شبكة ذي قار
عـاجـل










يجمع الباحثون وعلماء السياسة الدولية على أن الـ ( فيتو ) الذي يقتصر حق إستخدامه والتلويح به على الأعضاء الدائميين المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، بات يعطل حركة المنظمة الدولية ويشل عملها في المجالات التي تلامس المسائل الموضوعية، ومنها على وجه التحديد الموضوعات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، فيما تعرقل أحياناً المسائل الأجرائية .. وهو أمر يدفع بالعالم صوب صراعات تتفاقم وتتسع وتعبر الحدود وتهدد بتدمير دول وتفكك نظم وتدمر تراثات حضارية وتسحق شعوب وتهجرها من موطنها قسرياً وبدون رحمة .. مما أشاع جواً من الخروقات والتجاوزات على المحرمات والمقدسات وحقوق الأنسان وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار انظمتها السياسية والأقتصادية والأجتماعية، وحرمانها من تقدمها وتطورها وازدهارها .

المنتصرون في الحرب العالمية الثانية ما عادوا في هذه الحقبة، أصحاب القرار وليسوا هم حقيقة من يتحكمون في تقرير مصائر الشعوب .. لأن موازين العلاقات الدولية قد تغيرت كما تغيرت طبيعة وحجم الكتل السكانية فضلاً عن تطورها التقني .. فبعض الدول كانت في خط ( العالم الثالث ) قد قفزت إلى خط ( العالم الرابع ) ، خط الصناعات الأنتاجية والتحكم بالأسواق كدول النمور الآسيوية المعروفة، فيما انتقلت دول من خط الأنتاج الأولي أو انتاج المواد الأولية والحِجْرِ عليها بهذه النمطية لتبقى في خط الفقر، إلى خط الأنتاج والتصنيع على غرار ما يحدث في دول جنوب شرق آسيا .. وتقع الصين وكوريا الشمالية والجنوبية واليابان وماليزيا والهند في مقدمة الدول التي شقت طريقها في عالم التحولات وتطور الأنتاج الصناعي والألكتروني .

ولم تعد دول العالم، ومنذ الحرب العالمية الثانية، ممثلة تمثيلاً موضوعياً وواقعياً يتوازن مع طبيعتها وحجمها وقدراتها ومقومات نهوضها وعمق حضاراتها، كما أن تمثيلاً يتساوق مع قارات العالم لم يعر له إهتماماً حقيقياً ومنصفاً .. فيما بات التنميط قائماً على أساس خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن + عشر دول لا تتمتع بالديمومة ولا يحق لها استخدام الفيتو، وحسب اشتراطات الميثاق التي حددت طبيعة وجودها وواجباتها في المسائل الأجرائية لا الموضوعية، ومهماتها مؤقتة ومشروطة زمنياً، فيما يتمتع الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن بالتمثيل الدائم مدى الحياة .. !!

الـ ( فيتو ) سيف مسلط على رقاب الشعوب، وهو منحاز كلياً وبصورة مطلقة لمصالح الدولة التي تتمتع بإستخدامه والتلويح بإستخدامه وبما يتماشى مع مصالحها دون أن تراعي مصالح الدول الأخرى .. وإذا ما اصطفت إلى جانب دولة فلأغراض مصالحها وتوازنات تحالفاتها ومحاورها وبالتالي علاقاتها التي تصب في النهاية في خانة مصالحها السياسية والأقتصادية والأستراتيجية .. فأين موقع دول العالم الممثلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ وأين حقوق الشعوب من الخروقات والأنتهاكات والأحتلالات وتدنيس المقدسات ؟ ,المثال الصارخ في هذا، أين حقوق الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 ولحد الآن؟ أين هي قرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات المنظمات المتخصصة التابعة لها وخاصة منظمات حقوق الأنسان؟ هل تم تنفيذ قرار واحد من هذه القرارات المكدسة على رفوف المنظمة الأممية؟ وهل استطاعت هذه القرارات أن توقف سياسة القضم التدريجي للأراضي الفلسطينية؟ وهل استطاعت وقف تمدد الأستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة؟ وهل أجبر الكيان الصهيوني على عودة الشعب الفلسطيني الى دياره؟ ، لا احد يستطيع ان يقدم إنجازاً واحداً ملموساً يتمتع بالأحقية الواقعية والقانونية في ضوء الميثاق والقرارات الصادرة ذات الشأن بمجمل القضية الفلسطينية المشروعة .. هذا مثال واحد يثبت أن الخلل يكمن في الأجحاف الذي حل بالشعوب جراء استخدام الفيتو الجائر وغياب عدالة التمثيل الحقيقي والواقعي والمنطقي للشعوب :

- امريكا تحمي الكيان الصهيوني بالـفيتو منذ عام 1948 ، وهو كيان عنصري .. وتصد عنه كل قرارات الأدانة الدولية جراء ارتكابة مجازر ضد الأنسانية .. وتوقف إجراءات وتحركات المجتمع الدولي التي تدفع بملف الجرائم التي يرتكبها هذا الكيان الى محكمة الجنايات الدولية، وتتصدى لأي مشروع قرار يمس الكيان الصهيوني المعتدي .. أين هي العدالة الدولية، واين هي امريكا صاحبة الأعلان عن الحرية والديمقراطية والعدالة ؟

- روسيا والصين استخدمتا الـ ( فيتو ) أربع مرات لكي لا يدان نظام دمشق على استخدامه الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري، والتي راح ضحيتها أكثر من ( 1400 ) مدني سوري - اطفال ونساء وشيوخ ومدنيين عزل؟ وكان مثل هذا الأستخدام قد تمخض عن صفقة ( نزع مخزون السلاح الكيميائي السوري ) دون أي إجراءات من شأنها وضع مرتكب هذه الجرائم في قفص الأتهام الدولي في محكمة الجنايات الدولية أو محكمة العدل الدولية؟

- في العراق، مجازر كل يوم ترتكبها إيران، ولم يحرك مجلس الأمن الدولي ساكناً .. وارهاب مليشيات إيران الطائفية هجرت وما تزال تهجر قسرياً مواطنبن عراقيين مسالمون من بيوتهم ومزارعهم، وتنسف مساجدهم وجوامعهم بطريقة عنصرية وطائفية، ولم يتحرك مجلس الأمن ليصدر قراراً يدين فيه هذه الأنتهاكات التي بلغت حداً وصفت فيه بجرائم ضد الأنسانية .. لماذا ؟ لأن الـ ( فيتو ) الأمريكي يمنع الأدانة التي هي موجهة أصلاً للمحتل الأمريكي الغازي ولوكيله النظام الفارسي .. الأمر الذي أدى إلى استفحال الحالة المأساوية في العراق .. والشاهد ملايين العراقيين في العراء تحت رحمة البرد والأمطار والأوحال والأمراض والجوع والأهانة والحط من الكرامة الأنسانية .. فأين مجلس الأمن ليقف بوجه الأرهابيين الذين يحشدهم النظام الفارسي تحت أنظار العالم، لأرتكاب جرائم وحشية قل نظيرها في التاريخ؟

- أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005 وثيقة تضم مجموعة من المبادئ توافق عليها المجتمع الدولي، تهدف إلى منع جرائم الأبادة الجماعية، وجرائم الحرب والتطهير العرقي، والجرائم ضد الأنسانية .. وتقوم هذه الوثيقة على بنود أساسية :

1- يتوجب على حكومة الدولة قانونياً وسياسياً حماية شعبها من الجرائم، آنفة الذكر .

2- فأذا كانت حكومة الدولة عاجزة عن تأمين الحماية تتحول المسؤولية إلى المجتمع الدولي في تأمين الحماية، ممثلة بالأمم المتحدة ومجلس أمنها ومنظماتها المتخصصة .

3- وإذا كانت حكومة الدولة هي المسؤولة عن تلك الجرائم فتصبح عندئذٍ مسؤولية المجتمع الدولي تأمين الحماية للشعب من السلطة القمعية، التي تستوجب الأدانة والتجريم .

وهنا نجد .. أن حكومة العراق الراهنة باتت ومنذ الغزو في عام 2003 ولحد الآن، ليست عاجزة هن تأمين الحماية للشعب العراقي فحسب، إنما هي المسؤولة عن استمرار الجرائم آنفة الذكر .. الأمر الذي يتوجب أن يتكفل به المجتمع الدولي، وفقاً للوثيقة الأممية، من خلال الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة كل من زاوية تخصصه لوضع حكومة العراق في دائرة الأدانة والتجريم .!!

ولكن .. .هل يستطيع مجلس الأمن ومنظماته الأنسانية أن يضغطوا ويفرضوا قرار التجريم بحق المليشيات التابعة للنظام الفارسي في العراق، والملفات في هذا الشأن كثيرة وموثقة رسمياً ومدعمة بالإثباتات والقرائن وشهود العيان؟ ، والإجابة لا يستطيع المجلس ولا المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة أن تفعل شيئاً .. والسبب دائماً الفيتو المسلط على رقاب الشعوب، المفروض من لدن أمريكا على وجه التحدية كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي .. ولتذهب حقوق الأنسان العراقي ومقدرات الشعب العراقي إلى الجحيم.!!

التنظيم الدولي يقوم على جملة من القوانين والأتفاقيات والمعاهدات والمواثيق تتشابك فيها آليات عمل استقرت عليها الأمم المتحدة فضلاً عن ميثاقها .. هذا التنظيم يستند عليه نظام العلاقات الدولية .. فما الذي يعطل ديناميكية هذا التنظيم على المسرح السياسي الدولي؟ هنالك عاملان أساسيان وراء هذا الشلل الذي يجعل آلية عمل المنظمة الدولية غير قادرة على القيام بأعبائها الموضوعية والأجرائية، أولهما : استخدامات الفيتو المجحفة والمنحازة لسياسات الدول الكبرى والعظمى .. وهذا ما تمارسه أمريكا بشكل لاإنساني وبعدها روسيا والداعم لها الصين . وثانيهما : الثغرات الكائنة في ميثاق الأمم المتحدة والتمثيل غير المنصف لأمم الأرض وإقتصار التمثيل على القوى التي انتصرت في الحرب العالمية الثاني .. فمنذ عام 1945 ولغاية عام 2015 ، جرت تحولات ومتغيرات في المفاهيم السياسية والأستراتيجية والبنيوية، التي لامست مكونات المجتمع الدولي .. على الرغم من أن طبيعة الواقع الجيو- سياسي و الجيو- اقتصادي، فضلاً عن محددات موازين القوة وتوازنات القوى، تبقى محكومة بالثابت والمتغير من العوامل .. الأمر الذي يستوجب إعادة النظر بالميثاق على وفق سياسة التوافقات التي يجب أن تعتمد على قاعدة مفاهيم وأحكام تلزم الجميع بالتمثيل المنصف لمجلس الأمن الدولي والتأكيد على أولوية حقوق الأنسان ومقدرات الشعوب على قاعدة التحرر السياسي والأقتصادي وتقرير المصير.!!





الجمعة ٢٤ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / تشرين الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة