شبكة ذي قار
عـاجـل










تصنف ( كونداليزا رايس ) مستشارة الأمن القومي، وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، يشاطرها الرأي ( روبرت غيتس ) وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، ردود الفعل العالمية بشأن التدخل العسكري الروسي في سوريا، بأنها ردود أفعال :

1- بعضها مندهش من إقتصاد روسي منهك للغاية، وآلة عسكرية روسية من الدرجة الثانية .. ومع ذلك فأن ( بوتن ) يوجه مسار الأحداث على المحيط الجيو- سياسي العالمي، ليس في سوريا فحسب، إنما في أوكرانيا أيضا .. !!

2- فيما تعبر بعض ردود الأفعال عن سخرية وتهكم على ان الفعل العسكري الروسي، على أساس أنه ينم عن الضعف أو الغرور أو الصلف .

3- والبعض الآخر يشير إلى ان الفعل العسكري الروسي سينقل الأوضاع من سيء إلى أسوء .

تؤكد رايس و غيتس على :

- أن بوتين لا يعمل على استقرار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط .. إنما يدافع عن المصالح الروسية في المنطقة من خلال دعم نظام دمشق , وإن الأمر لا يتعلق، لا من قريب ولا من بعيد ، بتنظيم ( داعش ) ..

لذلك فأن أي مجموعة تناوئ المصالح الروسية في المنطقة هي منظمة إرهابية برأي موسكو .

- وإذا ما أصبح ( الأسد ) عبئاً ثقيلاً على موسكو عندئذٍ ستفتش عن آخر يراعي المصالح الروسية .

- وعلى هذا الأساس .. تعمل موسكو على تكريس ( حقائق على الأرض ) ، لكي تمارس بعدئذٍ ، فعل التفاوض الذي يستند على تسوية الأزمة .

- وهدف المفاوضات، في نهاية المطاف، في عرف الكرملين، هو ( تأمين قواعد عسكرية روسية في طرطوس ) .

والملآحظ :

تتفق رؤية الجانبان الروسي والأمريكي حول عدم اهتمامهما بالدول التي تجري على ساحاتها الصراعات الدموية والدمار .. بمعنى، لايهمهما أن تُخلقْ ( دولة فاشلة ) في نطاق ( صراعات مجمدة ) ، تحكمها ستراتيجية ( لا منتصر ولا مهزوم ) ، والمهم أن تظل ملفاتها مفتوحة، كما حصل في جورجيا مروراً بمولدوفيا وأوكرانيا وافغانستان والعراق واليمن والآن في سوريا.

فـ ( بوتين ) لا ينتابه القلق جراء أوضاع الشعب السوري المزرية .. و مشكلة الآجئين السوريين هي مشكلة أوربية، والأنقسامات والصراعات هي مشكلة الشرق الأوسط.!!

- إن مشكلات روسيا الداخلية ترتبط بسياساتها الخارجية .. وإن روسيا لا تكون قوية في الداخل إلا إذا كانت قوية في الخارج، على أساس أنها قوة عظمى .. هكذا يبدو التفكير الروسي .. وان موسكو ستعيد حساباتها حين يكون هناك فعل مؤثر، كما أجبر الأتحاد السوفياتي على الأنسحاب من أفغانستان بتحييد آلته العسكرية، وقد يحصل هذا على الساحة السورية .. ويبدو أن هذا الملمح قد التقطته موسكو وهددت بمعاقبة كل من يعمل على إجهاض فعلها العسكري في سوريا.!!

خلاصة الأفكار :

أولاً- ان التدخل العسكري الروسي في سوريا لا يمثل ردة فعل مجردة على حالة الأضطرابات في الشرق الأوسط، ولا محاولة للمحافظة على تماسك هذا الشرق وإيقاف إنفراطه.

ثانياً- إنما يمثل التجاوب مع الظروف الناشئة في المنطقة وإقتناص حالة ( الفراغ ) الهائلة الناتجة عن الأنسحاب الأمريكي من العراق والتردد والتراجع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في سوريا، والقبول سابقاً بعرض نزع السلاح الكيميائي مقابل بقاء النظام السياسي في دمشق.!!

هذا الكلام بعضه ليس دقيقاً .. لعدد من الأسباب تقع في مقدمتها أن أمريكا قد قررت عدم استخدام القوة، كما أنه ليس بوسعها ارسال جيوش إلى المنطقة .. ويبرز ذلك كمبدأ من مباديء السياسة الخارجية الأمريكية .. كما أن من ثوابتها تذليل وتحييد وإفشال وتجميد أي شيء من أجل الأمن الأسرائيلي .. فيما يقع هذان المبدئان في إطار التعاون الأمريكي الروسي الأسرائيلي الإيراني المشترك على أساس جهود التعاون والتنسيق.

ثالثاً- إن ترك المنطقة تسبح في الفوضى بعد أن أُسْقِطَتْ نظم سياسية وهزمت دول ومزقت مجتمعات وأهدرت ثروات، وشجعت على التطرف وساهمت بنشر الأرهاب وتعاونت مع الدول التي ترعى الأرهاب- إيران .. هذه الفوضى انتجتها سياسة ستراتيجية امريكية أسفرت عن ( فراغ ) سياسي- عسكري في المنطقة ، مهد للتمدد الإيراني تحت خيمة الصمت الأمريكي والإسرائيلي، كما شجع على التدخل العسكري الروسي السافر في سوريا,

الأمر الذي يؤكد تواطئاً واضحاً بين واشنطن و طهران .. !!

رابعاً- المعطيات تستدعي عدد من التساؤلات :

1- هل تدرك أمريكا أن من يملأ ( الفراغ السياسي والعسكري ) في نطاق الفوضى العارمة، هو روسيا وحليفها الأيراني؟

2- وهل ان هذا الفراغ، الذي تحاول روسيا ملؤه عسكرياً يمكن أن يدفع نظماً سياسية عربية صوب موسكو لتعزيز علاقاتها السياسية والعسكرية والتجارية، فيما تواجه روسيا رفضاً واستنكاراً شعبياً عربياً عارماً، لتعاون موسكو مع الطائفية والعنصرية الإيرانية العدوانية.؟ ، هل أن هذا الفراغ يشكل عملاً تكتيكياً غرضه، كما يقول البعض ، ترك موسكو وغيرها تغرق في مستنقع سوريا على غرار ما حصل لجيوش الأتحاد السوفياتي في أفغانستان؟ .. هنا الأمر يختلف تماماً، التدخل الروسي في سوريا ليس شاملاً كما حصل في افغانستان .. بمعنى انه اقتصر على فعاليات حربية جوية وصاروخية واستخبارية ، تستكمل هذا الجهد العسكري بمليشيات إيران ومليشيات عراقية مأتمره بقرار سليماني، وعناصر حزب الله في الجنوب اللبناني .. فيما تؤسس موسكو في الساحل السوري قواعد عسكرية ذات أبعاد ستراتيجية .

ظاهره حماية بشار الأسد وباطنه دوافع أربعة مهمة :

- عمل دفاعي إستباقي لمنع تفاقم وإتساع ظاهرة التمددات المليشية الطائفية والعرقية المسلحة عابرة للحدود من مناطق التوتر والأحتقانات والصراعات وإيقاف أو منع تأثيراتها على المجال الحيوي الروسي وكذلك الصيني.

- رغبة جامحة لأستعادة عظمة قوة عظمى كان يتمتع بها الأتحاد السوفياتي، وخاصة في مناطق نفوذه في الشرق الأوسط، ومنها إطلالة ستراتيجية على حافات مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة.

- فعل عسكري ضاغط لتخفيف الضغط الأمريكي والأطلسي والأنتشار الصاروخي في أوربا وتركيا، ( تم سحب نشر الصواريخ البلستية العابرة للقارات من أوربا ومن تركيا مؤخراً ) ، وذلك بالأقتراب من منابع النفط في الخليج العربي، الذي يعد المخزن الحيوي للغرب .. فضلاً عن تخفيف ضغط العقوبات بشأن أوكرانيا .

- الأمساك بخطوط إمدادات النفط والغاز والتلويح بها لأغراض المساومات والصفقات على وفق الخيارات المطروحة في دهاليز السياسة.

فهل أن استنزاف روسيا في سوريا يقع على خط الأستنزاف الروسي في أوكرانيا ؟

3- هل تدرك روسيا ان نظام ( بشار الأسد ) ، بعد كل الذي حصل من مجازر وانتهاكات انسانية وتدمير وتشريد، بات غير مرغوب فيه ولا مقبول من لدن الشعب السوري والشعب العربي ومن العالم أجمع عدا إيران لدواعي مصلحية براغماتية تخلو من أي دوافع إنسانية؟!

4- هل تدرك موسكو ان تدخلها العسكري في سوريا قد وضعها في خانة الخسارة اذا استمرت في احتضانها نظام الملالي في طهران، وهي تدرك ان هذا النظام هو نظام طائفي عنصري شوفيني حاقد وغير مؤتمن؟!

خامساً- تقترح ( كونداليزا رايس ) وبمشاركة ( روبرت غيتس ) وزير الدفاع الأمريكي الأسبق :

1- إيجاد مناطق خط الطيران والملآذات الآمنه للسكان النازحين ( على غرار مناطق الحظر على الطيران العراقي لحماية الاكراد في شمال العراق و ( الشيعة ) في جنوبه ) .!!

2- توفير الدعم للقوات الكردية والعشائر ( السنية ) وما ( تبقى من القوات الخاصة العراقية ) .

3- هذه الخطوات، حسب ( رايس ) و ( غيتس ) ، تعزز وتؤكد علاقات امريكا مع تركيا، التي باتت ، كما تقول ، تعاني من آثار التدخل العسكري الروسي في سوريا.

4- ودعت إلى ايجاد ما اسمته ( توازن عسكري افضل على ارض الواقع إذا ما ارادت امريكا السعي وراء تحقيق تسوية سياسية مقبولة لأمريكا ولحلفائها ) !!

5- كما دعت الى أهمية الفصل بين الانشطة العسكرية الامريكية والانشطة العسكرية الروسية في المنطقة، وتحاشي وقوع اي حادثة بين النشاطين.

واكدت ان الروس يعرفون اهدافهم جيداً وهي ( تأمين مصالحهم في الشرق الأوسط بكل الوسائل الممكنة والضرورية .

ولكن سياسة الأستنزاف، تبقى هي سيدة الموقف على الأرض، هي التي تعزز أو تضعف الفعل الروسي والإيراني والأمريكي .. لأن هذه السياسة تعتمد على الخبرة والبراعة في اقتناص الفرص وتوضيف الأحداث وتقوية التحالفات، فضلاً عن اعتماد الهجوم خير وسيلة للدفاع المستكن .. !!





الاحد ٥ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / تشرين الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة