شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

خبراء السياسة الأمريكيون، الذين يوصَفونَ بالواقعية البراغماتية يؤكدون فرضياتهم التي تقول 1 - إذا لم تكن بمقدورك أو لا ترغب في وقف صعود قوة ما ، فبإمكانك التعاون معها سعيًا للحد من مخاطر العنف . 2 - وإذا لم تستطع أن تشن الحرب على العدو لتغيير سلوكه، فعليك بإحتوائه من أجل التغيير من الداخل .

وعلى أساس هذين الأفتراضين نتلمس خيوط التعامل الأمريكي مع كل من روسيا والصين في إطار إدارة الصراع والتوتر في العالم من جهة، وفي مجال بلورة واقع لنظام دولي جديد من جهة ثانية، فضلاً عن نوع القطبية وطبيعتها، التي تصلح لهذين الأفتراضين اللذين أحدهما ينطبق على روسيا والآخر على الصين في ضوء المعطيات التي أفرزتها العقود الماضية منذ عام 1979 على وجه التحديد.

والتساؤل هنا، هل أن تراجع الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط يعني أنها فقدت قوتها العسكرية، او بالأحرى أنها ليست قوية عسكريًا وتكنولوجيًا ؟ ، والأجابة هي أن أمريكا قوية عسكريًا وتكنولوجيًا .. ولكن تراجعها كان حقيقيًا بعد تلقيها ضربات قاتلة في العراق اضطرت مرغمة على الرحيل نهاية عام 2011 .. وإن هذا التراجع امتزج بحالة ( تكتيكية ) على مستوى التخطيط الأستراتيجي بعيد المدى .. كيف :

1 - لقد شعرت ( إسرائيل ) بهذا التراجع، على الرغم من الأعلانات السياسية المساندة والدعم في إطار برنامج المساعدات الخارجية الأمريكية الذي خصص لها ( 3 ) مليارات دولار سنويًا، إضافة إلى الهبات العسكرية الأمريكية وصفقات التسلح الصاروخية وطائرات الشبح فائقة النوعية التي وافقت إدارة ( أوباما ) على تجهيزها مؤخرًا لهذا الكيان .. وعلى الرغم من المماحكات السياسية بين الأدارة الأمريكية وحكومة تل أبيب.!!

2 - وأدركت روسيا الأتحادية ( فراغ القوة ) الأمريكية في المنطقة وشعرت بتراجع قرار الفعل العسكري الأمريكي، عندها توجهت نحو الكيان الصهيوني لتعقد إتفاقًا عملياتيًا مع ( إسرائيل ) ، لتملأ من خلاله فراغ القوة الأمريكية ، على وفق شروط عدم الأخلال بواقع التفوق الأسرائيلي من جهة، وكبح جماح العناصر المليشياوية من التعرض للأمن الأسرائيلي من جهة ثانية، فضلاً عن القبول الروسي بتفكيك المحيط القريب للكيان الصهيوني وإعادة تشكيله جيو - سياسيًا ، بما يخدم سياسة ( دمج ) الكيان الصهيوني في واقع التشكيل الجديد، لتتم قيادته اقتصاديًا في ما بعد، وبمباركة أمريكية .. فلولا الضوء الأخضر الأسرائيلي لموسكو لما تمكنت شن الحرب في سوريا على تخوم فلسطين المحتلة بهذا المستوى غير المسبوق .

3 - التقارب السياسي - الأستراتيجي الروسي الأسرائيلي، ليس على حساب العلاقات الأمريكية الأسرائيلية، ولكن طبيعة الدور العسكري القيادي الروسي الفاعل في المنطقة، أخذ شكلاً آخر باتت فيه موسكو اللآعب الدولي القوي في ساحة إقليمية مركزية مضطربة، وخاصة في استخدامات القوة العسكرية الجوية المفرطة، تعاونها على الأرض المليشيات وقوات الحرس الأيراني والمجندون الطائفيون، في تنفيذ هدف التفكيك وإعادة التشكيل الديمغرافي لمجتمعات دول الحزام القريب للكيان الصهيوني كمرحلة تتبعها مرحلة أخرى تتناول مقتربات هذا المحيط ومنها العراق ودول الخليج العربي وفي مقدمتها الخاصرة الواهنة للجزيرة العربية وهي الكويت والبحرين المرشحتان للأجتياح الأيراني عند إنكماش طهران أو إنكسارها في سوريا وتردي الأوضاع وتصاعدها بالضد من النفوذ الأيراني في الجنوب العراقي صعودًا إلى الوسط فالشمال .. حيث يدرك الأيرانيون أن لا مستقبل لهم في العراق والمنطقة .!!

4 - أوربا إزاء هذه التحالفات الجديدة - وإن كان التحالف الروسي الأسرائيلي قد أتخذ شكل الـ ( Gentlemen Agreement ) ، بمباركة أمريكية - باتت مُحَيَدَة .. بالمعنى الذي تم فيه تحييدها بعد ترويضها تمامًا بضربات ( الأرهاب ) الجاهزة بأوامر نفذها نظام طهران لأبعاد تدخلها في ساحة العمليات العسكرية المشتركة الروسية - الأيرانية، والسماح لبعض دولها بالدخول إلى بعض مناطق نفوذها في الخليج العربي - جولة رئيسة وزراء بريطانية مايا ووزير خارجيتها في دول الخليج - .

5 - مؤشر الأستدارة الأمريكية صوب العمق الآسيوي، والذي برز بعد عام 2011 ، وإحجام إدارة ( أوباما ) عن أي فعل عسكري في المنطقة، يتمثل في إستفزاز الرئيس المنتخب ( ترامب ) للصين يوم 2/ ديسمبر - كانون الأول 2016 حين تحدث مع ( تسي إنغ وينغ ) رئيسة تايوان .. والأدارة الأمريكية تعلم بقرار الرئيس ( جيمي كارتر ) الذي يلزم أمريكا بشرط الصين (  ( الأعتراف بصين واحدة وموحدة وبناء علاقات مشتركة مقابل تجميد أمريكا لعلاقاتها مع تايوان )  ) .. يمثل التصرف الأمريكي إستفزازًا للصين يمهد للحديث عن توجه أمريكي جديد يعتبر الصين ليست ( واحدة وموحدة ) ، كما يشكل خرقًا واضحًا للأتفاق القائم بين الدولتين .. وهو الأمر الذي يضع الصين في خانة التصعيد الأستراتيجي ، وإحتمالات الرد بالوسائل التي تراها قيادة بكين ممكنة.

6 - يقابل هذا التصعيد تجاه الصين ، تقارب مع موسكو وإعتبارها شريك في الشرق الأوسط وخاصة المنطقة العربية .. والمحاولة الأمريكية هذه تعد ( تحييدا ) لموسكو حيال الصين وتقليص تأثير شراكتها السياسية - الأستراتيجية وبالتالي الأنفراد بالصين كمعادل صراع إستراتيجي كوني جديد، فيما دخل الصراع مع ( الأسلام - السياسي ) دائرة التطاحن الداخلي المزمن .!!

طبعًا .. هذه الصورة الأستراتيجية، التي ترسمها الحركة الأمريكية الراهنة في ضوء ما يسمى بإستدارة ( أوباما ) نحو الصين حيث العمق الآسيوي - مقالنا تحت عنوان أطروحة ( زبغينيو بريجنسكي ) ستراتيجية العمق الآسيوي .. هل السياسة الأستراتيجية الأمريكية محشورة في مأزق أم ماذا ؟! ، نشرته البصرة وذي قار المناضلتان بتاريخ 18 / أيلول / 2016 - ، هي صورة واسعة وشاملة لنهج التعامل الأمريكي ( التعاون والتنافس ) مع روسيا في آن واحد .. و ( تحجيم ) الصين إقتصاديا بطوق دول محيطها القريب والبعيد على أساس الـ ( Geo – Economy ) ، ومنع إتساع إقتصادها الذي يرفد عناصر قوة الصين بقدرات ذات دلالات قطبية مؤكدة .!! .. فيما يشكل التعاون والتنافس الأمريكي الروسي مدخلاً لأضعاف الأقتصاد الروسي في مجال الأستنزاف في مناطق الصراع.. كما تهدم الأتحاد السوفياتي بفعل سباق التسلح الذي جرى على حساب الأقتصاد.!!

7 - أمريكا الراهنة تعمل على وفق واقع ( Geo - Politic ) وواقع ( Geo – Economy ) ، بفريق عسكري وسياسي جديد يتشكل، مهماته تصميم سياسة خارجية أمريكية تلامس الوسائل وليس الأهداف على وفق سيناريو تحجيم الصين وتحديد منحى وقف ( بناء عناصر قوتها الأقتصادية ) ، وخاصة خطوط تجارتها الخارجية من أجل التأثير على ناتجها القومي الأجمالي ( G.N.P ) .. فضلاً عن صياغة سيناريو يجمع بين كبح جماح أي شكل من أشكال الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، وإبراز شكل الصراع والتنافس التجاري مع الصين في قالب التحجيم .. والتحجيم من هذا النوع يبنى على أساس التحالفات الأقليمية والدولية.!!

8 - روسيا تبني قوتها العسكرية .. ولكن إقتصادها ضعيف .. والحرب الباردة مع موسكو غير مفيدة ، فيما الحرب الأقتصادية الباردة مع الصين تأخذ شكل ضغوط ومحددات الـ ( Geo - Economy ) .!!

9 - ظروف الصراع في ظل القطبية الثنائية السابقة تختلف عن ظروف الصراع في ظل الأحادية القطبية غير القادرة على إحكام قبضتها على مفاتيح السياسة الدولية .. وليس هنالك ما يمكن مقارنته بحرب الفيتنام وجوارها تخوم مجالاتها الحيوية ( الأتحاد السوفياتي والصين ) ، مع الحرب في الساحة السورية . وإذا كانت مسألة ( الأستدراج ) لأغراض الأستنزاف تعكس إفتراض التطابق مع ما حصل في فيتنام وما يحصل في سوريا، فعدم التطابق في مرمى الأهداف لكل من الأمريكي والروسي لا يسمح بوضع حالة ( الحسم ) للصراع .. فهل أن أمريكا لا تريد حسم الموقف في سوريا، لأنها تريد إستنزاف موسكو دون أن تخلق واقعًا للتوازن، أم أن أمريكا تريد ( تحييد ) موسكو لأهداف الأنفراد بالصين حيث العمق الآسيوي ؟ فيما تسعى أمريكا إلى تنفيذ ( مشروع الشرق الأوسط الجديد ) ، تفكك فيه دول ومجتمعات وتعيد تشكيل هذه الدول على وفق واقع ديمغرافي محكوم بسياسة الأمر الواقع .. وموسكو تنفذ ما ترمي إليه أمريكا في المنطقة، الأمر يختلف عند إفتراض المقارنة، كما الظروف والقوى والتحالفات هي الأخرى تختلف تمامًا .

يتبع ...





الجمعة ١٦ ربيع الاول ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / كانون الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة