شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

من لا يسترشد بمبدأ الأولويات يتيه في الثانويات، ويظل يدور في حلقة مفرغة لا نهاية لها، طالما بات لا يعرف بوصلة هذا المبدأ من أين تبدأ وإلى أين ومتى تنتهي .!!

وأود هنا التنويه .. باحترام كل من كتب واقترح وأبدى مداخلة في الشأن العراقي، الذي يستوجب وقفة جدية وحازمة لا تغرق في الجزئي أو الثانوي من الأمور رغم أهميتها، إنما تقف عند مدخل أيهما الأولي .. البناء على دستور ملغوم أعده الاحتلال أم تشريع دستور جديد ؟ في ظل حكومة احتلال أم بدونها ؟ وكيف يتم ترتيب العمل، هل بترميم ما يسمى بالعملية السياسية، التي دخلت منذ أمد بعيد ردهة الإنعاش، لأنها ماتت ميتة سريرية لا رجاء في شفائها أبداً أم بأعادة تشكيل حكومة وطنية جامعة مانعة قائمة على التعددية وترفض الطائفية والعرقية ؟!

دعونا نفصل هذه الأولويات، ولا نستعجل في وضع الأحكام واستخدام المفردات لتغطية مرامي هي في حقيقتها مكشوفة، ليس الآن إنما منذ أن وضع المحتل الغازي دستوره للعراق، وكأن العراق وشعب العراق يعيش في كهوف لا يعرف شيئاً من الحياة الاجتماعية، وكيف يتم تنظيمها على وفق القوانين الوضعية والسماوية، كما لو ان العراق وشعبه لا يعرف كيف تصاغ معادلات التنظيم والنظام في السياسة والاقتصاد وغيرها من الحقول، وكأن العراق صحراء قاحلة يراد تشكيل نظام فيه، أو العمل على ما يسميه البعض ( ملء الفراغ في المنهج الوطني)، في الوقت الذي يعتبر فيه العراق وشعبه العريق في طليعة دول المنطقة والعالم عمقاً حضارياً وله في القانون والتشريع باع لا أحد يغفل عنه يمتد إلى " حمورابي" :

أولاً- الدستور :

                   · كل الأطراف التي دخلت في العملية السياسية، تتشبث وتتذرع بـ"الدستور" وكأن هذا الدستور هو الفصل الفاصل، الذي يُحْتَكمُ إليه وبالتالي هو ( حَلَالْ المشاكل).. إنما هو المشكلة الكبرى بحد ذاتها منذ الاحتلال البغيض عام 2003 والمشاكل والأزمات تتوالد وتفرخ يومياً دونما حلول، لأن من غير المنطقي توقع دستور قاصر أن يحل مشكلة سياسية أو اقتصادية أو قانونية أو ثقافية أو اجتماعية أو أمنية ..إلخ .. فالذي يريد أن يقدم مشروعاً عليه أن يدرك هذه الحقيقة، لأنها من الأولويات.

                   · " الدستور" يحتوي على ألغام تتفجر مشاكل كلما تشبث أحد فيه وتذرع بنصوصه.. فهو فخ لتفكيك البلاد كجغرافيا حين أكد على الفيدرالية- والفيدرالية في معناها النظري والتطبيقي ليست للعراق الواحد الموحد، إنما لدويلات المدن حتى تتجمع في كيان فيدرالي أو كونفيدرالي واحد، كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية - وعندما توحدت ولاياتها في اتحاد، أخذت الآن تنحى إلى تكريس دعائم الاستقلال وخاصة في أمريكا اللاتينية، تريد هذه الولايات ان تستقل - والدستور فخ لتمزيق الشعب العراقي كديمغرافيا حين أكد على الأكثرية والأقلية وتوزيع مقاعد مجلس الحكم و البرلمان على أساس طائفي وعرقي .

                   · " الدستور" ، الذي ينص على الفيدرالية والمحاصصة الطائفية هو الأساس الذي اعتمده المحتلون وأعوانهم الصفويون لتقسيم البلاد أرضاً وشعباً وثروة .. فكيف تأتي الأصلاحات المقترحة لتبني عليه بناءً ( وطنياً ) وهو اللغم الكبير في البلاد ؟! وكيف يصح الحديث عن كونها اصلاحات ( وطنية ) وهي تعالج القشور ولا تمس جوهر المشكلة المعضلة ؟!

                   · اللعب في مناخ الدستور" اللغم " يخضع لقواعد اللعبة البرلمانية وما يصاحبها من تحالفات وتوافقات .. وهو الأمر الذي يقره الذي يمسك ببيادق اللعبة، سواء كانت هذه البيادق سوداء أم بيضاء أم رمادية .. والمحصلة، هي الدوران في حلقة مفرغة من ( الفساد والمفسدين الذين يتحصنون بالدستور، فضلاً عن التشكيك والإقصاء والتخوين والدسائس والتآمر والقتل والنسف وهدر الدماء ونهب المال العام ، وإرجاع عجلة التاريخ بالعراق وشعبه عشرات السنين ).!!

ثانياً- العملية السياسية واللاعبون تحت خيمة الدستور:

                   · جاءت هذه القوى تنفيذاً لما يتماشى مع الدستور وكما فصله على تلك القوى، في ضوء مقاسات الأكثرية والأقلية، ولم تدخل الوطنية في اعتبارات الاختيار ولا الثوابت الوطنية كان لها أساس، لا في الاختيار ولا في التقييم، فهي قوى مفصلة طائفياً وعرقياً ومناطقياً .. فكيف لها الحق في إقرار الحالة التمثيلية للشعب، كل الشعب، فهي قوى فرز طائفي وعرقي ومناطقي تشكل أساس تفكيك المجتمع العراقي الموحد منذ ألاف السنين ؟! ، وكيف يتم التعامل مع هذه القوى، التي ارتضت لنفسها أن تنغمس في العمالة المزدوجة والمتعددة الأطراف الأمريكية والإيرانية والبريطانية والإسرائيلية، وكل أجهزة المخابرات الأخرى، حتى أن عدداً كبيراً من عناصر هذه القوى تشترك بفخر كبير مع أكثر من جهاز مخابرات أجنبية، في الوقت الذي تحتفظ فيه بجنسيتها وجواز سفرها الأجنبي، وبالتالي ولاءاتها موزعة على تلك ألأجهزة الإستخباراتية الأجنبية ؟!

هذه القوى، التي ظهرت في شكل أحزاب، ترتبط بالخارج، ومرجعيتها السياسية والمذهبية - الطائفية مؤسسات حاكمة في دول، وتتلقى توجيهاتها منها، وكذا الدعم المالي وتجهيزات السلاح والعتاد والإسناد اللوجستي، وهدفها الأساسي تنفيذ ما يطلب منها من سياسات وأفعال ( فسلسلة الاغتيالات الوحشية والتفجيرات البربرية، التي تعرض لها شعب العراق، كان لإيران ضلع رئيس فيها بصورة مباشرة ومن خلال أحزابها الحاكمة، وكذا الكيان الصهيوني والمخابرات الأجنبية وفي مقدمتها الـ ( CIA ) والمخابرات البريطانية، كان لها دور كبير أيضاً في لعبة العملية السياسية .

الوضع هذا، أو الحالة هذه، يصعب إصلاح هياكلها والحوار معها، لأي سبب كان، ولأي دعوة كانت، لأن الهدف يكون في مثل هذه الحالة تلبية لرغبة أمريكية إما بالتغيير تبعاً لمصالحها، أو حلحلة حالة محشورة في عنق زجاجة تقتضيها ضمان المصالح الأمريكية.

ثالثاً- المشروع الوطني :

                   · من يصنع المشروع الوطني ؟ هل تصنعه العملية السياسية ؟

                   · وهل أن هذه الصناعة افتراضاً، تأتي على يد القوى التي تعمل تحت خيمة دستور ملغوم ، دستور لا يعرف الوطنية، إنما على العكس، وضع، كما أسلفنا، من أجل تقسيم الأرض من خلال الفيدرالية وتمزيق الشعب العراقي من خلال المحاصصة الطائفية والعرقية والمناطقية ، فكيف يوصف بأنه دستور وطني؟!

                   · المشروع الوطني تصنعه القوى الوطنية .. ومن الصعب التصديق أو الاعتقاد بأن المشروع الوطني تصنعه قوى غير وطنية .. لأن ذلك هو المستحيل بعينه .

                   · من هي القوى الوطنية التي تصنع الدستور؟ ، هي القوى التي تؤمن بالثوابت الوطنية .. ما هي الثوابت الوطنية ؟ :

أولاً- الأيمان بوحدة أرض العراق .. وهذا يعني رفض مشاريع الأقلمة والفيدرالية.

ثانياً- الأيمان بوحدة الشعب العراق .. وهذا يعني أن شعب العراق، ومنذ الأزل هو شعب موحد بكل اطيافه الدينية والمذهبية وكافة قومياته المتآخية ، شعب يرفض مشاريع التقسيم الأستعمارية المشبوهة .

ثالثاً- الأيمان باستقلال العراق وسيادته على ارضه ومياهه وسماءه .. والرفض المطلق لأي شكل من أشكال التدخل في شؤونه الداخلية، سواء كانت سياسية أم عسكرية أم دينية- مذهبية أم ثقافية وبأي صورة تتعارض مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

رابعاً- الأيمان بالتعددية الوطنية وبمبدأ التداول السلمي للسلطة على وفق القوانين التي يقرها الدستور الوطني الجامع المانع في البلاد ، دون أي تفريط بالحقوق والواجبات .

خامساً- الأيمان بأن الوطن للجميع، فهو حاضنة لجميع الأديان والمذاهب والقوميات، والرعاية في ظله تقوم على أساس المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات وفقاً للقوانين والتشريعات.

سادساً- الأيمان بإعتماد معايير ثابتة في التقييم قائمة على ( النزاهة والكفاءة والوطنية )، وأي إخلال في هذه المعايير يتعارض مع القوانين ومع روح الدستور الوطني.

سابعاً - الأيمان بإنتهاج سياسة وطنية متوازنة قائمة على الأنفتاح ورعاية مصالح العراق والعراقيين الوطنية، بما يضمن إشاعة اجواء الأمن والأستقرار في المنطقة، تقوم على أسس احترام مصالح مختلف دول العالم والعمل على تنمية العلاقات الخارجية بما يحقق الرفاهية والأزدهار للشعب العراقي.

فمن كان يؤمن بهذه الثوابت الوطنية فهو جدير بأن يتبؤا مكانته الطبيعية في بناء الدولة الوطنية .. ومن لا يؤمن بهذه الثوابت وتعوزه النزاهة والكفاءة والوطنية، فلا يحق له أن يتولى شأناً من شؤون إدارة دفة الحكم لا في البناء ولا في القيادة.

                   · لماذا التفتيش عن مشروع وطني وكأن العراق يخلو من هذا المشروع ، ويخلو من القوى الوطنية، التي لها فكرها الوطني وتجربتها الوطنية ومناهجها الوطنية في إدارة دفة الحكم المستقل والعادل دون وصاية من أحد يملي عليها قراراته وسياساته؟!

                   · ولماذا الحديث عن ملء الفراغ السياسي بمشروع مصطنع ومعاق بفعل الدستور العلَهْ، الذي لا يؤسس نظاماً وطنياً على الإطلاق.

                   · إن القوى التي غيرت مجرى التاريخ في العراق، هي القوى المقاومة للاحتلال عسكرياً وسلمياً، والتي أرغمت جيوش الاحتلال على الرحيل ، هي القوى التي تضم كل مكونات الشعب العراقي ( قوى وطنية وقومية وإسلامية وطنية ) تنضوي تحت ألويتها كل أطياف الشعب العراقي من ( العرب والكرد والتركمان، مسلمين ستة وشيعة عرب ومسيحيين ومندائيين وغيرهم ) تجمعهم الوطنية وليس الطائفية والعرقية، ويمنحون ولائهم للوطن وليس للطائفة أو للعرق أو للعشيرة والقبيلة أو المنطقة ).

هذه القوى وتحالفها الوطني المعمد بدماء الشهداء، تمتلك مشروعاً وطنياً متفق على تفاصيله، يحقق للشعب العراقي إرادته في الحرية والاستقلال الوطني، ويؤسس نظاماً وطنياً متعدداً وديمقراطياً عادلاً، لا أحد يستطيع أن يحتكر فيه السلطة أو يمارس فعل الإقصاء والتهميش والتكفير ، والحكم الفصل دستور وطني يلبي مطالب ورغبات كل الشعب دون تمييز في الدين والمذهب أو القومية، فضلاً عن منهج التداول السلمي للسلطة.

                   · أما الحديث عن اصلاحات تبقي على دستور صنع في ظل الاحتلال ومشحون بالألغام وتتحكم به قوى الخارج، كمن يحرث في البحر.. لسبب بسيط، هو غياب مبدأ الأولويات .. فالخطوة الأولى إسقاط العملية السياسية ثم تغيير الدستور جملة وتفصيلاً، وإلغاء القرارات والقوانين والتشريعات المستندة إليه، واحترام الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، وتأسيس مجلس وطني انتقالي ينتخب من بين أعضاءه أعضاء البرلمان ومنه تنبثق الحكومة والرئاسة تمهيداً للانتخابات الوطنية العامة.

                   · الموقف من القوى التي تدير العملية السياسية للمحتل الغازي، يعتمد العفو العام إلا من ارتكب جرماً أو شارك في التطهير العرقي والطائفي، أو الذي اختلس المال العام والذي له ارتباطات مخابراتية مع دولة أجنبية.

                   · بناء علاقات متوازنة مع مختلف دول العالم تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتبادل المنافع واحترام الخيارات والمصالح المشروعة، فيما يلتزم العراق بمبادئ حسن الجوار مع دول المجاورة وإقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بعيداً عن المحاور الإقليمية .. ويدعو لتأسيس نظام دولي عادل ومتوازن يعتمد على قواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويساند توسيع التمثيل الدولي القاري في مجلس الأمن بما يتماشى مع العدالة في صنع القرارات الأممية وعدم احتكارها على أساس المصالح النفعية الضيقة.

                   · العراق كبير وعظيم لا يخلوا من مشروع وطني جامع ومانع يعتمد على التراكم المعرفي الوطني الأصيل وقواه الوطنية الأصيلة، التي لا تستكين ولا تسكت على ضيم ولا تعبث بمستقبل الشعب وتطلعاته.. أما قوى الظلام فلها أن تختار بين الرحيل أو الامتثال أمام العدالة .

                   · صحيح .. هنالك متغيرات عميقة وواسعة .. وصحيح أيضاً هنالك إرث كبير تراكم طيلة السنين العجاف منذ عام 2003وحتى الوقت الحاضر، على مستوى المجتمع وما تحمله من تبعات القتل والانتهاكات والإغتصابات والبطالة وتدهور مناهج التعليم وتردي الوضع الاقتصادي والنفسي والبيئي وكوارث مخلفات العدوان على العراق وآثارها الصحية التي طالت الإنسان والحيوان والنبات، جراء استخدام المحتل الغازي للأسلحة المحرمة دولياً، وتنامي دائرة الفساد وإشاعة حالات التفسخ الأخلاقي، والمخدرات والعادات الغريبة والهجينة العابرة للحدود من جهة إيران، فضلاً عن إرث تدمير البنية التحية بالكامل ( تصريف صحي، كهرباء، ماء صالح للاستخدام البشري، رعاية صحية، جهد تعليمي وطني، بيئة نظيفة خالية من التلوثات، طرق ومواصلات تليق بحضارات العراق وإدامة لأثارها .. إلخ ).. هذا الواقع المزري الكارثي، يشكل نقطة الانطلاق نحو إسقاط العملية السياسية، على وفق مبدأ الأولويات، وإلغاء الدستور، وتأسيس حكم وطني تعددي يؤمن بالثوابت الوطنية، وعدا ذلك فأن حالة الفساد والأضطراب والتفسخ والتدهور الأقتصادي والأجتماعي وانعدام الأمن في العراق ستستمر، فيما يستمر الرفض الكامل والشامل لهذا الواقع وتداعياته، والمشاريع الأستعمارية المشبوهة وفي مقدمتها المشروع الأستعماري الأستيطاني الصفوي والمشروع الأستعماري الأستيطاني الصهيوني وكافة المشاريع التي تنضوي تحت خيمة الشرق الأوسط الجديد . !!





السبت ١٤ ذو القعــدة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / أب / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة