شبكة ذي قار
عـاجـل










الحوار .. يشترط مصدراً واحداً للقرار.

 ويشترط أرضية مشتركة ثابتة وليست مهزوزة .

ويشترط نيات حسنة لإرساء دعائم المشتركات .

والحوار .. هل يُبْنى على قاعدة ( لا ضرر ولا ضِرارْ .. ) .؟!

 

يطرح النظام الصفوي، في كل مرة، وبصفاقة منقطعة النظير مع شيء من الغطرسة، أن طهران ترغب في فتح حوار مع دول الخليج العربي وفي مقدمتها السعودية .. ومثل هذا الطلب أو العرض يتسم بمقدمة يتلمس فيها المراقب والمتتبع للسلوك السياسي الإيراني، شروطاً أو بالأخرى محددات تقع في مقدمتها وضع أمن الخليج العربي على طاولة الحوار لبحث الأرضية المشتركة لتعاون مشترك من أجل إدارة الأمن في الخليج .!!

 

وقد ارتفع مستوى العرض الإيراني لدوافع عديدة، كلما اشتد الضغط على طهران، كما يقول البعض، في مسألة ملفها النووي، الذي بات مصدراً للقلق في المنطقة ، والحاجة إلى انفراج عن طريق انفتاح طهران على محيطها القريب .. ومثل هذا الكلام الذي نسمعه يغطي جوهر العلاقة القائمة بين إيران وأمريكا ، وهي علاقة مبنية على التوافق الإستراتيجي، الذي يكفل المصالح المشتركة بينهما .. أما سيناريو الضغوط والتراجع عنها وإبداء المرونة والتفهم المتبادل ، فهو سيناريو فاضح وبائس.

 

والغريب في الأمر .. أن النظام الإيراني يضع أولوية لمسألة الأمن في المنطقة وضرورة المشاركة في بحثها على مستوى إقليمي .. في الوقت الذي تعد فيه الأطروحة الإيرانية أحد أهم ركائز الإستراتيجية الإيرانية تجاه منطقة الخليج العربي.. إذ تأخذ أبعادها الإقليمية على أساس ( المشاركة ) في إرساء دعائم لنظام الأمن الإقليمي في الخليج العربي، الذي ترغب في تشكيله أمريكا وإيران وتركيا والكيان الصهيوني، وذلك لوجود ما يسمى بـ ( فراغ الأمن القومي العربي ) ، وخاصة :

 

1- بعد أن أخرِجَتْ مصر من دائرة الصراع العربي- الإسرائيلي، وتكبيلها بإتفاقية "كمب ديفيد" سيئة الصيت ، ودفعها إلى الإحتراب الداخلي من أجل تفكيك جيشها وتفتيت عناصر قوتها ( .. مصر انتبهت لذلك، وأزاحت مصدر الخطر على الأمن الوطني المصري وعلى الأمن القومي العربي، حين صحح الجيش الوطني المصري مسار الثورة ) .

 

2- وبعد أن احتل العراق وأخْرِجَ من دائرة التوازن الإستراتيجي مع الكيان الصهيوني، وتكبيله بأتفاقية ( الأطار الإستراتيجي ) ذات الإحتلالين الأمريكي والإيراني معاً.

 

3- وبعد أن أشيعت الفوضى- المؤامرة الأمريكية الصهيونية في المنطقة، والتي سميت بـ ( الربيع العربي ) ، التي عمت معظم الدول العربية .. أسقطت نظم سياسية ودمرت دول من أجل التمهيد لمشروع امريكي يقتضي تفكيك خرائط دول المنطقة السياسية، وإعادة تشكيلها في ضوء منهجية الفوضى التي رسمتها للمنطقة برمتها تحت مسمى ( الشرق الأوسط الجديد ) .

4- الفوضى المؤامرة، التي تقودها أمريكا تحت أنظار مجلس الأمن الدولي المؤسسة المسؤولة عن رعاية الأمن والإستقرار في العالم، هي التي أخلت بالتوازن الإستراتيجي الإقليمي باحتلالها العراق .. وحين اختل هذا التوازن حدث ( فراغ الأمن ) .. والآن ، تفتش أمريكا عن صيغة لملء ( فراغ الأمن القومي العربي ) بنظام للأمن الإقليمي، تريد إيران أن تشارك فيه بكل حماسة، ليس كعنصر إيجابي إنما كعنصر سلبي يطغي عليه المنهج الصفوي الذي يجمع بين نهج التشيع الفارسي ونهج التوسع القومي للدولة الإيرانية.

 

5- المشروع الفارسي هذا، لم يكن مجرد مخطوطة سياسية نظرية في ملف وزارة الخارجية الإيرانية، إنما خطط في الرئاسة ومجلس الأمن القومي الإيراني لها ثلاثة أبعاد تعمل بطريقة التنسيق :

 

أولاً- البعد الآيديولوجي : وهو يمثل المنهج التشيعي الفارسي في أوساط المجتمعات العربية والإسلامية بصيغة جهود مكثفة تأخذ شكل العمل التبشيري بمختلف الوسائل الممكنة وبتعاون الجهات الايرانية التي تشرف او ترعى هذا التوجه، ومنها على وجه التحديد السفارات الإيرانية والقنصلية والمراكز الثقافية الإيرانية والمنتديات الأجتماعية فضلاً عن المراكز والمراقد الدينية، التي تعلن وصايتها عليها لأغراض سياسية .. هذا البعد يجري العمل فيه على اساس ما يسمى ( تصدير الثورة ) .

 

ثانياً- البعد الإستخباري : وهو يمثل قمة العمل الخارجي المزدوج ( آيديولوجي- عسكري ) ، طالما مهدت الإستخبارات العسكرية الإيرانية الأرضية للتمدد الآيديولوجي والعسكري خارج حدود إيران.. والمثال هو ما نراه من قوات عسكرية إيرانية ( نظامية ) بلباس وتسمية مليشية في سوريا وفي العراق وفي اليمن .. فيما تأخذ مثل هذه القوة نصيبها العسكري في الجنوب اللبناني.. كما أن صيغة تأسيس نموذج حزب الله اللبناني يراد لها أن تكون في أكثر من دولة عربية .!!

 

ثالثاً- البعد العسكري : وهو يمثل الأداة التي تستخدمها إيران لبسط نفوذها، كلما كان لها موطئ قدم في الأماكن، التي تمهد لها ( الآيديولوجيا ) التشيعية الفارسية.. والتي تمهد لها الإستخبارات الأرضيات المناسبة لهذا النفوذ وبمساعدة المؤسسات الإيرانية الخارجية وتحت أغطيتها.!!

 

6- إيران تعلن بصفاقة قل نظيرها، وعلى لسان قادتها العسكريين، أن حدودها ( الدفاعية ) لن تبدأ من ( الشلمجة ) على الحدود العراقية- الإيرانية .. والمعنى في هذا، أن العراق ( جغرافيا- سياسية ) يقع في نطاق إستراتيجيتها، ويليه جنوب لبنان ويمتد هذا النطاق نحو حافات البحر الابيض المتوسط .. ومثل هذا الإعلان الرسمي تسكت بشأنه الأمم المتحدة، كما أنها تلتزم الصمت أساساً على الوجود العسكري المليشي الإيراني المستشري في العراق وجنوب لبنان وسوريا واليمن ..إلخ .

 

7- إيران تطرح موضوعة التفاوض مع السعودية من موقع نفوذها المستشري في العراق وجنوب لبنان وفي سوريا واليمن والبحرين، اعتقاداً منها بأن هذا النفوذ يتسم بالثبات، ويفرز مكتسبات على الأرض، يكسب المفاوض الإيراني قوة وشروطاً تفاوضية يمكن ان يكون لها تأثيراً على مجريات المباحثات، التي يتوقع صانع القرار الايراني ان تجري مع السعودية على هذا المستوى، باعتبار ان السعودية تمثل الثقل الاستراتيجي الراهن لأمن الخليج العربي، بل للأمن القومي العربي بعد مصر التي استعادت موقعها حين اعتبرت أمن الخليج العربي من أمن مصر القومي، أو بعبارة أخرى، أن أمن الخليج العربي يمر عبر أمن مصر القومي، بعد أن تخلصت من الأخوان المسلمين، الذين يشكلون أداة هدم تعول عليها امريكا و ( إسرائيل ) في متغير ما يسمى الشرق الاوسط الجديد .

 

8- ايران تطرح انفتاحها على دول منطقة الخليج العربي وفي مقدمتها السعودية، على اساس التعاون المشترك لحل مشكلات الأمن في المنطقة، في الوقت الذي هي من خلق المشاكل بتدخلاتها، وهي التي زعزعت الأمن في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، واصابعها ما تزال تعبث في أمن المنطقة برمتها .. فاذا كفت إيران عن عبثها بأمن المنطقة، عندئذٍ فأن أمن المنطقة واستقرارها سيستتب دون حوارات ولا مباحثات .

 

9- القضية الفلسطينية.. هي في اساسها قضية عربية ولا دخل لايران في ان تحشر انفها فيها.. والعرب هم المعنيون بمستقبلها .. حيث ان ايران ما انفكت تجعل من القضية الفلسطينية مدخلاً سياسياً الى المنطقة، وتجعل منها ورقة ضاغطة في العب الاقليمي، وتجعل منها مجالاً للمقايضة مع الكيان الصهيوني- تكتيكياً- الذي يسعى هو الآخر الى تفتيتها وتقسيمها وعزلها جيو- سياسياً في كل من الضفة وقطاع غزة، فيما تعمل إيران على تشظي الشعب الفلسطيني الذي ناضل طويلاً وقدم التضحيات الجسام من اجل الحرية والخلاص الوطني والقومي ..ايران تقدم بعملها هذا خدمة للكيان الصهيوني بتقسيم شعبنا الفلسطيني على اساس ديني مستغلة حاجة القوى الوطنية الفلسطينية الى الدعم وشحة هذا الدعم على المستوى العربي .. وهذا المدخل قد اوقع بعض هذه القوى في فخ الرهانات والمساومات الايرانية في المنطقة .

 

10- وعلى وفق هذا السلوك الخطير الذي تمارسه ايران الفارسية وتصريحات جنرالاتها العسكريين الذين يفصحون بمنتهى الصفاقة والغطرسة عن نيات النظام الصفوي التوسعية .. فكيف تكون عليه قاعدة الحوار بين ابران والسعودية ؟ وكيف يمكن ان تكون عليه المشتركات والمحددات بين الدولتين الاقليميتين؟ :

 

اولاً- يقول البعض.. ان قاسماً مشتركاً بين هتين الدولتين هي الجغرافيا .. وحتمية هذه الجغرافيا تشترط ان يجلس الفرقاء المعنيون بأمنها ومصالحها على طاولة حوار ومباحثات .. ولكن ، إذا كانت هذه الجغرافيا منتهكة اساساً من لدن ايران، وهي جغرافيا في وضع ( الدفاع عن النفس والقيم والهوية ) .. فماذا يمكن ان يتوقع ان يكون عليه الفريقان على طاولة الحوار او المباحثات .. احدهما في وضع الدفاع، والآخر في وضع الهجوم..؟

 

ثانياً- ايران لا يجب ان تعطى فرصة لتكريس ما حققته على الارض في العراق وسوريا على وجه الخصوص .. لأنها تفتش عن شرعية تضفي على ما حققته عن طريق التوسع الاقليمي على حساب الأمن القومي العربي .. لأن هذه المكتسبات غير شرعية ومدانة سياسياً وقانونياً ، كما أنها لم تكن نهائية لا في العراق التي تشتعل فيها الثورة، ولا في سوريا التي تشتعل فيها الثورة ايضا .

 

ثالثاً- لا يجب ان يخدع احد بمقولة ( اختبار النيات الايرانية واستكشاف اطروحاتها حول القضايا الاقليمية ) .. لأن الشعب العربي وقواه الوطنية والقومية والإسلامية الوطنية تدرك هذه النوايا وان تاريخ ايران القديم والقريب والحديث مكشوف تماماً، والشواخص على الأرض خير دليل على تلك النيات .

 

رابعاً- فليعلم الجميع ان ايران .. الآن ، تحاول ان تلملم اصطفافات احزابها وازلامها في العراق، التي باتت معزولة ومكروهة ومنبوذه ، نظراً لقذارتها وخبثها وعدم نزاهتها وفشلها .

 

خامساً- إيران تحاول .. الآن، أن تستبقي الحالة الراهنة في سوريا على ما هي عليه من اجل المحافظة على نفوذها حتى ولو كان ساحلياً ولا أمل لها في بقاء الأسد ... ومن هذا نستخلص أن ايران ليست هي كما تريد ان تكون، لأن استعراضات القوة لا تعني شيئاً امام وضع الأمور في نصابها.. وإذا كانت ايران قد اخرجتها امريكا و ( اسرائيل ) من قمقم الكهوف السحيقة لكي تعبث بأمن المنطقة ، فيمكن لقوى الأمة أن تعيد إيران إلى قمقمها بأن :

 

1- تفتح لها عمقاً استراتيجياً عربياً تبدأه بمصر العربية وبعمق الأمة رسمياً وشعبياً.

 

2- تفتح طريقاً خلفياً في عمق الجغرافيا السياسية للنظام الصفوي ، مع القوى الوطنية العربية في الأحواز، وكذلك مع القوى الوطنية الإيراني المناهضة للنظام الطائفي العنصري الإيراني المدعوم أمريكياً واسرائيلياً.

 

3- تفتح لها قنوات اتصالات مع مختلف قوى العالم المحبة للحرية فضلاً عن الاحزاب والمنظمات الرافضة لمنهج التدخل والتوسع والاحتلال على مستوى قارات العالم من خلال الوسائل الرسمية والشعبية، وذلك استباقاً سياسياً واستخبارياً وتعبوياً في حملة تعلن ( رفضها لمنهج الطائفية والتمييز العنصري وللإرهاب بكل أشكاله الفردية والجمعية وارهاب الدول، على المستولى الإقليمي والدولي ) .

 

4- يكرس واقع التعبئة وحشد القوى ، عدم التساهل مع اي نوع من انواع الخرق مهما يكن صغيراً، والاعلان عنه بكل الوسائل الممكنة والمتاحة .

 

5- يصار الى تحالف قوى في صيغة العمل بمبدأ المعاملة بالمثل ( إذا قام النظام الصفوي بأي خرق داخلي سيجابه بخرق في العمق بالمقابل ) .

 

إن النظام الصفوي المارق لا يعرف غير منطق القوة، ولن توقفه عند حدود اطماعه وغطرسته سوى القوة .. لقد راهن هذا النظام منذ عام 1979 على اسقاط النظام الوطني في العراق، وشن حربه الدموية لثمان سنوات وتعنت في استمرارها، ولكنه خسر رهانه، لأنه ليس على حق ، ثم تعاون مع الشيطان الأكبر امريكا استراتيجياً وفتح قنواته مع الكيان الصهيوني استراتيجياً لكي يستكمل فيها عدوانه على العراق والمنطقة في اطار تحالفات ركائزها معلومة ومكشوفة تعلن تخريب المنطقة وتدميرها واعادة تشكيلها بما يتناسب مع مخطط مشروع ( الشرق الاوسط ) الجديد .. ولكن ليست هنالك خرائط ثابتة في علوم السياسة يمكن تطبيقها بسهولة كما تشتهي أمريكا وإيران والكيان الصهيوني.!!







السبت ٢٤ رجــب ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أيــار / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة