شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

في السياسة مجال أو هامش للمخادعة ، وهذا الأمر يعرفه الجميع تقريباً .. الكبار منهم والإقليميون على السواء، ولكن بأشكال مختلفة، أكثر براعة في الخداع والكذب.. أما الصغار فبعضهم يشمله المثل: إذا تصارعت الفيلة في غابة انسحقت الكائنات الصغيرة تحت اقدامها.. بهذا المعنى، لأن هذه الكائنات الصغيرة، الدويلات الصغيرة، العقول الصغيرة لا تفقه قواعد اللعبة، ومن لا يفقه قواعد اللعبة، لا يعرف شيئاً عن اللعبة إطلاقاً.

 

إيران هي عميد المخادعة، ليس في عالم السياسة فحسب، إنما في عالم الدين والمذهب أيضا وغيرها من العوالم .. والمخادعة ليست صفة حميدة، لأنها تقوم على الكذب والغدر.. والكذب والغدر يقومان على جملة من أحط قواميس التعامل الإنساني ، إذ لم تكن إيران قد تلبسها هذا التوصيف في هذا العصر، إنما تكشف قاعدة تفكيرها، أو أن منطلقها في التفكير السياسي والثقافي قائم على الخداع والغدرمنذ أن غدرت بالأقوام التي تعايشت معها على حافة الهضبة الإيرانية الجرداء.

 

تقدم إيران كل ما يوحي بالصدق، ولكن من خلال تنميط سلوكها السياسي على الأرض تتضح الخديعة فينشأ الإفتراق ما بين الكلمة والفعل، فليس هنالك أي تطابق يمكن الإستقرار عليه بين ما تقوله وبين ما تفعله .. لماذا؟ ، لأنها في أساس قواعد تفكيرها شيء أساسي هو ( الظاهر والباطن ) ، تؤمن به الفلسفة السياسية الإيرانية- الفارسية.. والفرق كبير بين هذين العنصرين في هذه الفلسفة، على الرغم من ترابطهما في وحدة الجدل .. إذ لا ظاهر بدون باطن، ولا باطن بدون ظاهر.. وهذا الموضوع إذا كان ينطبق أو يتطابق في الفلسفة، فهو يأخذ في التفكير الفارسي منحى آخر يأخذ شكل التغريب المخادع.

 

إن اللعب الإيراني على حبل الظاهر والباطن في السياسة الخارجية كدولة، يترافق مع اللعب الفارسي على هذا الحبل كطائفة، ولا أقول ديناً.. لأن الدين له معطياته الواضحة، التي ترفض الكذب والخداع جملة وتفصيلاً، فهو ليس من الدين بمكان أن تكذب وتخادع.. وإذا كانت السياسة فيها مجال للمخادعة، ففي الدين ينعدم فيه هذا المجال إطلاقاً، حتى في المذاهب الأربعة المعروفة، التي هي اجتهادات آدمية لنصوص مقدسة ينبغي أن لا تصاب بمرض ( الظاهر والباطن ) ، الذي يحمل الكذب والخدية أبداً.!!

 

هذه المقدمة ضرورية لفهم أنماط السياسة الخارجية الإيرانية الفارسية، ليس في كشفها فحسب، إنما في الحكم عليها، إذا ما كانت تنطلق من معايير القوة أم من قواعد الضعف؟ :

1- من المعروف أن لكل دولة سياستها، التي تنطوي على أهداف، كما تنطوي على الأدوات والوسائل التي توصلها إلى تلك الأهداف.. المشكلة الكبرى في السياسة الخارجية الإيرانية الفارسية، قد رسمت لها أهداف أكبر من حجمها وتصر على تحقيقها على وفق مراحل قد تمتد إلى نصف قرن، كما حددها مؤتمر ( قم ) .. والمعروف أيضاً، أن تحقيق الأهداف يرتبط بالقدرات والإمكانات .. فأذا كانت الأهداف ( كبيرة ) والقدرات ( محدودة ) ، فمن الصعب تحقيقها..  أي ، من العسير ابتلاع لقمة كبيرة في مريئ ضيق.!!

 

2- الإصرار على تحقيق الأهداف ( الكبرى ) ، على وفق القدرات والإمكانات الـ ( محدودة ) ، سينتهي حتماً إلى الإنتحار السياسي – مجرد عقوبات اقتصادية ومالية على المصارف الإيرانية ومبيعات النفط، دفع النظام الإيراني إلى هاوية الإنهيار، وإلى حافات تمردات شعبية واسعة النطاق، حيث الأذريين وعددهم ( 17 ) مليون نسمة، والعرب الأحوازيون وعددهم ( 7 ) ملايين نسمة، والأكراد الإيرانيون وعددهم ( 6 ) ملايين، والتركمان الإيرانيون وعددهم ( 3 ) ملايين، والأقليات الأخرى  طاجيك وأزبيك وبلوش، فضلاً عن الديانات الأخرى .. كلهم يمثلون الأكثرية وبحدود 60% من مجموع الشعوب الإيرانية، فيما نسبة العنصر الفارسي لا تتعدى 40% من مجموع السكان.. والمفارقة هنا أن الفرس هم أقلية بين الشعوب الإيرانية ولا يتحدثون بأرقام الأكثرية والأقلية في السياسة الداخلية ، بينما نجدهم في العراق تتحدث أحزابهم عن الأكثرية والأقلية، والكتل الكبيرة والكثل الصغيرة، وبما يتماشي مع خط المحتل الغازي الذي رسم لحكومة الاحتلال هياكلها وسياساتها – ولكن مرض غرور القوة قد يوازن بين الأهداف ( الكبرى ) والقدرات ( الصغرى ) على أساس من الوهم، يدفع أو ينتهي إلى الإجهاض الحتمي، على الرغم من كل مظاهر المرض ونزعته المكابرة والمتغطرسة ، الأمر الذي دفع بأمريكا و ( إسرائيل ) ، حيال تداعيات الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية الإيرانية الخطيرة، إلى وقف هذا التداعي خشية من إنهيار النظام الذي يمتلك ( أداة ) إستراتيجيتهما في المنطقة، وهي ( الأداة ) الطائفية التي تكرس التفكيك والتفتيت والإقتتال الطائفي والعرقي، إذ لولا هذه الأداة فمن الصعوبة أن تنفذ الإستراتيجية الأمريكية على مدى العقود الماضية تحت مزاعم ( محاربة الإرهاب العالمي ) ، وهي إستراتيجية انطلق تنفيذها منذ الحادي عشر من سبتمبر- أيلول 2001 التي ما زالت مستمرة، لكونها فعالة على المديات الإستراتيجية القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى، ما دام الصراع الدولي بات يأخذ منحى تصعيدياً من جهة، فيما بات اختلال التوازن الإقليمي يأخذ هو الآخر منحى خطيراً من جهة ثانية. والمغزى من هذا كله، أن النظام الفارسي خادم لأستراتيجية أمريكا في متغيرات منطقة ( الشرق الأوسط ) ، فضلاً عن متغيرات العمق الآسيوي.!!

 

فالموقف الأمريكي والإسرائيلي أزاء الأوضاع المتدهورة في إيران، على خلفية ( مقايضة ) نزع السلاح الكيميائي السوري واستمرار تدمير الدولة العربية السورية.. أين موقعه في اطار  توازنات الأهداف ( الكبرى ) حيال القدرات ( الصغرى ) .؟!

 

3- إيران دولة قومية إقليمية كبيرة في مساحتها، ولكنها تعاني من ثغرات قاتلة لم تستطع معالجتها أوتغطيتها، ( في الإقتصاد والمال والمصارف والموارد المادية والمائية والمعدنية ( النفط ) ، الذي أوشك على النضوب نهاية عام 2015 كما يقول الخبراء النفطيون قبل بضعة سنوات، فضلاً عن قلة الأراضي الصالحة للزراعة أمام زحف المدن على الريف، وشحة المياه، وزيادة الولادات واتساع المشكلات الاجتماعية وتصادمها مع العصرنة ..إلخ

 

أمام كل هذا الكم الهائل من المشكلات، تصر إيران على بلوغ اهدافها ( الكبيرة ) ، متمثلة :

 

أولاً- بابتلاع المشرق والخليج العربي حتى حافات البحر الأبيض المتوسط.

ثانياً- أن يكون لها نفوذ مؤثر في شرقها ( افغانستان ) على تخوم المجال الحيوي لكل من الباكستان والهند وروسيا والصين.

 

هل ترون .. ماذا تريد وتسعى إليه إيران

4- دخلت إيران الفارسية اللعبة الإسرائيلية- الأمريكية، منذ ما قبل عهد الشاه (  ( نحن هنا نتحدث، ليس عن الظاهر في العلاقة كتوصيف فارسي مخادع يعرفه العالم – حرب كلام.. اعلام وسياسة بالضد من إسرائيل، ومسحها من على الخارطة.. وبالضد من أمريكا، الشيطان الأكبر )  ) ، إنما نتحدث عن ( الباطن ) الأساس الذي يحرك السياسة ويقلب عاليها سافلها.. نحن نرصد هذا ونحصي ونراقب غاطس جبل الجليد العائم في مجرى الماء الصاخب )  ) .. ودخول إيران جاء على خلفية تحولات إستراتيجية في العمق الآسيوي كانت لها تداعيات مهمة – اقتلعت الشاه ونصبت الخميني، رجل المؤسسة الطائفية الإيراني، الذي شن عدوانه الإعلامي على العراق منذ اليوم الأول لمجيئه على رأس السلطة، فيما شن عدوانه العسكري على العراق بدون مبرر تحت خديعة الوصول إلى القدس.!!

 

ولما تجرع السم الزعاف قَبِلَ ( خميني ) قرار مجلس الأمن بوقف الحرب، فتحطم المشروع الإيراني القاضي بابتلاع العراق تمهيداً لأبتلاع المشرق والخليج العربي، كما تعرقل مشروع ( الشرق الأوسط الكبير ) ، الذي تضمنه كتاب شيمون بيريز الموسوم ( الشرق الأوسط الجديد ) عام 1993،الذي أعاد فيه بلورة افكاره التي طرحها في مقال له نشر عام 1967 في احدى المجلات الفرنسية.. هذا المشروع الإسرائيلي وافقت عليه أمريكا وتبنته على المستوى الإستراتيجي -  سنفرد لآحقاً بحثاً تفصيليا عن جذور المشروع الإسرائيلي - وهذا يعطي مؤشراً مؤكداً على أن الحرب بـ ( الوكالة ) غير نافعة مع العراق، إنما يتطلب الأمر أن تكون الحرب مباشرة تتبناها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واعلامياً الدولة الكبرى صاحبة القوة والنفوذ في العالم وهي أمريكا.

 

5- ظهرت مشكلة الكويت.. وظهر الحشد الإستراتيجي وراء أمريكا.. وحدثت الحرب العدوانية على العراق عام 1991 .. وظهرت قرارات نزع سلاح العراق الإستراتيجي.. ثم ظهرت مشكلة الحصار الاقتصادي، الذي استمر ثلاثة عشر سنة عجاف، ثم مشكلات فرق التفتيش عن ( أبرة غير موجودة في كومة من القش ) .!!

 

6- ظهر الحادي عشر من سبتمبر- أيلول 2001 ، وظهر حشد الشراكة الإستراتيجية الأمريكية من جديد من أجل تقسيم العالم إلى عالمين ( ضدي أو معي ) من أجل الهيمنة على النظام الدولي والتفرد بالعالم .. فضربت أمريكا أفغانستان واحتلته، وأسمت ذلك حرب ( ضرورة ) .. وضربت العراق واحتلته، واسمت ذلك حرب ( اختيار ) دون مبرر، والفرق كبير كما عبر عنه الخبير الإستراتيجي في البيت الأبيض ( جيشوا ) ، بين هذين المفهومين .

 

7- الحادي عشر من سبتمبر- أيلول 2001 لم يكن صدفة أبداً،  ولهذا الأمر مؤشرات ودلائل وقرائن عديدة تؤكد تخطيط أمريكا الإستراتيجي بعيد المدى، الذي يؤكده مبدأ "بوش الأبن " محاربة الإرهاب بقبضة حديدية خشنة، كما يؤكد مبدأ "باراك أوباما"، هذه الإستراتيجية القائمة على محاربة الإرهاب الدولي ولكن بقفازات ناعنة-  ستستمر كما قال مساعد وكيل وزارة الخارجية الأمريكي ( أنها إستراتيجية تستمر طويلاً ) .!!

 

8- في خضم هذه الأمواج المتلاطمة على حافات إيران الملالي المدحورون المكسورون الخائبون .. تحركت أفعى ( قم ) صوب البيت الأبيض من خلال وساطات في الساحة الألمانية واللوبي الإيراني في أمريكا، فضلاً عن بعض الشخصيات الإيرانية اليهودية التي لها دور في تليين ( ظاهرياً ) التفاهمات الإيرانية- الأمريكية في ما بعد مؤتمر لندن، الذي اجتمع فيه ما يسمى بالمعارضة العراقية حين توزعوا لجان على البنتاغون والكونغرس والخارجية الأمريكية والخزانة ومنظمة الـ ( إيباك ) اليهودية، ليصار  إلى اصدار قانون ( تحرير العراق ) ورصد مبلغ ( 70 ) مليون دولار أمريكي، أبتلع نصفه أحمد الجلبي وتوزع الباقي على ( الحكيم والجعفري وعلاوي وباقي اركان  احزاب ايران، تحت اشراف ( مادلين أولبرايت ) وزيرة الخارجية الأمريكية .

 

في خضم هذه التحركات .. قدم عبد العزيز الحكيم لأمريكا تعهداً إيرانياً، لكونه يحمل الجنسية الإيرانية،  للعمل المشترك في العراق على غرار التعهد الذي قدمته ايران  لمساعدة القوات الأمريكية في أفغانستان .!!

9- والمغزى من هذا التعاون الإستراتيجي، الذي سبقته صفقة ( الكونترا ) ، التي تمت بين  الجانب الإيراني والجانب الإسرائيلي برئاسة مندوب الموساد الإسرائيلي "آري بن ميناشيا"  .. عقد الإتفاق جورج بوش الأب حين كان نائباً للرئيس الأمريكي ريغان.!!

 

إن طهران التي خسرت الحرب مع العراق، تصر على انتزاع نصر هي غير قادرة على تحقيقه إلا من خلال البلدوزر الأمريكي الهمجي .

10- وحين لقن المقاومون الوطنيون العراقيون الدروس القاسية للمحتلين الأمريكيين الغزاة، باتت القوات الغازية لا تستطيع البقاء على أرض ملتهبة، آمنت إيران طريق انسحابها- تحت بنود الإتفاقية الأمنية- إلى قواعدها في الكويت وبعض مقارها في الأردن، واستلمت منها العراق تحت مسميات فاضحة ( العملية السياسية- الديمقراطية- حكم الأقاليم- الدستور- توزيع الثروات- تقسيم المجتمع العراقي على أسس التمثيل الطائفي والعرقي المخادع ..إلخ )

 

11- العملية السياسية الفاشلة التي تركها الغزاة الأمريكيون في شكل حكومة ( ألعوبة ) ، كما يصفها الأمريكيون في أدبياتهم السياسية التعليمية الخاصة بالدستور الإتحادي وبلائحة القوات المسلحة، باتت في كليتها معزولة عن الشعب العراقي، ومعزولة عربياً واقليمياً ودولياً .. لماذا ؟ ، لأنها تفتقر إلى الإعتراف الواقعي والقانوني، على الرغم من اعلان الإنسحاب الأمريكي الشكلي.. وظلت تفتقر إلى الصدقية التمثيلية الحقيقية في الداخل والخارج، ما دامت رهينة للإتفاقية الأمنية الإستراتيجية التي وقعتها أمريكا مع الحكومة الـ ( إلعوبة ) ،والتي لا تعني شيئاً أمام إرادة الشعب العراق.

 

12- كانت إيران قد ساعدت أمريكا في افغانستان وصرفت ملايين الدولارات على تكريس نفوذها في هذا البلد وبالتنسيق مع القوات الأمريكية، وخاصة في مسائل التمويل اللوجستي، الذي يعد العصب الأساس للقوات الأمريكية الغازية .. فهل تريد إيران أن تتسلم أفغانستان مثلما تسلمت العراق من الأمريكيين ؟! وهل تريد أن تفرض نفوذها على افغانستان ومقترباتها والمجال الحيوي لكل من باكستان والهند وروسيا والصين، حين تلوح بذلك على منطقة المشرق والخليج العربي، برفض وجود القوات الأجنبية؟! لقد فعل " الشاه " من قبل الفعل ذاته حين طالب البريطانيين بنفوذ قوي في المنطقة وخاصة منطقة الخليج العربي على أساس أن إيران قادرة على ملء فراغ القوات البريطانية المنسحبة من الخليج العربي، وان يصبح شرطي الخليج، في الوقت الذي لم تدرك فيه طهران أن القوة الدولية الناهضة، التي أزاحت بريطانيا ونفوذها من أماكن عديدة هي أمريكا الإمبريالية .. هذا العامل المهم كان عاملاً مضافاً لعوامل تغيير الشاه وتنصيب " خميني " .!!

 

13- تسعى إيران إلى تكريس نفوذ يتسع شرقاً بأختراق ( أفغانستان ) ، كما يتسع في الوقت ذاته غرباً باختراق ( المنطقة العربية ) بشكل عام والمشرق والخليج العربي بشكل خاص .. فهي ( إيران )  بهذا المسعى تريد أن تكون قوة نووية كما هي عليه باكستان والهند على حساب المنطقة العربية أولاً وأخيراً، فيما تكون تداعياتها جسيمة على المصالح الحيوية للقوى الإقليمية ( تركيا ) و ( باكستان ) و ( الهند ) من حيث السياسة من جهة، ومن حيث الثقافة الأيديولوجية من جهة ثانية .

 

14- إيران تريد أن تصل إلى أهداف أكبر من حجمها، ومن العسير هضم هذه الأهداف، لا بالسياسة المكشوفة والعارية التي تعبر عنها ( طهران ) ، ولا بالأيديولوجيا المكشوفة والعارية التي تعبر عنها ( قم ) .. وإذا ما شاءت صدف التاريخ أن تحقق توافقاً استراتيجياً مع الأمريكيين والإسرائيليين على حساب شعوب المنطقة حتى العمق الأسيوي، فأن هذه الصدفة من التاريخ لن تدوم طويلاً، لأن اللعبة في هذا التوافق قد تكشفت أوراقها تماماً، أما قواعد اللعبة فقد باتت مهترئة منذ تغيير الشاه ومجيء خميني، وحتى صناعة الحرب على الإرهاب.!!

 

15- وحين تتكشف أوراق اللعبة – أي لعبة – فأنها لن تعد لها من قيمة، فيما تعد قواعد هذه اللعبة من الماضي ، عندئذٍ  فأن حتمية التعامل في اطار السياسة الدولية تقتضي التفتيش، على وفق نظرية البدائل، عن صيغة لإعادة ترتيب الموقف وتأسيس أنماط من شأنها عدم التأثير على المصالح في بعديها الخاصين، البعد الحيوي والنفوذ السياسي.

 

16- أوراق إيران قد احترقت سياسياً وأيديولوجياً ( دينياً وطائفياً ) .. وإذا ما أرادت أن تحافظ على ملفها النووي بنزع سلاح غيرها ، فأن نزع هذا السلاح الإستراتيجي سوف لن يحمي ملفها النووي، لأن تأثيره بات وخيماً على الجميع.!!

 

17- إيران استظلت بظلال أمريكا في العراق ولحد الآن بطريقة التوافق الإستراتيجي .. واستظلت بظلال أمريكا في افغانستان بالطريقة ذاتها، من اجل الوصول إلى أهدافها الكبرى وتوسيع نفوذها من شرق أسيا حتى غرب المشرق والخليج العربي .. فأذا كان ( طموح ) إيران يمتد إلى هذا النحو من الإتساع، فهل يتساوق ذلك مع قدراتها وإمكاناتها الواقعية، وهل هي قادرة على إدارة كل صراعات العمق في الشرق الأوسط؟

 

إيران باتت سمكة قرش إقليمية متوحشة ..  يا لغباؤك يا طهران .. فأسماك القرش في بحر السياسات الدولية لا أحدَ يأتمنها على الإطلاق حتى في ضوء النهار، أما في عتمة الغاطس

 

فأن في ذلك حسابات .. فملء الفراغات الإستراتيجية أيها الأغبياء لا يتحقق بالتضخم ولا بالعجز في ميزان المدفوعات ولا بهبوط العملة في السوق الدولية ولا بالاقتصاد الذي يفتقر لقاعدة الصناعات الإنتاجية ولا بالإختلال بين خطوط عناصر بناء القوة ومصادرها وشحتها ولا بالبون الشاسع بين المنطق الواقعي والخيال، بين الطموح والواقع المعاش .. ملء الفراغ الجيو-استراتيجي لا يتم بالتشيع الفارسي، ولا بطغيان الفرع على الأصل ( المذهب على الدين ) ولا بطغيان المذهب على الهوية ( القوميات ) ، ولا عن طريق النفخ بأساطير الكهوف السحيقة .. لأن المجازفة في موقعين ( الشرق الأوسط ) و ( العمق الآسيوي ) وهما من اكثر مناطق العالم حساسية، تعد انتحاراً لن تخرج منهما إيران سالمة دون أن تتمزق .!!

 

18- هنالك محطات على طريق أفول الفورة الشيطانية الإيرانية، التي أيقظتها الوكالة اليهودية من كهوفها المظلمة، وارجاعها ثانية إلى القمقم .. وتقع أولها : محطة الأسلحة الكيميائية السورية في مقدمة هذه المحطات. وثانيها : مؤتمر جنيف 2- ، والتحذير الغربي بضرورة سحب القوات الإيرانية والمليشيات من الأراضي السورية بما فيها القوات المليشية لحزب الله في الجنوب اللبناني، لكي يعاد ترتيب الوضع في سوريا، بعد أن فقد النظام السياسي في دمشق كل مبررات وجوده المادي والإعتباري حتى والأخلاقي .

 

19- هذان الإعتباران .. نزع السلاح الكيميائي السوري .. وإخلاء الساحة السورية من التدخل العسكري الإيراني ومليشيات حزب الله، يعدان محطتين مهمتين على طريق متغيرات تلوح في الأفق ذات أهمية بالغة، إذا ما اكملتا مشوارهما .. لا أحد يستطيع أن يتكهن ما ورائها، ما دامت الأمور لا تقتصر على البعد السوري أو العراقي أو الخليجي أو الفلسطيني أو اللبناني أو المصري أو الإيراني فحسب، إنما على طبيعة الصراع الدولي على الساحة الإقليمية السورية وأطرافها وفنائها الذي يشمل لبنان والعراق وفلسطين والأردن ومصر ودول الخليج العربي كلها.!!

 

20- إيران انطلقت في تعاطيها لعبة التحالف مع قوة عظمى بصيغة المخاتلة والمراوغة والخداع ليس معها فحسب، بل مع العالم اجمع من اجل اهداف هي أكبر من حجمها، لأنها لا تستطيع وحدها أن تحقق نفوذها في العراق وفي افغانستان مهما بلغت من القوة، ومهما طال الزمن لولا تلك القوة الدولية الغاشمة، والعكس هو الصحيح أيضاً .. ومن هنا تكمن ( طبيعة الضعف الإيراني البنيوي ) التي تظهر عكس ما هي عليه، لأن قاعدة تعاملها مع الخارج مبنية عليها، كما هي منطلقاتها في التعبير عن ذاتها المأزومة بالخداع .. خداع في السياسة، وخداع في الدين وخداع في المذهب.!!

 

 





الاربعاء ٣٠ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / كانون الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة