شبكة ذي قار
عـاجـل










أولاً- متلازمة الأرض والشعب :

عنصران أساسيان لوجود الأمة مع متلازمة التاريخ وهوية الحضارة ، هما الأرض والشعب .. معادلة فك عراها صعب ، إذ أن الشعب بدون الأرض وجوده يمسي جحيمًا ، والأرض بدون شعبها وهي تخضع للأحتلال والأغتصاب تمسي هي الأخرى لعنة الأجيال اللآحقة، إذا ما تراجعوا وتهاونوا وتمادوا في لعبة الأهمال للأرض المقدسة التي يتطلع إليها الشعب حتى تحريرها شبرًا شبرًا ولا مناص من التضحيات بشأنها مهما غلت وتنوعت واستمرت لسنوات وعقود .. ها هو شعب فلسطين العربي يرفض الأحتلال الأستيطاني الصهيوني على أرض الأجداد ، وها هو شعبنا العربي المغربي يتحسس خطواته للمطالبة بأرضه في ( سبته ومليليه ) ، وها هو شعبنا العربي السوري يخوض معاركه لتحرير أرضه من الديكتاتورية الفاشية ولأسترجاع أرضه المغتصبة في الجولان والأسكندرون ، وها هو شعبنا في الخليج العربي يخوض معركة السياسة والقانون لأسترجاع جزره، التي نهبها بوضح النهار شاه إيران وأطبق عليها بالسلاح نظام طهران الطائفي ، وها هو شعبنا في العراق يقاتل على أرضه الواسعة الشاسعة وفي العمق من الأرض دفاعًا عن الأرض التي إحتلها الغزاة ، أمريكيون وإيرانيون فرس ، ودفاعًا عن العِرْضِ الذي انتهكه الغازي في ( أبو غريب ) وخارجه ، وتجاسر عليه المحتل الفارسي الذي أدخل الأيدز والمتعة المحرمة والفساد الهدام والرذيلة المقرفة وسفك الدماء، وعاث بالمحرمات والمقدسات ، لكي يزيد الجهل جهلاً والفقر فقرًا ويغييب العقول ويدفع بها ، تحت خيمة التأويل المغرض والدجل المراوغ ، نحو المجهول، نحو أتون حروب تريدها عصبة القرون المظلمة السحيقة القابعون في دهايز قم وطهران وتل أبيب .

شعبنا العربي في أي مساحة من أرض الأمة يرفض الأحتلال الأجنبي، ولا يرفض من يتعامل معه بأحترام وعلى قدر المنافع المشتركة والمصالح المشروعة التي تنمي العلاقات القائمة على أسس تخدم الجميع .. ورؤية البعث للأرض والشعب لا تنفصل ولا يضع معاير النظم السياسية في ميزان التعامل ليخسر الأرض والشعب، إنما يتجسد معياره العقائدي في الدفاع عن الأرض والشعب أينما كانت جغرافيته السياسية .. فحين تعرضت أرض الكنانة مصر لخطر الكيان الصهيوني هب البعث يقاتل للدفاع عن أرض مصر، وحين تعرضت أرض الشام للخطر الصهيوني تقدم البعث مسرعًا للدفاع عن هذه الأرض ، رغم خلافاته السياسية .. وحين تعرضت موريتانيا للخطر كان البعث حاضرًا هناك على الأطلسي .. وحين تعرضت أرض الكويت العربية وشيخها لعدوان الصواريخ الفارسية، رد البعث بصواريخه فأسكت العدوان وأنقذ أرض الكويت وشعب الكويت ، رغم إختلاف النظامين السياسيين ، نظام رئاسي إشتراكي هنا في بغداد، ونظام أميري رأسمالي هناك في الكويت .

وهكذا هي الرابطة الموضوعية بين الأرض والشعب في رؤية البعث .. هذه الرؤية لم تتبلور في أروقة المكاتب وأروقة المؤسسات، إنما تبلورت ونمت وتشابكت وتلاحمت وحققت ترابطها العضوي بين الجغرافيا والشعب العربي، أينما كانت على إمتداد الوطن العربي من مشرقه حتى مغربه، بغض النظر عن النظم السياسية التي تحكم ، سواء كانت ملكية مطلقة أو ملكية دستورية أو رئاسية أو أميرية .. فهي رؤية واسعة وعميقة في تشكيل العلاقة العضوية بين الشعب العربي وتلك الجغرافيا التي جعل منها الأستعمار القديم جغرافيات، وحاول أن يكرس خصوصيات ويوسع في المكونات، التي يتشكل منها الشعب العربي ليقوم في العصر الحديث بتفجيرها إثنيات وطائفيات وقبليات وعشائريات وواجهيات بهدف منع الأمة العربية من بناء وحدتها وتعميق حريتها وتأسيس عدالتها الأجتماعية .

ورؤية البعث للأرض هي وحدة واحدة لا تتجزأ، فأن تعرض هذا الجزء أو ذاك لأي ضرر أو تحدٍ أو عدوان ، فللبعث الموقف ذاته حيال أي خرق أو ضرر أو عدوان تتعرض له أرض عربية في أي مكان من وطننا العربي .. فهي أرض في القيمة المبدئية والعقائدية متساوية حتى وإن أختلف البعث في السياسة مع النظم، فمثلاً: أرض فلسطين المحتلة، وأرض الأسكندرون وأرض سبته ومليليه، والجزر العربية الثلاث في الخليج العربي طنب الكبرى والصغرى وابو موسى، وأراضي العراق في قصر شيرين وزين القوس وسيف سعد وغيرها، وأراضي الأحواز العربية المغتصبة على طول الشاطئ الشرقي للخليج العربي، تمثل القيمة ذاتها في رؤية البعث مبدئيًا وعقائديًا .

فالأختراق والعدوان، الذي تتعرض له أي بقعة ارض عربية هو اختراق وعدوان واحد على الأرض العربية كلها .. هذا المفهوم العقائدي للبعث هو تجسيد لهدف الوحدة العربية ، ومن الصعب الحديث عن الأمن القومي العربي من زاوية قطرية ضيقة، إنما من العمق الجيو- سياسي للوحدات السياسية العربية .. والمعنى في ذلك، أن الوطن العربي محاط بكتل بشرية سكانية ضاغطة لها مشاريعها المهددة للأمن القومي العربي ، تمثل تحديات خارجية تشترط العمل بالعمق الأستراتيجي .. فالأردن عمقه الأستراتيجي هو العراق ، وسوريا عمقها الأستراتيجي العراق ، كليهما لمواجهة مخاطر وتحديات إيران .. وكذا الأمر إزاء العراق وعمقه الأستراتيجي متمثلاً بالأردن وسوريا والمملكة العربية السعودية .. وما ينطبق على هذه الأقطار ينطبق على مصر وعمقها الأستراتيجي السودان وسوريا وليبيا ودول الخليج العربي وعمقها الأستراتيجي العراق ومصر .. إلخ ، هذا الترابط الذي يفرزه عامل الأرض مقترنًا بالسياسة يمثل رؤية البعث لقيمة الأرض وعمقها السوقي .. فلو كانت قيادات الأقطار العربية جميعها تتبنى هذا المفهوم لما تعرض أي قطر عربي كما يتعرض له اليوم من تدخلات عسكرية ومخاطر بلغت مرحلة تهديد الوجود ، الأرض والشعب ، وليس تهديد الحدود .!!

يتبع ( ح - ٢ )





الثلاثاء ٨ صفر ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / تشرين الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة