شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ الخليقة، لا تمر حياة أي إنسان إلا وكانت الخيانة جزء لا يتجزأ من حياته، ولا تمر حقبة إلا وكانت للخيانة صفحة في صفحاتها، وكتُب التأريخ حبلى بخيانات عظيمة طالت حتى أطهر البشر، رسل وأنبياء وأولياء وصحابة، وعلى مر العصور، تعرضت دول وحكومات وامبراطوريات إلى خيانات أطاحت بالعروش قبل الرؤوس، تلك هي الخيانة! سلوك بشري ليس بالإمكان قلع جذورها، لكن من واجبنا نبذ وفضح كل من يمتهنها بغض النظر عن مسوغاتها ومبرراتها.


تلك مقدمة بسيطة للولوج في خبايا هذه الظاهرة القديمة المتجددة، تلك الظاهرة التي أنتشرت كالنار في الهشيم في بلد كانت الخيانات فيه نوادرٌ تُذكر، فأصبحت الخيانة متلازمة مرضية لشخوص يحملون جيناتها عبر الأجيال، فما حدث في العراق كشف الكثير، وأزال ورقة التوت عن عورات شريحة الخونة الذين كانوا ناراً تحت رماد، يمارسون نفاقاً أشبه بالسحر والشعوذة، تُمارس في دهاليز العالم السفلي، بأمل عودة العراق إلى العصور المظلمة.


لقد كان البعث في العراق أولى أولويات هؤلاء الخونة، ليس بعد الاحتلال فحسب، بل منذ ساعات انبثاقه الأولى، فعرف البعث وأختبر مكرهم وتدليسهم، وكشف زيف الكثيرين منهم، لكن ليس دون معوقات وتحديات كبيرة منحت للبعث المناعة ضد كل من يحاول إختراق المسيرة والعبث بدوران عجلتها، فالبعث بعث نضال قبل أن يكون بعث مناصب، فكان الأقوى في سوح النضال ضد المحتل وعمليته السياسية البالية، وأثبت عمق جذوره الذي لم يتمكن كل العالم المتجبر من أقتلاعها من قلوب مناضليه، ليثبت في النهاية بأنه بعث المبادئ التي تنمو عروقها كلما رويت بدماء المناضلين.


لم نشك يوماً بأن لطريق البعث أشواك يزرعها الحاقدون والمنافقون والأفاكون والأفاقون، فالأحزاب الوطنية المناضلة لن تكتمل صور نضالها دون وجود أعداء حقيقيين يقفون حجر عثرة في مسيرة النضال، ولعل من أخطر الأعداء هم الذين ينطلقون من قواعد الحزب الداخلية، ليس فقط من الذين انتموا للحزب لغايات التدمير الذاتي فحسب، بل الأخطر من يتساقط خلال المسيرة دون أن تُكتشف النوايا المرحلية المبيتة، ويصلون إلى موقع القرار ويمتلكون مفاتيح أسراره، فيكون خطابهم مؤثراً سلباً ليس على المؤمنين بالمبادئ والقيم والمثل العليا قطعاً، بل على المرتفجة قلوبهم والباحثين عن المسوغات والتبريرات لما ضمرت قلوبهم.


وآخر الخونة وليس آخرهم من الذين لم يسقطوا سهواً من مسيرة البعث، بل مع سبق الإصرار والترصد، هو عبد الباقي السعدون، الذي يشير تسجيل خطابه الإذاعي الثاني إلى عمق جذور مخطط دنيء أختير وقته بعناية لشق الصف، ولا يصدر إلا ممن يريد بالبعث سوءا، ومن سمع الخطاب سيعلم بأن نصفه جنة والنصف الآخر نار، فقد استهل خطابه الذي استغرق 40 دقيقة بما يوحي بأنه مناضل ضد حكومة المالكي ومقاتلا شرسا ضد المحتلين، وإنه محافظ على المبادئ والقيم البعثية، وأطلق العنان لكلمات تستدر العواطف، خاصة للعشائر الثائرة اليوم في الأنبار! لكن لم يذكر ما هو الدور الذي لعبه في مساندة ثورة الأنبار! بالأفعال وليس بالأقوال؟


الشق الثاني من الخطاب كان موجهاً بالكامل ضد قائد ركب الجهاد والمقاومة في العراق المجاهد عزت إبراهيم، وهنا باتت خفايا الرسالة واضحة في هذا الخطاب، فبالرغم من إنه لم يذكر القائد إلا ويقول أخي العزيز! إلا أن فحيح الأفعى الناعم يسمع بين كلماته، كمن يدس السم بالعسل، وأطلق ما يمتلكه من معلومات بحكم اطلاعه على القرارات ليخلط الحابل بالنابل، بأمل أن يصدقه من لا يعلم عن البعث ونظامه الداخلي وأسلوب اتخاذ القرارات وكيف ترفع التوصيات ليتم البت فيها، وهنا يبدو جلياً بأن الرسالة لم توجه في الأصل إلى البعثيين الأصائل، بل إلى من يبحث عن الصغائر، والثغرات، والأكثر من ذلك ليساهم مع المتربصين بالبعث بما تجود نفسه الأمارة بالسوء على البعث وقائده، كما إن الرسالة وبلا شك ذهبت أبعد من ذلك بكثير، فقد أستلمتها قنوات العهر والفساد اللاعراقية لتكون مادة دسمة ضد الجبهة الوحيدة التي وقفت ضد مشاريعهم، وضد الحزب الذي لا يحمل معاني أي معاني للطائفية والتطرف، والذي يؤمن بعراق الواحد.


بالتأكيد يعي عبد الباقي السعدون جيداً عند إطلاق خطابه بأنه سيصب في فائدة كل من يريد بالبعث شراً، وليس كما أدعى وأسبغ خطابه بجملة أسباب واهية يعرفها البعثيون، ونسي هنا بأن البعثي الأصيل يتبع قيادته القومية والقطرية، ولا يتبع أفرادا يشذون عن القاعدة ويوجهون التهم جزافاً، ويساهمون مع أعداء البعث للنيل منه ومن تأريخه في وقت تتكالب كل قوى العالم على البعث، كما فاته في هذا الخطاب الدفاع عن نفسه في الاتهام الموجه له من قبل القيادة القومية في قرار طرده من الحزب، وهي تهمة الخيانة العظمى، ومؤامرته على القائد المجاهد، كما لم ينف أو يبرر عملية اطلاق سراحه من قبل قوات "سوات" بعد اعتقال دام أربع ساعات وهو المطلوب ضمن قائمة الـ 55!


لا نريد هنا أن نعطي لخطابه أكثر مما يستحق، فالبعثيون لن تتزحزح مبادئهم من مجرد خطاب لمتهاوي آخر من المسيرة، ولطالما تساقط الضعفاء وأنزووا في الزوايا المظلمة، والشواهد كثيرة، ويبقى البعث وقائده شوكة في عيون المعتدين، وسنبقى جنود أوفياء للبعث والعراق، وسندوس على كل متساقط ومتهالك لتستمر المسيرة الظافرة بعون الله.


وليخسأ الخاسئون.
 

 

 





الاربعاء ٢٨ ربيع الاول ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / كانون الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الوليد خالد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة