ولا يعدو كونه دعاية سمجة لكتابه الذي أعلن عنه في اللقاء، وإن الحلول التي ذكرها والمفترض إنها طرحت من قبل روسيا وغيرها آنذاك لم تكن سوى عمليات تخدير لعملية الاحتلال الكبرى، ولا أساس لما يروج له أتباع السياسة الأمريكية من وجود احتمالات لتجنب الحرب بعد أن كُشف عن الكثير من الملفات خلال العشر سنوات من احتلال العراق، وبعد أن تبين للعالم بأن مخطط احتلال العراق كان سيستمر حتى في حال تنفيذ العراق لكل القرارات الدولية، ومن ضمنها قضية أسلحة الدمار الشامل التي لم يتمكنوا من إثباتها لحد اليوم، خاصة وأن مسلسل تدمير العراق ما زال مستمراً من أجل استكمال المخطط الأمريكي الذي تضرر كثيراً بفعل المقاومة العراقية التي تجنب السفير الروسي التطرق لها لنفس الأسباب التي جعلته ينطق بكذبه المفضوح عن حقبة لا زال شهودها على قيد الحياة، على أمل أن يظهروا ليفندوا كل ما جاء في أكاذيب السفير الروسي.

 

* رابط التصريح المحذوف من قناة روسيا اليوم

 

 





الجمعة ٣ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الوليد خالد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة