شبكة ذي قار
عـاجـل










في بعض الأحيان تقفز بعض الذكريات المميزة إلى واجهة العقل دون وعي، بعد أن كنا نظن إنها دفنت بين طيات الزمن الماضي، ربما لكي نتذكر أناس نحبهم ونقدرهم ويحتاجون لدعائنا بسبب كرب عظيم أصابهم، وهذا ما حدث معي اليوم عندما قفزت تلك القصة الجميلة فجأة، قصة من قصص العزة والكبرياء التي عشناها.

في يوم ربيعي ماطر صدر لنا أمر بتصوير الاستعراض العسكري لجيش القدس، وكان موقع الاستعراض في ساحة الاحتفالات بمحافظة التأميم، وكعادتنا حضرنا إلى الموقع قبل ساعات من انطلاق الاستعراض، حيث اخترقت سيارتنا شارع طويل تخيم في يمينه ويساره مجاميع المشاركين بالاستعراض وصولا إلى ساحة العرض.

حال وصولنا للساحة عاينت المكان وأخترت موقعا لفريق التصوير يمكن من خلاله السيطرة على خيمة القادة والمسؤولين وكذلك كراديس المقاتلين المستعرضة، وتم التصوير بكل سلاسة وانتظام بسبب التدريب الجيد وحسن التدبير من قبل قيادة جيش القدس والدوائر التنفيذية في المحافظة.

انتهى الاستعراض كما بدأ من حيث روعته وتناسقه بكل تفاصيله بالرغم من غزارة الامطار، وأبلغت المصورين بضرورة مغادرتي للموقع مع شريط الفديو الخاص بالاستعراض والذهاب الى دائرة الاذاعة والتلفزيون لاقوم بمنتجته ومن ثم ارساله الى تلفزيون بغداد قبل موعد بث النشاطات الخاصة بالاستعراضات العسكرية،

وبالفعل تركت المصورين في الموقع في حال الحاجة لهم لتصوير أية فعاليات أخرى وتوجهت للإذاعة وكان يوم عطلة حيث كنت وحيدا في الدائرة، وأنا منهمك بالمونتاج وجدت اثنين من الشرطة يقفون فوق رأسي، فقلت لهم ما الذي تفعلونه هنا ومن ادخلكم للدائرة؟؟ فقالوا لا يوجد احد في الباب ودخلنا بحثا عنك، قلت ولماذا؟؟ قالوا مطلوب حالا، قلت هل انا مقبوض علي؟؟ قالوا لا فقط لدينا أمر باصطحابك إلى ساحة الاحتفالات، قلت ومن أعطاكم الامر فلم يجيبوا.

المهم وجدت سيارة شرطة في الباب صعدت في الخلف ومعي احد رجال الشرطة وكنت مطمئنا لأنهم لم يصفدوا يدي، لكن سرعة سيارة الشرطة كانت مرعبة، فقلت للسائق على هونك بالناس، قال جائنا تاكيد بجهاز اللاسلكي أن نصل بسرعة،

وصلنا إلى ساحة الاحتفالات من جديد، وتوقفت سيارة الشرطة أمام خيمة كبيرة عرفتها بأنها خيمة القادة والمسؤولين، فقلت في نفسي الله يستر ربما حصل خطأ ما.

ما أن دخلت الخيمة وجدت الجميع على الأرض وأمامهم ما لذ وطاب وبادرني قائد جيش القدس بسؤالي لماذا تركت الاستعراض قبل ان تشاركنا الطعام؟؟ فضحكت وقلت له سيدي لدي واجب مونتاج الفديو وارساله إلى بغداد على وجه السرعة، فقال وهل 15 دقيقة تؤثر عليك؟؟ قلت له لا، فقال اذاً أجلس وشاركنا الطعام، وستعود بنفس السيارة التي أتيت بها،فجلست أمامه فقال لي أبعد هذا الجهد وتريد ان تذهب جوعان؟؟ قلت له تعودنا على هذا العمل.

هذا القائد الذي أرسل سيارة شرطة لمخرج تلفزيون لكي يعود ليشاركهم الطعام كان الفريق الركن أياد فتيح الراوي، ذلك القائد الذي لم أجد في تواضعه أحد، وفي دماثة خلقه أحد، واحترامه للآخرين دون تمييز.

ذلك القائد الذي يحمل عشرات انواط الشجاعة لبسالته في معارك الشرف يبحث بين المدعوين عن مخرج تلفزيوني غادر دون أن يأكل، ويسأل زملاءه المصورين عنه، ويأمر مدير الشرطة ليتصل بأقرب سيارة شرطة لجلبه للخيمة، الله أكبر، كم فقدنا رجالا قل نظيرهم.

هذا القائد الأسير يستحق منا اليوم ان ندعو الله بفك أسره، ومن معه من أسرى، وأجد إن من واجبنا جميعا استذكار مآثرهم، والدعاء لهم، كي تعلم الاجيال كيف كان العراق، ومن هم رجاله.





الاحد ١٥ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الوليد خالد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة