شبكة ذي قار
عـاجـل










من المُسَلَماتْ ، أن ما يسمى بالإصلاحات ما كانت لتصدر لو لا أن بلغت الأوضاع الأقتصادية والخدمية والأجتماعية والأمنية وغيرها في ظل الاحتلال إلى مستوى من التدهور والأنحطاط لا يمكن قبوله، ومن غير المنطق السكوت عليها لا موضوعياً ولا أخلاقياً ولا دينياً ولا اعتبارياً .. وان هذه الأوضاع المأساوية هي التي دفعت جماهير الشعب العراقي من أقصى الجنوب والفرات الأوسط وحتى بغداد العاصمة إلى الثورة .

فما هي هذه الأصلاحات السريعة التي سميت بترشيق المؤسسات، وما هي اهدافها وهل هي اصلاحات بنيوية تمس الواقع الاقتصادي والأجتماعي أم انها اصلاحات سياسية قد تقود تدريجياً إلى تغيير بنيوي سياسي يطال نظام العملية السياسية برمتها ؟

 إن الغاء نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء .. والغاء وزارات ووكلاء الوزارات والمستشارين والمدراء العامين إلخ .. وكل أفواج الحراسات .. فضلاً عن احالة الفاسدين والمفسدين إلى القضاء الذي هو الآخر قد شمل بمثل هذه الأجراءات التي يراد بها محاربة الفساد .. هل هي اصلاحات حقيقية حقاً نابعة من تخطيط قويم أم من تخبط جاء كرد فعل أملته مطالبات الشعب وثورته العارمة؟

هذه الأجراءات ولأعتبارات مرصودة باتت تتكشف هي من اجل :

1- تغيير أشخاص فاسدين بأشخاص آخرين من نفس الكتل الطائفية الفاسدة، الأمر الذي يعني ان هذا الأجراء هو في حقيقته لأسترضاء وإستغفال جماهير الشعب بمثل هذا الأسلوب .. والحقيقة الملموسة لم يُمْنَعْ أي متهم بالفساد وغيره من السفر ولم يتحفض على أي أحد وظلت الأوامر مجرد حبر على ورق ولا أساس واقعي للتنفيذ .. إذن ، هي إجراءات لا تمس بنية نظام العملية السياسية التي هي أساس المشكلة .. بل تعكس وجه الترهل المخيف في هيكل النظام السياسي على اساس ان هذه الأجراءات ستوفر مبالغ كبير تعود إلى الخزينة المنهوبة .

2- إن هذه الأجراءات التي يطلق عليها بالأصلاحات، والتي لم ينفذ منها شيء ، هي لتخدير الجماهير وامتصاص غضبها ومنعها من التصعيد، وهي محاولة لسحب البساط من تحت اقدامها .. على أساس أن مطالب الجماهير هي مطالب خدمية ستلبى عن طريق ضرب المفسدين، الذين حولتهم هذه الأجراءات إلى كبش فداء على حساب بقاء هيكل النظام الفاسد والفاشل.

إذن .. تتضح الأبعاد الحقيقية لواقع القوى التي تتحرك داخل وخارج العملية السياسية حيال هذه الأجراءات، التي وافق عليها مجلسي الوزراء والنواب بناء على موافقة وتوجيه مرجعية الحشد الطائفي ( علي السيستاني ) .. والمعروف أن الأجراءات الحكومية الخاصة بالأصلاحات قد طالت كل الكتل الطائفية الفاسدة .. ومع ذلك ، تأتي موافقة هذه الكتل ، ليس على اساس أن الأجراءات تصيب الكتلة، إنما تصيب أحد كوادرها، وهذا يمكن تبريره حسب اعتقادها، فيما تبقى هي تتربع موقعها ككتلة في البرلمان والحكومة .. إذن التقليص والترشيق يهدف الى جمع الأموال و ( إنقاذ ) الهيكل العام للدولة من الترهل والفساد .. ولا ضير في ذلك إذا طبق سريعاً، ولكنه لا يمثل حلاً جوهرياً المشكلة التي باتت معظلة يعانيها الشعب العراقي كله من جنوبه حتى شماله .. فالسرطان لا يعالج بالأسبرين أبداً .. فهل أن اجراءات الأصلاح هي اجراءات حقيقية تعالج جوهر المشكلة الكامن في الأسس التي وضعها الأحتلال لكي ترتكز عليها العملية السياسية وهي الدستور ونظام المحاصصة الذي نخر الدولة ورهل هيكلها واثقل كاهل الشعب بفسادها وسوء ادارتها .

ماذا حصل ؟ دعونا نستدعي بعض خطوط السيناريو الذي ما يزال قائماً :

أولاً- تراجع وهروب وانهيار الجيش العراقي كان بأمر من ( المالكي ) ، والأخير تلقى الأمر من ( علي خامنئي ) ، والهدف هو التمهيد لما يسمى بالحشد الطائفي لكي يكون بديلاً يبنى على غرار ( الباسيج ) الإيراني، كما اعترف بذلك المالكي قبل بضعة أيام ، الأمر الذي يحول الدولة إلى دولة مليشيات كما هو حاصل في إيران.. وهو تأسيس متشابه لأهداف بعيدة المدى .

ثانياً- لم يستطع الحشد الشعبي ان يحقق شيئاً ملموساً على صعيد الأهداف، بل على العكس تكبد خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات والأموال، الأمر الذي جعل الجنوب محتقناً من جهة وجعل الخزينة على حافة الأفلاس بحيث لم تستطع ان تدفع رواتب الموظفين .. وتراكم الفشل وتراكم القتلى ونزيف الدم والمال دون طائل هو سيف ذو حدين بات يأكل في جهة الحكومة وجهة الأحزاب الطائفية وجهة رجال الدين الطائفيين وجهة صاحب القرار في طهران .

ثالثاً- الأحتقان أرعب الحكومة الطائفية الفاسدة .. حيث التشاور بين ( حيدر العبادي ) ومرجع الحشد الطائفي ( علي السيستاني ) قام على أساس أن السفينة ستغرق .. عندها جاء الدعم لمحاربة الفاسدين كأشخاص، وليس ككتل، وليس كهياكل تنظيمات مليشياوية، وليس كدستور، وليس كنظام للعملية السياسية، إنما عملية جراحية محدودة لوجه قبيح .. ثم جاءت القرارات السريعة للأنقاذ ، انقاذ السفينة سياسياً ومالياً .

رابعاً- ولأن مرجعية الحشد الطائفي قد أمرت، فأن اركان العملية السياسية حكومة وبرلمان قد وافقوا على ما يسمى حزمة الأصلاحات التجميلية، وكان هنالك رؤوس قاتلة وفاسدة يجب أن تتدحرج تحت اقدام الجماهير وفي مقدمة هذه الرؤوس، رأس ( نوري المالكي ) ، الذي بات مطلباً جماهيريا عاماً.

خامساً- وكما ذهب ( حيدر العبادي ) إلى مرجعيته ( علي السيستاني ) رأس مصائب العراق، ذهب ( نوري المالكي ) إلى مرجعيته ( علي خامنئي ) متجاوزاً مرجع الحشد الطائفي ( علي السيستاني ) .

سادساً- الحقيقة التي يجب ان يعرفها الجميع أن لا فرق بين المرجعيتين فهما يدخلان في لعبة سياسية واحدة تحت خيمة التقية .. فمرجعية ( علي السيستاني ) الفارسية في العراق تأتمر بمرجعية ( علي خامنئي ) الفارسية في طهران .. وليس لأحد من السياسيين الفاسدين العملاء التحرك أو التعيين أو الأنتقال من موقع لآخر من دون موافقة المرجعية ومباركتها .. وكما نرى، أن مرجعية السيستاني بمجرد ( موافقتها على حزمة اصلاحات حيدر العبادي ) وافقت الحكومة والبرلمان واحزاب العملية السياسية بالجملة .. ولكن لا شيء ينفذ إنما الأمر، يستمر في إطار التسويف والتراشق بانتظار ومراقبة تصعيد الشارع ونتائج فعل الحراك الشعبي وتشخيص قدراته على الحسم وتنفيذ شعاراته وتهديداته.

سابعاً- ( حيدر العبادي ) ومرجعيته في العراق ، و ( نوري المالكي ) ومرجعيته في إيران .. وحالة الثورة في العراق قد أخذت نهجها الذي لا يحيد .. لا بالضغط ولا بالترهيب ولا بالترغيب ولا بالتهديد بفتح النار، حيث تهتك جدار الخوف .. لا أحد يخاف لا من الحكومة الفاسدة والعميلة ولا من مليشيات احزابها التي هي الدولة ولا من رجال الدين الطائفيين الذين يمثلون اساس صنع القرار في العراق .. حيث يتسائل الناس كل الناس .. أين كانت المرجعية في العراق منذ ثلاثة عشر عاماً من الفساد حتى تستيقظ الآن وتدعو إلى محاسبة الفاسدين وهي تعلم أنهم من احزابها ونخبها ومليشياتها وزعاماتها وعمليتهم السياسية البائسة والمأزومة .. أين كانت ؟!

ثامناً- إذن .. نحن أمام حالة متداخلة بين مرجعيتين وبين جهتين يمثلان مصدراً واحداً هو النظام الفارسي في طهران .. ومن الخطأ الفصل بين المرجعيتين .. لأن السيناريو يراد به أن يركب ( علي السيستاني ) موجة الجماهير وقيادتها ضد الفساد والمفسدين والإبقاء على هيكل الفساد لأغراض الأستراتيجية الإيرانية الفارسية التي تقضي بأن يبقى العراق ( دولة ضعيفة ) بغض النظر ما إذا كانت إيران على رأس قيادة العملية السياسية أم في خارجها، فهي شأنها الكيان الصهيوني تريد عراقاً ضعيفاً .. وهذه أحد أهداف النظام الفارسي الصفوي.

تاسعاً- ذهب ( نوري المالكي ) إلى طهران وعاد مشحوناً بالأنتقام ( وتصدير أزمته إلى الخارج ) ، فهاجم خصومه في الداخل لمصلحته وهاجم السعودية وتركيا لمصلحة إيران .. جاء الهجوم اعتقاداً منه بأنه سيثمر شيئاً يثبت اقدامه في الداخل، ولكن هذا الأعتقاد البائس ينم عن مسألتين مكشوفتين تماماً، الأولى : التغطية على جرائمه في القتل ومذابح التطهير الطائفي والعرقي التي عمت العراق لأكثر من ثمان سنوات، والثانية: التغطية على المليارات التي سرقها وأقربائه والمحسوبون عليه، فضلاً عن المليارات التي هربها إلى إيران دعماً لأقتصادها المنهار وإلى حزب الله في الجنوب اللبناني لتغطية نفقات تدخله السافر في سوريا .. فهل ينجح في تدمير العراق وقتل العراقيين والدفع إلى الأقتتال العراقي- العراقي لحساب طهران. ؟ الجواب، كلا لن ينجح المجرم ولن يفلت من العقاب .. قد يحرك بعض مليشياته بضرب المتظاهرين تحت أي ذريعة .. ولكن الدم الذي سيسفك له ثمن باهظ .. ستتعاظم الأمور وستحرق اوكار العمالة والفساد ، وستكون ارض العراق مقبرة للعملاء والفاسدين ، سواء كان اليوم أم غداً .. وهذا ليس وهماً .!!

عاشراً- يقول ( علي السيستاني ) ، إذا لم تجرِ اصلاحات حقيقية فسيحدث ما لا تحمد عقباه ، وأشار إلى التقسيم .. التقسيم لن يحصل إلا بأذهان الفرس والعملاء .. والشعب العراقي لن يقبل بالأقلمة المشبوهة ولا بالفيدرالية المتهتكة التي أثبتت السنين المنصرمة للشعب العراقي أنها مجرد افكار استعمارية- صهيونية- فارسية .

الظلم والقهر لن يستمر.. الفساد والتهتك لن يستمر.. القتل والتهجير لن يستمر.. ولعبة المرجعيات وتناباتها المخاتلة لن تستمر.. العملاء والدجالون والمنافقون واللصوص لن يستمروا .. والثورة البيضاء مستمرة حتى تتحقق مطالب الشعب، كل الشعب من جنوبه حتى شماله .





السبت ٧ ذو القعــدة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / أب / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة