شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

تختلف المنطقة العربية، وهي قلب الشرق الأوسط، عن باقي مناطق العالم من حيث سكانها وتركيبتهم واعراقهم ومذاهبهم وقومياتهم، فضلاً عن موقعها الإستراتيجي، وعمق حضاراتها العريقة الضاربة في القدم، ومناخاتها وطوبغرافيتها وتنوع ثرواتها وسكيولوجية شعبها في الفعل ورد الفعل .. إلخ

 

التعامل الأمريكي مع هذه المنطقة واطرافها، مبني في جزء منه على الخبرة البريطانية والفرنسية وقليلاً من خبرات الإستعمار الأسباني والبرتغالي والإيطالي، فيما تشكل الخبرة الأمريكية جانباً ضئيلاً بحكم المنافسات الإستعمارية والإمبريالية، التي أزاحت بعضها البعض بحثاً عن مناطق النفوذ والهيمنة، الأمر الذي بات فيه الإستعمار البريطاني تابعاً للقوة الأمريكية الجديدة التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية لترجع كل من بريطانيا وفرنسا إمبرياليتين من الدرجة الثانية تابعتان لها ومرشدتان لنشاطاتها العسكرية .

 

والمعروف في سياق العمل السياسي- الإستراتيجي واطار التحالفات ، أن أي خطوة عملية لا تتم إلا على وفق افكار وابحاث ودراسات معمقة تستكشف الواقع وتحلل عناصره الأولية وترجاعها إلى حقب التاريخ، لأن لا غنى عن خط التاريخ الذي يعطي مؤشراته فائقة الدقة في تنميط الأحداث وإفتراقاتها وتباينها أو إتساقها، الأمر الذي يساعد على فهم ما يجري على أرض الواقع الذي يتسم بالحركة الدائمة .

 

ولكن هل ينطبق هذا الفهم على مجريات الرؤية الأمريكية للأحداث والإمعان في إظهار  الأحداث والتحالفات التي جرت بين ظهرانيها وكأنها معروفة وواضحة ومخطط لها ولا غبار عليها، في الوقت الذي نظهر فيه النتائج على الأرض تؤشر ما يخالف تلك الدعاوى الأمريكية التي تعني الفشل الذريع في السياسة والفشل الذريع في تقدير الموقف سياسياً ونتائجه الحتمية كارثية عسكرياً واقتصادياً واجتماعياُ ، تبعاً لذلك .؟

 

في أي مدخل حل الفشل في التحالفات الأمريكية ؟ ، فهل الفشل في معرفة الواقع وصراع العناصر فيه، أم الفشل في تقدير الموقف من عناصر الصراع على أرض الواقع ؟

 دعونا نرى نماذج من فشل سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت وما تزال تراعي اهتماماتها  وتصر على نجاحات هي مجهضة مسبقاً بفعل طبيعة مكونات عناصر تلك التحالفات، التي تتقاطع مع الواقع ولا تنسجم معه، فكيف يراد منها النجاح والإستمرار؟ :

 

أولاً- وضع الأمريكيون بيضهم في سلة الأخوان المسلمين، بعد أن وضعوا نمطاً تقسيمياً لهدف مركزي في المنطقة، يتشكل من عدد من الجماعات والنظم، ورأت الإدارة الأمريكية أن اللعب على كل هذه الأطراف سيحقق لها تشكيلاً يستطيع أن يملء فراغ القوة وفراغ نظام الأمن القومي العربي، الأمر الذي سيحقق لها الأرضية لبناء نظام للأمن الإقليمي من كل من إيران وبعض الإقطار العربية وتركيا .. تفكير الإدارة الأمريكية كان خاطئاً وتقييمها لطبيعة قوى الواقع العربي والإقليمي كان خاطئاً أيضاً، وتصوراتها بشأن الركائز التي تريد انشائها كانت واهنة، إذ  سرعان ما تهاوت أولى هذه الدعائم في مصر وضعفت في إيران وكادت أن تؤدي بنظامه الصفوي، وتبعثرت في العراق حيث ما عادت حكومة العراق قادرة على إدارة دفة الحكم، لأنها إيرانية الإتجاه ولا يهمها مطالب الشعب فيما تنهار دعامات الأمن في البلاد إلى مستويات الحرب الأهلية التي يشعل فتيلها الإيرانيون بعد أن دمروا سوريا .

 

ثانياً- وضع الأمريكيون سياستهم الإستراتيجية المرتبكة، التي يعوزها التقارب الموضوعي بين النظرية والتطبيق، في وضع التجريبية ، بين المتصور وبين ما هو كائن على أرض الواقع.. هذه السياسة يعوزها منطق تقدير الموقف الصحيح، فهي تريد أن تغير الواقع على أساس مشروع ( الشرق الأوسط الكبير ) ، ولكنها لا تفهم هذا الواقع الذي تريد تغييره عن طريق الديمقراطية الأمريكية في تجريبيتها البائسة أولاً وعن طريق القوة بأدوات غيرها ثانياً ، الأمر الذي يؤكد أن هذه السياسة مأزومة وتعيش تناقضاً وافتراقاً حقيقياً عن حركة الواقع،  مرده الصدمة العنيفة التي تلقتها قواتها على يد المقاومة الوطنية الباسلة منذ عام 2003 وحتى الإنسحاب الشكلي للقوات الأمريكية، واختبائها خلف عدد من القواعد العسكرية، التي تتلقى يومياً زخات من صواريخ أرض- أرض توجهها المقاومة العراقي على اهدافها حتى هذا اليوم .

 

ثالثاً- الإشكالية في رسم السياسة - الإستراتيجية الأمريكية أن نتائج أفعالها تنعكس عليها بالسلب وعلى مصالحها .. لأن الفوضى التي خلقتها لا تنتج إلا الفوضى، ولا تخلق نظاماً للإستقرار ولا ركائزآمنة ومستقرة في علاقات دول المنطقة الثنائية والمتعددة الأطراف .. وهذا الواقع يخلق أزمات إقليمية وأزمات دولية .. وهي في كل الأحوال سياسة- إستراتيجية محكوم عليها بالفشل وإن ضررها على أمريكا واصدقائها الأوربيين وغيرهم، لا يقل عن ضررها على دول المنطقة والعالم.

 

رابعاً- المنطق السياسي يقول ان الفوضى تنتج الفوضى .. وإن اتساع دائرة الفوضى لا يخلق واقعاً أمناً ومستقراً .. وهذا الواقع المتوتر والمحتقن لا يشجع على البناء والإستثمار والتنمية بأي حال حيث تفر الرساميل إلى غير وجهتها الحقيقية .. الأمر الذي يدعو إلى التفتيش عن الأسباب .. وتقع في قمة هذه الأسباب، السياسة الإيرانية التي هي مصدر رئيس من مصادر الإرهاب، التي انتجت خلال العقود الماضية عدداً من مصادر الإرهاب، وهي معروفة واهمها حزب الله في الجنوب اللبناني، والحوثيون في اليمن، والأحزاب الطائفية المدعومة من إيران في العراق .. فيما يأتي إرهاب الدول الصهيونية في مستوى لا يتماهى كثيراً عن إرهاب الدولة الصفوية وسلوكها الدموي، الذي تمخض عن إبادات جماعية ضد الإنسانية .

 

خامساً- أمريكا تتحمل كامل المسئولية الجنائية التي ارتكبتها في العراق وفي ليبيا وتونس وسوريا ولبنان ومصر وتشجيعها لطهران على اختراق دول منطقة الخليج العربي بتوافقها الإستراتيجي مع طهران .

 

سادساً- ادركت الأدارة الأمريكية متأخرة ، تورطها وفشلها حين وضعت بيضها كله في سلال الأخوان المسلمين حيثما وجدت في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا والعراق وغيرها .. وتراجعها كان مربكاً في كل الحسابات، على الرغم من قدرة الإدارة الأمريكية على تقبل الفشل بصلافة كمن يداري خوفه بالصفير في أرض موحشه وغير مسلوكه نسبياً ، إلا أن الأخوان المسلمين باتوا يعانون شعوراً مزدوجاً يقض مضجعهم ، الأول : أنهم قد خيبوا أمل الولايات المتحدة وأفسدو نسبياً خيارها في التغيير المطلوب ، والثاني: أنهم كشفوا فشلهم التاريخي أمام العالم ، وأظهروا حجم الإفتراق الخطير بين النظرية والتطبيق بعيداً عن النصوص المقدسة .. ومن هذه الزاوية عمد الأخوان المسلمون إلى تفريغ شحنة التدمير، ليس بالضد من الكيان الصهيوني واعداء الإسلام والأمة، إنما بالضد من الشعب ومؤسساته التي يستهدفونها بالتدمير الكامل والشامل .. ومن هذه الزاوية أيضاً ، تظل العلاقة بين أمريكا والأخوان قائمة حول هدف مشترك، وهو تفكيك المنطقة وتدميرها .. وبهذا يستكمل الأخوان منهجهم في الحديث عن الشرعية والأحقية في الحكم حتى على تلال من الجماجم، كما هو حال النظام في دمشق . وهم بهذا يكون دورهم في الحكم ليس أكثر أهمية من خارجه .. لأن الأمر يقتصر على هدف ( التفكيك والتدمير للمجتمعات العربية وبناها التحتية والحضارية والثقافية ) .. وهي الأداة الإستراتيجية، التي تلتقي بأداة الطائفية الإيرانية الفارسية لتغيير معادلات القوى في المنطقة برمتها ، حيث يظهر مشهد الأخوان المسلمين متماثلاً مع الفرس الصفويين وهما يدمران البلاد والعباد ويفككان المجتمعات العربية، ويقتلان ويحرقان وينهبان ، وحين تسألهم أين هي أحكام القرآن الكريم وسنة نبيه الكريم وهل يسمحان بسفك الدماء واشعال الفتن بين صفوف المسلمين ؟ لا أحد منهم يستطيع أن يجيب .!!

 

سابعاً- يقول الباحث الأمريكي " توماس فريمان" ، في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط يوم 1/3/2014 ، ( .. كان ينبغي علينا تعلم الدروس المستفادة من تجاربنا الأخيرة في دول الشرق الأوسط  وهي ، أن الدول الغربية وأمريكا وغيرها لا تعرف التناقضات السياسية والاجتماعية في هذه الدول حق المعرفة ) .!!

 

 ويتضح من هذا، أن أمريكا وأجهزتها وامكاناتها وقدراتها لم تستطع أن تجني معرفة حقيقية لواقع التناقضات والعوامل المحركة للصراع، كما أنها قد أخفقت في وضع اطار للنتائج التي تتمخض عن أفعالها المشينة وغير الإنسانية .. فهي بارعة في التهديم ولكنها فاشلة في البناء بصورة مطلقة .

 

ثامناً- لقد مولت أمريكا برنامج خاص بـ ( دراسة الديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ( MENA )  ، وهو البرنامج الذي بدأ منذ أقل من سنة تقريباً في إطار التعاون مع مصر لعقد مؤتمر إقليمي في نهاية عام 2014 لتطوير علاقة أمريكا مع الأخوان المسلمين آنذاك ، وقبل خيبة أملهم وفشلهم، وعلى وفق أفكار أمريكية تقوم على أساس ( أن الأخوان المسلمين يمثلون الإسلام السياسي المعتدل، حيث يمثل هذا الفهم الإستراتيجي ليس في مصر إنما في عموم دول منطقة ( الشرق الأوسط ) .. وعلى أساس هذا الفهم يمكن عقد صفقات مع الأخوان لدعم وصولهم إلى الحكم أطول فترة ممكنة .. والدستور الأمريكي لا يسمح بغير ولآيتين ، لكن السياسة الخارجية الأمريكية تجيز حكم الأخوان طويلاً، وربما تجيز حكم حزب الدعوة الصفوي بقيادة المالكي في بغداد لولآية ثالثة ، خلافاً للدستور الأمريكي .!!

 

ويتضح من هذا ايضاً .. ان أمريكا تستنير في رسم سياستها الخارجية بمراكز الأبحاث التي هي في معظمها لم تكن بمستوى التحليل الرصين للواقع، أكثر من اعتمادها على المؤسسات الأخرى المساهمة في صنع القرار،  الأمر الذي يجعل السياسة الخارجية الأمريكية ومراكز صنع القرار فيها في ورطة كبيرة كمثل الورطة التي حشرت أمريكا نفسها في دائرة الأخوان المسلمين، التي اعلنت عن فشلها، ليس في مصر فحسب، إنما في عموم منطقة ( الشرق الأوسط ) ، فيما باتت تصدعات تلامس الجدار التركي الذي يحكمه خط الأخوان أيضاً .. أما أيران فهي المستنقع الذي تورطت أمريكا في مياهه الآسنة ، وخاصة في الملف النووي الإيراني ، على الرغم من توافقها الإستراتيجي مع حكومة طهران الفارسية الصفوية المخادعة .

 

فلسفة امتلاك إيران للسلاح النووي التي ربما يجهلها " أوباما " :

 

1-  عقد في مدينة ( قم ) الإيرانية مؤتمراً خاصاً بشأن ( الرؤية القمية ) لموضوع امتلاك إيران للسلاح النووي .. تحدث " بهروز كمالفندي" رئيس الطاقة الذرية الإيراني في هذا المؤتمر ذو الصبغة الدينية ، يقول ( إن الجمهورية الإسلامية على استعداد للتخلي عن الجوانب العسكرية لبرنامجها النووي فقط في سياق عملية نزع الأسلحة النووية على الصعيد العالمي، أما إذا كان الآخرون يمتلكون السلاح ، فلماذا تحرم إيران نفسها من امتلاك ذلك السلاح .؟ ) .

 

هذا الكلام الرسمي جاء على لسان رئيس لجنة الطاقة الذرية الإيراني .. وهو كلام ينطوي على اعتراف صريح بأن هناك جوانب عسكرية لبرنامج إيران النووي لا يجب التخلي عنها .. فضلاً عن سعي إيران الجدي في امتلاك السلاح النووي ما لم ينزع هذا السلاح من كل العالم .. وإن كل الحديث الذي يأتي من روحاني وظريف ما هو إلا هواء في شبك، كما يقال.!!

 

2-  كما استشهد  " آية الله حسن ممدوحي " عضو رابطة مدرسي الحوزة العلمية بمدينة ( قم ) ، في حديثه ، بجملة قالها " الفقيه آية الله خوشوقت" ، ( .. إن الامام الغائب سينهي غيبته الكبرى فقط عندما يكون سيفه جاهزاً .. ويضيف ، إن عودة الامام المهدي، الامام الغائب، مشروطة بما يقوم به علماؤنا في المجال النووي . ) ، ومن المعروف ، أن " آية الله خوشوقت  هو " معلم " علي خامنئي" واستاذه .!!

 

3-  وقال ايضاً " آية الله أحمد جنتي " عضو صيانة الدستور ( .. ان عودة الامام المهدي باتت وشيكة بفضل التقدم الرائع الذي تحققه الجمهورية الإسلامية الإيرانية ) .. فيما ترى وسائل الاعلام الإيرانية ( .. ان سيف الامام الغائب في الوقت المعاصر يعني امتلاك ترسانة نووية ) .!!

 

هذه هي قاعدة التفكير الإيرانية الدينية والرسمية بشأن السعي للحصول على السلاح النووي .. فيما يضع " أوباما " رأسه كالنعامة في الرمال الساخنة ومؤخرته تلعب بها رياح الصحراء .!!







الثلاثاء ١٧ جمادي الاولى ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أذار / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة