شبكة ذي قار
عـاجـل










حين اختارت أمريكا، بمعاونة بريطاني، مؤسسة الملالي في ( قم ) لتتربع على قمة النظام الصفوي في طهران عام 1979 ، وتسرق نضالات الشعوب الإيرانية وتحويل مساراتها تطبيقًا لنظرية ( زبيغنيو بريجنسكي ) الصهيونية، بعد سقوط الأتحاد السوفياتي .. كانت أمريكا وبريطانيا تدركان تأثير البعد الأستراتيجي الطائفي والعنصري، ليس في حياة الشعوب الأيرانية فحسب، إنما تأثيره في حياة الشعب العربي والشعوب الأسلامية .. كما إنهما كانتا تدركان قيمة الأداة الطائفية في تنفيذ المشروعين، الصهيوني ( من النيل إلى الفرات ) والأمريكي ( مشروع الشرق الأوسط الكبير ) .

أقول .. حين اختارت أمريكا بمعونة بريطانية حكم الملالي في طهران، كانتا تدركان أن الجيش الأيراني النظامي لا يستطيع نظام الملالي قيادته .. لماذا؟ لأنه جيش نظامي، شأنه شأن أي جيش في العالم له نظامه وهرميته ومفاهيمه وقياداته وعقيدته القتالية .. ولكن الذي يستطيع الملالي قيادته هي ( المليشيات ) المؤدلجة والمغيبة طائفيًا والمُقاده بشعارات لا علاقة لها بالوطن ولا تلامس منطق العقل، إنما مركز العواطف، البعيدة عن حقائق الواقع الموضوعي.

 - كان ( خميني ) ، يدفع بألآلاف من الشباب والأطفال وغيرهم ويزودهم بمفاتيح الجنة وبالأكفان لزيارة المراقد المقدسة بمجرد عبور سواتر العراق الدفاعية .. والنتيجة هي الأبادة حيث يتحمل ( خميني ) جريمة دفع هؤلاء إلى المحرقة، كما يتحمل لعنة التاريخ .

 - قَلَمَ ( خميني ) أظافر الجيش الأيراني وأزاح جنرالاته بطريقة الأغتيالات والسجن والطرد والأحالة على المعاش .. وفي غضون عقد من السنين لم يعد هناك جيش إيراني نظامي، إذ سرعان ما حلَ محله ( الحرس ) الذي أطلق عليه ( الحرس الثوري ) ، الذي يتماشى مع تسمية ( الثورة الأيرانية الأسلامية الأيرانية ) .

 - عمل نظام الملالي على توسيع مهمات ( الحرس ) بديلاً للجيش النظامي، وأدخلوا مع تشكيلاته أجهزة إستخباراتية وأمنية خاصة وتابعة لولي الفقيه، ولجان دعاة، وأسسوا هيئات ومراكز للتدريب والتسليح وإدارة العمليات الخارجية ووضعوا لها مهمات وهيئوا لها أدوات، للمحيط القريب في خارج الحدود الأقليمية، وحددوا أماكن التحرك ووزعوا الخلايا وعينوا مواضع اقدامهم الجغرافية في ضوء رؤية إستخبارية تمتد من العراق إلى الجنوب اللبناني إلى سوريا واليمن والبحرين والكويت صعودًا إلى خط المغرب العربي .. كل هذا يجري منذ تاريخ الهزيمة الأيرانية في 8/8/1988 ، على وجه التحديد، والدول العربية لم تكن قد أدركت بعد، البعد الأستراتيجي لتحرك أحقر قوة ظلامية عرفها التاريخ.!!

 - من الصعب على الملالي قيادة ( الجيش ) الأيراني بهرميته النظامية وقياداته وتسليحه وعقيدته القتالية - عدا عدم تمسكه بقوانين الحرب ولوائح حقوق الأنسان، التي أعتمدتها اتفاقيات الأمم المتحدة وعلى رأسها اتفاقية جنيف لعام 1949 وما بعدها من اتفاقيات تؤكد أحقية السكان المدنيين بالحماية وعدم التعرض للمدنيين والأسرى (( وقصة الجندي الأسير الذي ربط بين سيارتين عسكريتين إيرانيتين تسيران بإتجاه معاكس، والتي مزقت جسد هذا الجندي العراقي الشهيد .. قصة معروفة للجميع، وتعد خير مثال على خرق قوانين الحرب الدولية ، فضلاً عن إبقاء الجنود العراقيين في الأسر عقود من السنين ، في الوقت تؤكد فيه قوانين الحرب الدولية على إطلاق سراحهم حال الأمتثال لوقف إطلاق النار الرسمي بين البلدين المتنازعين )) ، ولأي أفعال من شأنها المساس بالكرامة الأنسانية للأسير ( وشيخ الأسرى العزيز نزار السامرائي خير مثال ساطع على الطبيعة السادية، التي تحرك نظام الملالي وحقدهم الأسود على العراقيين جميعًا بغض النظر عن قوميتهم ودياناتهم ومذاهبهم .. لماذا ؟ لأنهم كانوا في خندق وطني قتالي واحد بالضد من التوسع الصفوي الفارسي )) .. ومع ذلك فأن جيوش المليشيات وهي حشود لا تعمل ولا تعترف بقوانين الحروب الدولية .. تقتل وتنهب وتحرق وتهجر المدنيين قسريًا من بيوتهم وقراهم ومزارعهم، وتطبق إستيطانًا طائفيًا محلهم كما يفعل الصهاينة في فلسطين المحتلة وعلى المنهج ذاته .. قيادة هذه الحشود المؤدلجة طائفيًا أسهل كثيرًا عند قيادتها وتوجيهها نحو الأهداف الصفوية المرسومة .

 - وعلى أساس هذه الحالة غير الطبيعية وغير الأنسانية، بدأت الأمبريالية الأمريكية ترمي، من خلال تدخلاتها العسكرية في المنطقة، إلى إضعاف وتحطيم الجيوش العربية ( وهي قوة سيادية مركزية ) ، وقد وضعت الأمبريالية على رأس قائمتها الجيش العراقي العظيم، الذي يمتلك الأمكانات الكبيرة على الردع الأستراتيجي والقدرات التي مكنت هذا الجيش من تحطيم نظرية الأمن الأسرائيلية .. من هذه الزاوية الفارقة أصدرت الصهيونية العدوانية والأمبريالية العالمية قرار تدمير الجيش العراقي.

 - وحين حلت أمريكا جيش العراق وفككت هيكليته وعبثت بمؤسساته وجردته من سلاحه الدفاعي ونهبت ممتلكاته الصناعية .. برزت أمامها معضلة الأمن، التي لم تستطع معالجتها، لأن المقاومة الوطنية العراقية الباسلة كانت لقوات الاحتلال بالمرصاد أجبرتها على الهزيمة غير المنظمة في عام 1911 ، فيما حاولت أن تؤسس جيشًا ( بديلاً ) عناصره مجرد حثالة من الطائفيين تم تشكيلهم في صيغة مليشيات .. ومع ذلك فقد بات أسم الجيش العراقي يصدع رؤوس الملالي ولا يتحملون التعامل معه، رغم علمهم بأن مضمونه ( الدمج ) ، ولكنهم يرون في ذهنهم المريض تشكيلاً ( موازيًا ) لا بد من ظهوره غرار ( الحرس الأيراني ) ليكون بديلاً مزعومًا للجيش العراقي.!!

 - الآن .. نظام الملالي الصفويون، دمروا الجيش الأيراني ووضعوا الحرس بديلاً عنه، وشاركوا الأمبريالية الأمريكية تفكيك وتدمير الجيش الوطني العراقي ليضعوا بديلاً عنه مليشياتهم المؤدلجة طائفيًا، ثم قاموا، في إطار الخديعة الكبرى ( محاربة الأرهاب وداعش ) بشرعنة ( الحشد الشعبي ) الطائفي ليكون موازيًا للجيش، الذي تشكل، هو الآخر عن طريق الدمج الطائفي كما أسلفنا .. لكن إيران لا ترغب ولا تتحمل مجرد أسم ( جيش عراقي على أرض العراق ) ، فأخذت تنزع عنه صفته وتضعه في الظل وتقلل من شأنه تدريجيًا على طريق إختفائه نهائيًا.

 - وكان المُنَفِذُ الأول للخطوة الأولى بهذا الأتجاه ( نوري المالكي ) ، حين أصدر أوامره الأيرانية بالأنسحاب من الموصل ( ست فرق عسكرية بأسلحتها ومعداتها ) نزولاً حتى حزام بغداد .!!

 - ما فعله الملالي في العراق ، نشروه في سوريا وفي اليمن ، بعد أن عززوا مليشياتهم الطائفية الأرهابية في الجنوب اللبناني بالسلاح والعتاد والصواريخ والأموال والمعلومات وبالمستشارين عبر سوريا ، ليكون ( حزب الله ) بديلاً عن الجيش الوطني اللبناني ، ولكي يحارب على أرض سوريا مع قوات نظام دمشق، ليس من أجل دعم وإسناد النظام الفاشي فحسب، إنما من أجل تدمير الجيش العربي السوري وإضعافه لحساب الكيان الصهيوني وفي إطار المخطط العام لمشروع الشرق الأوسط الكبير.

 - وما حدث في العراق وجنوب لبنان وسوريا حدث في اليمن، حيث تدمير الجيش اليمني ، وقبله تم تدمير الجيش الليبي والجيش التونسي .. أما الجيش المصري فقد تم ( تحجيمه ) إستراتيجيًا .

 - هذا الواقع السائد، وبهذه الصورة المأساوية المزرية لم يكن صدفة، إنما بفعل تخطيط متقن منذ عقود تمتد وخاصة حين تم طرد الجيش السوفياتي من أفغانستان بأداة ( التيار الأسلاموي ) ، الذي مهد لمجيئ ( خميني ) إلى السلطة بدفع بريطاني أمريكي وبمساعدة فرنسية، حيث الأنتشار الطائفي الراهن بجيوش المليشيات الطائفية والفوضى العارمة وإنهيار الأمن والأستقرار في المنطقة برمتها .

والتساؤل في هذا المجال : إلى أين ستصل مثل هذه المليشيات ؟ أو بالأحرى القطعان التي تقتل وتحرق وتنهب وتجرف وتهجر وتعبر الحدود من العراق إلى سوريا ومن جنوب لبنان إلى سوريا ومن هذا الجنوب ومن العراق إلى اليمن .. فيما يهدد الملالي بكل صفاقة ووقاحة بإنتشار تشكيل المليشيات الطائفية على العالم مع الأفكار المريضة لولي الفقيه ؟!

هل تنجح هذه المليشيات أو بالأحرى هل ينجح الملالي بالسباحة ضد التيار الذي يشكل القوة العارمة التي تترقب قبل أن تضع حدًا نهائيًا لتمدد الطاعون الصفوي. ؟

المؤشرات تفصح بأن الغول الفارسي الذي ينفث الطاعون الطائفي ستقلم أظافره أولاً ومن ثم الدفع به إلى داخل أسواره المتهرئة .. إلى مصيره المجهول أمام الشعوب الأيرانية التي أنهكها القمع والأذلال والتهتك القيمي والأخلاقي .. أمام الواقع الإيراني المزري الذي يعاني معضلة مزمنة منذ عقود حيث حكم الشاه ، تفاقمت وتكدست ركاماتها حتى بلغت جبالا من القهر بعد عام 1979 .. في ظل نظام ملالي التاريخ المظلم لا مستقبل لهذه الشعوب في أن تتنفس وتعيش بحرية أبدًا .. كما أن لا مستقبل للنظام الصفوي وهو مستمر في تنفيذ رغباته المريضة بالتمدد .!!





الخميس ٨ ربيع الاول ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / كانون الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة