شبكة ذي قار
عـاجـل










تمهيد :

التهديد في مفاهيم علوم السياسة، لا يبنى على مجرد كلمات أو مفردات تحمل بين طياتها جملة من الضغوط النفسية، التي قد يتوقع منها أن تقنع الخصم بالتراجع أو ترغمه على تكييف سياساته ضمن إطار سياسة التهديد وربما الكف عن محاولات إثارة الغبار بوجه سياسات الآخر .. إنما ، يبنى التهديد في عرف السياسة على الأمكانات والقدرات في أركانها المختلفة، منها المادية والنفسية والأعتبارية، وعلى شرط ( أن يكون الذي يوجه التهديد قادر على تنفيذ تهديده ) وإلا سيخسر الموقف برمته سياسياً وعسكرياً واعتبارياً .

بعض التهديدات تأتي مبطنة غامضة مبهمة تُفَسَرْ تفسيرات عديدة تدخل باب التكهنات، والبعض الآخر منها يأخذ منحى الأختبار، إختبار قدرات الخصم ومعرفة ردود أفعاله السياسية والعسكرية واستعداداته وتوجساته وحركته العامة وتعبئته المالية والشعبية .. وقد يأتي في صيغة بالون إختبار أستخباري، يتوجب إخضاعه لمستلزمات التحليل ( المنطقية والواقعية ) لا التحليلات العامة التي قد يعتريها شيء من التضخيم والتهويل أو التقزيم والأهمال .. الأمر الذي يرتب تبعات وارتدادات سياسية يتحملها صانع القرار السياسي أو جهة النظام السياسي التي تضع سيناريوهات التهديدات حيال أحداث تخضع لتخطيط ذي طابع استراتيجي بعيد ومتوسط المدى وليس مجرد موقف سياسي عابر.!!

والتهديد قد يأتي في صيغة تصريح صادر من مؤسسة صنع القرار أو أحد مسؤوليها الكبار أو عن رأس النظام السياسي.. وقد يأتي في صيغة حملة إعلامية غير مسبوقة أو في شكل تحرك عسكري أو إنتشار على الارض لوحدات مقاتلة تتحول وجهتها من مكان الى مكان آخر وتنتشر في صيغة هجومية .. أو قد تأتي في شكل إثارة مجموعات أو مجاميع أو عناصر تابعة تعمل بإمرة دولة التهديد إستخبارياً من شأنها أن تهدد بزعزعة الاستقرار الذي قد يتصاعد الى مستوى العنف المنظم وصيغ التدمير الاقتصادي والتمزيق الاجتماعي وتفكيك البنية التحتية للدولة، وهو الأمر الذي يدفع بالمقابل الى استخدام مبدأ المعاملة بالمثل Reciprocity )  ) أو بغيره من الاساليب الرادعة .

والتهديد الصادر عن رأس الدولة او مؤسساتها قد لا يكترث له الخصم بدواعي الجهل او بدواعي ان هذا التهديد لم يستكمل واقعيته بعد فهو مفرغ اصلاً من القدرة على التنفيذ ، أو بدواعي الردع الدولي الناجم عن ضغوط سياسات المصالح الدولية والاقليمية او انه يضر بمصالح صاحب القرار اكثر مما يحقق له المكاسب السياسية المتوخاة .

1- مضيق ( هرمز ) والتهديد الأيراني بغلقه :

عمدت إيران على تهديد دول المنطقة والعالم بغلق مضيق ( هرمز ) .. وهو مضيق عربي دولي تتشاطئ عليه دول عربية سبع ( العراق ودولة الكويت والمملكة العربية السعودية ودولة الأمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ومملكة البحرين ودولة قطر ) ، فيما توجد على ضفة الخليج العربي الشرقية دولة عربية محتلة من إيران هي الأحواز تمتد من العراق حتى مضيق الخليج العربي .. ومع ذلك يطلق الأيرانيون على هذا المضيق مضيق ( هرمز ) وعلى الخليج العربي الخليج ( الفارسي ) .. وهي تسمية مجحفة بحق الدول العربية وخاصة دول الخليج العربي .. إذ من الصعب قبول إختزال شواطئ سبع دول عربية بدولة واحدة أجنبية هي إيران على الرغم من أنها أساساً لا تمتلك إطلالة على الخليج العربي فهي تحتل ضفته الشرقية منذ انسحاب الأستعمار البريطاني من الخليج .. وان واقع احتلالها لضفة الخليج الشرقية لا يمنحها الحق لكي يكون المضيق ( فارسياً ) ، والتسمية إستعمارية ينتهجها النظام السياسي في زمن الشاه وزمن خميني وزمن خامنئي .. الأمر الذي يؤكد ان الطغم الحاكمة في طهران تسير على نهج ستراتيجي واحد بغض النظر ما إذا كان النظام ملكياً شاهنشاهياً او رئاسياً دينياً بصيغة ميكافيلية فاضحة حيال المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة الخليج العربي بصورة خاصة .. والجزر العربية الثلاث طنب الكبرى والصغرى وجزيرة أبو موسى دليل على النهج الأستعماري للدولة الفارسية ، اضافة إلى هيمنة إيران بمعاونة الأستعمار البريطاني على ضفة الخليج العربي الشرقية منذ الربع الأخير للقرن الماضي وحتى الوقت الحاضر، والتي تقطنها القبائل العربية .

ولكن .. هل تستطيع إيران أن تنفذ تهديدها بغلق مضيق ( هرمز ) ؟

الجواب .. كلا ، لأنها ستغلق على نفسها منفذاً رئيسياً وحيوياً لتجارتها الأعتيادية والنفطية، كما سيحد فعلها من مجال حركتها العسكرية ومناوراتها وتقدمها وانسحابها.. ومن الصعب ان تتجاوز عنق الزجاجة صوب محيط البحر العربي والمحيط الهادي . إذن .. ان تهديدها زوبعة في فنجان كما يقال، وضرره اكثر بكثير من نفعه ، وان تنفيذها للتهديد يكون مستحيلاً حيث سيثير فعلها حفيظة دول العالم المختلفة لسبب من ان مصالح هذه الدول ستتضرر ( النفطية والتجارية ) من جهة، ولأن المضيق العربي هذا هو ممرا دوليا يخضع لقوانين واتفاقيات المرور البريئ ولا احد يستطيع ان يغلقه بقرار الغطرسة والتفرد دون عواقب وخيمة.!!

فعلى الدول العربية كافة وكذا جامعة الدول العربية ان تقوم بتفعيل الآتي :

أولاً- الأعلان عن إعترافها بدولة الأحواز العربية .. وهي دولة عربية محتلة من النظام الفارسي منذ عقود ، ليأخذ هذا الأعلان مساره العملي صوب الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة التابعة لها باعتبار ان الأحواز دولة محتلة ويتوجب ان تعامل على وفق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وبكل الوسائل والطرق من أجل تحررها .. وان يكون لهذه الدولة عضوية كاملة في مجلس الجامعة العربية، والسعي الى مثل هذا المقعد في الأمم المتحدة.

ثانياً- الأعلان الرسمي عن أن مضيق ( هرمز ) هو مضيق عربي خالص تقع على ضفتيه ( سبع دول عربية + دولة الأحواز العربية ) ، ومن حقها ان يكتسب الأعلان بعدًا عالميًا، بعد أن دنس الفرس هذا المضيق العربي بالتسمية الفارسية الفارغة .. والسعي الى ان يصدر قرار من الجامعة العربية بهذا الشأن وبآليات تدفع نحو الأمم المتحدة في ضوء حقائق التاريخ وحقائق الجغرافيا ومنطق القانون الدولي، فضلاً عن الوثائق التاريخية المتوفرة لدى الدول العربية في الخليج العربي .

2- المضائق التركية والتهديد بغلقها :

هنالك من يتكهن، في ضوء التوتر المتصاعد بين موسكو وانقرة أن تعمد أياً من العاصمتين لأستخدام أو تنفيذ تهديدها بغلق مضيقي ( البوسفور والدردنيل ) بوجه مصالح الطرف الآخر.. كما يلمس المراقب استفزازًا يحصل يراد به ان يتحول الى ردود أفعال لكي تدخل الأزمة إلى منعطفات أخرى، طالما تستمر السفن الحربية الروسية بالمرور عبر المضائق التركية التي يحق لها العبور وفقًا لبنود اتفاقية ( مونترو ) الخاصة بتنظيم عبور المضائق التي تشترط جملة من الشروط تقع في مقدمتها ( احترام القواعد القانونية الدولية ) .. فهل تستطيع تركيا غلق مضيق البوسفور والدردنيل بوجه السفن الحربية الروسية وغيرها التي تعبر من البحر الأسود باتجاه بحر مرمره ثم البحر الأبيض المتوسط ؟ وهل تستطيع روسيا أن تغلق هذه المضائق كما أعلن الأعلام الروسي ( أن موسكو تستطيع أن تملأ مياه مضيق البوسفور والدردنيل بالألغام التي لا يمكن الوصول اليها عن طريق الغواصين، وتغلق المضيقين إلى الأبد ) ؟!

التهديد الروسي هذا هو تهديد إعلامي، ويعد كلاماً فارغًا .. اتفاقية ( مونترو ) الدولية وقعت عام 1936 تنظم عالميًا مرور السفن الحربية والتجارية ضمن شروط تتعلق بحمولتها التي لا تتجاوز خمسة عشر الف طن ولا تسمح بوجود اكثر من تسع سفن حربية في الممر في وقت واحد، وان لا تزيد حمولتها مجتمعة عن ( 15 ) ألف طن، ويمنع مرور حاملات الطائرات، فيما يسمح للغواصات بالمرور بالمضائق شريطة أن تكون ظاهرة على السطح.. كما أن لتركيا الحق في منع مرور السفن الحربية بالكامل في المضايق إذا كان مرورها يهدد الأمن القومي للدولة التركية.

ومع كل هذه الشروط .. هل تستطيع موسكو أن تغلق مضيق البوسفور والدردنيل نهائيًا؟ وماذا سيحصل إذا ما نفذت موسكو تهديدها لمعاقبة تركيا؟

والجواب .. ان موسكو لا تستطيع ان تغلق المضايق التركية .. وإن فعلت ونفذت تهديدها فهو عمل ( انتحاري ) من شأنه أن تغلق روسيا على نفسها ويصعب عليها ستراتيجيًا الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط حيث المياه الدافئة .. وهو عمل تهديدي بالضد من الأستراتيجية الروسية الكبرى التي اعتمدتها موسكو منذ قرون.!!

قرار الغلق يرتبط مباشرة بالأمن القومي التركي من جهة .. لأن المضايق تركية .. كما يرتبط بموافقة ثلثي أعضاء الأمم المتحدة من جهة ثانية . إذن .. قرار الغلق زوبعة في فنجان السياسة - الأعلامية الروسية والتركية .. لماذا ؟ لأن مصالح البلدين لا تسمح لهما باتخاذ قرار الغلق . إذ .. تمخر عباب المضايق سفينة حربية روسية كل ( 36 ) ساعة و ( 20 ) سفينة تجارية يوميًا، حيث تمثل السفن التجارية الروسية 40% من مجموع حمولة السفن التي تعبر المضايق التركية .. فيما تصل رسوم المرور للخزينة التركية، إذا ما تم تعديل الرسوم، إلى ( 3 ) مليارات دولار.!!

قد تلجأ موسكو الى المطالبة بتعديل اتفاقية ( مونترو ) الدولية في محاولة الألتفاف على بعض شروطها، ولكن مثل هذه المحاولات لا تمثل شيئًا يذكر أمام القرار التركي بضرورة احترام القواعد القانونية الدولية، التي تضمنتها الأتفاقية والألتزام ببنودها.

مضيق ( هرمز ) العربي ومضايق البوسفور والدردنيل هي مضايق دولية ليس من المنطق تسييسها أو احتكار تسميتها إلا في إطار حقائق الجغرافيا والتاريخ .. وهذه الحقائق تقول أن مضيق ( هرمز ) هو مضيق عربي خالص في الخليج العربي .. وإيران دولة اجنبية واحدة محتلة للضفة الشرقية لهذا الخليج، ولا يحق لها ان تطلق التسميات الأستعمارية كما تشاء .. كما أن مضايق البوسفور والدردنيل هي مضايق تركية بامتياز.. ولا أحد يستطيع ان يغير الحقائق لا في الخليج العربي ولا في الممرات التركية عن طريق الأدعاءات الفارغة أو عن طريق القوة والأفتراء.!!





السبت ٢٢ ربيع الاول ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / كانون الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة