شبكة ذي قار
عـاجـل










تمهيد :

في علوم السياسة، هنالك ما يسمى بالبدائل .. وهي خطط توضع على أساس معالجة وضع في طريقه الى الفشل محكوم بزمن يتوجب إدراكه قبل فوات الأوان .. ويتم ذلك على وفق حسابات الفعل وما بعده وفي إطار شروط يقع في مقدمتها التوقيت ، وإذا ما فات الوقت وتجسد الفشل فلا جدوى حينئذٍ من البديل :

1- الأمريكيون مشهورون بتطبيقات نظرية البدائل .. والحالة لديهم تجريبية تمامًا .. يجربون ويفشلون، وحين يفشلون يقولون أنهم يحتاجون إلى ستراتيجية جديدة تعالج الموقف الراهن وتحتوي تداعياته ولا بأس من التفكير بستراتيجية مشاركة .. فقد جربوا الخط الأسلاموي منذ حرب الأفغان مع الغزاة الروس في ظل الأتحاد السوفياتي مرورًا بمجاميع أو تجمعات الأخوان المسلمين ( محمد مرسي )  حتى حزب الدعوة بزعامة ( نوري المالكي )  وهو واجهة للأخوان المسلمين ولكن بوجه طائفي- فارسي القيادة والأنتماء، حيث أن مؤسسي هذا الحزب معظمهم من الفرس .. وما زال الأمريكيون يمارسون اللعبة ذاتها في سوريا مع القوى الأسلاموية المسلحة على أساس الأعتدال والتطرف .. مع علمهم بأن الخط الأسلاموي هو خط فاشل ولا يستطيع أن يرتقي بمهام السياسة لا في مصر ولا في العراق ولا في أي ساحة سياسية أخرى، لأن منهجية هذا الحزب وتكوينه العقائدي لا يسمح بذلك .. كما أن الأمريكيين ما يزالون إستخباريًا يراهنون على فعل الأرهاب، وهم يعلمون من الذي صنع الأرهاب .. الذي صنع الأرهاب أمريكيون أنفسهم، والذي يصنع الأرهاب الأيرانيون أنفسهم ويصدرونه إلى الخارج .. وفي ضوء ذلك هما على توافق ستراتيجي فاضح .

2- فشلت أمريكا في خياراتها السياسية - الأستراتيجية بتبنيها نظرية ( أيقاظ الأصوليات )  التي ابتكرها " زبيغنيو بريجنسكي " مستشار كارتر لشؤون الأمن القومي .. حيث إنهار الخط الأسلاموي كبديل لأسقاط النظم في المنطقة سواء كان ذلك في العراق أو في مصر أو ليبيا أو في تونس .. على الرغم من الهدف البعيد المدى وهو تقسيم الأسلام وتفتيته وضرب الهوية القومية العربية عن طريق التصادم مع الخط الأسلاموي .. فهل هناك بديل لم يفت أوانه بعد ؟ أم أن الفشل الذريع الذي منيت به السياسة - الأستراتيجية الأمريكية لا ينفع معه غير الركون إلى السياسة الواقعية، التي ترى أهمية الأعتراف بأن أمريكا كدولة وإدارة قد أرتكبت فعلاً عسكريًا شنيعًا بإحتلال العراق أسفر عن ظهور الأرهاب الإيراني الذي جعل المنطقة برمتها تعاني من الأضطراب وعدم الأستقرار نتيجة التمدد الإيراني المتوحش في العراق والمنطقة بوجه عام ، والأعتراف بأن إيران باتت تهدد بمزيد من الأرهاب وتبعاته ونتائجة التي وصلت عموم أوربا وترمي الأنتشار في بيئات القارات المختلفة ومنها أمريكا ذاتها .. فالقاعدة انشأتها أمريكا في أفغانستان وشاركتها إيران في العراق والمنطقة بما يتماشى مع المشروع الأمريكي الشرق أوسطي الجديد .. كما أنها رعت إنشطارات القاعدة في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها.

3- ولم تكن إيران ولا حتى أمريكا تتوقعان ردود فعل تصدر عن العرب .. وهذا كان فشلاً ذريعًا وفاضحًا لسياستيهما الأستخبارية .. كيف ؟ :

4- ردود الأفعال عادة قد لا تكون بمستوى واحد ولا بحجم واحد ولا مؤثراتها تصب في إتجاه واحد .. وهذا يداخله الأستشعار والحس الأستخباري الذي يعود لطبيعة سياسات الدولة .. لقد أدرك العرب بأن أمريكا تدير ظهرها وهي تعمل بمعيار مزدوج معهم ، ومع الإيرانيين تعمل بمعيار واحد ، فيما باتت الحركة الأمريكية في البحرين تكاد أن تنتهي لصالح طهران بما يتماشى مع سياستيهما المتوافقتين .. 1- فتدخلت السعودية بالقوة وسحبت البساط من تحت أقدام أمريكا و نغول إيران في البحرين .. ثم أدرك العرب بأن إيران باتت على مشارف باب المندب وهي تراقب السلوك الأستخباري والآيديولوجي الإيراني عن كثب، لتطويق جزيرة العرب ومحاصرة المملكة العربية السعودية ، مركز الثقل الخليجي ، 2- فكانت ( عاصفة الحزم )  التي شرذمت نغول إيران من الحوثيين وشتتت قواهم وجعلتهم عصفًا مأكولا .. ثم جاء الفعل الأستراتيجي القاصم 3- بتأسيس المجلس الأسلامي العسكري .. الأمر الذي أربك واشنطن وطهران حتى باتت ردود فعلهما تتسم بالأضطراب .. ثم بدأت سلسلة التراجعات الإيرانية المعروفة فضلاً عن تفسيرات أمريكية لآحقة جاءت على لسان ( روبرت مالي )  مستشار أوباما ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا .. دعونا نسمع ماذا قال :

- ( إن الحكومة الأمريكية تدرك وتعي تمامًا أن طهران لن تغير سلوكياتها بمجرد إبرام الأتفاق النووي ) .

- و ( إن الخلافات بين إيران والولايات المتحدة عميقة ولن تتبخر بين يوم وليلة بمجرد الأتفاق حول الملف النووي ) .

- و ( إن إدارة أوباما لديها ( أمل )  في منع إيران من إمتلاك سلاح نووي ) .!!

- و ( إن أمريكا تعمل لأيجاد طرق أكثر فعالية مع شركائها الخليجيين لمواجهة تهديدات ( الجماعات الأرهابية )  وأنشطة إيران المزعزعة للأستقرار )  ، ولم يقل روبرت مالي أن مليشيات إيران الطائفية المسلحة هي سبب زعزعة الأستقرار في المنطقة.!!

- كلام روبرت مالي هو تصريف سياسات لا تنطلي على أحد .. لأن واقع الحال يتطلب موقفًا محددًا وواضحًا ومؤكدًا على الأرض يكبح جماح الثور الإيراني الهائج وهو يعلن تصدير الثورة طائفيًا وعنصريًا إلى المنطقة تحت أنظار أمريكا والغرب وإستخباراتهم جميعًا .!! ألم تدرك أمريكا بعد معنى ومغزى ( تصدير الثورة )  التي أعلنت عنها إيران منذ عام 1979 ولحد الآن؟ ألم تر أفعال إيران وسلوكها في العراق و لبنان وسوريا والبحرين واليمن والكويت وغيرها بعد ؟

5- قد تتناسى أمريكا وإيران ردود الأفعال ( الرسمية والشعبية )  الناجمة عن تصرفاتهما في المنطقة .. وردود الأفعال قد تأتي ليست أحادية الجانب ، إنما في صيغة رد دفاعي عنيف وصارم يتولى إسقاط العمق الأستراتيجي الإيراني .. الأمر الذي يأخذ شكل التناظر في الفعل ورد الفعل .. لأن محكمات الرد ستتشكل على وفق عامل المفاجئة، وهي ذات مدلولات وأبعاد متنوعة ومختلفة في ثقلها وتراتيبيتها.

- إجراءات التمدد الأيراني في المنطقة مهما بلغت لا تنفع النظام الأيراني أبدًا ، لماذا ؟ لأن :

1- العمق العربي هو أكبر وأوسع من إيران ( 450 )  مليون نسمة.

2- وإن المسلمين في هذه المنطقة يمثلون ركيزة و دعامة أساسية للقومية العربية .

3- وإن الهوية القومية العربية على مدى قرون ما تزال شاخصة، رغم تسلط الأستعمار البرتغالي والفرنسي والأيطالي والأسباني والأنكليزي والأمريكي والأيراني- الفارسي ، ولن تنحني لأي مستعمر مهما أبتكر من وسائل الأختراق والتقسيم والتفتيت، سواء كانت الخطط من نوع ( سايكس- بيكو )  أو مشروعات الشرق الأوسطية أو الشرق الأوسط الكبير أو الجديد أو مشروع بيريز الصهيوني من النيل إلى الفرات .. الهوية القومية العربية تضرب في عمقها الواقع الراهن بكل تفاصيله.

4- التلاحم الرصين بين العروبة والأسلام في متلازمة لا فكاك منها - العروبة روحها الأسلام الحنيف الذي يرفض العنف ويرفض الأرهاب ويرفض تكفير الآخر من أي نوع ( وجعلناكم أمة وسطا )  ، وليس هنالك من قوة تستطيع أن تفرق بين العروبة والأسلام المعتدل أو تشرذم المسلمين والعرب بوسائل الأختراق المذهبي مهما أبتدعت من وسائل التقية الخبيثة.

5- الضرب في العمق هو الكي الحقيقي لوقف التمدد الفارسي .. ولكن، قد تسبقه أفعال تجعل الأمور أكثر صعوبة على الفرس في طريقة تفكيرهم بالتحرك الذي يفصح عن ( جعجعة من دون طحين )  كما يقال، كما أن كثرة مناوراتهم ومسرحيات إختطافهم للجنود الأمريكيين في مياه الخليج العربي وفي درابين بغداد المحتلة، وإجرائهم تجارب صاروخية بالستية لا تمثل غير سياسة ( إبراز عضلات تعاني أصلاً من الضمور )  ، لأن الرد في العمق يتسم بثنائية قاسية تجمع بين ( الرد المرن )  و ( الرد الصاعق )  في العمق الأستراتيجي إذا ما فكرت الطغمة الطائفية الحاكمة في طهران استخدام القوة المكشوفة والنائمة.!!

6- العلاقة بين طهران وموسكو هي ( زواج متعه )  لا غير ، أستنفدت أو تكاد زخمها في سوريا بعد أن تكرس وجود القواعد العسكرية الروسية والأمريكية في ( الحسكة )  و ( القامشلي )  في إطار التوافق الأستراتيجي ( الروسي- الأسرائيلي- الأمريكي )  الذي خط مسار الحرب أو التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ ما قبل بداياته الأولى.!!

7- روسيا تقترب ستراتيجيًا أكثر من ( إسرائيل )  على مستوى التنسيق السياسي والأستخباري والعسكري، ثم الزراعي والسياحي .. فيما هي معروفة علاقة إيران مع روسيا وهي في جوهرها تنسيقًا سياسيًا مع ( إسرائيل )  وخاصة في المجال العسكري على الساحة السورية، فيما تعلن طهران أنها تعمل بالضد من الكيان الصهيوني.!!

8- لا مستقبل لنظام دمشق الذي تريد أن تعززه وتعزز من وجودها طهران .. وهذا ما تدركه موسكو وتعمل عليه بطريقة ( التقيه )  وبما يتناسب مع مصالحها الحيوية في المتوسط وعلى حافات حدودها الحيوية وداخلها الأثني والمذهبي .. وهذا يتعارض مع الرغبة الأيرانية في توسيع نفوذها الفارسي في سوريا، وكذلك في المشرق العربي وعلى حافات البحر الأبيض المتوسط .. لا أحد يزاحم موسكو ستراتيجيًا في هذه المنطقة فهي قد تقاسمتها مع واشنطن وبالتنسيق مع ( إسرائيل ) ، كما أسلفنا، فأين النفوذ الإيراني المتغطرس في منطقة النفوذ المحسومة أصلاً.؟!

9- ان إشاعة تشكيل ( الحشود الفارسية )  في أكثر من دولة عربية على غرار ( الحشد الشعبي )  الفارسي في العراق و ( الحرس الثوري )  الفارسي في إيران لا يجد قبولاً روسيًا نهائيًا في سوريا، ولا يجد قبولاً عربيًا رسميًا وشعبيًا، ويعد خطوة فارسية بإتجاه الهاوية، لأن مثل هذه التشكيلات تشيع ( الطائفية )  في المجتمعات المتجانسة والمستقرة وقد تنتقل عدواها إلى روسيا نفسها أو أي من الدول الأخرى الأسلامية وغيرها. وعلى هذا الأساس، فأن مستقبل إيران يكمن إما بالأنكفاء أو الأنهيار أو إحترام الحدود السيادية والأجتماعية للدول الأخرى.!!

10- يتضح جليًا أن موسكو ترجح المصالح الحيوية للدولة على الآيديولوجيا ،فيما إيران ترجح مصالح الدولة الفارسية ولكن، بغطاء الآيديولوجيا- الطائفية . الأولى تتمدد ستراتيجيًا ، والثانية تتمدد آيديولوجيًا وتمددها يتساوق مع فعلها العسكري .. والخلاصة : أن موسكو قد عافت الآيديولوجيا، فيما طهران تتمسك بمنهجية طائفية ذات بعد أممي سينتهي حتمًا في إحتكاك وأصطدام مع المحيط المذهبي والعرقي الروسي، طالما بشر ( زبيغنيو بريجنسكي )  بإعمام نظريته في ( أوراسيا )  قبل أكثر من عقدين أو أقل .. الأمر الذي يؤكد على أن طهران ، وهي مدفوعة نحو الغرب، لا تتوانى عن تنفيذ هذه النظرية على الرغم من توافقها السياسي مع موسكو إذا اقتضت مصالحها كما أن منهجيتها في تصدير أيديولوجيتها الطائفية ذات البعد الأممي لن تقف عند حدود الدب الروسي والتنين الصيني.!!

11- وهذا يعكس التضارب القائم بين ( الأهداف والوسائل )  التي تستخدمها إيران في سياساتها .. فالآيديولوجيا ، وهي فاضحة ، باتت تأكل كثيراً من ( جرف )  المصالح الإيرانية .. حتى باتت والآيديولوجيا الإيرانية في وضع لا تحسد عليه .. بمعنى ( ان الوسائل لم تعد ملآئمة للأهداف )  الإيرانية بالمرة وغير متساوقة وغير قادرة على ضبط معادلات حركتها الأقليمية ( تدمير طائفي وعرقي للوصول إلى أهداف ستراتيجية ( خط الغاز من إيران عبر العراق وسوريا إلى المتوسط ثم قبرص ومنها إلى أوربا ) .

البدائل تعرفها طهران وتعرفها موسكو .. الأولى فات أوانها ، والثانية ما زالت ممكنة ولها حساباتها.!!





الاربعاء ٢٤ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / شبــاط / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة