شبكة ذي قار
عـاجـل










المدخل ..

منذ عام 1948 ولحد الآن، لم ينجح الأستيطان الأسرائيلي في فلسطين .. ومنذ عام 1979 ولحد الآن، لم ينجح الأستيطان الأيراني في العراق رغم زخمه الكبير .. وأكثر من ستين عامًا ما تزال ( اسرائيل ) تعاني إخفاقات عدم قدرتها وعجزها على الأندماج بين العرب .. ومنذ أكثر من ثلاثة عقود ولحد الآن، ما تزال إيران تعاني إخفاقات عدم قدرتها على تذويب الهوية القومية العربية عن طريق التشيع الفارسي، والشيعة العرب يحترمون هويتهم القومية .!!

المقدمة :

ثمة علاقة مباشرة بين الخيارات السياسية للدول وإستراتيجياتها وأنماط علاقاتها وبين تراكماتها التاريخية ورؤيتها للعام التي شكلت هذا التراكم .. فنشأة ( اسرائيل ) في الشرق الأوسط، باعتبارها قوة إقليمية، مسألة أرتبطت بمزاعم ( تاريخية ) و ( جغرافية ) ، شكلت الذهنية الأستراتيجية الأسرائيلية .. فـ ( إسرائيل ) ليست دولة قومية كأي دولة أخرى في الشرق الأوسط ، فهي كيان أبرزته مزاعم وعوامل سياسية خلطت بين عمق ( التاريخ ) مثل السامية ومعادات السامية والصهيونية واليهودية وبين مسارات الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط الغنية بالموارد .. فثمة مسار تطور قصير المدى للأحداث السياسية ومسار التحول طويل المدى للأحداث التاريخية .. وكما هو معروف فأن الهوية اليهودية قد تشكلت من محصلة غريبة لعقيدة سميت الشعب المختار.. وتظهر في هذه الأطروحة التاريخية تناقضات واختلافات تراكمت منذ قرون حتى استطاعت أن تفكك الـ ( غيتو ) اليهودي لتخرج صوب تأسيس دولة يهودية، تسعى قيادتها الصهيونية نحو تكريس ( شرعية الدولة اليهودية ) في منطقة الشرق الأوسط .. ولم تستطع منذ عام 1948 ولحد الآن .

ويكاد الأمر يتطابق تمامًا مع الرؤية الإيرانية الفارسية الصفوية وتراكماتها ( التاريخية ) ، نحو تكريس واقع غير حقيقي بدواعي هذا التراكم وفرضه بطريقة الأمر الواقع .. وكما اعتمدت ( اسرائيل ) على قوى خارجية في خياراتها غير الحقيقية .. اعتمدت إيران على قوى خارجية وخلطت حقائق التاريخ في خياراتها غير الحقيقية.

إن المجتمع اليهودي هو عبارة عن مجموعة عرقية ترى نفسها أنها اختصت بقيادة العالم نتيجة تعرض هذا المجتمع للأحتقار منذ قرون ( بسبب من سلوكه المشين ) على يد الأوربيين، حيث تبلورت نفسية المجتمع اليهودي، كما جاء في توصيف آرثر كوستلر ( Arthur Koestler ) بالشذوذ اليهودي .. وهو الشعور الأجتماعي الذي يجمع بين الأضطراب النفسي الأنعزالي المحاط بالإحتقار وبين الشعور بالدونية خارج أسوار الـ ( غيتو ) .. ومثل هذه التركيبة النفسية السوسيولوجية قد عكسها المفكرون اليهود في الفلسفة اللآهوتية ( سبينوزا ) ، وصراع الطبقات ( ماركس ) ، والشذوذ النفسي ( فرويد ) .!!

النفسية المأزومة، التي شكلها التاريخ اليهودي دفعت باليهود الى التجمع حول ثلاث غايات رئيسية، الأولى : الحفاظ على كيانهم وسط المجتمعات المختلفة ومعاييرها السياسية . والثانية : تشكيل قوة قابلة للحركة لمواجهة المخاطر. والثالثة : استخدام القوة المفرطة على وفق ما يقتضيه دور ( المجتمع المختار ) .!!

ومن المعروف أن الشرعية لها وجهان ( داخلي اجتماعي ) و ( خارجي دولي ) .. حيث اكسبت هذه الغايات ( شرعية اجتماعية داخلية ناقصة اقتصرت على الصهاينة ) من حيث الرؤية للعالم .. ولكن مثل هذه الشرعية الاجتماعية الداخلية قد خلقت إزدواجية داخل الفرد أو الشخصية اليهودية تقع بين المحلي والعالمي في الأنتماء مثلاً بين كونه ( فرنسي او روسي او امريكي ) ، وبين يهوديته التي حلت في أرض غيره سوى ما يعتقده بأنه رؤية تاريخية توراتية لا أكثر، بحيث كان أحد اليهود ( Moses Hess ) قد ذكر عام 1835 ( لقد ماتت الشريعة الموسوية لتلك التي لا يمكنها ان تجمع اليهود معًا، ولا يمكنها ايضًا ان تلبي احتياجاتهم الدينية، وإن المسيحية هي الدين العالمي بالمعنى الحقيقي ) .!!

وكما يتجلى الصراع داخل الشخصية اليهودية على مستوى الثقافة، يتجلى أيضًا في السلوك السياسي ذي النزعة العنصرية .. ومن هذا يمكن ان نتسائل، ما هو منظور ( اسرائيل ) لعملية السلام عبر ثقافات التعالي العرقية ( شعب مختار ) ، وعدم إكتمال أو تكامل ( الشرعية ) وانعدام ( الهوية القومية الموحدة ) ومحاولات تأسيس ( دولة يهودية ) تسحق الديانات الأخرى أو تهمشها وتمحق القوميات الأخرى أو تهمشها لكونها بلا هوية قومية؟ - وكما هو حاصل في ( اسرائيل ) حاصل في أمريكا أيضًا لأنعدام وجود الشعب الأمريكي إنما وجود مجتمع أمريكي يضم قوميات من مختلف بقاع العالم فضلاً عن ديانات ومذاهب أخرى .. وكما أن المجتمعات الأثنية والمذهبية تضم بين ظهرانيها بذور التصادم والتفكك، فأن إيران مشمولة بهذه النظرية وكذا ( إسرائيل ) وأمريكا أيضًا على المدى المتوسط والبعيد - .

لقد تاسست ( إسرائيل ) في بحر إقليمي يرفض قبولها ويرفض أن يمنحها الشرعية في الوجود .. وهذه الحقيقة شاخصة منذ عام 1948 ولحد هذه اللحظة من الزمن، لأنها كيان غريب، رغم كل الحروب والأحتلالات والمقايضات على مستوى السلطات، إلا أن بحر الجماهير العربية يرفض ويعاند في رفضه ويقاتل بمختلف الوسائل حتى البدائية منها كالسكاكين.!!

والحديث عن الرؤية الاسرائيلية لعملية السلام ، يتوجب معرفة القاعدة التي تتأسس عليها هذه الرؤية، والتي يمكن تثبيتها باختصار شديد على النحو الآتي:

1- نظرية الأمن الأسرائيلية، التي تبلورت إستراتيجيًا وتكتيكيًا عبر الجذور الاولى في حرب عام 1958 في خمسة مبادئ :

- مبدأ التفوق النوعي في الصراع .

- مبدأ الجيش العامل الصغير ( النخبة ) ، والجيش الأحتياطي الكبير ( العمق الأجتماعي ) .

- مبدأ بناء المستوطنات ، خطوط دفاعية أمامية لحماية المركز.

- مبدأ نقل الحرب أو الصراع إلى أرض العدو ( لدواعي النقص الجيوبوليتيكي ، نقص العمق في الدفاع ) .

- مبدأ اعتماد الحرب القصيرة ( الأستباقية الأجهاضية ) وحسب مستوى المخاطر.

2- الأشكالية التي تواجهها هذه الأستراتيجية :

أولاً- فشل إكتساب الشرعية القانونية والواقعية ( De facto De jour ) على المستوى القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

ثانيًا- فشل مقايضة ( الأرض مقابل السلام ) تبعًا لنتائج هذه الأستراتيجية.

ثالثًا- عدم قدرة الكيان السياسي الأسرائيلي على ( الأندماج ) في المحيط الأقليمي.

رابعًا- عدم القدرة على الأستقلال عن الدعم السياسي والعسكري الأمريكي والأوربي.

خامسًا- فشل الوصول إلى نتائج على صعيد المفاوضات العقيمة ( سياسة الخطوة خطوة ( كيسنجر ) ، كامب ديفيد و واي ريفر وأسلو ومدريد وشرم الشيخ..إلخ

ما يسمى بـ ( عملية السلام في الشرق الأوسط ) هي خديعة ( كيسنجرية ) صهيونية كبرى قامت على سيناريو الوصول إلى ( الشرعية ) والحصول على كل شئ دون تقديم أي مقابل .. فماذا حصل عليه الفلسطينيون ؟ لا شئ إنما قدموا إعترافًا يمثل في حقيقته جزء خطير من الـ ( شرعية ) التي يلهث للوصول إليها الأسرائيليون، والتي هي المفتاح لحصول هذا الكيان على الشرعية على المستوى الدولي.. وهي شرعية مشروطة بأن ينفذ هذا الكيان إلتزاماته على وفق قرارات الأمم المتحدة التي ما تزال يعلوها غبار الفيتو الأمريكي منذ عقود.

المتغيرات الحاصلة، بعد انتهاء الحرب الباردة، باتت خديعة عملية السلام إحدى نتائجها على المستوى الأقليمي والدولي، حيث أكتسبت صدًا عالميًا، بدأ في اوربا بعمليتي ( أوسلو ومدريد ) ، كما أسلفنا، ثم باتت تحت الوصاية الأمريكية.. فيما كانت الأولوية الأبرز للكيان الصهيوني في تجريف الأرض والبشر دون عائق قانوني أو أخلاقي وتحت خيمة ( الحياد ) الأمريكي القبيح.. أما الدول العربية، كوحدات سياسية، ومنها وحدة التفاوض الفلسطينية، التي تمثل الطرف الآخر، قد واجهت مشكلات وإفتراقات بين سلطات قمعية وبين الشعب على امتداد الوطن العربي، وما تمخض عن ذلك من صراعات ومشكلات، هي في حقيقتها صورة من صور ( إنعدام الشرعية ) لدى الوحدات السياسية، وعدم قبول الشعب لنهج السياسات الأقصائية القسرية والقمعية ذات النزعة التسلطية .

فمن الصعب الأعتقاد، كما يظن البعض، بأن ( إسرائيل ) بمجرد تأسيسها لنظامها السياسي عام 1948 قد تحولت الى ( دولة قومية ) ، لأن مقومات الدولة على أرض فلسطين لم تكتمل أولاً، ولأن مسألة الشرعية غائبة كليًا ثانيًا، بحكم فقدانها لمقومين اساسيين هما ( الأرض والشعب والسيادة ) .. و ( إسرائيل ) كيان سياسي عنصري لا يملك الأرض كما لا يمتلك الشعب الموحد إنما يمتلك مجتمعًا من شتات القوميات يقوم على الدين وليس على القومية .. والملاحظ : أن اليهود كانوا في تصادم مستمر مع السلطات والمجتمعات الأوربية .. ومن أجل التخلص من مشكلة التصادم هذه تم تسفيره ( Transfer ) إلى قلب منطقة شرق المتوسط وحولوها تصادمًا بين اليهود - الصهاينة والمسلمين ، بعد ان كانت صراعًا بين اليهود والنصارى على أرض أوربية .. فيما المسيحيون هم أول من عادى السامية وليس العرب المسلمين .

أما إيران ، فهي دولة ( قومية ) تحاول أن تظهر بصبغة ( دينية- مذهبية ) ولأهداف مزدوجة .. الأولى : الوصول إلى إنجاز أهداف إمبراطوريتها البائدة . والثانية : لأهداف تحويل المركز الديني للمسلمين من مكة المكرمة إلى مدينة ( قم ) التشيعية - الفارسية، إعتقادًا منها بأنها تستطيع أن تمزج بين القومي والديني في قالب التوسع .. ولكن مثل هذا الأعتقاد اصطدم بجملة من الحقائق والأشكاليات، وخاصة بين ( الفقه الديني التشيعي ) و ( الفقه السياسي التوسعي ) ، الذي يتعارض مع حقائق الجيو- سياسة ، حتى أن بونًا كبيرًا ، ظهر واضحًا بين التبشير الطائفي والتفسير السياسي لحركة الدولة الأيرانية وتعارضهما اساسًا مع حقائق الواقع الموضوعي لدول المنطقة، التي ترمي الدولة القومية الأيرانية إعادة أمجادها الأمبراطورية الأستعمارية البائدة منذ قرون.

ومن جملة شعاراتها الطائفية- السياسية الخائبة والمبتذلة، ليس الآن فحسب، إنما منذ مجيء خميني إلى رأس السلطة في طهران عام 1979 ، حين أعلن بمنتهى الصفاقة ( إن تحرير القدس يمر عبر بغداد ) ، وهذا الأعلان خديعة تعبوية كبرى متهالكة اصطدمت بخندق دفاعي وطني عراقي على طول خطوط النار الدفاعية طيلة ثمان سنوات من التعنت الفارسي لأطالة أمد الحرب .. والآن يعلن ( علي خامنئي ) لصغار الحشد الطائفي الربط بين حلب والقدس، والتطوع لـ ( تحرير القدس عبر حلب ) وقبلها عبر مدينة ( حرستا ) السورية.. ومن هذا يتبين إن مسار الفقه المذهبي- الطائفي المنحط في دجل السياسة الفارسية، قد تواصل تحت خديعة فاضحة أسمها تحرير القدس.!!

من يشجع هذا الطاغوت الفارسي على حساب العراق وشعبه وعلى دول المنطقة؟ من يسكت على جرائمه المروعه ضد الأنسانية؟ من يمهد له طريق الجرائم ويشرعن له السياسة التبريرية بالضد من مصالح دول المنطقة وشعوبها؟ من يقف حائلاً دون تقدم وتطور دول المنطقة برمتها؟ من يبقي ملفات النزاعات مفتوحة ويمنع غلقها أو تسويتها طيلة عقود وعقود؟ وبالتالي من يحارب العرب ومن يحارب الأسلام والمسلمين؟

الدولة الأمريكية هي في حقيقتها امبريالية عدوانية معروفة عبر التاريخ ولا غرابة في نهجها الأستعماري .. و ( إسرائيل ) هي في حقيقتها استعمارية في نهجها العنصري الأستيطاني ونهجها هذا واضح عبر عقود من السنين .. و إيران هي في حقيقتها عنصرية في نهجها الطائفي- الأستيطاني التوسعي، وهو أمر يتلاقى فيه النهجان الأسرائيلي والأيراني حيال الدول العربية وشعبها العربي المسلم ... إيران لا تؤمن بدين إسلامي قوامه القرآن والرسول والسنة النبوية الشريفه ولو كانت تلتزم بالقرآن وبنهج الرسول الكريم وبسنته الشريفة لأمتنعت عن سفك دماء المسلمين الأبرياء في العراق وسوريا واليمن، ولأمتنعت عن التدخل في شؤونهم الداخلية، وتمسكت بمبادئ حسن الجوار وبنت علاقات طبيعية من أجل أمن المنطقة واستقرارها.. ولكنها لا تختلف عن نهج تل أبيب كما لا تختلف عن دوافع واشنطن في الهيمنة على مقدرات المنطقة ونهب ثرواتها .

أمريكا فشلت في العراق وهربت ثم أنكفأت .. و ( إسرائيل ) لم تنجح في إستعمارها - الأستيطاني لفلسطين المحتلة منذ عام 1948 ولحد الآن .. وإيران لم تكن أكثر قوة ودراية وقدرات وحشد من أمريكا و ( إسرائيل ) لكي تنجح أبدًا ، مآلها المنظور إما الأنكفاء أو التفكك أو الأنهيار.!!





السبت ٣٠ رجــب ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أيــار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة