شبكة ذي قار
عـاجـل










تمهيد :
 
النفط .. كما يراه الكثيرون من المتخصصين، هو سلعة ستراتيجية .. توظف سياسيًا في مناخات الحرب والسلم، فضلاً عن أجواء الصراعات والأحتقانات والتنافسات التي تحدث في مناطق العالم المختلفة كوسيلة للضغط والتأثير على مجريات الأوضاع واتجاهات السياسات المرسومة.
 وبالنظر إلى الأهمية الحيوية للنفط في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والخليج العربي بصورة خاصة، فقد دفعت هذه الأهمية الحيوية قوى العالم الدولية والأقليمية أيضًا إلى تطوير خططها الأستراتيجية على وفق هذه الأهمية، التي أخذت حيزًا مهمًا وخطيرًا يربط بين خطين خطيرين هما الـ ( جيو - سياسة ) و الـ ( جيو - إقتصاد ) .. هذان الخطان باتا في المرحلة الراهنة يدفعان صوب التنافس والتصادم المحسوب لتغيير الواقع الجغرافي بمعادلات سياسية- ستراتيجية جديدة .. والتساؤل هنا أين المقابل الأستراتيجي العربي.؟!
 وكما أن النفط سلعة ستراتيجية، فأنه يخضع لقانون العرض والطلب، شأنه تقريبًا ، شأن أي سلعة أو بضاعة، ولكن بخصوصية معروفة في عالم السياسة :
 
 1- من الصعب ضبط معادلة أسعار النفط وإنتاجه وتسويقه إلى السوق العالمية في ظل أجواء متقلبة ومتقاطعة وغير مستقرة، نتيجة للسياسات العدوانية الأمريكية والإيرانية والإسرائيلية ، فضلاً عن باقي سياسات تنضوي تحت عالم الصراع والتنافس الأقليمي والدولي، لأن ذلك يخضع لسياسات تشترط توافقات ومن غيرها تصبح السوق النفطية تعيش حالة من الأشباع أو حالة من الشحة.. الأولى تخفض الأسعار والثانية ترفع سقف الأسعار.. هذا هو قانون العرض والطلب .. فضلاً عن تلاعب السياسات في هذا الأتجاه.
 2- السوق النفطية غارقة حاليًا بالنفط .. والمعنى في ذلك هو إنخفاض أسعار النفط .. وكلما غرقت السوق أكثر انخفضت الأسعار أكثر.
 3- يقول البعض ذوي الهوى الإيراني ، أن إيران ستطلق مخزونها من النفط من أجل الحصول على العملة الصعبة، التي هي بحاجة ماسة إليها، ولكي تقوم بتدمير إقتصادات الدول الغريمة لها، المنتجة للنفط ويقصدون ( السعودية ودول الخليج العربي ) . !!
 دعونا نفحص هذه المقولة :
 - سعر البرميل الواحد من النفط ( 27 ) دولار للبرميل الواحد، مرشح هذا السعر للهبوط المروع قد يصل إلى ( 9 ) دولارات .!!
 - إيران ستزيد واقع المعروض وهو ( فائض ) لحد التخمة في السوق العالمية، بواقع لا يزيد على ( 500 ) ألف برميل يوميًا وربما أكثر قليًلا، وهذا سيزيد بدوره تخمة السوق النفطية العالمية ولا يساعد على تعديل وضعها الأقتصادي، إنما سيكون مردود نفطها لا يفي بإحتياجاتها ، سيما وإن وضعها الأقتصادي متضعضع، وبنية إنتاج نفطها متهرئة لا تساعد على زيادة الأنتاج ، وازدياد تعداد سكانها بصورة كبيرة يتناقض مع قدرتها التمويلية، وخاصة أن السلطة في طهران وعدت الشعوب الإيرانية بحلحلة أوضاعها الأقتصادية المتهرئة، فضلاً عن عوامل أخرى منهكة للأقتصاد الأيراني.
 4- مردودات النفط المحدودة، غالبًا ما تجعل إقتصاد الدولة مضطربًا وحسابات ميزانيتها السنوية غير مستقرة، وخاصة التي تعتمد في وارداتها على النفط - إيران بالدرجة الأولى وروسيا التي تصدر السلاح إلى أسواق الحروب والمناطق المحتقنة والمتوترة ( كما تفعل أمريكا والدول الغربية المصنعة للسلاح ) وهي الآن في مستنقعين أوكرانيا وسوريا - أما الدول الغنية المنتجة للنفط فلا تتأثر إقتصاداتها كثيرًا بتخمة النفط، فهي قادرة على تكييف وضعها المالي والأقتصادي لدرجة تتمكن فيها من معالجة الأزمة العامة وهي إنخفاض أسعار النفط العالمية.. وهذا يعتمد على متانة إقتصاد الدولة المنتجة للنفط.
 5- وإذا ما اطلقت إيران انتاجها الذي لا يزيد عن معدله سوى ( 500 ) ألف برميل يوميًا، كما أسلفنا، فأن السوق النفطية ستدفع بإنهيار أسعار النفط أكثر تبعًا لقانون العرض والطلب.. لأن السوق غارقة أصلاً، وستتضرر إيران كما ستتضرر روسيا وباقي الدول المنتجة.. والمستفيد هي الدول غير المنتجة، المستهلكة للنفط ومنها الدول الأوربية التي من مصلحتها أن تظل سوق النفط الدولية متخمة بالنفط.!!
 6- أما أمريكا فهي ستحصد إرتفاع الدولار على وفق معادلة إنخفاض أسعار النفط.!!
 7- إن تدني أسعار النفط بنسبة وصلت إلى 50% خلال أشهر السنة الماضية جاء نتيجة :
 - زيادة العرض على الطلب في السوق العالمية.
 - ارتفاع انتاج النفط والغاز الصخريين .
 - ركود الدورة الأقتصادية العالمية .
 - تحسن نسبي في المناخ العام ، الأمر الذي قلل الطلب على الطاقة.
 - صعوبة التخزين المتصاعد لنسب النفط المستورد في خزانات أو صهاريج معده لهذا الغرض، نظرًا لصعوبة السيطرة على اسعار المواد الأولية والبضاعة وتسويقها، وصعوبة إحكام السيطرة على الأنتاج بصورة عامة.
 - عدم مراعاة ( هيكلية الأستراتيجية التنموية ) - إن وجدت - لتلافي تقلبات الأسعار .
 - عدم مراعاة تنوع مصادر الدخل القومي .. وإعتماد إقتصاد ذو بعد واحد.
 
 لقد خسر النفط سعره لأقل من ( 27 ) دولاراً للبرميل .. وتشكل هذه الخسارة 75% من قيمته منذ العام الماضي، والتي بلغت أرقامًا تجاوزت ( 140 ) دلارًا، نتيجة للفائض الكبير الذي أتخم السوق العالمية .. وستزداد تخمة السوق حين تضخ إيران نفطها بزيادة نصف مليون برميل يوميًا .. عندها ستهبط الأسعار أكثر من قبل في ظل عدد من العوامل الأقتصادية والمالية والبنيوية والسياسية التي لا تخدم إنتعاش الأقتصاد وإزدهاره .. أما إيران فأن إتخاذها وضعًا عدائيًا لمحيطها القريب منذ عام 1979سيضعها في سلم الضمور نتيجة لقبولها المتغطرس بحالة الأستنزاف.!!
 المهم في الأمر .. ليس زيادة الأنتاج أو تقليص الأنتاج فحسب لمعالجة الأسعار، إنما المهم هو :
 - ضرورة تكريس واقع جيو- إقتصادي عربي موحد .
 - يسبقه إقرار جيو- سياسي عربي موحد ، بغض النظر عن النظم السياسية الراهنة، سواء كانت رئاسية أو مختلطة ملكية أو أميرية .. وسواء كان لديها إقتصاد رأسمالي أو ( اشتراكي- رأسمالي ) ، إذا جاز التعبير .. لأن كافة الوحدات السياسية العربية مشمولة بالتغيير القسري المشحون بالفوضى من العراق والمشرق العربي فالكويت إلى مسقط صعودًا نحو المغرب العربي .. ألم تدرك الدول العربية بعد ، أن النار قريبة منها وستصل حتمًا وتندلع من دواخلها.؟! لماذا ؟ لأن الغرب الأستعماري قد أجمع منذ أن رُسِمَتْ حدود الدولة القومية على :
 - منع وحدة الأقطار العربية .
 - ومنع تجمع مصادر النفط ( السعودية والعراق والكويت والأمارات وعُمان والبحرين وقطر ) .. ومنع تجمع المياه ( نهر دجلة والفرات ونهر العاصي واليرموك وبردى ونهر النيل ) تحت خيمة الوحدة .
 وعلى هذا الأساس فأن مجابهة هذا الموقف يتوجب توحيد المواقف العربية سياسيًا وتشكيل قاعدة إقتصادية لبنية سياسية تمنع التمزق الجيو- سياسي العربي .. وإن توحيد المواقف العربية والأعتماد على الذات والشعب العربي يعد الحل الأمثل للمشكلات ومجابهة التهديات الخارجية .!!
 الخلاصة : هي أن الصراع كما أراه هو صراعًا جيو- إقتصاديًا ذي طابعا ستراتيجيًا، ينفذ تحت عباءة آيديولوجية ( الأصوليات ) ، كأداة لتغيير الواقع في المنطقة في ظل تحولات دولية ما زالت تعمل على تغيير بنية النظام الدولي .!!




السبت ١٣ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / كانون الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة