شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة ..

من الصعب الاحتكام لمنطق الفعل العسكري وحده في لحظته وفي سياقاته وظروفه ، دون النظر الى محيطه والاحداث القائمة التي تلامسه من قريب او بعيد .. لكي تكون الاستنتاجات صحيحة في ضوء قراءة متأنية تعتمد على معايير للتقييم، يتوجب ان تكون موضوعية .

 

والمعنى في هذه المقدمة .. أن الحرب على غزة ومسألة قراءتها من حيث كونها فعل سياسي أكتسب لوناً عسكرياً سبقته أفعال حرب عسكرية مماثلة في الاعوام 2008 و 2009 و 2012 ، ينبغي ان تكون لها اهداف سياسية حقيقية رصينة، تتمثل باهداف الشعب الفلسطيني وقضيته التاريخية العادلة لا أن تكون أهدافاً في معظمها تخدم إجندات إقليمية على سبيل الحصر، وإلا ماذا جنى ويجني شعبنا الفلسطيني من هذه الأفعال - ولا أعني في هذا نفي المقاومة والرضوخ لسياسة الأمر الواقع الصهيونية تحت تهديد السلاح الإسرائيلي بالإجتياح كلما توترت المنطقة أو بلغت حالة من الإحتقان إطلاقاً - إنما القصد هو إحكام الموقف في إطار معادلة الصراع في مستوياتها التكتيكية والإستراتيجية، وفيما إذا كانت متوازنة محلياً وإقليمياً ودولياً أم لا .. ذلك هو المقصود الذي يطلق عدداً من التساؤلات :

 

- لماذا الحرب في هذا التوقيت على غزة ؟

- هل هي حرب من تدبير إيراني محض ؟

- وهل أن إيران بحاجة فعلاً لهذا التدبير؟

- ما هي أهداف الحرب .. ومن المستفيد ؟

 

من الصعب تخيل اندلاع فتيل حرب بدون سبب، كما انه من الصعب التصديق بأن اشتعال الحرب بدون مسبب، والصعوبة ذاتها تظهر حين تندلع الحرب بأغطية هي خارج أهداف الصراع المركزي :

 

1- فما هو سبب العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ؟ ، السبب الظاهر غير المؤكد هو اختطاف ( حماس ) لثلاثة اسرائيلين وقتلهم، الأمر الذي أنتج الحملة العسكرية العدوانية الإسرائلية على الشعب الفلسطيني في غزة - والمسوغ ضروري والحاجة الإستراتيجية إلى هذا الفعل من عدمها يتحدد هنا في حسابات التوقيت والحركة التي تعصف في المنطقة - . إذن .. أن فعل الإختطاف والقتل لا يتناسب ورد الفعل العسكري الإسرائيلي المجرم .. فما المحصلة المستخلصة من هذا الفعل ومن رد الفعل الذي لا يتناسب معه بأي حال.؟!

 

2- هذه النتيجة تفرز سؤالاً أخر .. من المستفيد من استدراج حماس للكيان الصهيوني لفتح النار على غزة في هذا التوقيت، وإستجابة نتنياهو السريعة لهذا الإستدراج تبدو فاضحة لحسابه ولحساب قوة إقليمية تنازع بقائها على النفوذ والتمدد، الذي تستفيد منها دولة عظمى منكفئة ؟

 

وقبل الحديث عن المسببات والدوافع الأساسية التي تكمن خلف الحرب الوحشية على غزة، ينبغي كما أسلفنا، الوقوف على الأحداث في المنطقة، لكي نُقَيَمْ مساراتها ونحدد ترابطها، بعضها مع بعض حتى نتمكن من تشخيص تلك الدوافع وتلمس المسببات التي دفعت إلى الحرب في هذا التوقيت .. والتوقيت هنا يؤشر أهمية قصوى في مجرى الصراع في المنطقة التي يتصاعد فيها بوتائر وأنماط غير مسبوقة :

 

اولاً- سقوط ( الأخوان المسلمين ) ، ليس في مصر فحسب، إنما في عموم المنطقة، وكان هذا السقوط المدوي ليس خياراً أمريكاً طالما راهنت أمريكا استراتيجياً على الأخوان لتغيير المنطقة جيو- إستراتيجياً وإعادة صياغة خرائطها السياسية حسب رؤيتها الإمبريالية .. وذلك في ضوء حربها الكونية على الإسلام بتقسيمه بين ( إسلام سياسي معتدل ) و ( إسلام سياسي مسلح ) ، الأول تتعامل معه على أساس مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، والثاني تتعامل معه على أساس الإرهاب والقاعدة وما تفرخه هذه السياسة الكونية من تنظيمات مسلحة ذات إدعاءات ومظاهر إسلامية ، تتخذها كمعاول هدم وإجهاض وتفتيت لأي إتجاه يدعو إلى التحرير أو الثورة أو المطالبة بالإستقلال والحقوق الوطنية .. وقد أسمينا هذه السياسة الإستراتيجية بخلق ( نقيض النقيض ) من أجل التصادم والإستنزاف ومن ثم الإجهاض .. هذه الإستراتيجية طبقت في سوريا ، فيما فشل تطبيقها في العراق، وبوجه آخر تظهر في فلسطين المحتلة بين قوى الضفة وقوى القطاع .. فسقوط الأخوان المسلمين في مصر قد أفزع أطرافاً عديدة كانت تبني أمالها وسياساتها على هذا الإتجاه، ومنها ( إيران وتركيا وأمريكا وإسرائيل وغيرها ) .

 

ثانياً- إيران المجهدة التي تعاني من مشكلات داخلية كبيرة وعميقة كلما وصلت أزمتها الداخلية ( عنق الزجاجة ) تحاول تصديرها الى الخارج، كما انها تعاني من التراجع والضمور نتيجة اسرافها في التمدد الخارجي وتماديها في استخدام الورقة الطائفية في عدد من الساحات العربية، في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وتهديدها لعموم المنطقة العربية ـ اعتقاداً منها بأنها قادرة بتحالفاتها المباشرة مع أمريكا وغير المباشرة مع الكيان الصهيوني أن تفكك المنطقة شعباً عربياً ودولاً قومية لها من العراقة ما يجعل مخططاتها وغيرها لا تصمد أمام إرادة جماهير الأمة حين تنتفض .. وما نراه من يقظة كبرى في العراق وسوريا ومصر وتونس والخليج العربي وعموم الأمة، هي في حقيقتها الإصرار على إرجاع العفريت الطائفي إلى قمقمه في ( قم ) وطهران .

 

فقد استنزف إيران تدخلها الواسع النطاق .. وهو لصالح الأمة العربية، إذ كلما اتسع نطاق التدخل زادت معدلات الإستنزاف الإيراني في العمق العربي، الأمر الذي يؤشر المعادلة وهي تخسر في الجهد الفقهي والإيديولوجي والسياسي والمادي الإيراني .. وملامح هذا التراجع باتت قوية جداً لا سبيل لإنكارها أو التغطية عليها بتصريحات عنترية إعلامية إيرانية .. وخاصة حين احترقت اوراقها الآيديولوجية في التشيع الفارسي الصفوي، ومحاولاتها تمزيق نسيج الشعب العربي طائفياً في كل ساحة ، رافق التشيع اعمال مليشية ذات صبغة عسكرية ايديولوجية انتقامية تتخذ من ( القبور والمقابر والأضرحة والمراقد المقدسة ) مدخلاً للعبور والإستيطان العسكري .. وإن شيوع مثل هذا التصرف لا يستسيغه العالم المتمدن إطلاقاً .

 

ثالثاً- النظام السوري لم يعد قادراً على المعايشة في الواقع العربي كحقيقة بعد الدماء التي سالت والملاببن التي هجرت والدمار الذي حل بالدولة السورية واقعاً وحضارة.. من الصعب التكهن ببقاء النظام على قيد الحياة بعد الصفقة الثلاثية ( الإسرائيلية الإيرانية الروسية الأمريكية ) الخاصة بنزع سلاحه الكيميائي .. والبقاء المؤقت هذا للظام لا قيمة له أمام إرادة الشعب العربي السوري في مسألة الحسم مهما طال الزمن .. وضمور النظام مؤشر على ضمور التمدد الإيراني الصفوي نتيجة استنزافه في العراق أمام ثورة جبارة لن تتوقف حتى تطهر العراق من فلول الطائفيين واللصوص والجواسيس والعملاء وتعدادهم لا يتجاوز بضع مئات من حثالات جلبها الاحتلال الأمريكي الإيراني إلى العراق.

 

رابعاً- وحزب الله في الجنوب اللبناني بات هو الآخر يلعق جراحه في سوريا ويداوي إنهياره السياسي والأخلاقي على مستوى المنطقة ، ويحاول أن يرفع صوته النشاز حيال العدوان الإسرائيلي على غزو دون جدوى، لأن ما كان يقوله حول ( الممانعة والمقاومة ) بات مهزلة المهازل في الوطن العربي .. فيما لم تعد لهذا الحزب الطائفي مكانة محترمة في دولة وطنية أسمها لبنان وبين شعب عربي أسمه الشعب العربي اللبناني .!!

 

خامساً- وأصابع النظام الصفوي العابثة في البحرين .. هي الآخرى قد احترقت أمام ثبات المواطنة العربية الحقيقية التي ادركت قواعد اللعبة الإيرانية الصفوية وتنسيقاتها الإستخباري المزرية مع أمريكا .

 

سادساً- بزوغ ثورة شعبية عارمة في العراق تحاكي كل العراقيين لها قيادات سياسية عراقية ولها قيادات عسكرية عراقية ولديها استراتيجية مركزية للتحرير والخلاص الوطني وتمتلك تجربة رائدة في إدارة دفة الدولة وإعادة بنائها على اسس وطنية وقومية وإسلامية جامعة مانعة تحتكم الديمقراطية الشعبية وحكم القوانين الوضعية والعدالة الاجتماعية والحقوق التي كفلتها شرائع الأرض والسماء .. هذه الثورة قد اربكت موازين القوى في الداخل والخارج وكشفت فشل مخططات العدوان الإمريكي والإيراني والإسرائيلي في العراق والمنطقة .. هذه الثورة قد عجلت بالتراجع والإنكفاء الإيراني صوب الداخل بفشل ذريع، الأمر الذي حدا بالنظام الصفوي إلى التحريض لإشعال نيران غزة على اساس استخدام صواريخه لتلميع وجهه الكالح ولتعزيز مكانته المهزوزة والمتراجعة عن طريق مدخل القضية الفلسطينية ليس في كليتها كقضية شعب عربي يريد الخلاص والحرية إنما عن طريق ( غزة وحماسها وجهادها ) لا غير.. وتلك مسألة غاية في الأهمية، طالما انصب الدعم ليس على الشعب الفلسطيني إنما على فصيل معين منه .. ومثل هذا الدعم هدفه شق وحدة الفلسطينيين كشعب يقاوم الإحتلال الإستيطاني الصهيوني.

 

يتبــــع ..






الاربعاء ٣ شــوال ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / تمــوز / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة