شبكة ذي قار
عـاجـل










مما تشير له خارطة الأحداث القريبة يتوضح وجود تغييرات خطيرة في عقارب بوصلة العالم هذه الأيام تجاه الشرق الأوسط ! ورب سائل يسأل ومتى كان الشرق الأوسط بعيدا عن تلك البوصلة ؟ نعم صحيح، لكن ليس بهذه الطريقة الفجة والمكشوفة والكلاسيكية التي ربما تعود إلى أفلام ثلاثينيات القرن الماضي ! بل أسوأ كثيرا !

عندما نشير للشرق الأوسط فهذا سيعني بالتأكيد الإسلام بمفهومه الضيق ! أي داخل حدود الوطن العربي بالتحديد، لكن هذا لا ينفي أن يكون الاستهداف عاما شاملا للمسلمين حول العالم ! لكنهم ليس الهدف الحقيقي قطعا ! بل الأدوات حسبما سيأتي لاحقا في المقالة !

نتمنى أن لا يكون هذا الاستهداف هو الأخطر على الإطلاق على عالمنا العربي والإسلامي خلال الحقب الاستعمارية الماضية ! والتي ستتجاوز مفاهيم ها التقليدية بالاستهداف عسكريا أو اقتصاديا لتنتقل الكاميرا إلى مشهد درامي آخر من الاستهداف الديني المفرط والممنهج !

ربما من السابق لأوانه فهم وأدراك شكل وهيكلية الحرب العنصرية القادمة بتفاصيلها الدقيقة، لكن بوادر تلك الحرب ربما تضعنا في صورة واضحة من الاستهداف الديني المخطط له برداءة على عكس ما سبق من خطط، بعد الفصل المسرحي الركيك الذي شهدته عملية اقتحام الصحيفة الفرنسية والتي انتهت فصولها باعدام الجناة الشهود دون محاكمة !

تلك العملية التي لا بد وإنها أوضحت بأن أية عملية أمنية أو استخباراتية ومهما بلغت درجة تفاهتها وسذاجة مدبريها ومنفذيها فإنها ستكون قابلة للتصديق من قبل العقل الجمعي العالمي الحالي، خاصة وإنها تستهدف الوسيلة التي تعمل على عملية تنويم الشعوب إعلاميا ! فبغض النظر عن كل علامات الاستفهام الجلية وحلقاتها المفقودة التي طرحها نفس الإعلام ! إلا إن عنصر "الخبر الصدمة" الذي وصل للشعوب في أولى لحظات الهجوم مازال لاصقا في الذاكرة ليعيد المشهد مرات ومرات حتى يتم تصديقه والإيمان بصورته الخارجية دون التفاصيل والحقائق التي ربما تدحض كل ما جاء قبلا !

لم تكن هذه القضية هي الأولى بمستوى الأداء السيئ ! بل سبقتها بسنوات عملية تفجير برجي التجارة الدولية في نيويورك ! تلك العملية التي لم تنتظر طويلا لنكشف ملابساتها وأخطاء تنفيذها الواضحة ! مع إنها أضخم كثيرا من ناحية الإعداد والتنفيذ والخسائر البشرية والاقتصادية !

وبرغم رداءة الحبكة السينمائية لسيناريو العملية الجديدة، إلا إن تفاعل الجمهور كان كبيرا حول العالم وبطريقة خيالية ! فقد أجمعت غالبية الشعوب على استنكار وشجب والتنديد بالعملية ومرتكبيها ! وذهب كثيرون إلى شجب الدين الذي يقف خلفه ! مع إنه من الواضح إنهم حُشروا الدين حشرا في هذه القضية ! لكن ليس هنا تكمن غرابة الموقف ! بل بمواقف الشعوب التي دُمرت بلدانها وضحت بأبنائها بسبب أخطاء الحكومات الغربية !

ليس هذا فحسب ! بل في ظل تجاهل مريب لكل المآسي والمعاناة التي تضرب الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه ! وفي ظل ملايين الضحايا من القتلى والمهجرين والمشردين ! فكيف لشعوبنا المظلومة أن تذرف الدمع على مجموعة لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنتها مع ما فقدته الأمة العربية بشريا واقتصاديا واجتماعيا ! في حين لم يذرف الغرب دمعة واحدة عليهم !

لم يكن هذا الحدث مستغربا بقدر ما كان عليه رد الفعل الدولي والعالمي ! فلم يشهد العالم توحدا حول قضية ما وبطريقة عاطفية مزعجة كما حدث في المظاهرة المليونية التي شارك فيها رؤساء ومسؤولي 50 دولة غربية وعربية وأفريقية ! في مشهد درامي متشنج ومتشح بالسواد في شوارع باريس ! في سابقة لم تحدث بهذا الشكل مطلقا !

ليس المهم هنا ما فات ! بل ما سيترتب عليه في المستقبل ! وسنبتعد في تطرقنا لهذا الموضوع عن نظرية المؤامرة المتهمين بها العرب ! أو بعضهم ! لكن علينا أيضا أن نبتعد عن النوايا الحسنة في كل ما جرى خلال هذه العملية كي نكون متعادلين ! فما ذكرناه آنفا لم يشر ولو من بعيد إلى وجود حسن النية من كل الأطراف ! وهذا ليس تجني ! فكل الدول التي شهدنا رؤسائها ممسكين يدهم بيد بعض ( من بينهم مجرم الحرب نتنياهو ) قد شاركت بطريقة وأخرى في احتلال العراق ! ولن نأتي هنا ونكون مثاليين إلى درجة اعتبارهم عاطفيين إلى هذا الحد بعد أن دمروا العراق وقتلوا وفرقوا شعبه دون أن يذرفوا دمعة عليه !

بالحديث عن أهداف هذه العملية، علينا أن نعي بأن هناك حربا حقيقية في الشرق الأوسط ! وتحديدا العراق وسوريا ! وطرفي الصراع واضحين دون إنكار لوجود أطراف أخرى خفية تؤثر في هذا الصراع ! والمهم هنا إن أحد ألأطراف يحمل لواء الإسلام ! بغض النظر عن خلفية هذا الطرف وأهدافه وأيدلوجيته ! والطرف الآخر ببساطة هو تلك الحكومات التي اجتمعت في مليونية باريس ! هل وضحت الفكرة ؟ لا، ليس بعد !

في تحليلات سابقة لا علاقة لها بعملية باريس طُرحت عدة أفكار عن مفهوم جديد أطلق عليه "عش الدبابير" ! وهي عملية استخباراتية تهدف إلى جمع المتطرفين والإرهابيين في منطقة واحدة ليسهل القضاء عليهم ! وفي ذات الوقت سيشكل محاربتهم الدافع المنطقي للتدخل في الدول المستهدفة ! وهنا يكمن الهدف الأول !

يدرس الاتحاد الأوروبي منذ فترة وبطريقة سرية لإصدار قوانين جديدة بخصوص الهجرة وتشديد الإجراءات ضد الإرهاب ! فجاءت عملية باريس ليتم الإعلان عنها رسميا في بادرة ربما تطيح بالحرية المزعومة ( بالنسبة للمهاجرين من المسلمين ) التي جلبت رؤساء العالم إلى باريس لدعمها والترويج لها ! وهذا أول الغيث ! حيث ستدفع هذه القوانين بكثيرين إلى الاستفزاز والانضمام إلى الحركات التي تدير الصراع في الشرق الأوسط ! الهدف الأول ( عش الدبابير ) !

هذه العملية ( ونعترف بذكاء من خططوا لها ) ستحقق غاية ثانية كفرضية لخروج ما يسمى بالجهاديين أو المتطرفين من أوروبا وأمريكا وكندا واستراليا ! بمعنى آخر سيتم التخلص منهم بأقل الخسائر ( 12 فرنسي ) ! وبطريقة لا تثير الريبة بوجود حرب ضد الحريات ومحاربة المهاجرين ! بل ستتم بكل سلاسة من خلال عمليات ملاحقة أمنية ستدعمها الشعوب الحرة ! أو عبر المطارات التي ستتيح لهم إلقاء القبض على البعض، بينما البعض الآخر سيذهب إلى حيث يلاقي حتفه ! الهدف الثاني ! تنظيف بلدانهم من المتطرفين !

وهنا نأتي للهدف الثالث والأهم ! فبتحقيق الهدفين الأولين سيكون من السهل أبقاء الشرق الأوسط منطقة أرض حرام في حرب ستدوم طويلا ! وربما ستمتد الحرب العالمية على "الإرهاب" لتشمل مناطق النفوذ الفرنسي ( طالما كان دورها رئيسيا في المسرحية ) ! وحينها فقط سيعاد تقسيم مناطق النفوذ حسب القانون القديم الجديد ( سايكس بيكو ) ! ودون الدخول في تفاصيل المشاركين في هذه العملية التي باتت مكشوفة كما مسرحية شارلي !

وختاما نقول، لن نكون شارلي ! ولن نسمح لأنفسنا بأن نكون جزءا من مسرحية ركيكة حتى ولو سقط العالم كله في شباكها ! فشارلي لم يكن سوى شعار لحرب قادمة معروفة النتائج ! لن يكون فيها الخاسر سوى الوطن العربي وربما الإسلامي على المدى البعيد ! كما لن نكون شهود زور على حقبة سيئة قادمة.






الاثنين ٢١ ربيع الاول ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / كانون الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الوليد خالد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة