شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تكن خلفية الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الغير السياسية أو فضائحه الأخلاقية ما يميز فترة الانتخابات لاختيار الرئيس الـ 45 لأمريكا فحسب، بل كثرة وعوده النارية والمعقدة والغامضة والمتناقضة في أغلب الأحيان، والتي أضاعت كثير من المحللين في دهاليز تفسيراتها المتناقضة عندما تؤخذ بنظر الاعتبار ليس كوسيلة لكسب الأصوات فقط، بل باعتبارها خارطة طريق يمكن أن تشكل نقاط ساخنة تضر بمصالح أمريكا مع معظم دول العالم إذا ما تم تنفيذها، ناهيك عن ضررها على الداخل الأمريكي ذاته.

سنأتي على بعض الوعود المهمة والمثيرة التي أطلقها ترامب وقلصت إلى حد كبير من حظوظه بالفوز بنظر معظم الاستطلاعات والتحليلات السياسية والإستراتيجية، وبالتأكيد لم يكن فوزه عكس كل التوقعات خطأ وفق أطر المعايير المعروفة في الانتخابات الأمريكية، بل كان ذكاءً باختيار ورقة الضغط الرابحة التي استخدمها ترامب ولم يستخدمها مرشح قبله ( ليس بهذه الحدة على الأقل )  وهي ورقة العنصرية التي كشفت عن وجود شريحة عنصرية كبيرة متغلغلة بعمق المجتمع الأمريكي، استطاع ترامب بذكاء أن يقفز من خلالها فوق كل التوقعات ليفوز بنسبة مريحة على منافسته هيلاري كلينتون الواثقة من الفوز.

الوعد الأهم والأشهر الذي قطعه ترامب هو حظر دخول المهاجرين وعلى وجه التحديد "المسلمين"، لكنه عاد فعدل من تصريحه بعد موجة من الانتقادات ليخرج بتصريح آخر ترجم فيه تصريحه الأول عندما قال بأنه يقصد المهاجرين من الدول التي ينخرها الإرهاب، نافياً بأنه كان يقصد كل المسلمين، لكن تصريحه الأول لازال ماثلا للعيان، وسيشكل دائما الانطباع الأول للدول المسلمة في تعاملهم مع ترامب مستقبلا.

الأمر الآخر الذي تحدث عنه دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية هو موقفه من القضية السورية، وتحدث عن المزيد من التعاون مع روسيا للتخلص من تنظيم الدولة الإسلامية بدلا من الحديث عن الإطاحة ببشار الاسد، كما نوه إلى أن الأولوية بالنسبة لأمريكا تكمن في التخلص من التنظيم الإرهابي بصرف النظر عن الصراعات في سوريا والعراق، في حين أشار إلى خطورة الفرصة التي منحها التنظيم لإيران باحتلاله للموصل، وهي رسالة تحمل الكثير من احتمالات التقاطع الأمريكي مع إيران في الساحة العراقية والسورية.

أمر آخر بالنسبة لإيران، قال ترامب بأن لا أحد يجرؤ على تحدي الجيش الأمريكي، في إشارة لحادثة أسر القوارب الأمريكية من قبل خفر السواحل الإيراني، وهدد بإخراجهم من الماء، وهي فرصة أخرى تتيح لترامب لعب ورقة تهديد إيران في الخليج العربي والتي يمكن من خلالها إشعال فتيل معركة خطيرة في حال تنفيذه للتهديد.

فيما يخص الاتفاق النووي مع إيران، أشار ترامب بطريقة غير مباشرة إلى خطأ إدارة أوباما في تبنيها لهذه الاتفاقية عندما وصف إيران بأنها أكبر دولة راعية للإرهاب، وهي مسؤولة عن الأعمال الإرهابية في 25 بلدا، وإنها اليوم زاخرة بالأموال بسبب رفع العقوبات عنها كجزء من الاتفاق النووي، كما وتستغل هذه الأموال في توسيع نشاطاتها الإرهابية.

من وجهة نظر ترامب فإن الاتفاق النووي جاء لصالح إيران، وهو يفكر بفرض عقوبات صارمة لإجبارها على التنازل عن بعض بنوده، لكن العقبة التي من الواجب تخطيها هي صعوبة إعادة المفاوضات في وقت دخل فيه الاتفاق حيز التنفيذ، والذي قد يؤدي إلى معارضة دولية أو مواجهة مباشرة مع إيران، وهو ذات الأمر الذي تخشاه القيادة الإيرانية التي نوهت له حال انتخاب ترامب حول مصير الاتفاقية في عهده.

ربما كان هذا أقوى تصريح مباشر ضد إيران، لكن هناك ما بين السطور، فقد وعد ترامب بالتعاون مع إسرائيل والأردن ومصر لمحاربة الأطراف الإقليمية بما في ذلك حزب الله وحماس، والذي يمكن في حال تنفيذه لهذا الوعد أن يشعل فتيل الحرب مع إيران ذاتها، لكنه بالتأكيد سيحتاج إلى أدوات حقيقية ليس أقلها صعوبة هو مواجهة سياسة الطأطأة الإيرانية أمام الريح القادمة، والتي تجيد إيران لعب أوراقها.

يفكر ترامب بسياسة جديدة تجاه إيران لم تكن معهودة من قبل، فمن سبقه من الرؤساء حاولوا اللعب على وتر التفاهمات مع إيران من خلال التعامل مع أطراف إيرانية دون غيرها، وذلك في مسعى لخلق تقاطعات بين المحافظين والإصلاحيين داخل النسيج الحكومي الإيراني، في حين يبدو إن هناك محاولة للتعامل مع الحكومة الإيرانية كسلة واحدة، وليس واضحا بعد فيما إذا كان ترامب على دراية بعواقب مثل هذا التكتيك الجديد الذي سيفضي في النهاية لمواجهة محتملة مع إيران بشقيها المحافظ والإصلاحي، بعد أن حافظت الرئاسات السابقة على مبدأ مسك العصا من الوسط تحاشيا للمواجهة المباشرة مع إيران.

تتعقد قضية الوعود عندما يكون الحديث عن المملكة العربية السعودية، فهنا لعب ترامب على وترين حساسين للغاية في منطقة الشرق الأوسط، وبذلك أرسل رسالتين متشابهتين إلى عدوين لدودين في المنطقة، إيران والسعودية، التي حمّلها ترامب مسؤولية هجمات 11 سبتمبر مع دول عربية أخرى، فلامس بذلك أحاسيس إيران التي تبحث اليوم عن كل ما يقربها لأمريكا عنداً بالسعودية.

لكن يبدو بأن الوضع مختلف مع تهديد ترامب للسعودية، التي دعاها في تصريح آخر لمشاركة قواتها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وتحمل نفقات القوات الأمريكية المشاركة في هذه الحرب، وهنا وضع الكرة في ملعب السعودية التي عليها أن تختار حليفها القادم وإن كان كثير الوعود ضدها، خاصة في ظل احتمالية صراع أمريكي إيراني قادم سيضمن للسعودية دور دولي ضد تهديدات إيران للمنطقة.

مما لا شك فيه مثل انتخاب ترامب لإيران صداعا كانوا في غنى عنه، كيف لا والعالم كله تلقى خبر فوزه بنظرة من الريبة والشك الكبيرين، وتوقع محللون ومتابعون تغييرات مفاجئة في الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية، وما يمكن تأثيره على الاقتصاد الدولي والعلاقات على الساحة الدولية والإيرانية على وجه التحديد.





السبت ١٢ صفر ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / تشرين الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الوليد خالد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة